لا أدري لماذا يعجبني ما يجري في سواحل الصومال .. فأنا أفرح كلما سمعت أخبارا عن اختطاف بواخر من طرف من سماهم الإعلام العالمي بالقراصنة، ربما لأن جياع الصومال وجدوا حلا لهم، عملا بقول الصحابي الجليل أبى ذر الغفاري الذي قال: "أعجب لرجل لا يجد قوت عياله ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!" وهل سمع العالم أنين جياع الصومال واستغاثاتهم عندما كانت وماتزال تمزقهم الحروب؟... لا أحد حرك ساكنا عندما سيطرت قوات المحاكم على الأوضاع في هذا البلد الذي مزقته المجاعات والأمراض، فكل المصائب التي حلت بأهل هذا البلد الإفريقي العربي لم تفتك من مجلس الأمن ولا المنظمة الأممية أدنى تنديد .. وها هو مجلس الأمن يجتمع ليبحث حلا للقراصنة الجدد "الجياع" بعد أن تعرضت العشرات من السفن من شتى الجنسيات للاختطاف وأحيانا لقتل طواقمها. فلأن المجتمع الدولي لم يسمع أنين الجياع، عمد الصوماليون إلى أخذ نصيبهم من خيرات العالم بحد السيف، فكانت النتيجة أن سلطت أضواء القنوات الفضائية على ما يجري في الصومال وتحولوا بين عشية وضحاها إلى "أبطال" النشرات الإخبارية. "هكذا وإلا بلاش" يقول المثل العربي .. فبعد الأخبار المفزعة للقاعدة وأخواتها واستهدافها لأكبر قوة نووية في العالم، ها هم جياع الصومال يجبرون الجبابرة على الاهتمام بأمرهم، بعدما فرضوا قوانينهم على المحيط الهندي وعلى سفن العالم التي تمر بسواحلهم محملة بخيرات الدنيا التي لم يكن لهم نصيب فيها. فالسلم العالمي إذن لا تهدده القنابل النووية وشتى أنواع الأسلحة التي تتسابق على امتلاكها الدول على حساب لقمة عيش شعوبها، بقدر ما تهدده ثورات الجياع، ومثلما تهدده القنابل البشرية لانتحاريي غزة والعراق. ما يجري الآن في السواحل الصومالية لن تحله تهديدات مجلس الأمن التي لم تنفع مع القاعدة، فقطّاع الطرق لا ينصاعون للقوانين، ما يجري في الصومال يتطلب نظرة مختلفة للأمور، بل يجبر المجتمع الدولي على إحلال العدالة محل السلاح، فلا سلم مع البطون الخاوية.. ألا يقول المثل الفرنسي "البطن الجائع ليس له آذان"؟