يعلق سكان مدينة مدوكال، الواقعة جنوب غرب باتنة على بعد حوالي 130 كلم، آمالا كبيرة على إدراج القصور العتيقة ضمن القطاع المحفوظ وفق المرسوم التنفيذي 323/03 المؤرخ في 5 أكتوبر 2003، من أجل عودة الحيوية للمكان وتحويله الى وجهة سياحية. فالملف تم إيداعه منذ أكتوبر 2018 لدى وزارة الثقافة للدراسة وإبداء الرأي من طرف اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية، حسب ما أكده مدير الثقافة، عمر كبور، موضحا أن ما شجع على هذه المبادرة هو الحياة التي ما زالت تدب بالقصور من خلال سكانها وإن كانوا قلة وتمسكهم بممارسة بعض الأنشطة الفلاحية الصغيرة وزراعة النخيل، إلى جانب بقاء بناياتها الطوبية كاملة واحتفاظها بطابعها العمراني الأصيل. وتعد هذه الخطوة، حسب كبور، المختص والباحث أيضا في علم الآثار، جد هامة لحماية الموقع وتحسيس قاطنيه بطرق الإبقاء على نمط العمارة داخل القصور من خلال استخدام المواد الطبيعية وخاصة الطين في ترميم أو إصلاح بعض ما أفسده الزمن في عدد من المباني. ولأن قصور مدوكال العتيقة التي تعتبر تحفة معمارية لا يكتمل رونقها وصورتها الجمالية في أعين الزوار إلا بالحرف اليدوية التي كانت تزخر بها، فقد تم الاتفاق وفق ذات المختص مع السلطات المحلية لإحياء نماذج من الصناعات التقليدية المعروفة لدى سكان الجهة داخل القصور بالإضافة إلى بعض المرافق، على أن يتكفل بالمقابل القطاع بالمرافقة من الناحية التقنية للتدخل قصد الترميم وفق السبل الصحيحة. وسيتم تبعا لذلك، يضيف مدير الثقافة، تشجيع الجمعيات المحلية المهتمة بالتراث والثقافة والسياحة على إعادة بعث بعض الأنشطة التي كانت تقام بالمدينة، ومنها مهرجان الفروسية الذي كان يستقطب الزوار من عديد ولايات الوطن. ورشة تطبيقية في تقنيات البناء بالطين لترميم بعض المباني وتحسبا لإدراج القصور العتيقة ضمن التراث الوطني المحفوظ، ارتأت مديرية الثقافة بالتنسيق مع جمعية تغانيمت للثقافة والفنون تنظيم ورشة تطبيقية لتقنيات البناء بالطين بإمدوكال بداية شهر التراث الحالي، كخطوة أولى لتحسيس السكان بالطريقة التي شيد بها هذا المعلم التاريخي والأثري والسياحي، وتمكين المهتمين من الإلمام بالأسرار التقنية التي بفضلها قاومت بنايات قصور مدوكال العوامل الطبيعية لقرون عديدة. وترى المهندسة المعمارية ورئيسة مكتب تثمين التراث بذات المديرية، أسماء غنام، أن المحافظة على القصور العتيقة يبدأ من الاهتمام بالنمط المعماري وطريقة البناء الذي كان مقتصرا على مكونات ومواد طبيعية محلية، لذا جاءت هذه الورشة التي أطرها مختصون في الميدان وهم رشيد جبنون وعمر دالي، من جامعة محمد خيضر ببسكرة وكذا لينا شاوي من جامعة البليدة. فمادة الطين تعد العنصر الأساس في القصور العتيقة، وهي التي أضفت مسحة جمالية على المباني المتناسقة التي أضفت عليها الهندسة المحلية طابعا مميزا، لذا كان من الضروري، حسب المختصين، إعادة إحياء البناء بهذه الوسيلة الإيكولوجية والمستدامة للإبقاء على المعلم أو القرية