لم تسلم حكومة بدوي، حتى قبل ولادتها، من انتقادات المتظاهرين في مسيرات الجمعة الرابعة، مما جعلها في عين الإعصار الشعبي، ما يعني أن مهمتها ستكون من الصعوبة بمكان، لأنها ستواجه سقفا عاليا من المطالب ليس بمقدورها التجاوب معه، خصوصا وأنها تفتقد كليا لهامش المناورة. لم تكن المسيرات الشعبية رؤوفة بحكومة بدوي حتى قبل أن يتم الكشف عن تشكيلتها، حيث وجّهت لها وابل من الانتقادات، وأيضا مطالب بضرورة رحيلها بمعية رموز السلطة الحالية، ويعد ذلك بمثابة أول امتحان تخسره الحكومة الجديدة قبل مباشرة مهامها بصفة رسمية. ورغم أنه لأول مرة تشكّل حكومة بوزير أول (نور الدين بدوي) ونائبه (رمطان لعمامرة)، في مسعى السلطة لإعطائها ثقلا لمواجهة التحديات المطروحة في الساحة الوطنية، إلا أن هذا التغيير في الجهاز التنفيذي، يبدو أنه جاء في وقت متأخر بالنظر إلى التطورات التي أفرزتها مسيرات الرفض للعهدة الخامسة والتي انتقلت إلى رفض كل ما يرمز إلى السلطة بمختلف أضلعها، مما يجعل حكومة بدوي في فم المدفع منذ لحظتها الأولى. ورغم الرفض المعبّر عنه، أمس، في المسيرات ضد حكومة بدوي، غير أن من شأن الكشف عن أسمائها أن يزيد في حجم الضغط عليها في حال عودة الوجوه الوزارية التي شكل حضورها مصدر "استفزاز" للجزائريين، وهو ما يصعّب من إيجاد "التوليفة" المناسبة، خصوصا بعد الرفض الشعبي المتزايد ضد الرئيس والمحيطين به. وقد تجسدت هذه الصعوبة بوضوح خلال الندوة الصحفية التي نظمها الوزير الأول يوم الخميس الفارط، حيث لوحظ كثير من الارتباك وغياب الثقة بالنظر إلى افتقاد موازين القوى في هذا التغيير. ويعد تأخير الكشف عن تركيبة الحكومة ليس مرده إجراء المشاورات بقدر ما يعود إلى التخوف من أن تتسبب الحكومة الجديدة في حرق ما تبقى من أوراق لدى السلطة المتهالكة، بعدما رد الجزائريون بالرفض على خريطة الطريق التي كلف الإبراهيمي ولعمامرة بتسويقها إعلاميا والحكومة بتنفيذها إجرائيا. وبالنظر إلى افتقاد الرئاسة إلى الشرعية الشعبية وترهل بقية المؤسسات، خصوصا المؤسسة التشريعية التي أثبتت الأحداث الجارية في البلاد أنها فقدت كل مصداقية، فإن مأمورية الحكومة تعدّ أكثر من مستحيلة، لأنها ستكون وحيدة ولا تجد من يسندها ويدافع عنها بعدما أظهرت هتافات المتظاهرين أنها جزء من المشكلة وليس الحل.