سيتم تحويل قصر عزيزة الكائن ببلدية بني تامو بالبليدة، قبل نهاية سنة 2019، من معلم تاريخي الى متحف للآثار، وذلك بعد برمجة عملية ترحيل العائلات التي تقطن به وترميمه. وعقب استرجاع هذا المعلم التاريخي الفريد من نوعه بالمنطقة، ستصبح بلدية بني تامو مقصدا سياحيا للزوار من مختلف أرجاء الوطن، كما ستصبح هذه البلدية الفقيرة ثقافيا معروفة وطنيا لأنها ستثير فضول المهتمين بالمجال. وفي هذا الصدد، صرح الأمين العام لبلدية بني تامو، محمد حاج عمر، أنه سيتم ترحيل العائلات التسعة التي تقطن بهذا القصر منذ سنة 1962 لسكنات لائقة قبل نهاية سنة 2019، مما سيسمح بترميم هذه التحفة المعمارية وسيمكنها من استرجاع هندستها المعمارية الإسلامية الأصيلة. وسيتم ترحيل هذه العائلات للمشروع السكني 150 مسكن الموجه لامتصاص السكن الهش والموجود طور الانجاز بحي زواني بذات البلدية، والذي سيتم تسليمه في شهر سبتمبر أو قبل نهاية السنة على أقصى تقدير. وبخصوص تأخر ترحيل هذه العائلات إلى غاية الآن، أوضح المتحدث أن السلطات المحلية اقترحت ترحيلهم في العديد من المرات خاصة خلال عمليات الترحيل الكبرى والتي كان آخرها في سنة 2016، حيث تم تحرير مقررات استفادتهم من سكنات إلا أنها ألغيت لأن القاطنين بهذا القصر رفضوا السكن خارج بلديتهم، مطالبين بسكنات داخل بلدية بني تامو لأنهم كونهم ترعرعوا ودرسوا ويعملون بها ولا يطيقون السكن في مكان آخر. وأكد نفس المصدر، أن السلطات المحلية احترمت رغبة هذه العائلات لأنهم مواطنين جزائريين، كما أنهم من عائلات شهداء ومجاهدين وآبائهم قدموا الكثير من اجل استقلال الجزائر ولم يجدوا مأوى يأويهم غداة الاستقلال سوى قصر عزيزة، ومن غير اللائق إخراجهم بطريقة تعسفية. وأردف في هذا السياق أنه في حالة ما إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسيتم إخلاء قصر عزيزة قبل سنة 2019 وسيتم إعادة تهيئته من الخارج، لافتا إلى أن الولاية كانت قد خصصت 750 مليون سنتيم للترميم الخارجي خلال سنة 2016، إلا أن وجود هذه العائلات داخله حال دون ذلك حيث من المحتمل أن تتسبب أشغال الترميم في انهيار المبنى. وبخصوص تحويل القصر إلى متحف، قال حاج عمر أن البلدية ليس لديها فكرة عن هذا الموضوع، إلا أنه في حالة ما إذا تم تجسيد هذا المشروع فان ذلك سيعود بفائدة مادية ومعنوية كبيرة على بلدية بني تامو وعلى سكانها. من جهته، كشف المدير المحلي للثقافة، الحاج مسحوب، عن أنه فور ترحيل العائلات القاطنة بقصر عزيزة لسكناتهم الجديدة، سيتم تحويل هذا المعلم التاريخي لمتحف أثري لفتحه أمام الزوار. وأبرز الحاج مسحوب، بأن القصر سيشهد بعد عملية الترحيل إطلاق أشغال إزالة كافة الإضافات التي قام بها السكان من غرف جديدة وأسوار لفصل الغرف ودرج وغيرها، وسيتم استعادة الهندسة المعمارية الأصلية لهذا القصر الذي يروي كل ركن من أركانه حكاية من حكايات الابنة المدللة للداي حسين. وسيتم تحويل الأرض المحاذية للقصر لحديقة جميلة للمتحف تضم جميع المرافق الضرورية، التي عادة ما تكون أمام هذا النوع من المباني الأثرية، لكي تصبح جذابة ثقافيا تقصدها العائلات لزيارة المتحف من جهة، وللاستمتاع بأوقاتهم مع أطفالهم. وسيسمح هذا الفضاء الأثري، لدى انجازه على أرض الواقع، بتحويل بلدية بني تامو إلى قطب سياحي محلي ووطني يذكر زائريه بالفن المعماري الإسلامي ويسافر بهم عبر حقبة من الحقب التاريخية للمنطقة. قصر عزيزة.. من قصر ملكي إلى بناية جماعية قديمة ومهترئة وخلال زيارة لهذا المعلم التاريخي، تم ملاحظة الحالة المتدهورة جدا لقصر عزيزة بدءا من البوابة التي تظهر عليها آثار الاعتداءات الكبيرة التي قام بها السكان على هذا المعلم الذي أصبح يبدو كبناية جماعية قديمة، حيث تم بناء عدة غرف في ساحة القصر وعدة أسوار أخرى لفصل بيت كل عائلة عن الأخرى، مما شوه كثيرا منظر هذا المعلم وأخفى كل جمالياته. كما تبدو الأسقف والأسوار الخارجية في حالة مهترئة وكأنها تنذر بالسقوط في أي لحظة على رؤوس ساكنيها، ناهيك عن الحالة المزرية لغرفه التي ضاقت بهم بعدما أصبح عددهم يزيد عاما بعد عام. وفي هذا الصدد، أفادت سيدة تقطن بقصر عزيزة، أنها ترعرعت في هذا المبنى وكانت ترفض مغادرته، غير أن مرور السنين واهتراء هذا المعلم دفعها لتغيير فكرتها وانتظار ترحيلها وعائلتها بفارغ الصبر. ومن ناحيتها، أوضحت سيدة أخرى من عائلة مجاورة أنه غداة الاستقلال، كان القصر يسع الكل لأن عددهم لم يكن كبيرا، إلا انه مع مرور الوقت أصبح الأمر عكس ذلك. وقاطعها شاب كان برفقتها قائلا: نناشد السلطات المحلية زيارتنا والاطلاع على الظروف المعيشية المزرية التي نعيش فيها ، مطالبا بترحيلهم في اقرب الآجال، مضيفا: لقد مللنا من الوعود فكل مرة يعدنا فيها المسؤولين المحليين بمنحنا سكنات لائقة، إلا أن وضعنا باق على ما هو عليه . يذكر بأن تاريخ بناء قصر عزيزة يعود لفترة التواجد العثماني بالجزائر، وبالتحديد سنة 1797، حيث قام الداي حسين ببناء قصرين لابنته عزيزة بعد زواجها من باي قسنطينة الأول في القصبة بالجزائر العاصمة والثاني في بني تامو بالبليدة. وقضت عزيزة ابنة الداي حسين فترة طويلة من حياتها في هذا القصر الذي كانت تفضله كثيرا نظرا لمناخه الجميل وهوائه النقي والمنظر الطبيعي الخلاب الذي تطل عليه جبال الشريعة. وفي بداية الاحتلال الفرنسي للمنطقة حول القصر إلى سجن، فثكنة عسكرية، ثم مقر لإقامة المظلي الفرنسي لاقارد إلى غاية 1962. فهل سيستعيد قصر الابنة المدللة عبقه التاريخي؟، وهل ستحلق روح عزيزة من جديد في أرجاء قصرها المفضل الذي عاش وعايش الكثير بعد أزيد من قرنين من الزمن على تشييده؟.