نعم، هكذا تقودنا السياسة الإسرائيلية للعب في ملعبها، وهكذا يسوقنا إعلامها ونطبق منطقها دون شعور منا.. فبعد أن كانت هناك قضية فلسطينية وأرض فلسطين مغتصبة، صارت هناك غزة المحاصرة، ونسينا أن القضية الفلسطينية أكبر وأخطر من حصار غزة اللاإنساني.. وبعد أن كنا نتحدث عن مقاومة وتحرير فلسطين ”كل فلسطين” مثلما كانت تردده كل الإذاعات العربية، صرنا نتحدث ونناضل وننظم القوافل لفك الحصار عن غزة.. وبعد أن كنا نطالب بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في العيش الكريم الذي تكفله المواثيق الأممية، ونطالب بحق الفلسطينيين في بناء اقتصاد، وحقهم في العمل والكسب والحياة، صرنا نناضل من أجل حق سكان غزة الذين صار الإعلام العربي يسميهم شعب غزة بدلا من الشعب الفلسطيني، في تلقي الصدقات، ونناضل من أجل تكريس الإهانة على سكان القطاع، ليعيشوا منزوعي الكرامة، ونجعل منهم عالة على الإنسانية بتبرعاتنا وصدقاتنا.. صرنا نناضل من أجل أن يبقى سكان القطاع ضعفاء يتوسلون الصدقات ليس إلا. كنا نناضل من أجل تحرير آخر شبر من الأرض المغتصبة، ونردد عبارة عزيزة على أبي عمار، صرنا نركض وراء مفاوضات سلام، لا أدري كيف أسميه سلام جبناء أم سلام شجعان ؟! غزة الجريحة أنستنا قضية أكبر وأعظم وأشمل هي القضية الفلسطينية، وهذا ما خططت ونجحت في تنفيذه إسرائيل، حتى أخذتنا على قد عقولنا وسقطنا في الفخ. فالإعلام كله يتحدث عن غزة، وهنية يطلع في الفضائيات أكثر مما يطلع محمود عباس، وتشتت القضية وصارت قضايا.. سمعت أول أمس مذيع فضائية عربية يسأل مسؤول حماس عن تصريح مسؤول في السلطة الفلسطينية قال إنه سيزور قطاع غزة للتنسيق والمصالحة، فرد مسؤول حماس: ”لا، لم يقدموا لنا طلبا بذلك”!، فرد المذيع: ”وهل سيأخذ منكم إذنا للمجيء إلى بلاده، أليست غزة وطنه؟!”.. سكت زعيم حماس ولم يرد، لكن الرسالة كانت واضحة .. حماس تتصرف وكأن غزة ملكها ودولتها وليست أرضا فلسطينية! وليس اعتباطا أن يردد نشطاؤها عبارة ”شعب غزة”. وهذه خطة حضرت لها إسرائيل وسقطت فيها حماس، وتشتت الصفوف وضاعت القضية. نعم ضاعت القضية، فعندنا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما أصرت وزارة الداخلية في الجزائر على نزع الخمار من أجل الصورة البيومترية وقادت حماس حملة معارضة، واليوم يرسل زعيمها زوجته لفك الحصار عن غزة، فتسقط أسيرة بين أيدي اليهود، ولا أدري هل سيكتفون فقط بنزع خمارها؟! وصح المثل الشعبي عندنا: ”الرجل محجوب والمرأة تجوب”. قولي هذا لا يمنعني من مساندة أسيراتنا في إسرائيل، ولا يسعنا إلا التنديد بما فعلته إسرائيل.. وهل يشفي غليلنا قول ”إنه اعتداء جبان”!!