سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«ينبغي وضع موسوعة شعرية تعرّف بشعراء الجزائر» «على الشاعر ألا يقترب من محراب الكلمة إلا طاهرا متوضئا بماء القيم والأخلاق» «إعلامنا لا يخدم الشعر بتركيزه على الرداءة» الشاعر بغداد سايح يتحدث عن «قناديل منسية».. ويؤكد: في حوار خاص ل«السياسي»:
صوت حنون عذب، يلقي إلى مسامع الجزائريين كلمات أخاذة تحملهم إلى عوالم التأملات وتهيم بهم في ربوع الأوطان متناسية حدود الزمان والمكان، هو من أبناء الجزائر، لم يبرز اسمه إلا قليلا عبر القنوات الإعلامية، التي تواصل إجحافها في حق ما تزخر به الجزائر من طاقات شبانية مفعمة بالعطاء، قدم الكثير عبر ولايات الوطن، في رحلات قادته للمشاركة في مختلف النشاطات الفواحة بعبق الشعر الجميل، هو الشاعر ابن لالة مغنية بجوهرة المغرب العربي تلمسان: بغداد سايح. «السياسي»: بغداد سايح، هل صار سؤالا تقليديا أن نقول ماذا عن بدايات الشاعر؟ ماذا تقول لقراء «السياسي»؟ بغداد سايح: البدايات لا مفر منها فهي فواصل الزمن الضرورية وأول ما نبدأ به تحية طيبة إلى قراء السياسي مع أبيات ترحيبية: أهلا و سهلا ثم مرْ مرْ مرحبا تلقون منا كل شيء أطيبا منكم نشيد الحب ذا مستلهم فالحب أنتمْ صار ماءً أعذبا ما أنشدتْ شمسٌ ولا غنى المدى أرقصتمُ هذا الفضاء المتعبا فيكم أقول الشعرَ شهداً ليتني أهديكمُ قلبي وأمضي معجبا في الحقيقة لم تظهر القصائد عندي بشكلها العمودي المقبول إلا في السنة الثالثة ثانوي، حيث كنت أشتغل كثيرا على قصائد غرضها الهجاء وهي كتابات جدية لم أدونها وإنما كنت أكتفي وقتها بتوزيعها على زملاء الدراسة فتاريخ أول قصيدة غير مضبوط عندي. ويمكن القول أنه لو عدنا للطفولة ستجدين أن بغداد نشأ في أسرة على قدر واسع من الثقافة فالوالد أستاذ لغة فرنسية وجدودي اشتهروا بالفقه والإمامة والحكمة.. وكانت لي علاقة بالكتب والأقلام منذ نعومة أظافري فكنت أجدها في زوايا البيت كما أنني وجدت في البحر الذي فتحت عينيّ على زرقته وفي أحضان الطبيعة الخيال الخصب..أما الشعر ذاك الكائن العجيب فقد اكتشفته يعيش داخل بساتين قلبي ويتسلق أشجار أفكاري حين دوّت قصائد المتنبي. هل هناك سرا وراء تسمية «بغداد»؟ لهذه التسمية قصة حدثت مع عمي فقد كان في صغره مشاكسا وكثيرا ما يتشاجر مع أقرانه وربما يتعرض لمضايقات كثيرة ممن يكبرونه سنا، فيأتي المدعو«بغداد» وهو أحد مجاهدي منطقة لالة مغنية فينقذه من الموقف المحرج.. وبما أن والدي أصغر إخوته وعاش معه فقد أطلق هذا الاسم الثوري عليّ باعتباري الابن البكر لأبي. ماهي المصادر المتعددة التي لها تأثير على نضوج تجربتك الشعرية وتنوعها؟ للشاعر ينابيع الفلسفة الصافية ووديان الصوفية العذبة وأنهار الثقافة التي لا تتوقف عن الجريان وآبار اللغة التي لا تنضب مياهها.. وفي الشعر لا يخجل الشاعر من آبائه وليس عيبا أن يحمل بعض ملامحهم، فلولا قصائد الكبار أمثال المتنبي وأبي تمام و نزار قباني والجواهري وغيرهم، ما كان بغداد سايح ليخرج من الريش المنثور لتلك الأشعار طائرا يعشق التحليق في واسع الخيال كنسر يتحيّن الفرصة لاصطياد الصورة المبهرة والانقضاض على المعنى الجميل. المرأة تأخذ حيزا واسعا في كتاباتك ويقولون الشاعر لا يكتب دون ملهمة هل هذا صحيح؟ القصيدة امرأة دافئة تأتيني من بلاد الأنوثة فلا يمكن لعسل الكلمات أن يأتي إلا من شهد النظرات، وإذا كان شعري رحيقا فالأكيد أن مصدره زهرة تتفتّح في حدائق قلبي، فوراء كل سطر متضمخ بالرؤى تبتسم العيون الساحرة، وخلف أجمل القصائد تقف أم رؤوم يمتد شعاع حنانها إلى أقصى زاوية من الإبداع، والملهمة منبع الفكرة فبدونها تذبل الشعرية وبوجودها تنمو زنابق القصيد ؟