دخل العصيان المدني، الذي دعت إليه الحركة الاحتجاجية في السودان، حيز التنفيذ اعتبارا من يوم أمس، على أن يستمر للضغط على المجلس العسكري المتهم بالقمع العنيف حتى تسليمه السلطة لحكومة مدنية. وتأتي الدعوة للعصيان المدني خمسة ايام بعد قيام قوات الامن بفض اعتصام منظم من طرف المحتجين منذ 6 افريل أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، امتدادا للحركة الاحتجاجية التي اندلعت في ديسمبر الماضي. وقال تجمع المهنيين السوداني الذي يقود الاحتجاجات، ان حركة العصيان المدني بدأت امس ولن تنتهي الا بالإعلان عن حكومة مدنية، حيث يأتي هذا النداء غداة زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي، ابي احمد، الى الخرطوم كوسيط بين المحتجين والمجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم البلاد منذ الاطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 افريل الماضي. وقد وصف المحتجون عملية فض الاعتصام بالمجزرة، كما تبعتها موجة قمع خلال هذا الاسبوع، وحسب بعض السكان فان جو من الرعب يسود العاصمة، بعدما اكد أطباء ان اكثر من 100 شخص لقوا مصرعهم واكثر من 500 جرحوا معظمهم خلال فض الاعتصام، فيما نفت الحكومة هذه الارقام، متحدثة عن حصيلة 61 قتيلا. وكما يأتي هذا الشكل الجديد للتحرك بعد يومين من اضراب عام يومي 28 و29 ماي للضغط على الجيش، ولم يتم توضيح الشكل الذي سيتخذه هذا العصيان المدني، فيما لا تزال شوارع الخرطوم خالية منذ الاثنين الماضي بسبب القمع. ويشهد السودان تطورات متسارعة وتباينت الاراء حول افاق الازمة في هذا البلد، خاصة بعد اعلان تجمع المهنيين السودانيين، الذي أطلق الحركة الاحتجاجية في السودان العصيان المدني، على ألا ينتهي إلا بقيام حكومة مدنية بإذاعة إعلان بيان تسلم السلطة عبر التلفزيون السوداني. مخاوف من تطور الأوضاع إلى الأسوء كشفت مصادر اعلامية، أن الغالبية العظمى من المحال التجارية والخدمية في العاصمة السودانية مغلقة، بينما أكد شهود عيان توقف خدمات مطار الخرطوم الدولي وإلغاء جميع الرحلات المغادرة والقادمة إليه تخوفا من اي انزلاقات اخرى. وعلى الرغم من أن العطلة التي أعلنتها السلطات بمناسبة عيد الفطر انتهت عمليا السبت، فقد تباطأت وتيرة الحياة بشكل كبير في العاصمة الخرطوم، وعدد من المدن خلال تلك الفترة، وأعلنت العديد من القطاعات في السودان عن مشاركتها في العصيان، الذي دعت إليه قوى المعارضة وتجمع المهنيين. ومن هذا المنطلق، قدم تجمع المهنيين السوداني شروطا شملت تشكيل هيئة مستقلة مدعومة دوليا لإجراء تحقيق مستقل في أعمال العنف منذ الإطاحة بالبشير في 11 أفريل الماضي ومحاسبة المسؤولين عنها، كما دعا التجمع، وهو تحالف يمثل المحتجين في المفاوضات، إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وقال انه ينبغي أن تركز الوساطة على نقل السلطة لحكومة مدنية القيادة. وأشار محمد يوسف المصطفى، أحد الناطقين باسم تجمع المهنيين السودانيين، إلى أن المبادرة الإثيوبية ركزت على العودة لكافة الاتفاقات بين المجلس الانتقالي العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير. وبعد أحداث فض اعتصام المحتجين أمام مقر قيادة الجيش، الاثنين الماضي، التي أسفرت عن وقوع عشرات القتلى، دعا قادة الاحتجاجات إلى تصعيد أدوات الاحتجاج السلمي، وغلق الطرق في العاصمة والأقاليم، لتنتهي بإضراب كامل وعصيان مدني. الجيش يؤكد حرصه على التحول الديمقراطي توالت تأكيدات المجلس العسكري الانتقالي في السودان فيما يخص انفتاحه على التفاوض وحرصه على التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في البلاد، إلا أن ذلك لم يعزز ثقة المحتجين به، وما إذا كان سيفي بوعوده خصوصا بعد فض الاعتصام بالقوة واعتقال بعض القيادين من الحراك الشعبي عقب لقائهم برئيس وزراء أثيوبيا، أبي أحمد، الجمعة والسبت. واكد حرصه على التفاوض للوصول إلى تفاهمات مرضية تقود إلى تحقيق التوافق الوطني، وثمن مبادرة حكومة إثيوبيا التي يقودها رئيس الوزراء، بي أحمد، لتقريب وجهات النظر بين الاطراف السياسية في السودان. وجاءت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الخرطوم بعدما علقت مفوضية الاتحاد الإفريقي عضوية السودان من المنظمة الإفريقية، لحين تسليم السلطة لحكومة مدنية، بعد مقتل عشرات المتظاهرين أثناء فض قوات الأمن اعتصامهم في الخرطوم. وخاضت المعارضة المدنية محادثات مع المجلس العسكري المؤقت بشأن انتقال يقوده مدنيون إلى الديمقراطية، لكن المفاوضات تعثرت ثم انهارت بعد اقتحام قوات الأمن لموقع الاعتصام. وفي أعقاب أحداث الفض الدموي للاعتصام، ألغى المجلس العسكري كل الاتفاقات التي توصل إليها مع قوى الحرية والتغيير بشأن الانتقال الديمقراطي، وأعلن عن إجراء انتخابات عامة في غضون تسعة أشهر، لكن الحركة الاحتجاجية رفضت هذه الخطط. ويشهد السودان اضطرابات منذ ديسمبر الماضي، بعد خروج احتجاجات بسبب ارتفاع أسعار الخبز ونقص السيولة، أدت إلى عزل الرئيس عمر البشير على يد الجيش في 11 أفريل الماضي، لينتهي حكمه الذي استمر ثلاثة عقود.