يعرف الدخول الأدبي في الجزائر هذه السنة ظهورا محتشما خاصة في مجال الرواية، حيث يقتصر تواجد الرواية على بعض الاسماء القليلة خصوصا الروايات المكتوبة باللغة العربية والذي يعد قليلا مقارنة بالسنوات الماضية. وتتصدر بعض الأسماء الروائية المشهد الروائي في الجزائر هذه السنة، من بينهم الروائي سمير قسيمي الذي أصدر روايته "كتاء الماشاء" عن دار المدى العراقية والديوان الوطني للفنون المطبعية في الجزائر، ويستعيد سمير قسيمي روايته "هلابيل" الصادرة قبل خمس سنوات، ليصدر ما قد يعتبر الجزء الثاني منها، وهي الرواية التي لقيت ترحيبا من قبل النقد العربي والجزائري على حد سواء، نظرا لجدتها وللمستوى اللغوي والتخيلي التي اعتمدته الرواية. في كتاب الماشاء، يحبك قسيمي قصة بأسلوب بوليسي، سمح للمعجبين بهلابيل بفهم ما تعسر فهمه في الجزء الأولى. يرحل بنا الكاتب إلى فرنسا، أين تقرر مديرية أرشيف ما وراء البحار عام 2004 جمع ورقمة الأرشيف الفرنسي، ومنه أرشيف مستعمراتها، فيكلف موظف باسم جوليان هاد بمهمة رقمنة المجلة الإفريقية، وهي المجلة التي عنيت بنشر بحوث المستشرقين الفرنسيين وبعض الباحثين المغاربة حول ما يتعلق بمستعمراتها الفرنسية في شمال إفريقيا، لاسيما الجزائر. وهي المهمة التي نتج عنها أحد عشر مجلدا، نشر عشرة مجلدات منها، أما المجلد غير المنشور فهو مجلد فهارس، وصل بطريقة ما إلى باحثة فرنسية تدعى ميشال دوبري مهتمة بالمستشرقين الفرنسيين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. تعثر ميشال في مجلد الفهارس على موضوع مثير للانتباه موسوم ب"الرحلة العجيبة لسيباستيان دي لاكروا، من لوروكان إلى ظلال المرابو". هنا تبدأ القصة الفعلية، حيث تكتشف هذه الباحثة أن هذا الموضوع بالذات تم حذفه لأسباب لم تجدها منطقية من النشر. هكذا تبدأ ميشال دوبري في البحث عن هذا المستشرق المدعو "سيباستيان" ومن خلال بحثها تتعثر بنوى شيرازي التي بحسب رواية هلابيل انتقلت للإقامة في فرنسا، وبفضل هذا الحدث الذي أحسن الكاتب تبريره، يدرج قسيمي وبطريقة ماكرة كل أحداث روايته السابقة هلابيل في عمله الجديد، رغبة في أن يستقل إصداره الجديد عن سابقه، وهي الرغبة التي يبدو أنها تحققت، لاسيما وأن قارئ العمل لا يشعر بحاجته لقراءة الجزء الأول. تدور الرواية حول قصة بحث غير منتهية عن سيباستيان دي لاكروا الذي قدر له أن يكون حافظا لقصة غير رسمية للبشرية، ليس تلك التي تتداولها الكتب المقدسة أو ما سماها أحد شخوص الرواية "جيل مانسيرون" القصة الرسمية، بل قصة مختلفة تماما من شأنها لو ظهرت أن تعيد قراءة التاريخ بالمجمل. ومن خلال هذه القصة يعرج الكاتب على فترات متباعدة من تاريخ الجزائر، مستغلا فراغاته ليبرر روايته. تقول نوى مخاطبة ميشال دوبري "لقد كان إيمانويل عالم لاهوت، لا لأنه صاحب موهبة، بل لأن جده سيباستيان حضّره ليكون كذلك. وسأشرح لك الأمر لو شئت، ولكن قبل ذلك عليّ أن أنبهك إلى أن المسألة تتعدى مجرد قصة مألوفة لمستشرق ضاع بين طيات التاريخ كما اعتقدت، أو مقال سقط سهوا من كتاب. فقد تنتهي هذه المسألة بهلاكك أو على الأقل بدخولك دائرة من الريبة في كل أمر اعتقدته يقينا".ص 53 تلعب رواية كتاب الماشاء على فكرة أن الحقيقة غير مطلقة وأن المسلم به مجرد وهم، كما أنها تدعو إلى عدم اعتماد اليقين في مسائل الحياة بما في ذلك الدين. إنها رواية فلسفية تلعب على حبلي التاريخ والدين، لتبرير الحديث عن الهامش الذي ومن خلال كل أعمال الروائي سمير قسيمي يعد التيمة الرئيسية فيها. وعن منشورات "ضفاف" اللبنانية و"الاختلاف" الجزائرية صدرت رواية "أربعون عاماً في انتظار إيزابيل إيبرهاردت" لسعيد خطيبي، التي تعيد بعث واحدة من الشّخصيات التاريخية الأكثر