ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس الإثنين، كلمة بمناسبة افتتاح الأسبوع التاسع للقرآن الكريم هذا نصها: "بسم اللّه الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل يسعدني أن أحضر معكم افتتاح أعمال هذا الملتقى القرآني المبارك الذي ينعقد ونحن ما نزال نتنسم بركات شهر ربيع الأول الذي ولدت فيه البشرية من جديد بميلاد المصطفى المبعوث رحمة للعالمين صلى اللّه وملائكته عليه وسلموا تسليما· ليس هناك من شك في أن السيرة الإنسانية للرسول صلى اللّه عليه وسلم بحر لا ساحل له فهو صلوات اللّه وسلامه عليه القدوة الحسنة للإنسان في كل زمان ومكان أهله ربه سبحانه ليكون النموذج الأرقى والمثال الأكمل ويظل على مر الدهور والعصور المرجعية المشرقة لجميع بني البشر على اختلاف أجناسهم وبيئاتهم ولغاتهم يقتبسون من سيرته الإنسانية ما يناسب حياتهم فيزدادون توقيرا له وتعظيما كما يزدادون اهتداء واستقامة وتمسكا بسنته صلى اللّه عليه وسلم: "لقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة"· فما أحوج البشرية اليوم كل البشرية إلى الإقتداء بالسيرة الإنسانية لمحمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ليسود العالم الأمن والأمان والسلام والوئام وتتجذر فيه مبادئ العدل والحرية والحوار والتعاون في إطار الوحدة الإنسانية الجامعة! فما من شك في أن هذه الحاجة تزداد إلحاحا إذا أمعنا النظر في الوضع الحضاري العام الذي يشهده العالم اليوم، هذا الوضع الذي يجعل الإنسان المتبصر الواعي ينظر إلى مستقبل البشرية بعين التوجس خوفا مما يكتنف هذا المستقبل من غموض بالنظر إلى التناقضات التي أفرزها الظرف الحضاري الأخير بصفة خاصة تناقضات من شأنها أن تحول لا قدر اللّه نعمة التقدم التكنولوجي المذهل إلى نقمة على الإنسان إذا لم يواكب العلوم التكنولوجية والكشوف العلمية الفكر الراشد والضمير الحر والوازع الديني الصادق، لأن هذه الوثبة العلمية الجبارة والقوة العظيمة التي حققها الإنسان عندما تعرض عن وحي السماء وتتمرد على وازع العقل قد يدفعها الغرور الى التجبر والطغيان والفساد في الأرض! فلا مناص إذن من أن يجدد إنسان هذا العصر صلته بوحي السماء وأن يتبع هدي النعمة المسداة والرحمة المهداة صلى اللّه عليه وسلم· أيها السادة الأفاضل أيتها السيدات الفضليات إنها لمناسبة كريمة نغتنمها لنبرز فيها للجيل الناشئ حقيقة تاريخية كبيرة نعتز بها أيما اعتزاز، وهي أن المجتمع الجزائري معروف بحبه للرسول صلى اللّه عليه وسلم، هذا الحب الذي غمر قلوب أبنائه وبناته منذ الخطوات الأولى للرسالة المحمدية عندما أنارت ربوع الجزائر بنور هدايتها· ولقد أثمر هذا الحب تراثا زكيا يتمثل الجانب الأعظم منه في المدائح التي نظمها الشعراء الجزائريون في مختلف الأجيال والعصور في التغني بشمائله صلى الله عليه وسلم، وفي مناجاته والتوسل به عند ربه، فكانوا بذلك كله خير من صور هذا الحب الذي تغلغل في النفوس وتجلت ثماره في السلوك الفردي والجماعي وانعكست آثاره في المعجم اللفظي المتداول في المواسم والأعياد وفي تقاليد الأسرة الجزائرية وعاداتها عموما!· إن هؤلاء المبدعين الذين عبّروا بصدق عن هذا الحب المتأجج للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم، كانوا يمثلون ضمير المجتمع وعنوان ذاكرته وما تحويه من مخزون شريف يعكس سلامة فطرته وصفاء وجدانه وقدوة هؤلاء الشعراء جميعا في ذلك كله هم علماء الجزائر الربانيون الملهمون، أولئك العارفون بالله المحبون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذين كانوا يصوغون ما يرد عليهم من النفحات الإلهية والإشراقات والإشارات في قوالب شعرية يتناقلها الناس جيلا بعد جيل فتتناهى من خلال القرون تثير كوامن من الوجدان وتحرك سواكن الأشجان!