عاد شهر رمضان ليعيد لربات البيوت إحياء ما تجيده أياديهن من التفنن بصناعة الخبز، ليفتحن مجالا للتنافس مع المخابز التي عكفت هي الأخرى لإغراء الصائمين بتزيين ديكور محلاتهم بالحلويات الشامية وأنواع الخبز المعروفة، إلا أن الخبز التقليدي "المحض" يدفع عشاقه للتجول بقلب الأحياء الشعبية والطرقات بالولايات الساحلية للحصول عليه، خاصة الأنواع التقليدية التي يجهل تحضيرها، في ظل الوصفات العصرية بمنتديات الطبخ. استطاع الخبز التقليدي المحضر في فرن الطين، أو كوشة العرب كما يطلق عليها بالعامية، أن يحفظ مكانته لسنوات رغم ظهور الكثير من أنواع الخبز العصري الذي لم يعد يستهوي العائلات، حيث يعرف خبز الطين التقليدي انتشارا كبيرا في المناطق السياحية، وبالضبط في تيبازة، كدوادوة البحرية، منطقة الحطاطبة وشرشال، كونه يعتمد في تحضيره على ورق القصب الذي يزيده نكهة وذوقا متميزا عن طريق استخدام خميرة العرب التقليدية الخالية من أي مواد كيميائية أومحسنات، في ظل ابتكار عدة وصفات عبر منتديات ومواقع للطبخ، في الوقت الذي تنافس ربات البيوت أشهر المخابز في تحضير الخبز. ولتسليط الضور أكثر حول هذا الموضوع زرنا بعض نقاط بيع هذا الخبز للوقوف حول كيفية تحضيره. خبز الكوشة.. تراث مادي بامتياز الزائر للناحية الغربية من العاصمة، وبالضبط المناطق الساحلية والريفية، يلفت انتباهه الكم الهائل من خبز الكوشة، كما يسميه أصحاب المنطقة، معروضا على واجهات الطرقات وفي المحلات، حيث لايخلو أي بيت ريفي من كوشة العرب، كونها رمزا من رموز المنطقة وتراثا ماديا لا يمكن الاستغناء عنه في أي ظرف. وفي هذا الإطار قصدنا منزل خالتي نعيمة، بعين ت?ورايت، المعروفة منذ سنوات بصناعة خبز الكوشة المطلوع، ووقفنا على مدى انتعاش منزلها بهذه الصنعة أوالحرفة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتها. دخلنا منزلها البسيط بغرض شراء الخبز الذي تحجز له طوابير يومية، حينها شاهدنا فتيات من مختلف الأعمار أوكلت لكل واحدة منهن وظيفة معينة، فمنهن من يخبز ومنهن من يحضر قرصات من العجين وأخريات يطهون وغيرها من الأمور. وحسب خالتي نعيمة، يتم تحضير أزيد من 300 خبز يوميا، بغض النظر عن باقي أنواع الخبز الأخرى كالمطلوع وخبز الدار. وعن طريقة التحضير، تقول خالتي نعيمة إنه يتم تحضير العجين منذ الساعات الأولى للفجر، ثم يترك ليخمر. بعدها تأتي مرحلة التقريص، وهي عملية من اختصاص الفتيات العاملات عن طريق تشكيل العجين إلى أقراص ووضعها في قطعة قماش كبيرة ورشها بالقمح الخشن، لتأتي مرحلة الطهي وهي من أصعب المهمات على الإطلاق كونها تتطلب صبرا وخفة في الحركة، لأنها تعتمد على عدة مراحل، أولها أشعال الفرن بالخشب والحطب إلى غاية أن يصبح جمرا، بعدها تفشر أورق القصب الخضراء التي تكون مبللة على صفائح من الزنك، والتي يوضع فوقها العجين وتغليفه مرة أخرة بها مع غلق منافذ الدخان المنبعثة من الوجهة الأمامي والجوانب بقطعة من القماش المصنوع من مادة الديس لضمان الطهي الجيد والرائحة الزكية. ثم تأتي المرحلة الثانية وهي إخراج الخبز المطهو من الكوشة ووضعه أيضا في قطعة قماش مع الحرص على عدم تغطيته لكي لا يتعجن. وعن سعر هذا الخبز تضيف ذات المتحدثة أنه لا يتعدى 30 دج، غير أن سعر الطلبيات يكون أقل بحكم الكمية المحجوزة. من جهتنا زرنا ورشة تقليدية ببلدية بواسماعيل، التابعة لولاية تيبازة، المعروفة بصناعة المخبوزات بشتى أنواعها، أين لمسنا هي الأخرى إقبالا كبيرا من طرف الزبائن على اقتناء الخبز التقليدي. وفور دخولنا الورشة تفاجأنا برؤية كوشة الطين أو"كوشة العرب" مبنية في ساحة الورشة، رغم توفر وسائل جد عصرية. غير أن صاحبة الورشة فضلت طهي الخبز في كوشة العرب كونها تعطي مذاقا خاصا ومميزا كالتي تعطيه باقي الأفران الأخرى.
.. وربات بيوت ينافسن أشهر المخابر اكتسحت بعض ربات البيوت المختصات في تحضير الخبز التقليدي أو خبز الكوشة التجارة من بابها الواسع، حيث استطاعت بعضهن منافسة أشهر المخابز بفضل أناملهن وحرفتهن التي توارثنها عن أمهاتهن وجداتهن، بدليل الكم الهائل من الزبائن وأصحاب المحلات المتوافدين إليهن من كل حدب وصوب، الأمر الذي زاد من شعبيتهن، خاصة أنهن يحضّرن العديد من أنواع الخبز التقليدي بواسطة أعشاب طبية ونكهات كالحبة السوداء أو السانوج والسمسم وغيرها، بعيدا عن المواد الكيميائية التي تتسبب في أمراض خطيرة.