لامني زميل لي من الإذاعة قائلا لي إنني أخطأت في طرحي في عمود الأمس، عندما شبهت ما يجري في غزة هذه الأيام بالشجرة التي تغطي الغابة. وقال "كان الأحرى بك أن تقولي أن غزة هي الشجرة التي عرت الغابة، أليست غزة هي التي أعادت القضية إلى الواجهة وجعلت الكل يتحدث عن القضية؟! ربما ما قاله زميلي صحيح، وما يجري في غزة اليوم أعاد إلى الواجهة قضية شعب قررت الدول الكبرى، التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن يسلب أرضه ويجرد من حقوقه وأن يحرق على الأرض بكافة أنواع الأسلحة المحظورة، وتلك التي لم تجرب بعد. لكن هذا لا يمنع من أن إسرائيل تمكنت من تجزئة فلسطين إلى قطع، وحولت شعبها الذي كان وحدة متماسكة إلى شعب غزة وشعب رام اللّه، وعرب الداخل، وغير ذلك من التسميات التي تنكرها مسامعنا ونرددها صاغرين، مثلما نعترف اليوم بإسرائيل، كلفظ وككيان. ما يجري في غزة يهزني، مثلما هز كل ذي عدل في الدنيا، وليس العرب وحدهم، لكن هذا لا يمنع من القول أن حماس التي لم يكن لها من خيار سوى المقاومة، قدمت لإسرائيل كل الذرائع، لتحرث غزة كيفما شاءت، بل ولتفصل غزة عن الدولة الأم، وتجعل منها كيانا معزولا عن جغرافيا المنطقة كلها، وتصب جامّ غضبها وقوتها في هذه الرقعة، لتكون عبرة للآخرين، وكأنها تقول للفلسطينيين، وللعالم كله، هذا هو مصيركم! ومن يدري، فقد تكون الرقعة المقبلة في مخطط إسرائيل رام اللّه، وسنسمع في الفضائيات ونقرأ في الصحف وفي كل مكان، عن شعب رام اللّه المسكين "المحفور"، ونخرج غاضبين منددين بالعدوان الصهيوني على رام اللّه. وما رام اللّه، وما غزة، وما كل إسرائيل سوى فلسطين المقطعة الأوصال، وما شعب غزة وعرب الداخل، بطيّبهم وخبيثهم، بحلوهم ومرّهم إلا فلسطينيون سلبوا أرضهم وهويتهم... أتمنى أن تكون غزة الشجرة التي عرت الغابة على حد قول زميلي.