أدفن رأسي بين ضلوعك وتسقط دمعتان من عيناي المشتاقتين أبد الدهر، رغم كونك تقعد بجانبي، ماذا أقول أيضا، أخمن في أعماق نفسي، هل بقي سرا لم أعلن لك عنه أوشيئا أخفيه عنك، إني أقدس حبك لدرجة العبادة وأفكر، أتوجد امرأة تحب رجلا في هذا الزمن مثلما أحبك، ليست أدري، أول لا أريد أن أدري. تغيب الشمس ويحل الظلام الحالك، أمواج البحر تزداد حدة، حركة السيارات تقل رويدا رويدا، وتشتعل المصابيح في شوارع المدينة الساحلية، وتزيدني الأنوار الخافتة رومانسية وإلتصاقا بجسدك المتمرد، أنت تريد العودة إلى البيت وأنا أتوسل إليك أن تبقى قليلا، الكثير من الرجال لا يتحدثون عن ما يحملونه في قلوبهم من مشاعر الحب، يفضلون السكوت والغموض، ذلك الغموض هو الذي يزيدني تعلقا بك، أصريت على العودة.. مشينا على الرمال حفاة يحمل كل واحد منا حذاءه بأصابع يده المرتجفة، المرتعشة لانتهاء اللقاء الجميل، بلغنا الطريق في لحظات لبسنا أحذيتنا ووخزت قدمينا حبات الرمال التي بقيت عالقة بالداخل. أوقفنا سيارة أجرة ربما كانت هي آخر سيارة بقيت تسير في ليل المدينة وعدنا إلى البيت، إجتزت الدرج المؤدي إلى الطابق الثالث حيث أقطن، قرعت الباب بحركة خفيفة لاتكاد تسمع، لكن أمس سمعتها وفتحت لي، وما إن دخلت حتى نهرتني وصرخت في وجهي لتأخري في العودة، لم أعرها اهتماما لم أجبها كعادتي، كنت بالمخبول، إتجهت صوبا نحو غرفتي، أقفلت الباب على نفسي بالمفتاح، رميت حذائي وحقيبتي جانبا واستلقيت على السرير، نشوة ذلك اللقاء أخذتني بعيدا، كنت أحلق في عالم الأحلام الوردية، بدأت أؤمن إيمانا راسخا بأننا لن نفترق أبدا وبأني سأنام وأستيقظ لأجد نفسي زوجتك، نتقاسم الأكل والشرب وكل شيء ونرزق بطفل جميل ناعم يشبهك تماما، أنت لم تتكلم طيلة الشهور الخوالي، لم تندثر رغم الحزن والألم، مشيت بخطوات متأنية. اجتزت الشارع الضيق المودي إلى محطة القطار وصلت لأجد مئات المسافرين المنتظرين في ساحة المحطة الكييرة، بعضهم يقف عند شباك التذاكر ليقتطع تذكرة السفر والبعض الآخر يجر حقائبه جرا وقد إشرأبت أعناقهم وهم يترقبون وصول قطار الساعة التاسعة. الجو كان ربيعيا، السماء زرقاء زرقة مجردة وشمس الصباح أطلت كأميرة تصعد إلى عرش ملكها العظيم لتأمر هذا وتنهى ذاك، إقتربت من أحد المسافرين لأسأله عن بعض التفاصيل لأنها كانت المرة الأولى التي سأستقل فيه القطار ورأيتك، ظننت نفسي في حلم جميل، كنت تقف عند أحد الأعمدة الكهربائية، لم تتغير بطولك الفارع، ببشرتك البيضاء الطفولية، ورقص قلبي فرحا وازدادت ضرباته سرعة وقوة، تصاعد الدم في عروقي، تغيرت ملامحي، زلزال عنيف اجتاحني ودمر كل شيء بداخلي، ركضت نحوك ووضعت راحة كفي على كتفيك، لفظت بضع كلمات مبهمة، متلعثمة، إستدرت نحوي ولم تستطع أن تحدق في وجهي من فرط خجلك.. إبتسمت ودموع الفرح تترقرق في عيوني: أين كنت يارفيقي ، كدت أموت هما وحزنا عليك ابتسمت بملامحك الملائكية البرئية وأجبتني: أنا هنا عزيزي لم أتخل عنك لكنه الزمن غدر بي وحولني لرجل يائس لا أمل له ولا رجاء ووضعت كفي على شفتيك الحبيبتين وأمرتك بألا تقول لي شيئا ولا تشرح ولا تتكلم، لاتقلق يا طفلي الحبيب، الأم تغفر وتسامح، إرجع إليّ عزيزي فبعدك حياتي عدم وجودي خرافة وخيال، نم هنا بين ضلوعي وارقد بسلام، نار الهوى التي أحرقتنا سيطفئها حبنا الكبير، والحب الكبير لا يستطيع غدر الزمن محوه وقتله ولن تعبث به الأيام بل سيبقى حيا يرزق.