أثار الحكم القضائي الصادر مؤخرا عن المحكمة الإدارية المصرية جدلا كبيرا في أوساط المثقفين، حيث قضى بمنح الأزهر الحق في إصدار قرارات توصي بعدم الموافقة على طبع ونشر وتداول أي مؤلف ديني، به ما يثير البلبلة ويشكك في العقيدة، باعتبار أن الأزهر هو الهيئة العلمية الأساسية التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي، كما ينص الحكم على أن مجمع البحوث الإسلامية له أحقية دراسة كل ما يتصل بهذه بالعقيدة وتجديد الثقافة الإسلامية، الأمر الذي فتح المجال لطرح عدة إشكالات لدى الكتاب المصريين، باعتباره حسب رأيهم، يعيد للأذهان عصر محاكم التفتيش. فراح هؤلاء يتساءلون ما إذا كان الحكم يمثل منح ضبطية قضائية لمفتشي الأزهر، وهل هذا الحكم هو عودة لمحاكم التفتيش؟ وهل يمكن للأزهر أن يستخدم هذا الحق كسلاح يتم تسليطه على المثقفين؟ الأمر الذي يعد انتهاكا لحريات الرأي والتعبير. وفي هذا الاتجاه يوضح الشيخ فوزي الزفزاف عضو مجمع البحوث الإسلامية أن القانون 103 السابق الخاص بنظام الأزهر والهيئات التي يشملها، أعطى مجمع البحوث الإسلامية اختصاصات من بينها مراجعة ما ينشر عن الإسلام في الداخل، مؤكدا أن الأزهر لا يصادر كتابا، إنما يبدي رأيه فقط بشأن ما يتضمنه الكتاب من حيث موافقته لما تقره الشريعة آو مخالفته لها، مضيفا أن الأزهر لا ينقب عن الكتب في المكتبات، ولكن يفحص ما يرد إليه إما عن طريق الجمارك أو عبر القراء الذين يستوضحون رأي الأزهر فيما يتم نشره، ولذلك يجد المجمع أن هناك كتبا يصدر قرار بمنعها أو مخالفتها بعد وجودها في الأسواق وطرحها بالفعل بعد أن يتم تحويلها إلى فاحص من علماء الأزهر ليقرأ الكتاب، فإذا لم يجد فيه ما يخالف الشريعة يكتب تقريرا يفيد بأنه لا مانع من طبع الكتاب ونشره وتداوله، ولكن إذا وجد ما يخالف الإسلام يحدد الفاحص بالصفحة والسطر ما وجده ومدى مخالفته للشريعة، بعدها يتم عرض التقرير على مجلس المجمع ويقرأه وينظر في الأمر، ومن ثم يتم مصادرته إذا كان مخالفا للعقيدة الإسلامية. كما أفاد الزفاف أن الأزهر لا يصادر فكرا أو رأيا ولكن يصادر ما يخالف الشريعة. من جهته أوضح القانوني المصري محمد جبريل أن نص المادة 40 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لعام 1961 تعطي إدارة البحوث والنشر التابعة لمجمع البحوث الإسلامية حق فحص وإبداء الرأي في أي كتاب إسلامي. ويرى الدكتور جبريل ضرورة وجود ثوابت في المجتمع. فلا يمكن أن تكون هذه الحرية مستخدمة لمهاجمة الشريعة وثوابت المجتمع الثقافية، في حين يرى رئيس تحرير جريدة الأهالي أن الضوابط والأسقف الخاصة بالحرية يحددها الإبداع نفسه. والحرية تحددها مزيد من الحرية وليس الرقابة، وعلى هذا لا يجوز للأزهر التدخل في الأعمال الأدبية وإبداء رأيه فيها. فيما تساءل الشيخ حمدي الزفزاف عما إذا كان الإبداع لا يتأتى لصاحبه، إلا إذا هاجم الثوابت، مؤكدا أن الرسالات السماوية تؤمن بالإبداع، ولكن يجب أن يكون هناك شروط، أولها أن يراعي القيم الدينية والاجتماعية، فلا توجد حرية مطلقة أبدا، ولكن كل الحريات في كل المجتمعات مقيدة بما يتفق مع المبادئ الدينية والقيم الاجتماعية، فالدين الإسلامي يكفل حرية العقيدة، ولكن يجب أن تكون هذه الحرية في نطاق الثوابت.