جدلاً، في الجزائر، وفي المغرب العربي إجمالاً: الكاتبة والرّحالة إيزابيل إيبرهارت، وفي هذه الرّواية، يصادف القارئ شخصية الفنّان الفرنسي جوزيف رينشار، الذي قضى أربعين عاما في جنوبالجزائر. شارك في الحرب العالمية الثّانية، نال أرقى الأوسمة الحربية، ليجد نفسه لاحقًا مُجندًا في ثورة التّحرير، ويروي في الأخير حياة ممزّقة، دامت ما بين 1951 و1991. يكتشف خطيبي أعمال الكاتبة الرّحالة إيزابيل إيبرهاردت، ويتنقل في صحراء الجزائر، من الحدود مع تونس إلى الحدود مع المغرب، بحثاً عما خفي من سيرتها، ويُعيد كتابة مقاطع غير معروفة من بيوغرافيا الكاتبة المثيرة للجدل، التي عاشت في تيه مستمر في بلاد الرّمال. يعيش جوزيف رينشار، بالقرب من رفيقه الجندي الأسبق سليمان، ويُساعده هذا الأخير في تدوين تحوّلات الحياة في جزائر تنام وتصحو على التّناقضات، هكذا تأتي الرّواية ضمن فسيفساء سردية، تتقاطع فيها شخصيات وأحداث غير متوقّعة. ويعود الروائي اسماعيل يبرير برواية "مولى الحيرة" التي صدرت مؤخرا عن دار مسكيلياني ضمن سلسلة "سرديات عربية". رواية "مولى الحيرة" هي عبارة عن "متتالية سردية" تناولت أكثر من جانب في تاريخ حيّ "القرابة" ومدينة "الجلفة" الجزائرية. وقفت عند الإفلاس السياسي والمدني لليسار، وحاكمَت تاريخ الدّولة الوطنية في الجزائر الذي يقدّس الثّورة، وحاولت الكشف عمّا تحمله حكايات الحبّ في حيّ "القرابة" من تداخل وتعقيد. كلّ ذلك عبر مسار بطل الرواية المحوريّ "بشير الدّيلي" ومرافقيه الذين شهدوا مختلف التغيرات "السوسيوثقافية" والسياسية للجزائر. ففي "مولى الحيرة" نحن أمام شاعر لم يعثر على قصيدته، وفشل في الحفاظ على حبيبته ولم يسمح له تطرّف الإسلاميين بالبقاء في حيّه، لهذا يحمل إلحاده وشيوعيّته المزعومة ويغادر حيّ "القرابة" حيث يترك حلمه، ويقيم في حيّ ليبراليّ يحمل مُفارقةً اسمَ "شي غيفارا". ويبدو أبطال الرواية مختلفين في كلّ شيء، ولا يجمعهم إلا بشير الدّيلي أو حيّ القرابة، فهو شاعر تحوّل إلى أمير جماعة مسلحة، أخرس يصارع من أجل أن تكون حياته هادئة فتطالها عاصفة تعيد ترتيبها. وستصدر عن قريب رواية جديدة لعائشة بنور بعنوان "نساء من الجحيم"، وهي رواية تخاطب العقل والوجدان الإنساني، وتحمل حكاية الحب والنضال للمرأة وللقضية، وترسم صورة الشخصية الفدائية، المناضلة، وتتحدث عن المقاومة للاضطهاد بكل أنواعه من خلال الشخصية المحورية في النص وهي "غسان كنفاني ". ومن خلال الرواية، حاولت "بنور" قدر المستطاع أن تزاوج بين نضال المرأة الفلسطينية، والمرأة الجزائرية أثناء كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي على لسان المناضلات "جميلة بوحيرد"، و"مريم بوعتورة"، "فضيلة سعدان"، كما تقول. وتؤكد بنور أنها تسعى إلى الارتقاء بالنص الأدبي، والمساهمة في إيصال صوت الإبداع النسوي الجزائري خارج حدود بلادها، متمنية أن تكون قد ساهمت بروايتها الجديدة "مذكرات نساء في الجحيم" في لم شتات الذاكرة الفلسطينية، ومد جسور التواصل والمحبة حتى يتسنى للقارئ العربي التعرف أكثر على مبدعي الأمة، وعلى إنتاجهم الأدبي الذي يصب في رافد الإنسانية والسلام. وسيصدر الروائي فيصل الأحمر عن قريب روايته الجديدة "يوم تأتي السماء"، فيما صدرت رواية جديدة لسفيان مخناش بعنوان "مخاض سلحفاة... قصة بوذا الذي لم يُعبد"، الصادرة عن دار ميم للنشر، والتي ستكون حاضرة بالمعرض الدولي للكتاب، وهي تتمة لعمل آخر موسوم ب"لا يترك في متناول الأطفال". وتدور أحداث الرواية حول شاب كان قد أحب فتاة في فترة وجيزة من حياته، ولسبب ما افترقا، لم يكن هناك سبب مقنع ليتخلى عنها، حتى أن زواجه لم يمنعه من مواصلة حبه لها، كذلك اكتشافه أنها على غير ملّته كان بعد الفراق.