ظاهرة سادت في الماضي، عادت اليوم وانتفضت لتنبعث بشكلها القديم مع إرتداء حلة جديدة، القرصنة والقراصنة ربما لم نعتاد على هذه الأشكال سوى في أفلام السينما ، اليوم نراها بشكل فعال وحيوي في السواحل الصومالية، والأسوأ من ذلك ان اعمال القرصنة هذه تقتات على السفن المحملة بالمساعدات لشعب الصومال الأفقر والاسوء حالا في العالم، وبالنسبة للقراصنة فان الصومال البلد الغارق في الفوضى منذ بداية حرب اهلية في 1991 يتمتع بموقع مثالي اذ تحاذي حدوده خليج عدن وهو احد اهم الطرق التجارية البحرية العالمية والمحيط الهندي حيث تعمل اساطيل صناعة الصيد على مطاردة سمك التونة وغيرها من الأنواع...ورغم ان أعمال القرصنة الصومالية جذبت الاهتمام الدولي بأمن البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الملاحية الدولية في العالم قاطبة، غير انه لم يصاحب ذلك الاهتمام معاناة الصومال كدولة وكشعب يواجه اكبر ازمة انسانية باعتراف العديد من المنظمات االدولية .. القرصنة تاريخيا، هي فعل قديم جدّا وتُعرّف عادةً بأنها الجرائم أو الأْعمال العدائية، والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما أو طاقمها أو حُمولتها، دون وجه حق، ويُعرّف القرصان بأنه المغامِر الذي يجوب البحار لنهب السُّفن التجارية، ورغم التقدم التقني الكبير الذي يسود العالم المعاصِر ووجود معاهدات دولية وقانون دولي ينظّم الملاحة البحرية ومعاهدات دولية للحدّ من ظاهرة القرصنة، إلا أن الظاهرة ما زالت موجودة، لاسيما في المناطق المضطربة محدودة الأمن، سواء في إفريقيا أو آسيا. وما يجري في السواحل الصومالية، لا يخرج عن هذا السياق العام. وإذا نظرنا إلى القرصنة البحرية الصومالية، فهي ليست جديدة. فطالما جرت حوادث قرصنة منذ أن انهارت الدولة هناك في عام 1990 بعد هروب الرئيس سياد بري إلى مكان غير معلوم تحت ضغط عمليات حركات عسكرية معارضة، لم تستطع لاحقا أن تُسيطر على الوضع في البلاد، ، ومن خلال مراجعة حوادث الاختطاف والقرصنة التي قام بها القراصنة الصوماليون، والتي زادت عن 70 حالة في الأشهر العشر الماضية، يمكن القول أنها من النوع الخطير، حيث تمزج بين الخطف والاستيلاء على السفينة كاملة، مع ملاحظة أن هؤلاء القراصنة أبدعوا وتخصّصوا في أمر جديد، وهو التفاوض مع أصحاب السفينة الأصليين من أجل الحُصول على فِدية مالية، نظير الإفراج عن السفينة وطاقمها، ومعنى التفاوض هنا يشير إلى أن هؤلاء القراصنة يشكِّلون تنظيمات منظمة جيِّدا ولديها إمكانيات للتّواصل عبر وسطاء أو بصورة مباشرة مع الجهات المعنية بالإفراج عن السفينة وطاقمها. القرصنة الصومالية .. تهدد ''البحر الأحمر'' أهم الممرات الملاحية الدولية منذ أن نجح القراصِنة الصوماليون في اختطاف السفينة الأوكرانية المحمّلة بأسلحة روسية ثقيلة ومُعدّات عسكرية، واستمرار التفاوض مع خاطفيها الذين طلبوا فِدية لا تقل عن 20 مليون دولار للإفراج عن السفينة وحُمولتها، بدأ قدر من الاهتمام الدولي والإقليمي بما يجري بالقرب من السواحل الصومالية المضطربة التي يصل طولها إلى 3700 كم، وتطل على الملاحة الدولية القادمة من المحيط الهندي وبحر العرب إلى البحر الأحمر، ولا تجد من يُسيطر عليها. سوى جماعات وعِصابات أثبتت فاعليتها على نحو مثير. المثير هنا، أننا نعيش زمن الاتصالات الفائقة وقُدرات الاستطلاع الفضائية والقادِرة نظريا على معرفة ما يدور على سطح الأرض وبحارها، ومع ذلك، نجحت مجموعات صغيرة من أطراف خارجة على القانون من هزيمة