ولعل من الواجب هنا أن نذكر بأن مسألة جواز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من عدمه قد حسمت منذ أن سئل - صلى الله عليه وسلم - عن صومه ليوم الاثنين فأجاب ( ذلك يوم ولدت فيه )•• فهو صلوات ربي وسلامه عليه كان أول من احتفل بيوم ميلاده الشريف بإظهار السرور والاجتماع للتعرف على شمائله ومعجزاته التي تعتبر أكبر دليل على صدق محبته واتباعه•• ومن هذا المنطلق فقد دأبت بلادنا على إحياء هذه السُنّة الحميدة بإبراز مظاهر السرور والابتهاج معلنة فرحتها بهذه الذكرى العطرة، فما أن يهل هلال شهر ربيع الأول حتى تتعاظم الأفراح وتتنوع مظاهر الاحتفالات، وترتدي بلادنا أبهى حلة لها• وتبلغ ذروتها مع غروب شمس المولد النبوي الشريف، وتتباين طرق التعبير عما تفيض به المشاعر، لنشاهد الرجال وهم يشدون الرحال صوب المساجد من أجل إحياء ذكريات مشهودة ومواقف محمودة، وليشنفوا آذانهم بسماع السيرة العطرة واستذكار النسب الشريف والتعرف على الصفات والأخلاق الحميدة •• ولعل ما يشهده المسجد الكبير بالعاصمة ليلة المولد لهو خير دليل على أن في عمر الإنسان ساعات لا تحتسب• أما النساء فإنهن وبعد أن يأخذن زينتهن يسارعن إلى إبراز مظاهر الزينة داخل بيوتهن وعلى شرفات منازلهن حتى لا يكاد يبقى جانب من جنبات البيت إلا وقد طالته يد العناية والاهتمام هذا، فيما يسارع الكثير من أسرنا في جعل هذه الليلة مناسبة لزيارة الأقارب وصلة الأرحام لتختلط المشاعر و تمتزح الأحاسيس فرحا وابتهاجا بهذه المناسبة العطرة• أما الأطفال فإن سعادتهم بهذه الليلة لا تكاد توصف فالأزقة والشوارع قد امتلأت بهم وهم يعبرون عن فرحتهم وبطريقتهم الخاصة من خلال ألعاب وأهازيج تدلك على مدى الفرحة الغامرة والسرور العارم الذي يعيشونه ليلة المولد ولسان حالهم يقول: ليت العمر كله هذه الليلة• وهكذا تنقضي ليلة المولد النبوي الشريف وقد أخذت فيها بلادنا أبهى زينة لها وارتدت أزهى حللها ولا تكاد تخلعها إلا مع انقضاء شهر ربيع الأول وكأن الشهر كله ليلة ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم ولتودع هذا الشهر الكريم على أمل أن يعود مجددا لتعانق ذكراه وتعيش أيامه ولياليه التي تفوح مسكا وعطرا• الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به حتى الكافر فقد جاء في صحيح البخاري انه يخفف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لجاريته التي بشرته بولادة الحبيب صلى الله عليه وسلم• إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو الاحتفال بالإسلام عينه، ذلك لأن النبي هو رمز الإسلام•