الشكوى •• الشكوى •• والمزيد من الشكوى •• كأنما خلقنا للشكوى وحدها •• أصبحنا نتنافس على من منا يبدو أكثر تذمرا؟ •• غمرتنا ثقافة التشكي من الرأس حتى القدمين •• وجرفنا دفق التذمر من صغيرنا إلى كبيرنا •• من مثقفنا إلى جاهلنا •• من فقيرنا إلى غنينا •• من المرأة إلى الرجل •• الكل ينهض صباحا ليجد أمامه طابورا من الشكاوى يحتل فكره •• يخرج من داره متأبطا قوائم وقوائم من الشكاوى •• والشكوى بالنسبة للجزائري صارت من أبجديات حياته •• وهي دوما في حركة في تجدد في ازدهار •• لا يوجد فرد لا ينطوي لسانه على شكوى من شيء ما •• ومن لا شيء •• نشتكي منا•• من الناس•• من الغلاء•• من الطقس •• نشتكي مما حدث ومما لم يحدث •• ما كان ومما لم يكن، وكم برعنا في إثراء قاموس التشكي وأبدعنا في نحت مفردات التذمر•• فمن منا لا يقول كلمة "كرهت" مرات ومرات في اليوم •• من منا تسأله ولا يجيبك ب "دقوتينا" •• وكلمات أخرى كثيرة من نفس العائلة، نحب أن نرصع بها حديثنا ونجمل بها لغة علاقاتنا •• والشكوى عموما أصبحت في قلب أدبياتنا ومعاملاتنا وصرنا معروفين بمهارتنا وبأدائنا التبرمي المميز •• ومع أن الشكوى لا تفيد في غالب الأحيان صاحبها في شيء ولا تنفعه سوى في إضفاء تلك المسحة السوداوية على حضوره وعلى لغته ككل •• فقد أصبحت عادة متمكنة منا نتلذذ بممارستها واتخاذها طبعا ثانيا لنا •• نحن ألفنا أن نمرر كل ما نسمعه وما نراه وكل ما يجري حولنا عبر مخبر التشاؤم وسوء الظن•• ولا نهدأ ما لم ننهمك في تلقين أنفسنا دروسا في الحياة السلبية والمشاعر الانهزامية •• عندنا رغبة في إقناع أنفسنا بأن لا خير فيها ولا خير فيه ولا خير فيهم •• ولا أحد فكر في استبدال الشكوى بشيء آخر، بكلام آخر، بفعل آخر •• لا أحد سأل نفسه ما جدوى التباكي ؟ •• •• ما الذي نجنيه من هكذا سلوكات، غير المزيد من التوتر، المزيد من الإفلاس الموقفي •• لا أدري لماذا لا يجرؤ أكثرنا على التفكير بطريقة أخرى أكثر إيجابية، أكثر عقلانية •• لماذا لا نجرؤ على نزع تلك النظارات السوداء التي فرضوها علينا أو فرضناها على أعيننا، فلا نرى إلا العتمة من حولنا •• لماذا لا نغير نظاراتنا ونظرتنا للأشياء •• أعرف أن الجميع في بلدنا بحاجة إلى شيء ما •• شيء يجلي ذاك اليأس وذاك القنوط التاريخي الذي تلبسنا جيلا بعد جيل، فكدر وجودنا ودرّح فرحتنا •• وكجزائريين لنا مزاجنا الخاص ولنا مناخنا النفسي المترفع عن أية ذلة أو أي خنوع وهذه خصلة اندثرت أو كادت لدى الكثير من الشعوب •• نحن لا نريد أن نكون سوى أنفسنا•• أن نعيش بكامل حضورنا الإنساني والحضاري •• ولعل ذلك ما قوى رفضنا لمكدرات عيشنا •• صحيحا أننا شعب مملوء بالتاريخ •• والأحداث والأزمات، إلا أنه يشعر عن يقين وعن جدارة أنه أبو الشعوب •• ولا يحب أن يكون أي شعب، لعل ذلك ما هيج حالة الشكوى لديه •• لعله يعلم أيضا أنه ربما الشعب الوحيد الذي لازال يحتفظ بطهرانيته الأخلاقية والإنسانية •• طهرانيته التي أبهر بها التاريخ واخترق بها الذاكرة العالمية •• ومهما يكن لا لوم عليه إن بقيت ورشات شكاويه شغالة 24 على 24• فنحن لا أحد علمنا الفرح •• وثمة من لا هم له سوى أن يجعلنا على أهبة شكوى ما •• حزن ما •• ولكننا سنصل يوما ما إلى قلب الفرح ونتخلص من تراكمات عتمة تحجب عنا ألوان الحياة وتحرمنا من محاورة واقعنا بروح احتفالية سوية •• ويجب على من لا يعرف أن يعرف: أن جزائريتنا بالذات تلزمها أشياء أخرى والجزائري بحكم تاريخه وموروثه النضالي الحضاري الاستثنائي لا يحتمل الوضعية النصفية •• ولن يقبل أن يكون ملحقا بهذا الوطن •• ولعل الخطأ الوحيد الذي لازال يقترفه هو أنه شعب مبال أكثر من اللازم••