تلك القدرات التي تتباهى بها الدّول العظمى والكبرى معا، وهي الدول التي لها مصالح عريضة جدّا في حرية الملاحة وأمنها في البحار الدولية والممرّات ذات الطبيعة الخاصة، كممرّ البحر الأحمر ومضيقه الجنوبي، المعروف بباب المندب الذي يصل البحر الأحمر ببحر العرب، أهمية البحر الأحمر كمَمر بحري رئيسي للتجارة بين الدول ليست بحاجة إلى بُرهان، فهو عبر التاريخ كان ممرّا دوليا بامتياز، وهو كذلك الآن، وتبعا لمتوسطات أرقام التسعينيات، فإنه يمر عبر البحر الأحمر حوالي 325 مليون طُن من البضائع و10 من إجمالي الشّحنات البحرية العالمية سنويا، كما ارتفع عدد ناقلات البترول التي تمُر سنويا في قناة السويس إلى 21 ألف ناقلة، كما زادت كميات البترول الخام التي تتدفّق عبر الأنابيب إلى البحر الأحمر بشكل هائل، وأدّت التوترات المسلحة في الخليج منذ بداية التسعينيات إلى كثافة غير معتادة في مرور القِطع العسكرية البحرية عبر مياه البحر الأحمر. حل الأزمة السياسية.. البوابة للحد من ظاهرة القرصنة يرى مراقبون أن القضاء على ظاهرة القرصنة يبدأ بحل الأزمة السياسية التي تعيشها الصومال منذ 17 عاما، والتي لها الأثر الأكبر في تفشي هذه الظاهرة بالمنطقة، ويرون أن الوقت قد حان للاعتراف بأن حكومة الصومال الانتقالية برئاسة عبد الله يوسف غير قادرة على الحكم بفعالية، ولا يمكن أن ينتظر منها الحد من القرصنة التي هي عمل مربح وخال من المخاطر نسبيا للكثير من الرجال الذين يعانون من البطالة في البلاد، وحذر هؤلاء المراقبون من أن غياب سيادة القانون في الصومال سيؤدي إلى تزايد القرصنة مما يضمن حصول المجموعات ذات المصالح المختلفة على نصيب من الغنائم، وأن المحاولات لمنع القراصنة عسكريا ستبوء بالفشل. وفي هذا السياق قال روجر ميدلتون المتخصص في شؤون القرن الإفريقي بمؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن ''السياسة الدولية بحاجة إلى درجة كبيرة من الانفتاح بشأن نوعية الحكم الذي قد يكون لدينا في الصومال، من الواضح أن تجربة الحكومة الانتقالية الاتحادية لم تحقق التنمية والسلام المأمولين''.، من جانبه، يقول جيسون الديرويك المحلل في شؤون الدفاع البحري بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: ''عمليات الأمن البحري في تلك المنطقة ما هي إلا مسألة مؤقتة، فهي تعالج الأعراض وليس الأسباب''، وأضاف: ''الحكومة الانتقالية الاتحادية لا تقوم بالتزاماتها الحكومية للحفاظ على وحدة مياهها الإقليمية، لهذا فهم بحاجة إلى خطة لتسهيل هذا أو التوصل إلى خيار آخر''. وتلح الأممالمتحدة لتنفيذ اتفاق اقتسام للسلطة بين الحكومة والإسلاميين المعتدلين تم توقيعه في جيبوتي منذ شهر، ويذكر محللون بأنه عندما سيطرت المحاكم الإسلامية على معظم الصومال عام 2006 تمكنت من خفض أعمال القرصنة، وجددت المعارضة الصومالية بقيادة المحاكم تعهدها بالقضاء على الظاهرة مجددا إذا ما أمسكوا بزمام السلطة. وفي هذا السياق يقول فيليب دي بونتيه، المحلل بمجموعة أوراسيا: ''بالنظر إلى البدائل فإن أيا منها ليس ورديا، وقد تظهر إدارة بوش وحليفها الأساسي إثيوبيا الآن مزيدا من المرونة بالقبول بمشاركة الإسلاميين في الحكومة شريطة ألا تكون لها صلات بإرهابيين دوليين''، وتزايدت المناشدات الدولية للتحرك صوب الشواطئ الصومالية لمواجهة التصعيد غير المسبوق لعمليات القرصنة، بعدما وقع مزيد من السفن في كمائن القراصنة ضمن عمليات وصفت بأنها ''الأكبر في التاريخ''. موقع الصومال الاستراتيجي... قوة