ماذا تعني لك المرأة ؟ أجمل قصائدي والموت ؟استحالة الكتابة والليل ؟شاعر آخر والحقيقة ؟لؤلؤة نادرة والفرح سحابة عابرة والحزن؟ ج:صديق وفيّ والجزائر شموخ أزليّ ركوع في محراب الكلمة ما مدى قدسية الشعر عند بغداد؟ أنا لا أؤمن بعبثية الشعر لأنه ترفّع عن البهائمية والضحالة وانتقال إلى الروحانيات والمثاليات، فلا أقترب من محراب الكلمة إلا طاهرا متخلصا من قذارات عالمنا المتسخ بالظلم والقهر متوضئا بماء القيم والأخلاق باعتبار الكتابة عبادة، قبل أن تكون مغامرة إبداع فالقصيدة لها قداستها من خلال تسليحها بالفنّية الإسلامية لهدم جدار الضياع وتحطيم أصنام الغموض ومحو آفة الانسلاخ الشعري. أيّ العوالم ترتّب من خلالها هواجسك الشّعريّة؟ ما أراه بمنظور الفلسفة الذاتية هو عالم شعري واحد يتكون من كائنات بشرية تذوب في رمال تجلياتي حتى إذا عدت إليها وجدتها نخيلا شامخا وقوافل من إبل المعنى فالإنسان يشكل المادة الأساسية للهيولى الشعرية باعتباره متعدد المفاهيم عبر نسق الكتابة ويأخذ شكل الوعاء التصوري الذي يوضع فيه وتعاملي معه يكون بمسك الخيوط الأولى من أسمال الذاكرة الإنسانية ثم أنتقل إلى النسيج المطرّز بآلام وآمال هذا الإنسان. هناك قصائد عندما نقرأها نشعر بقيمتها التي تدوم طويلا وتبقى في الأذهان، وهناك قصائد فقط نستمتع بها عندما يلقيها لنا صاحبها، ولكنها سرعان ما تتبخر من الذاكرة، أي هذين الشاعرين أحق بالشهرة والثناء؟ دق لحظة التعبير. الأكيد أننا لا نسمع نبضات القصيدة، إلا من خلال إلقاء شعري جميل فالقصيد ماء سلسل عذب، لا يروقنا منظره أو سماعه إلا بتدفقه في نهر من الألحان الصافية.. فخرير الماء في جدول هو رونق و جمال له، فالأصل في الشعر أن يُلقى و لولا الإلقاء الجميل ما وصلتنا القصائد عبر الرواة وقد أشار المتنبي إلى أهمية الإلقاء في بيته الشهير، حيث ربطه بالإنشاد الخالد. وما الدهر إلا من رواه قصائدي ** إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا فإذا كان الشاعر يطربنا بصوته ويشعل فينا الحماس الظرفي، فأقول أن جمالية النص المقروء تشفع لكاتبه أن يسكن غرف ذاكرتنا. هل تفضل الإنسان الشاعر أم الشاعر الإنسان؟ الشاعر يسعى إلى امتلاك سلاح الكلمة خدمة للإنسانية وليس لتدمير مبادئ العدالة والمساواة فالشاعر الإنسان يجعل من أفكاره أسلحة يحارب بها الطغاة، ولكي يستطيع الوقوف مع القضايا العادلة لابد أن ينطلق من إنسانيته فالتشبّع بالقيم الإنسانية هو أهم المحطات التي يمرّ بها الشاعر حتى يتمكن من تمثيل الإنسانية في أحسن صورها، فالأصل أن يكون الشاعر إنسانا قبل كل شيء يحمل آمال وآلام أمته ويتقاسم أفراح الشعب وأحزانه حفاظاً على معيار الصدق لحظة التعبير. ما هو جديد الشاعر بغداد سايح؟ الجواب: جديدي بحول الله سيكون إصدار مجموعتي الشعرية الأولى «قناديل منسية» قبل انتهاء السنة الجارية. بماذا جدت لتلمسان، لالة ستي ولالة مغنية وغيرها، وهي مسقط رأسك؟ تلمسان لها منابع تاريخها العذبة التي منها نهلت فكتبت عنها وعن شوراعها وجمال طبيعتها مرورا بلالة ستي إلى الوريط في قصائد كثيرة ومتعددة «تلمسان»،«بين الرماد واللهيب»،..أما لالة مغنية فهي العطر الذي أحمله في قمصاني أينما ذهبت وتلك الحروف الشذية من عبق التاريخ والأجداد..