يقع القصر في منطقة دمر قرب دمشق وعمره حوالي 140 عاما، و يمتاز بطراز معماري عثماني جميل، وتحيط به الأشجار من كل الجهات، وقد سكنه الأمير عبد القادر مع عائلته عام 1871، ثم سكنه أبناء الأمير وأحفاده، وكان آخرهم الأمير سعيد الجزائري. ومنذ العام 1948 هجر القصر و سرقت أهم محتوياته التاريخية المرتبطة بتراث الأمير، و أهمل حتى تصدعت جدرانه و كأن زلزالا أصابه، و هو اليوم بعهدة حافظة دمشق التي حولته إلى مزار ثقافي و سياحي نظرا للمكانة الكبيرة التي يحتلها الأمير الراحل ليعود مجددا إلى المشهد الثقافي العربي. مساحة القصر تبلغ نحو 1832 متراً مربعاً وهو مؤلف من طابقين ومساحة الطابق الواحد نحو (800) متراً مربعاً وبارتفاع 5 أمتار تقريباً. و جدرانه مبنية من الآجر والحجر. وللقصر نافورة يتدفق منها الماء و ثريات ضخمة معلقة على امتداد مدخلين رئيسيين.. واحد من الجهة الغربية ومدخل آخر من الجهة الشرقية. ويتصل الطابق الأرضي بالطابق الأول بدرج داخلي بشاحط واحد مكسي بالرخام في الأسفل، يتفرع منه شاحطان بالأعلى نحو اليمين واليسار مكسيان بالخشب. و كانت مجموعة( كالنكس) الكندية للأعمال والاستشارات قد قامت بوضع دراسة الترميم التي نفذت من قبل مجموعة استشارية محلية، إذ تم تحويل حديقة القصر الواسعة إلى حديقة بيئية أطلق عليها اسم "حديقة المدن البيئية" لتشكل نموذجا لتوجيه إدارات المدن للاهتمام بالمدن البيئية وحماية البيئة... و تم تخصيص قطع ذهبية كبيرة كتب عليها "برنامج تحديث الإدارة البلدية" علقت على مدخل القصر، كما تم استحداث قاعة "الذكريات" و هي القاعة التي شهدت وفاة الأمير وهي قاعة خاصة بذكراه و تضم نماذج من مقتنياته كالميداليات التي تقلدها من الملك اليوناني أوتون والملكة فيكتوريا والسلطان العثماني، بالإضافة لبعض الكتب عن تاريخه بلغات مختلفة ووثائق وصور تتحدث عن حياته وتاريخه كقائد للثورة الجزائرية، و صور للرئيس بوتفليقة عند تسلم رفات الأمير حين كان وزيرا للخارجية آنذاك. ترميم و تأهيل بدأ الترميم ضمن مشروع تحديث البلديات الذي مولته المفوضية الأوربية منذ ثلاث سنوات و نفذته وزارة الإدارة المحلية والبيئة، و تم على مرحلتين الأولى أعمال ترميم القصر وأعمال الموقع العام المحيطة و إزالة البناء العشوائي، بينما شملت المرحلة الثانية أعمال إنجاز قاعات المؤتمرات الملحقة، كما خصصت قاعة لإحياء ذكرى الأمير الراحل تضم الكثير من مقتنياته التي جمعت بصعوبة بمساعدة بعض الورثة و خصوصا الأميرة بديعة الجزائري التي بذلت الغالي و النفيس في سبيل إعادة الحياة للقصر التاريخي. وافتتح القصر رسميا ضمن فعاليات ندوة دولية للمدن في منطقة الشراكة الأوروبية المتوسطية، وسيستضيف القصر بعد تحويله إلى مركز للتنمية المستدامة مشروع تحديث الإدارة البلدية لعامي( 2009-2011) بمنحة من الاتحاد الأوروبي تصل إلى 20 مليون أورو حيث يتم التنسيق مع مفوضية الاتحاد الأوروبي ليكون المشروع هو المركز الرئيسي لإدارة كافة المشاريع التنمية المحلية في المنطقة الأورومتوسطية، ويهدف المشروع إلى تدريب القدرات المؤسساتية المتعلقة بالإدارة المحلية، وصياغة استراتيجيات التمدن، و اقتراح السياسات والأطر التشريعية للتنمية المحلية، وتأمين التعاون مع اتحادات المدن الأوروبية والعربية، وتنظيم برامج تدريبية في مجال التنمية بالمدن الأوروبية ,وتأسيس المرصد الحضري الوطني، وتأمين التمويل والتوعية للسلطات المحلية، ورعاية ماجستير مشترك مع الجامعات الأوروبية في مجال التخطيط الإقليمي والعمراني، إضافة إلى تطوير برامج اجتماعية للمساعدة بمكافحة الفقر، وجذب وخلق الدعم للاستثمارات الصغيرة و مشاريع البنى التحتية للبيئة، وتطوير السياسات والاستراتيجيات لتحسين شروط المعيشة للمجتمعات المحلية. فارس السيف والقلم كان الأمير عبد القادر الجزائري "رجل المرحلة بامتياز" ودخل التاريخ من أوسع أبوابه، وقد قصد الشام مع جالية كبير من عائلته وأعوانه ومريديه ، و أسس الفقراء منهم ما سمي برباط المغاربة في حي السويقة بدمشق القريب من منطقة الميدان، و استقر بدمشق مدة 27 سنة و تحديدا من العام 1856 حتى وفاته عام 1883 وسرعان ما أخذ مكانته بين علماء ووجهاء الشام، فكان له حضور اجتماعي و سياسي وثقافي وعلمي واضح، و قام بالتدريس في الجامع الأموي الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق في القرن التاسع عشر ، ولعب دورا هاما في حقن الدماء و إخماد الفتن الطائفية بين المسلمين و المسيحيين التي حدثت في الشام عام و 1860 و هي مأثرة أضفت على مكانته المزيد من التقدير والاحترام فضلا عن مكانته كمناضل في الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي. و يشبه البعض الأمير عبد القادر بالشيخ محي الدين ابن عربي.. إذ كان شديد التأثر به و بنظرته للإسلام و للتسامح الديني، وقد دفن قرب ضريحه في جبل قاسيون حسب ما أوصى به ولا يزال ضريحه قائما حتى اليوم رغم أن رفاته نقلت بعد استقلال الجزائر أوائل الستينيات. و يعتبر المؤرخون الأمير عبد القادر"أشهر سيوف الإسلام في العصر الحديث" خصوصا أنه عاش في حقبة تاريخية حاسمة شهدت تحولا على حكم العثمانيين و هي فترة الانقضاض على الخلافة الإسلامية والإجهاز عليها.. و لذلك كانت سيرته الشخصية انعكاساً لصورة عصره، و قد عبر الأمير عن هذه الحقيقة بعبارته الشهيرة: "إنني لم أصنع الأحداث، بل هي التي صنعتني..."!!