جذب كبرى لأطراف دولية من المعروف ان الدول الغربية ابدت اهتماما منذ زمن بإيجاد موطيء قدم لها في الصومال، وهذا لا يرجع فقط إلى تمتعه بثروات نفطية أو كنوز تحت الأرض ولكن بسبب أن الصومال هو بحكم موقعه الجغرافى (بوابة) تفتح على المحيط الهندى والخليج العربى أى أنه يتحكم في المدخل الجنوبى للبحر الأحمر الذى تسعى إسرائيل لتأمينه مما تسميه خطر تواجد قوى أصولية إسلامية ، كما أن إسرائيل تخشى أن يؤدى سيطرة الإسلاميين على الحكم فى تلك الدولة إلى تهديد أمن حليفتها إثيوبيا ، وذلك من خلال تشجيع مسلمى إثيوبيا على التمرد. ومن هنا كان لعدة دول أجنبية دور كبير فى تمزيق الصومال لمنع عودة الصومال الكبير بمعناه التاريخي الذى يشمل خمسة أقاليم ، الصومال البريطاني، والصومال الإيطالي، وهما ما استقلاَّ وشكَّلا ما عُرف بجمهورية الصومال ، والصومال الفرنسى أو إقليم عفر وعيسى وهو ما اتفق على تسميته باسم ''جيبوتي'' وإقليم أوجادين الذي تم ضمه لإثيوبيا،والإقليم الخامس الذى ضمته لكينيا، ويعرف بالمقاطعة الشمالية الحدودية . في البداية، استغلت إسرائيل الحدود الطويلة التي تفصل بين إثيوبيا والصومال للتغلغل فى الجزء الشمالي من الصومال، المحكوم بواسطة حكومة علمانية، والذي أعلن انفصاله وأطلق على نفسه '' جمهورية بونت لاند ''، ثم بعد ذلك شجعت إثيوبيا على التدخل العسكري المباشر للإطاحة بالمحاكم الإسلامية من السلطة بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من استعادة الصومال التاريخي. وبعد أن تحقق لها ما أرادت، يقول المتخصصون في الشأن الصومالي ان اسرائيل لجأت للتحرك الأكثر خطورة ألا وهو تشجيع عمليات القرصنة لتدويل البحر الأحمر والسيطرة على ثرواته وتهديد الدول العربية المطلة عليه وإغلاق قناة السويس. إسرائيل تنطلق في مخططها لتدويل البحر الأحمر من حقيقة كونها لا تمتلك سوى عدة أميال في ''إيلات'' علي شاطئ البحر، لا تتيح لها ممارسة دور القوة البحرية، أو تأمين خطوط الإمداد في حالتي السلم والحرب، وتعاظم القلق الإسرائيلي بعد حرب جوان ,1967 وقيام مصر بإغلاق قناة السويس لسنوات طويلة تالية، ثم حرب السادس من أكتوبر1973 وقيام اليمن بإغلاق مضيق باب المندب ، ولذا مهدت إسرائيل لمخطط التدويل في 24 اوت 1980 بوضع حجر الأساس لمشروع حفر قناة ''البحرين''، التي تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت كخطوة أولى نحو إنشاء الجزء الثاني من القناة التي ستسير غرباً لتصل إلى البحر المتوسط عند منطقة حيفا وبالتالي إيجاد قناة مشابهة لقناة السويس. منظمات دولية ...أمريكا وراء تفاقم القرصنة اتهمت ''ريفيوجيز إنترناشونال'' المنظمة الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، والتي تتخذ من الولاياتالمتحدة- مقرا لها ، ان واشنطن وراء الكارثة الإنسانية التي يمر بها الصومال جراء سياستها التي تعتمد على الاستخدام العسكري، وهو ما يؤدي إلى أعمال ثأرية ضد عمال الإغاثة الدوليين، على حد قوله، وشددت المنظمة على ضرورة مراجعة شاملة للسياسة الأمريكية من أجل استقرار الأوضاع، ومنح الأولوية للمخاوف الإنسانية أكثر من الأهداف الضيقة لمكافحة الإرهاب. وتابعت في تقريرها: ''أساس القرصنة انعدام الأمن داخل الصومال في أجواء لا تعني المساءلة فيها أي شيء.. دوريات البحرية لا تفعل شيئا يذكر للقضاء على الدافع وراء مثل هذه الهجمات''. وحثت ريفيوجيز إنترناشونال واشنطن على إعادة التفكير في سياستها تجاه الصومال الذي يخشى مسؤولون