· ولا عجب في ذلك كله فالمؤمن الحق يعلم علم اليقين أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ينبغي أن يكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين، كما ينبغي أن يكون هواه تبعا لما جاء به صلى اللّه عليه وسلم والذي هو ثمرة الإتباع الكامل للّه سبحانه: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور رحيم - آل عمران 31 " · ومعلوم أن الذي يزيد هذا الحب وينميه إنما هو التعرف على كمال ذاته صلى اللّه عليه وسلم، وتميزه بصفاته وتفرده بأخلاقه وشمائله· أيها السادة الأفاضل أيتها السيدات الفضليات إنه لا يشك عقل منصف فضلا عن المؤمن المسلم في أن السيرة العطرة للرسول صلى اللّه عليه وسلم بخصائصها النبوية وخصائصها الإنسانية ستظل محل اهتمام الناس من الباحثين والدارسين والكتاب والمفكرين والمبدعين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها· ولا نقصد هنا ما تميز به صلى اللّه عليه وسلم عن أمته وعن سائر الأنبياء والمرسلين، وإنما نقصد الخصائص التي تظهر مزيته ومكانته عند ربه بحيث لا يصح بعد ذكرها وبيانها أن يتبع أو يقتفى أثر غيره صلى اللّه عليه وسلم، ومن يستعرض القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يقف على نصوص كثيرة تصرح بمكانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعظم قدره عند ربه، بما حباه وخصه به وأكرمه من فضائل الكمال وصفات الجمال مما لم يهبه لغيره من الأنبياء والرسل وبما امتدحه به سبحانه وما أثنى به عليه وما أظهره على يديه من المعجزات وبما أطلعه عليه من المغيبات! إن الإنسان قد يستطيع وصف المحسوس وقد يقترب قليلا أو كثيرا من وصف غير المحسوس، لكن هناك إجماع لدى المسلمين على أن الناس كلهم بدءا بالصحابة الكرام رضي اللّه عنهم أجمعين، عاجزون عن الوصف الكامل الشامل للنبي صلى اللّه عليه وسلم وما حباه اللّه سبحانه من كمال الصفات وجمال الميزات· ولقد وفق الإمام البوصيري في التعبير عن ذلك أيما توفيق عندما قال في همزيته المشهورة: كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء إنما مثلوا صفاتك للناس كما مثل النجوم الماء! إن هذه الخصائص الإنسانية للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ستظل ما تعاقب الليل والنهار نبراسا وضاء للباحثين والدارسين والعلماء والمفكرين والكتاب والمبدعين من المسلمين وغير المسلمين، يجلونها للناس بإعجاب وتقدير ليزدادوا حبا له وقربا منه ورغبة في التشبه به وتمسكا بسنته صلى الله عليه وسلم! فتاريخ البشرية الطويل لم يعرف شخصا عنى الناس بتفاصيل حياته نقلا وتدوينا مثلما عنى المسلمون والمنصفون من غير المسلمين بحياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبسيرته الطاهرة، حتى أصبحت حياة هذا النبي الكريم كتابا مفتوحا للإنسانية جمعاء تهتدي بهديه وتستنير بنوره وتقتدي بسيرته· أيها السادة الأفاضل أيتها السيدات الفضليات لقد قيل بحق عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، أنه آمن بمحمد الإنسان ولما عرف محمدا النبي المرسل لم يزده ذلك إلاّ إيمانا وتسليما! وهو قول ينطوي على حقيقة جليلة بخصوص الصفات النبوية والصفات الإنسانية للرسول الكريم صلى اللّه عليه وسلم، فأبو بكر أعجب بمحمد الإنسان قبل أن يعرف فيه النبي المرسل، فقد صاحبه وعرف فيه الرجل الصادق الأمين وأيقن أن من يصدق الناس القول لا يكذب على اللّه، لقد رأى فيه جميع صفات الكمال والجمال التي لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده، مما أكده الوحي بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إذ قال في حقه المولى عز وجل: "وإنك لعلى خلق عظيم"، لذلك كله كان موقف أبى بكر من كل ما يتعلق بالرسول الكريم لا يتغير أبدا، التصديق والنصرة دائما وأبدا مهما يكن الأمر، شعاره في ذلك جملته المشهورة المأثورة عنه رضي اللّه عنه: "إن كان قال فقد صدق!"