حققت الهبة الشعبية المتواصلة للجزائريين، منذ 22 فيفري الماضي، العديد من النتائج الإيجابية ليس فقط في الجانب السياسي وإنما الإجتماعي كذلك، فمن رفض العهدة الخامسة للرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، تطورت مطالب الجزائريين إلى المطالبة برحيل كل رموز النظام ومحاسبة رؤوس الفساد، تمهيدا لتحقيق انطلاقة جديدة تضع البلاد على السكة الصحيحة للرقي والازدهار. وأبان هذا الحراك الشعبي عن وعي ورقي حضاري في طريقة التظاهر والتعبير عن رفض الجزائريين لرموز النظام، خاصة من جانب الحفاظ على السلمية واستقرار البلاد، وأن الحراك جاء للبناء لا للهدم، فمع تعاقب الأسابيع ومرور ثلاث جمعات، وبعدما كانت تطالب من الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، بالعدول عن قرار ترشحه لعهدة خامسة وما تلتها من تحركات وقرارات على مستوى الرئاسة، ومن بينها تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 18 افريل وتمديد العهدة الرابعة وامتصاص الغضب الشعبي كانت الجمعة الرابعة من الحراك مناسبة لرفع سقف المطالب، والتي رفض خلالها المتظاهرون والمحتجون قرارات بوتفليقة جملة وتفصيلا، حيث حملوا شعارات لا لتمديد العهدة الرابعة وتأجيل الانتخابات . في حين عرفت الساحة السياسية في الشهر الأول من الحراك الكثير من التغييرات، فلم يبقى الحراك مقتصرا على المواطن البسيط بل تعداه، حيث التحقت العديد من شرائح المجتمع وعدد كبير من القطاعات وبدأت المطالب تأخذ بعدا آخر لتصبح تطالب بإسقاط رؤوس الفساد تحت شعار تتنحاو ڤاع . تغيرات جذرية في المواقف وشهدت الأحداث المتسارعة في الجزائر، بسبب الحراك الشعبي، تغير العديد من التوجهات والمواقف لبعض المؤسسات و المسؤولين، منها أحزاب سياسة كانت ضمن تشكيلة التحالف الرئاسي ولعل أكبر هاته الأحزاب الحزب العتيد حزب جبهة التحرير الوطني، فبعدما كان من أول المطبلين لترشح الرئيس وأقر بعدم وجود بديل يقود الجزائر خلال هاته المرحلة، فجأة خرج بعض مسؤوليه وأكدوا أنهم مع الحراك، وقد سبقهم في ذلك حزب التجمع الوطني الديمقراطي والعديد من الشخصيات السياسية الوطنية، لكن الشعب أبان عن فطنة كبيرة هاته المرة ولن تنطلي عليه هذه التمثيلية ورفضوها تحت شعار دائما تتنحاو ڤاع . وكان التسارع في الأحداث على الساحة الوطنية كفيلا بابراز العديد من القضايا التي تم التستر عنها يإيعاز من قبل رؤوس العصابة. وواصل الحراك الشعبي مسيرته التي بدأها، حيث اقترحت الأغلبية في ظل عدم الاستجابة للمطالب الشعبية التي تطورت للدخول في اضراب شامل مس جل مؤسسات الدولة و هذا ما كان في ال10 من مارس، حيث دخلت أغلب المؤسسات العمومية على مختلف نشاطاتها وكذا بعض المؤسسات الخاصة لتشل جميع النشاطات التجارية والمعاملات لكن دون جدوى، ويتم بعدا تشكيل حكومة مؤقتة تقود المرحلة وسط رفض شعبي لها. ليأتي خطاب المؤسسة العسكرية، أين شدد رئيس الأركان، الفريق ڤايد صالح، على ضرورة تطبيق المادة 7و8 مع المادة 102 من الدستور والتي تقر شغور منصب رئيس الجمهورية، مما انجر عنه في الثاني من أفريل استقالة رئيس الجمهورية. وبعدها أعلن البرلمان بغرفتيه في التاسع من شهر أفريل تثبيت عبد القادر بن صالح، رئيسا للدولة لمدة 90 يوم حسب المادة 102 من الدستور، لكن الشعب واصل ضغطه وطالب بذهاب الباءات الثلاث واقترح أسماء وطنية توافقية، يرى بأنها هي القادرة على الخروج بالجزائر من الأزمة. حرب متواصلة على المفسدين وتميز شهر ماي الساخن بجملة من الاعتقالات لبعض الشخصيات وأصحاب المال، فبدأت الاعتقالات برئيس منتدى رؤساء المؤسسات والمؤسسات، علي حداد، في الفاتح من أفريل عند المعبر الحدودي أم الطبول أين كان يلوذ بالفرار إلى تونس، لتتمكن مصالح الأمن من إيقافه وتحويله للعدالة بتهمة التزوير واستعمال المزور. وتلاه اعتقال كل من يسعد ربراب وكونيناف وإخوته بتهمة تبديد المال العام وعقد صفقات مشبوهة، لتطال عملية الاعتقالات بعدها الجنرالين السابقين في المخابرات توفيق وطرطاڤ، بالإضافة إلى شقيق الرئيس المستقيل، السعيد بوتفليقة، في الرابع من ماي بتهمة التآمر ضد الدولة وسلطة الجيش، وتم احتجازهم مؤقتا في السجن العسكري بالبليدة، لتطال بعدها حملة الاعتقالات الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، بعدما تم استدعائها الى المحكمة العسكرية بالبليدة وتم احتجازها مؤقتا في نفس قضية السعيد بوتفليقة، كل هذه التحولات والقرارات لاقت تجاوبا سياسيا وشعبيا كبيرا، كما تمت المطالبة بالإسراع في عملية محاسبة من سولت لهم أنفسهم التلاعب بأمن ومستقبل ومصلحة البلاد. النجاحات الاولية التي حققها الحراك الشعبي السلمي في الجزائر منذ الثاني والعشرين من شهر فيفري الماضي، وصفت من قبل العديد من السياسيين والمحللين بالجزئية والبسيطة في مظهرها، لكنها جوهرية في مضمونها من حيث التحولات التي ينشدها الحراك الشعبي بإسقاط رموز العصابة بشطريها السياسي والمالي، تحسبا للإنطلاق في ورشة كبرى لوضع البلاد في السكة الصحيحة للرقي والازدهار.