القديمة لإمدوكال التي حافظت على جل بناياتها، بل وبقى بعضها يؤدي وظيفته إلى حد الآن مثل المسجد الذي ما تزال الصلاة تقام فيه. وفي الواقع، بدأ الاهتمام منذ سنوات بقصور مدوكال أو إمدوكال التي تعرضت لفيضان كبير سنة 1969، وتعالت أصوات جمعيات محلية من أجل حماية هذا التراث المادي حيث تم خلال سنة 2013 إنجاز دراسة خاصة بإعادة تهيئة النواة التقليدية لقرية إمدوكال العتيقة من طرف المهندس المعماري إبراهيم عريوات، الذي أكد حينها أن إعادة تأهيل القصور العتيقة وحفظها يتطلب تمويلا بحوالي 630 مليون د.ج. وتم في أفريل من سنة 2015 تنظيم أياما دراسية بالمدينة تحت شعار إمدوكال تراث وطني من طرف جمعية أصدقاء مدغاسن بالتنسيق مع جمعية الثقافة والتراث التاريخي إمدوكال، بحضور لجنة من وزارة الثقافة للوقوف على معالم ومؤهلات هذا الموقع تحضيرا لمشروع حمايته تضمنت ورشة تطبيقية حول العمارة الطينية بإشراف مختصين لفائدة شباب المنطقة. قصور مدوكال.. تاريخ وعراقة وتعزى أهمية قصور إمدوكال العتيقة، التي يعود تاريخ إنشائها إلى القرن الثالث الميلادي إلى عراقة تاريخها، حيث كانت حسب مراجع مختلفة ملتقى لعديد الحضارات الإنسانية، حيث أوضح بعض المؤرخين أنها ذات أصول نوميدية. وأطلق على المدينة مدوكال او إمدوكال، وهي تسمية أمازيغية معناها الأصدقاء أو الأحباب، فيما سماها الرومان ب أكوا فيفا ومعناها الماء الحي لكثرة ينابيعها المتدفقة ومائها العذب، وفق ذات المصادر، التي أشارت إلى أن إمدوكال التي تكون أصلها في القصور العتيقة تعد مع طبنة ببريكة (باتنة) وتهودة ببسكرة من أقدم مدن الجهة، وكانت تربطهم علاقة تجارية وطيدة. وقد ورد ذكر إمدوكال في عديد الكتب والمصادر منها نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخيار للعلامة والرحالة الحسين بن محمد الورتيلاني، كما عرفت المدينة بعلمائها منهم الشيخ الصالح بن محمد الزواوي الحسني المغربي المولود في مدوكال المتوفى سنة 839 هجرية والشيخ عبد القادر بن بليوز المدوكالي الذي توفي بدمشق سنة 1936، وأيضا المجاهد والأديب والطبيب أحمد عروة. وتشتهر مدوكال الواقعة داخل واحة خضراء تشقها ينابيع جارية بزواياها ومساجدها، لاسيما جامع سيدي الحاج، الذي كان يشكل مكان تجمع وانطلاق الحجاج إلى بيت الله الحرام، إلى جانب أبوابها الخمسة التي ما زالت بادية للعيان وهي باب النادر وباب الصور وباب الحمراية وباب الرحبة وباب العقدة. أما المتجول بداخلها، فيكتشف أزقتها الضيقة المتناسقة وممراتها المغطاة والتي تعرف ب السقيفة ، ويلمس في مبانيها التي يمتد بعضها على طابقين الطراز المعماري الإسلامي العريق الذي يزيد من جمال المدينة التي تضم أيضا آثارا رومانية. فقصور مدوكال التي لم تفقد معالمها وظلت تقاوم الزمن والنسيان واحتفظت بين بناياتها الطوبية بأسرار مجدها وبكل ما تزخر به من مخزون ثقافي وتراثي جديرة، حسب المختصين، بأن تحفظ ويعاد اكتشافها مرة أخرى وتتحول إلى وجهة سياحية بامتياز لأنها جزء ناصع من ذاكرة أمة.