أمريكيون أن يصبح ملاذا آمنا لما يسمى'' تنظيم القاعدة''. وأضافت أن الهجوم الذي شن في ماي وأسفر عن مقتل زعيم المتمردين أدن هاشي أيرو كانت له عواقب سريعة، حيث ألغت وكالة تابعة للأمم المتحدة فتح مكتب وزادت الهجمات على عمال الإغاثة وصدرت أوامر لمؤسستين خيريتين بمغادرة المنطقة بتهمة التجسس لحساب واشنطن. وقالت ريفيوجيز إنترناشونال: ''هذه الأمثلة توضح عواقب الضربات التي توجه من جانب واحد، والتي تعرض للخطر حياة الملايين من الصوماليين الذين يعتمدون على الوكالات الدولية من أجل الحصول على رعاية طبية ومساعدات غذائية، في حين أنها لا تفعل شيئا يذكر لخفض الإرهاب''. وذكرت ريفيوجيز إنترناشونال أن 400 ألف صومالي فروا إلى الخارج، بينهم عشرة آلاف إلى كينيا في سبتمبر الماضي فقط. القرصنة في الصومال .. ظاهرة لا تخلو من الالغاز كانت عمليات القرصنة محدودة في السابق وتتم بشكل عفوي لصوصي واستطاعت المحاكم الإسلامية فور سيطرتها على السلطة في جوان 2006 في القضاء عليها ، إلا أنها خلال العامين الأخيرين بدت وكأنها من تدبير اطراف محترفة وإلا كيف يستولي قراصنة بأسلحة عادية على سفينة أوكرانية محملة بكمية كبيرة من السلاح الثقيل؟ . وكيف نجح القراصنة في رؤية السفينة الأوكرانية لابد أنه يمتلكون أجهزة ملاحية فائقة التطور تمكنهم من رؤية السفن القريبة من سواحل الصومال ؟، وتساءل الخبراء لماذا غالبية عمليات القرصنة تتم قبالة سواحل جمهورية بونت لاند الموالية لإسرائيل. ومن المفارقات اللافتة للنظر هنا أن عمليات القرصنة الصومالية زادت بقوة في العام 2007, ثم ارتفعت في العام 2008 وهما عامان يشهدان وجودا إثيوبيا عسكريا في الصومال بدأ نهاية العام 2006 بعد طرد نظام المحاكم الإسلامية الذي كان قد سيطر علي الصومال منذ جوان 2006, وامتدت سيطرته علي سواحل الصومال حيث استطاع رغم قلة الإمكانات أن يوقف هذه الأنشطة غير القانونية, الأمر الذي يؤكد الشكوك حول تورط إسرائيل وإثيوبيا. ومن الأمور الأخرى التي ترجح صحة ما سبق أن إحصائية للمكتب البحري الدولي ومقره كوالالمبور في ماليزيا كشفت أن 77 سفينة أجنبية على الأقل تعرضت لهجمات خلال 2008 نفذها قراصنة صوماليون في مدخل البحر الأحمر وفي المحيط الهندى وخليج عدن وهو ضعف عدد السفن التي هوجمت فى 2007 ، الأمر الذي يؤكد أن هناك دعم متواصل لمثل تلك الهجمات. أيضا يبلغ طول سواحل الصومال 3700 كلم وهي واحدة من الأطول في العالم ، وتراقب هذه السواحل بين 12 و15 سفينة تابعة للتحالف البحري ''كومبايند تاسك فورس ''150 الذي تقوده أمريكا ويضم عدة دول تعمل في مكافحة ما يسمى بالإرهاب في القرن الإفريقي من بينها فرنسا وبريطانيا وايطاليا وهولندا . وجود تلك الأساطيل البحرية من المفترض أن يشكل رادعا للقراصنة ، إلا أن الأمر المثير للانتباه أن تلك الدول أعلنت تنصلها عن مسئوليتها في حماية السفن التجارية التي تمر عبر خليج عدن الذي يتحكم بالمدخل الجنوبي لقناة السويس ويعتبر واحدا من أهم المحاور في الملاحة البحرية في العالم ، حيث تمر كل سنة حوالى 16 ألف سفينة وحوالى ثلاثين بالمائة من الانتاج النفطي العالمي عبر هذا الطريق . اليمن.. الأكثر حذرا وقلقا من الظاهرة عربيا، وتاريخيا أيضا، فإن قضية أمن البحر الأحمر طرحت منذ أكثر من أربعة عقود، ولكنها أخذت معاني مختلفة وِفقا لطبيعة اللّحظة الزمنية وتفاعلاتها. فأثناء الصراع العسكري مع إسرائيل، وتحديدا في سبعينيات القرن الماضي، كان مفهوم الأمن في البحر الأحمر يعنى بإبعاد