تقدم نائب فرنسي عن حزب الجمهوريين المحسوب على اليمين، باقتراح قانون إلى الجمعية الوطنية (البرلمان)، من أجل حظر أي تمويل خارجي للمساجد في فرنسا أو استقدام أئمة من الخارج. ويعني هذا الاقتراح مباشرة الجزائر، التي تعد مع دول قليلة أخرى، من أكبر ممولي المساجد الفرنسية بميزانية سنوية تصل إلى 4 ملايين أورو. جاء في مقترح قانون تقدم به النائب غيوم لاريفي عن حزب الجمهوريين، وتم تسجيله بالجمعية الفرنسية بتاريخ 31 أوت الماضي، ضرورة التطبيق الصارم لقيم العلمانية الفرنسية واحترام سيادة الدولة على أراضيها، بمنع أي ترتيبات مع القوى الأجنبية لتنشيط الديانة الإسلامية داخل التراب الفرنسي. وتشمل هذه الترتيبات التي يراها صاحب الاقتراح وهو من الداعمين لترشح الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لتيار اليمين، منع أي تمويل للقوى الخارجية، للمؤسسات الإسلامية والمساجد بفرنسا، وكذلك الكف عن استقدام أئمة من هذه الدول إلى المساجد الفرنسية. وقال النائب في مبررات اقتراحه محددا هذه الدول التي يرى في نشاطها الديني بفرنسا تهديدا لبلاده: "لقد سلمنا لبعض الدول، مهمة تنشيط وتطوير وتمويل الديانة الإسلامية في فرنسا، وهذه الدول هي في عمومها الجزائر والمغرب وتركيا". وأضاف أن دولا أخرى لها تأثير غير مباشر على المسلمين في فرنسا، مثل السعودية التي لديها برنامج استثمارات لبناء المساجد. ويعد تمويل المساجد من القضايا الشائكة في فرنسا التي أصبحت محل تحقيق دائم من سلطات البلد التشريعية والقضائية. وفي آخر تقرير لها "حول تنظيم ومكانة وتمويل الإسلام في فرنسا وأماكن العبادة الخاصة به"، توصلت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي إلى أن الجزائر والمغرب يتنافسان على التمويل وبالتالي تكوين الأئمة في الداخل أيضا. ونقلت عن السفير الجزائري في فرنسا، عمار بن جامع، أن السلطات الجزائرية تقدم سنويا لمسجد باريس مليوني أورو، في حين يصل المبلغ الإجمالي الذي تدفعه للنشاطات الدينية في البلد إلى نحو 4 ملايين أورو. أما المغرب، فدفع للمنظمات التابعة له 6 ملايين أورو خلال سنة 2016، حسبما صرح به سفيره في فرنسا. ويريد الساسة الفرنسيون، خاصة من المحسوبين على اليمين، استعادة التحكم تماما في المساجد المنتشرة على أراضيهم، بسبب الهواجس الأمنية التي جعلت من أجهزة المخابرات تراقب عن كثب هذه الأماكن، لمحاصرة أصحاب الأفكار المتطرفة ومنعهم من بثها في صفوف الجالية المسلمة أو معتنقي الإسلام الجدد من الفرنسيين. وتتبع المساجد في فرنسا بشكل غير مباشر لثلاث دول عبر مؤسسات تتحكم فيها، هي الجزائر والمغرب وتركيا. وعلى رأس هذه المؤسسات "مسجد باريس" الذي تتبعه شبكة من المساجد في كل الأراضي الفرنسية، وهو يقع تحت الهيمنة الجزائرية. بالإضافة إلى "تجمع مسلمي فرنسا" الذي تتبعه أيضا مجموعة من المساجد، وهو تحت التأثير المغربي. وأيضا "لجنة التنسيق بين مسلمي تركيا" التي يظهر من اسمها تبعيتها لأي دولة. وهناك منظمات أخرى مثل اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا المقربة من الإخوان المسلمين والتي يعد تأثيرها محدودا. أما بخصوص الأئمة، فتأتي الجزائر في المرتبة الثانية من حيث عدد المرسلين إلى فرنسا ب120 إمام، بعد تركيا التي تعد 151 إمام ينشطون في المساجد الفرنسية، وأخيرا المغرب ب30 إماما. وبالتالي فإن مجموع الأئمة يصل إلى 301 موزعين على 2500 مكان للعبادة للمسلمين في فرنسا. وتبرز مخاوف البرلمانيين الفرنسيين، بخصوص الأئمة المكونين في الخارج، وفق تقاريرهم، من إمكانية أن ينشروا أفكارا أو افتراضات إيديولوجية تتناقض مع القوانين الفرنسية، مثل الحكم بالإعدام أو النظرة للمثليين أو التمييز بين الرجل والمرأة، أو الموقف من إسرائيل أو نكران المحرقة اليهودية، وهو ما سيؤثر حتما في الخطب التي يلقونها إلى المصلين. ومن خلال هذه الملفات، يحاول اليمين الفرنسي استغلال تنامي مناخ الإسلاموفوبيا عقب سلسلة الهجمات الأخيرة التي شهدها البلد، ليحقق أكبر المكاسب في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الرئاسية المنتظرة في سنة 2017. وقد باتت شخصيات محسوبة على اليمين، تركز كثيرا على مواضيع الإسلام والجالية المسلمة والمساجد وتمويلها ومستقبل العلمانية في فرنسا، كمادة دسمة تلقى التجاوب من الجمهور الذي أصبح مهيأ بعد الكوارث الأخيرة لاستقبال هذا النوع من الخطاب "الهوياتي" الذي يزعم البحث عن مخارج لأزمة عدم انسجام وتماسك المجتمع الفرنسي.