· فالمسألة إذن تتعلق بصفاته الإنسانية التي عرف بها قبل بعثته صلى اللّه عليه وسلم، هذه الصفات التي تشكل محور الأبحاث التي ستقدم في هذا الملتقى المبارك إن شاك اللّه! فمحمد بن عبد اللّه عرفه الناس طفلا وشابا ثم زوجا وأبا ثم صهرا وجدا وعرفوه جارا وصاحبا ونبيا مرسلا وإماما وقاضيا وقائدا، فرأوا فيه في كل حال الإنسان الكامل والنموذج الأمثل· فهو صلى اللّه عليه وسلم كزوج كان أحرص خلق اللّه على إكرام نسائه أمهات المؤمنين رضي اللّه عنهن أجمعين! ومع حبه لأصغر زوجاته عائشة كان مثالا للوفاء لأولى زوجاته خديجة رضي اللّه عنها، وكان يعبر عن هذا الوفاء بقوله وسلوكه، فقد قال عنها صلى اللّه عليه وسلم:" والله ما أبدلني اللّه خيرا منها· آمنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني منها الولد دون غيرها من النساء!"· هكذا كان وفاء سيد الخلق صلى اللّه عليه وسلم! ومن يعرف معدن الرجل وجوهره وحقيقة شخصيته أكثر من زوجته! فهو صلى اللّه عليه وسلم عندما دخل على زوجته خديجة يرتجف بعد أن نزل عليه الوحي في غار حراء قالت له مطمئنة في ثقة ويقين: "اللّه يرعانا يا أبا القاسم أبشر يا بن العم وأثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة واللّه لا يخزيك اللّه أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق!"· وحديث خديجة هذا رضي اللّه عنها، يذكر بما قاله هرقل لأبي سفيان قبل إسلامه هل كنتم تتهمون محمدا قبل أن يقول ما قال، فقالوا: "لا، ما جربنا عليه كذبا"، فقال هرقل:" إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله وما عودنا التاريخ أن انتصر الكاذب انتصارات باهرة كتب لها البقاء!"· وكان صلى اللّه عليه وسلم أرأف وأرحم والد بأولاده وأكرم وألطف بالجار يعطي أروع الأمثلة في الصفح الجميل والحلم والعفو وكرم النفس ومقابلة السيئة بالحسنة، وكلنا يعرف قصته صلى اللّه عليه وسلم مع جاره اليهودي الذي كان يمعن في إذايته والإساءة إليه، ولما مرض سأل عنه صلى اللّه عليه وسلم وذهب إليه في بيته يعوده ويواسيه ويتلطف معه فخجل ذلك اليهودي من نفسه أمام ذلك الخلق العظيم وأسلم! · وتمر به صلى اللّه عليه وسلم جنازة فيقف لها وعندما يخبره أحد الصحابة أنها جنازة يهودي يقول له: "أليست نفسا!"· لقد كانت هذه الخصائص الإنسانية في شخص النبي الكريم صلى اللّه عليه وسلم تنتزع الإعجاب والإكبار من أعدائه وخصومه فكيف بأصحابه وأتباعه من المؤمنين به! لقد كان يعلم صحابته الكرام رضي الله عنهم كيف يميزون بين الفعل وصاحبه، بين المعصية ومرتكبها كيف أن المؤمن الحق يبغض الفعل القبيح المنكر لكنه لا يبغض الإنسان نفسه صاحب هذا الفعل بل يشفق عليه ويدعو له بالهداية! جيء إليه برجل شرب الخمرة وأقاموا عليه الحد ولما انصرف قال أحد الصحابة: "لعنة اللّه عليه ما أكثر ما يؤتى به!"، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تعينوا عليه الشيطان فو الله ما علمت إلاّ أنه يحب اللّه ورسوله!"· أيها السادة الأفاضل أيتها السيدات الفضليات إن هذا الجانب الإنساني المشرق في شخص النبي الكريم صلى اللّه عليه وسلم، سيظل منهلا عذبا يغترف منه الفكر البشري في رقيه وتطوره وهو ينظر للمثل الإنسانية العليا والفضائل الأخلاقية السامية وحقوق الإنسان ومبادئ الحرية والعدل والمساواة! فمحمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وسلم، هو أول من وضع وطبق القاعدة الأساسية الكبرى التي بها يفصل الإنسان بين حق الله سبحانه وحق المجتمع وحق النفس فهو صلى اللّه عليه وسلم، عندما يتعلق الأمر بذاته الشريفة مما ليست له أدنى علاقة بحق من حقوق الله أو حقوق الأمة، فإنه يكون أعظم الناس حلما وتسامحا ولينا لم ينتقم يوما لنفسه بالرغم مما لاقى من ضروب الأذى وصنوف الإساءة ولعل أروع مثال لذلك موقفه من أهل الطائف الذين أغروا به سفهاءهم فآذوه فما زاد أن دعا لهم بالهداية والغفران، وموقفه من مشركي مكة بعد الفتح أشهر من أن يحتاج إلى ذكر أو شرح أو تفصيل! والتواضع صفة ملازمة للحلم، إذ الحليم لا يكون إلا متواضعا وكذلك كان صلى