زارتهم جريدة "الفجر" في مقر إقامتهم حتى لا نقول منزلهم، فوقفت على مأساة أشبه بمآسي البؤساء. باب خشبي عريض يصلح لأن يكون أي شيء إلا بابا، لم يتم استبداله منذ أن غادر صاحب الإسطبلات المكان مباشرة بعد الاستقلال. استقبلنا اهل الدوار - هكذا يحلو لسكان المنطقة تسميته - بكرم استقبال الضيوف، وقفنا عند مدخل رواق واسع كانت تدخل منه عربة صاحب المزرعة وقطعان الخنازير، وفي نهايته "فتحات" أبواب لشبه مساكن أرضية، داكنة اللون بسبب الرطوبة وتسرب مياه الأمطار إليها، ترتفع فوقها غرف لا تتسع لشخص واحد في شكل عليات خشبية أشرفت على السقوط والانهيار. توغلنا أكثر في الرواق وفوق رؤوسنا مدت أسلاك حملت أوزانا من الغسيل، وفي تلك المساكن التي تشابهت في أزمتها، وقفنا عند ما يشبه الحيطان ارتفعت لتشكل دورة مياه لأفراد الدوار80 لا يمكن لأي كان استخدامها، حيث أنها كانت مسدودة تماما، ثم دخلنا أحد البيوت التي تم تحويلها من إسطبل إلى مسكن تسبب في وفاة رب عائلة بمرض السل تاركا وراءه أرملة و05 صغار يعانون من أمراض الحساسية وتنفسية أيضا. إحدى الغرف عبارة عن مطعم لهم ومرقد في الوقت ذاته، أما نوافذ التهوية فلا أثر لها، مما جعل المكان قاتما ورائحته غير محتملة، ودخلنا شبه مسكن من غرفتين تتوسطه أواني لجمع قطرات الماء المتسرب أفراده 03 أشقاء سنهم تراوح بين ال 40 و56 سنة لم يتزوج منهم أحد، أحدهم أصيب بتلف عقلي، والأكيد أن الضغط النفسي عجل في مرضه. انتقلنا إلى شبه مسكن آخر واستقبلتنا "منار"، رضيعة بريئة رمقتنا بعينيها الواسعتين مبتسمة في براءة الملاك، وقد لفت بلحاف من رأسها إلى أخمص أصابع رجلها وهي تجلس على كرسي دافع وسط مطبخ سقفه يكاد يسقط فوقها، تركنا منار ولم ننس تصويرها وأردنا الانصراف لكن مشهدا غير عادي لفت انتباهنا.. صبية وقفت لنشر الغسيل قبالة أمتار من البلاستيك، مشكلة شبه مكان للنوم ومطبخ، سألنا عنه فأخبرنا "علي" أحد نزلاء المسكن بأنه لشقيق عريس تزوج منذ عهد فاضطر الشقيق الأصغر الإيثار على نفسه ويترك لشقيقه العريس غرفة تقاسموها منذ الصغر ليسكن وسط البلاستيك ومساحة لا تزيد عن 04 متر مربع. وأخبرنا علي عن حال أهل الدوار الذين يعانون صيف شتاء من الروائح والناموس والقوارض المؤذية ومن انسداد دورة المياه، وأنهم تقدموا بطلبات لإسكانهم في بيوت كريمة، لكن بقيت طلباتهم أحلام يحرم عليهم حتى رؤيتها تتحقق في منامهم. تركنا أهل الدوار للعودة إلى زمننا وظرفنا الواقعي والدعوات تغمرنا متوسلين في أن ننقل مآسيهم لمنع كبت كاد أن يتسبب في حالات واقعة هروب أبنائهم وبناتهم للضغط المستمر.