الحكم أكد أن الأزهر هو الهيئة العلمية الأساسية التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي وأن مجمع البحوث الإسلامية له أحقية دراسة كل ما يتصل بهذه العقيدة وتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من كل الشوائب. والموضوع يثير عدة تساؤلات منها: هل هذا الحكم يمثل منح ضبطية قضائية لمفتشي الأزهر، الأمر الذي يعد انتهاكا لحريات الرأي والتعبير؟ هل هذا الحكم هو عودة لمحاكم التفتيش؟ هل الأزهر من الممكن أن يستخدم هذا الحق كسلاح يتم تسليطه على المثقفين؟ يبدأ الشيخ فوزي الذي استضافته الحصة قائلا: القانون 103 لعام 1961 بشأن نظام الأزهر والهيئات التي يشملها أعطى مجمع البحوث الإسلامية اختصاصات من بينها مراجعة ما ينشر عن الإسلام في الداخل، مؤكدا على أن الأزهر لا يصادر كتابا إنما يبدي رأيه فقط بشأن ما يتضمنه الكتاب من حيث موافقته لما تقره الشريعة أو مخالفته لها. وأضاف الشيخ قائلا: تحضر لنا كتب كثيرة جدا من جهات متعددة لمعرفة رأي الأزهر فيها، وتحول هذه الكتب إلى فاحص من علماء الأزهر ليقرأ الكتاب، فإذا لم يجد فيه ما يخالف الشريعة يكتب تقريرا يفيد بأنه لا مانع من طبع الكتاب ونشره وتداوله. ولكن إذا وجد الفاحص ما يخالف الإسلام يكتب التقرير ويحدد الفاحص بالصفحة والسطر ما وجده ومدى مخالفته للشريعة بعدها يتم عرض التقرير على مجلس المجمع الذي يقرؤه وينظر هل الفاحص على صواب فيما كتبه أم أن هناك مبالغة وجانبه الصواب، ولكي يتداول الكتاب يجب أن يعاد النظر في هذه الأخطاء، مضيفا: الأزهر لا يصادر فكرا أو رأيا ولكن يصادر ما يخالف الشريعة. وفي مداخلته التلفونية أوضح الشاعر حلمي سالم صاحب قصيدة "شرفة ليلى مراد" التي أثارت زوبعة بسبب اتهامها بالتطاول على الذات الإلهية قال: بعض الشيوخ قدموا بلاغا بأن هذه القصيدة بها مساس بالذات الإلهية وضغطوا على هيئة الكتاب التي تصدر عنها مجلة "إبداع" فآثرت الهيئة السلامة وتم إيقاف عدد المجلة ثم أعيد، مضيفا: حققت معي النيابة بسبب هذه القصيدة وذلك بسبب القراءة الضيقة التي قام بها بعض الشيوخ من خارج الأزهر، وهذه القراءة المتربصة الحرفية لم تكن من جانب رجال الدين فقط ولكن أيضا من بعض المثقفين، فهذا اتجاه في منظور القراءة في مصر والبلاد العربية التي تحمل الكلام على معناه الحرفي الأولي وتتجاهل أن الشعر هو كتابة مجازية بها خيال وهو ما يفتح باب الأزمات. ويؤكد سالم: قصيدة "شرفة ليلى مراد" لم يكن بها أي تطاول بل على العكس وبرأي كثير من النقاد بها مسحة صوفية دينية، وتحمل دلالات محبة لله. ونفى أستاذ القانون د. محمد جبريل ما قاله حلمي سالم قائلا إن نص المادة 40 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لعام 1961 تعطي إدارة البحوث والنشر التابعة لمجمع البحوث الإسلامية حق فحص وإبداء الرأي في أي كتاب إسلامي أو يتناول الإسلام. ويؤكد الدكتور على ضرورة وجود ثوابت في المجتمع، فالمجتمع الغربي على سبيل المثال لديه ثوابت في النظام العلماني. فهناك ضوابط للحرية ولا يمكن أن تكون هذه الحرية مستخدمة لمهاجمة الشريعة وثوابت المجتمع الثقافية. ويتساءل هل يستطيع أحد أن يخالف العلمانية في فرنسا؟ ولابد أن يكون لنا ثوابت نحن أيضا. ويؤكد الشيخ فوزي الزفزاف ما قاله الدكتور مضيفا: نحن نرى المعركة القائمة في تركيا الآن مع الحجاب بسبب العلمانية. وفي اتصال تلفوني من حمدي الأسيوطي محامي الشاعر أحمد الشهاوي الذي تم مصادرة ديوان شعري له بعنوان "الوصايا العشر في عشق النساء" قال: قرار مصادرة ديوان الشعر ليس أول قرار يتم بتوصية من مجمع البحوث الإسلامية، ومثل هذه القرارات تتم بالتمرير وليس بالمناقشة، ودور المجمع ينحصر فقط في طبع المصاحف، مراجعة الشرائط القرآنية، وفحص المؤلفات الدينية فقط وما يحدث هذا هو تعدي من المجمع على الحريات. وأضاف الأسيوطي: جاء في قرار مصادرة الديوان أنه أسوأ من بروتوكولات حكماء صهيون وأنه اعتداء على المقدس، الأمر الذي أعطى مبررا "للمتطرفين" لتهديد الشاعر أحمد الشهاوي بالقتل، وينهي حديثه قائلا: "أعضاء اللجنة التي تقوم بمراجعة الكتب لا يوجد بها أديب أو شاعر فكيف لها أن تقيم العمال الأدبية". ويجيب الشيخ فوزي على هذا التساؤل قائلا: مجمع البحوث الإسلامية يضم أعضاء كانوا عمداء لكليات اللغة العربية، أساتذة، ورجال قانون فهو يضم أعضاء من كافة التخصصات. يتساءل الشيخ هل يجب أن نهاجم الثوابت لنصبح مبدعين؟ الرسالات السماوية تؤمن بالإبداع ولكن يجب أن يكون هناك شروط أولها أن يراعي القيم الدينية والاجتماعية، فلا توجد حرية مطلقة أبدا، ولكن كل الحريات في كل المجتمعات مقيدة بما يتفق مع المبادئ الدينية والقيم الاجتماعية. الدين الإسلامي يكفل حرية العقيدة ولكن يجب أن تكون هذه الحرية في نطاق الثوابت كيف أهاجم الثوابت؟ والنصوص القرآنية من الثوابت التي يجب أن تحترم ولا نتطاول عليها. وأوضح الشيخ قائلا: الأزهر لا ينقب عن الكتب في المكتبات ولكن يفحص ما يرد إليه، إما عن طريق الجمارك أو يرد إلينا عبر القراء الذين يستوضحون رأي الأزهر فيما يتم نشره، ولذلك نجد أن هناك كتبا يصدر قرارا بمنعها أو مخالفتها بعد وجودها في الأسواق وطرحها بالفعل، لأن الأزهر لا ينقب عن الكتب في المكتبات. وفي مداخلة فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالي قالت: الضوابط والأسقف الخاصة بالحرية يحددها الإبداع نفسه. والحرية تحددها مزيد من الحرية وليس الرقابة، وعلى هذا لا يجوز للأزهر التدخل في الأعمال الأدبية وإبداء رأيه فيها. وفي نهاية الحلقة يقول د.محمد جبريل معلقا على استخدام كلمة "محاكم التفتيش" قائلا: هذه المحاكم كانت تنقب عن النية وتعاقب الإنسان على هذا، وهو ما يتنافى تماما مع ما يفعله الأزهر الذي يحكم على نص مكتوب بالفعل ودليل ملموس.