الله عليه وسلم، فقد كان يخسف نعله ويرقع ثوبه ويساعد زوجاته رضي الله عنهن جميعا، وإذا كان مع أصحابه لم يتميز عنهم بشيء فهو كذلك مع مشركي مكة كما جاء في القرآن الكريم ينسب لنفسه ما ينسب إليهم وهو سيد الخلق وحبيب الله المصطفى صلى اللّه عليه وسلم، كل ذلك تواضعا منه وتساميا بأدب الحوار: "وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون!" · هذا عندما يتعلق الأمر بشخصه الشريف، لكن عندما يتعلق الأمر بحق من حقوق اللّه سبحانه أو حق من حقوق الأمة فإنه لم يكن يجامل في ذلك أحدا ولو كان أعز الناس عليه، قال صلوات اللّه وسلامه عليه: "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"· أيها السادة الأفاضل أيتها السيدات الفضليات إن هذا الملتقى المبارك مناسبة كذلك لنذكر بأنه إذا كان التعصب والحقد والجهل يعمي بصائر بعض مرضى العقول والنفوس الذين لا يكاد يخلو منهم مجتمع بشري في الغرب والشرق على حد سواء، وإذا كان التاريخ يعيد نفسه فإننا نجد اليوم من يحاول مثلما حاول الأولون النيل من هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنى لهم ذلك ويحاولون الطعن في سيرته الطاهرة الشريفة فإن الباحثين النزهاء والمفكرين الأحرار والمنصفين في كل عصر وجيل ممن سلمت فطرتهم ولم تتلوث نفوسهم وعقولهم، وممن يذعنون للحق إذا حصحص، قلت إن هؤلاء الأمناء الأقوياء في مواقفهم من الحق ونصرته له قد عبّروا وما يزالون كل بأسلوبه ولغته عن إعجابهم المنقطع النظير بالنبي محمد صلى اللّه عليه وسلم، بعدما وقفوا على بعض أخلاقه وفضائله وشمائله فبهرتهم فيه صفات الحلم والصدق والصبر والسكون والحياء والمروءة والسخاء والوفاء والتواضع والرفق واللين وغيرها من الصفات التي كان لها سلطان وأي سلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح جميعا مما حول خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية! لقد وسع وسيسع خلقه الكريم صلى اللّه عليه وسلم، جميع الناس في كل عصر وجيل لأن شمائله لا تحصى ولا تعد ولا غرابة في ذلك فقد كان خلقه القرآن والقرآن لا تنقضي عجائبه، كما قال عنه صلى الله عليه وسلم· لقد سجل الفكر الغربي الحديث مواقف عديدة مشرفة للنزهاء المنصفين من الغربيين الذين تحرروا من عقد التعصب والحقد والجهل، فأعلنوا في صراحة وشجاعة، إعجابهم وتقديرهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم · من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، المفكر الأديب الشهير برنار شو الذي قال : "لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولا لدى أوروبا في الغد القريب، ولقد صوّر الإسلام خلال القرون الوسطى بأحلك الألوان إما بسبب الجهل وإما بسبب التعصب الذميم، ولقد كانوا يمرنون في الواقع على كراهية محمد وعلى كراهية دينه !، إن محمدا ينبغي أن يدعى منقذ الإنسانية لقد دخل كثير من أبناء قومي في الإسلام في الوقت الحاضر في أوروبا حتى ليمكن أن يقال إن تحول أوروبا إلى الإسلام قد بدأ· وقد تذهب أوروبا إلى أبعد من ذلك فلا يمضي عليها القرن الواحد والعشرون حتى تكون قد بدأت تستعين به في حل مشاكلها!" ومن هؤلاء المفكرين الأحرار كذلك توماس كارليل الذي تحدث بإعجاب عن النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم، في كتابه "الأبطال" فكان من جملة ما قال: "لقد أصبح من أكبر العار أن يصغي أي إنسان عاقل من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين إن دين الإسلام كذب وإن محمدا لم يكن على حق، لقد آن لنا أن نحارب هذه الإدعاءات السخيفة المخجلة فلو أن الكذب يروج عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا وعبثا!