النفوذ الإسرائيلي عن التحكّم في المصالح العربية في البحر، وتطوّر المفهوم آنذاك لدى البعض إلى حدّ المناداة بأن يكون البحر الأحمر بُحيرة عربية، ونادى آخرون بوضع إستراتيجية عربية لحماية أمن البحر الأحمر واستغلال ثرواته الاقتصادية. ومع تحوّل التفاعلات العربية مع إٍسرائيل إلى البحث عن تسوية سياسية، لم يعُد مفهوم أمن البحر الأحمر بمعنى عسكري يُطرح، وتمّ التركيز على الحفاظ على بيئة البحر وسيولة الحركة الملاحية فيه، ويُعد الموقف اليمني هو الأكثر انتباها وحذَرا لِما يجري في خليج عدن، المقترن أمنه وسلامته بما يجري في البحر الإقليمي للصومال، وما يحدث في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، الذي يعد صلة الوصل بين الخليج والبحر، لاسيما وأن التحرّكات البحرية لبعض الدّول في الخليج تتِم بصورة غير شفافة، مما يوحي بأن أهداف تواجُدها أبعد بكثير من مجرّد مواجهة القرصَنة الصومالية. وجاءت تحرّكات اليمن عبر ثلاثة محاوِر، أولها، محاولة إقناع عدد من الدول العربية الرئيسية المطِلة على البحر الأحمر، التعاون الجماعي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما كان مِحور اجتماعات الرئيس علي عبد الله صالح مع الرئيس مبارك والعاهل الأردني عبد الله الثاني إبّان زيارته لمصر والأردن مطلع شهر أكتوبر الحالي، وكذلك في مشاوراته مع الملك عبد الله، عاهل السعودية، أما المحور الثاني، فهو اتِّخاذ عدد من الإجراءات البحرية في حدود الإمكانات اليمنية المُتاحة، كنشر 1000 جندي من خفر السواحل و16 زورقا حربيا مجهّزا بمختلف المُعدّات البحرية العسكرية في خليج عدن وباب المندب، وتكثيف الدوريات الأمنية على مدار الساعة، كما أعلنت الحكومة اليمنية عن ترتيبات لإنشاء أربع مراكز إقليمية لمكافحة القرصَنة في كل من صنعاء وعدن والحديدة ، ستزوّد بكافة الإمكانات اللازمة. أما المحور الثالث، فهو السعي إلى أن تكون اليمن، بحُكم موقعها البحري، مركزا إقليميا لجهود مواجهة القرصَنة الصومالية، وبحيث تكون مركزا للتنسيق والاتصال وتقديم التقارير وتبادُل المعلومات لمنطقة خليج عدَن والبحر الأحمر، وذلك إضافة إلى مركز آخر في كينيا أو تنزانيا لمنطقة شرق إفريقيا. قلق مصري.. وامن قناة السويس مصر من جانبها، والتي عانت من القراصنة الصوماليين الذين خطفوا عددا من سُفن الصيد والبضائع المصرية في الفترة الماضية، والتي يعنيها أمن البحر الأحمر، نظرا لصِلته الوثيقة بأمن المِلاحة في قناة السويس، التي تُعد المصدر الثاني للدخل القومي بعد السياحة، لا تمانع من أي تحرك دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، شريطة الالتزام بالقانون الدولي للبحار، وأن لا تمَس هذه الجهود سيادة وأمن الدّول المُطلة على البحر الأحمر. وتنطلق الرؤية المصرية من اعتبارين متلازمين، أولهما، أن ما يجري في خليج عدَن وثيقُ الصِّلة بأزمة الدولة في الصومال وغياب المصالحة فيها، ومن هنا، أهمية القيام بعمل عربي مدعوم دوليا لإعادة بناء الدولة الصومالية سلميا، ومِن ثَمّ عودتها إلى مظلّة الدول الطبيعية. والثاني، ضرورة الحِرص على تنسيق كافة الجهود والمبادرات المقترحة لمكافحة القرصنة في خليج عَدَن مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومع اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، وأن توضع الضّمانات الكافية التي تكفل شرعية وقانونية هذه الجهود، غير أن مثل هذه الدّعوات ما زالت عائمة بحثا عمّن يتعامل معها بقدر من الجدّية المناسبة.