، إني أحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع ولقد كان ابن الصحراء مستقل الرأي لا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبرا ولا ذليلا فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله، يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرة العجم وقياصرة الروم· لقد كان زاهدا متقشفا في مسكنه وملبسه ومأكله ومشربه وسائر أحواله وإذا سئل أن يأتي بمعجزة قال: "حسبكم الكون··· فهو أعظم معجزة" · ولقد نسج على هذا المنوال نفسه الباحث المفكر لين بول عندما قال: "إن محمدا كان يتصف بجميع الصفات الحميدة حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر ودون أن يكون هذا الحكم صادرا من غير ميل أو هوى لقد بلغ من نبله أنه لم يكن في حياته البادئ بسحب يده من يد مصافحه حتى ولو كان هذا المصافح طفلا صغيرا!" ومن هؤلاء المنصفين كذلك من المفكرين والعلماء الغربيين ول ديورانت مؤلف الموسوعة المعروفة بقصة الحضارة فقد قال: "وإذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في النفوس قلنا إن محمدا كان أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لمجتمع ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء واستطاع فعلا أن يصنع في جيل واحد دولة عظيمة وهو ما لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ!" · ويذهب الكاتب الشهير وليم مور إلى أن الخصائص الإنسانية للرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم، هي التي كانت أكبر عامل في انتشار دعوته، لقد كان هذا النبي الكريم يكره أن يقول: "لا، وإذا لم يتمكن من أن يجيب الطالب لسؤاله فضّل السكوت على الجواب"· وقد قالت عنه زوجته عائشة رضي الله عنها: "إنه صلى الله عليه وسلم، كان أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا ساءه شيء تبيناه في أسارير وجهه الشريف أكثر من كلامه ولم يمس أحدا بالضرر أبدا في سبيل اللّه ويؤثر عنه أنه لم يكن يمتنع عن إجابة دعوة إلى بيت مهما يكن ربّ البيت وكانت له تلك الخصلة النادرة التي تجعل كلا من أصحابه يظن أنه المفضل المختار!" · ويستوقفنا هنا أيضا ما كتبه الأستاذ ريكورد ألفارير كوستيل بعد إسلامه فقد قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن إعجابي بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فاق الخيال، فقد أيقنت في بداية دراستي لشخصية هذا النبي المختار، أن الدين الإسلامي هو خير الأديان وأن سيدنا محمدا كفيل أن يجذب بخلقه الكريم كل النفوس والعقول بمذاهبها المختلفة وأجناسها المتعددة وأن محمدا النبي المختار شخصية فريدة من نوعها في هذا الوجود!"· وقال الكونت دي كاستري المسيحي، إن الذين يعتنقون الإسلام في وقتنا هذا (يعني القرن العشرين) من المسيحيين وغيرهم إنما هم من الخاصة سواء أكانوا من الهيئات الاجتماعية الأوروبية أو الأمريكية، كما أن إخلاصهم في ذلك لا شك فيه لأنهم أبعد ما يكونون عن الأغراض الشخصية!" · لقد نال محمد تقدير العالم أجمع وتقدير أعدائه بشكل خاص عندما ضرب للناس أروع مثل في مكارم الأخلاق وأطلق سراح عشرة آلاف أسير كانوا في يوم من الأيام يعملون على قتله والفتك به وإيراده هو وأصحابه مورد الهلاك· أيها السادة الأفاضل أيتها السيدات الفضليات إن من اهتدى وأذعن للحق فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل وجحد وأنكر فإنما يضل عليها فاللّه سبحانه غني عن العالمين· وإذن فمهما يكن من أمر بني البشر في الغرب والشرق وفي كل عصر وجيل، ومهما تكن مواقفهم من هذا النبي الكريم المبعوث رحمة للعالمين، فإن هناك حقيقة ستظل قائمة بارزة هي ثقل مسؤولية المسلمين في تعريف غيرهم بشخصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبيان خصائصه النبوية والإنسانية وفضائله وشمائله، وما من شك في أن خير تعريف به صلى الله عليه وسلم، إنما هو اتباع سنته والتحلي بأخلاقه وتجسيد ذلك كله في السلوك الفردي والجماعي وإقامة كيان حضاري يكون في مستوى خير أمة أخرجت للناس، مع العلم أن هذه الخيرية تكون بالريادة الحضارية لا بالوراثة! والسلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته"·