هي مدينة الأصل والمولد و فيها أقول: أهداب مدينة بيديها معنيّةُ الشوق سالا قمرٌ يسقي كلّ شبرٍ جمالا وبعينيها عانقَ الصبحُ ليلاً فتعانقنا نجمةً وهلالا هيَ حجّتْ بحراً من الجود يمشي وإليها حجّ النقاءُ رمالا كالمرايا مدينةٌ من ضياءٍ تسكبُ الشمسَ في الشفاهِ زلالا إزرعوها عينينِ تُنبتْ رؤاها واجرحوها بالحبّ تنزفْ رجالا وبها الفينيقُ هزّوا المعاني ولها اسّاقطَ الزمانُ خِصالا شيّد الرومانُ المآثرَ فيها وكسوها من الحصاةِ جلالا وبوادي المُوَيْلحِ انسابَ مجدٌ راقصَ الأرضَ مُشرقاً و الظلالا كان نبعُ الرؤى نُمالةَ حلْمٍ روّضتْ في عينِ الخلودِ خيالا كتبتنا مغنيّةُ الأصلِ شِعراً فخدشنا صدرَ الجوابِ سؤالا. تبقى إبداعات شعرائنا حبيسة الأدراج والدفاتر ونوادي الشعر والكلمة ماذا تقول؟ أقول أن الشعر الحقيقي صعب أن ينشر بينما العبث نجد له مساحات شاسعة للنشر فالأدباء يخصصون وقتهم لإبداعاتهم لا في ملاحقة ناشر لها يعتبر العملية كلها تجارية كما أن النشر على مستوى بعض المؤسسات الثقافية لا يحتاج أن يكون المنتوج الأدبي جيدا بل أصبح يستلزم ذلك وجود وساطات ومحاباة وهي أمور تفشت في كل القطاعات و بالتالي فالأديب أصبح يغتنم فرصة المناسبات ليركب هذه الموجة لعله يظفر بما لم يحققه من دور النشر والمؤسسات الثقافية إلا أن هذه المناسبات غالبا ما تكون في صالح من لا يستحق ولذا أرجو أن تكون سياسة النشر واضحة مستقبلا بعيدا عن الطرق الملتوية. هل ترى أن الإعلام بالجزائر يقوم بدوره المنوط به في دعم الشعراء؟ إنّ إعلاماً غارقا يتعامل بنفاق أمام الجمهور ويفتخر فقط بعدد سحب جرائده أو مدى إضحاك المشاهد عبر الشاشات هو إعلام لا أنتظر منه أن يخدم الشعر، الذي هو ديوان العرب، لإدراكه أن المعركة حاليا هي معركة أفكار ومفاهيم وأن الثورة القادمة التي ستقطع عملية استرزاق هذا الإعلام لن تأتي إلا إذا استعاد الشاعر المفكّر قوّة التأثير في المجتمع، فالإعلام يحاول تقزيم الشعراء وفي نفس الوقت يغرس في الجمهور النفور من الشعر من خلال إبراز الرداءة، غير أن هذا لا يعني عدم وجود منابر حرة تخدم الأدب الرفيع والثقافة الأصيلة. حدثنا عن شعراء من الجنوب من الهضاب وبين تلال الرمال، من الشرق ومن الغرب في أحضان عنابة وباتنة وتلمسان وبوسعادة ما جادت به ألسنة الفصحاء، وقد لا يعلم بوجودهم حامي الثقافة ببلدنا؟ بدون تحديد الأسماء لكي لا أقع في إحراج مع أصدقائي الشعراء فأقول أنه توجد قامات شعرية شامخة في الجزائر ولكن تسييس الثقافة والحرص على استعمال الإعلام لتشجيع الرداءة يجعلنا لا نشاهد جيلا شعريا متميزا فالحقيقة أن أغلب ما نراهم يطفون في بحر الملتقيات متطفلون على الشعر وتبقى اللآلئ الشعرية في قاع التهميش، ولكي أكون صريحا أقول أن الشعر في الجزائر له مشهد مشرق حين تقرأ للجيل الصاعد الذي أبهر العالم بالأدب الإنساني المدهش وكسر احتكار الشعر العربي من طرف المشارقة، فالجزائر في السنوات الأخيرة انتزعت الريادة الأدبية من خلال إنجازات شعرائها وأدبائها، وما أريد أن أشير إليه بخصوص هؤلاء الشعراء القادمين من تراب أرضنا الحبيبة هو ضرورة مواكبة النشر والنقد لما تنتجه القرائح. إذاً، ماذا يقول الشاعر بغداد سايح عن دور المثقف الجزائري في الوقت الراهن والعربي عموما؟ أقول للمثقف العربي ثق بثقافتك العربية واعمل على غرسها في المجتمع بإنسانيتك وبتعاملك مع الآخرين لا بخطابات ولا برؤى فلسفية، وكن بسيطا بعيدا عن تعقيدات المذاهب والنظريات فحان الوقت ليلبس المثقف ثوب المواطن العادي ويتخلص من لباس النرجسية القاتم وينزل من برجه العاجيّ ويمشي بين الناس ويسير في الشوراع ويجلس في المقاهي، فالتواصل أهم الأدوار لإنجاح الفعل الثقافي أما القطيعة والابتعاد والانطواء فهي أسباب لإجهاض المشروع الثقافي. ماذا أعطت فلسطين لأشعارك؟ فلسطين نافذة من نوافذ الرحمن أطلّ عبرها على حقيقة الإنسان فأرى عشب الأماني الأخضر وانسكاب وجه الوطن في عروق الأرض.. فلسطين تمنح للشعر إنسانيته من خلال غرس فكرة التآخي وزرع بذور النصرة و النخوة داخل النفوس وربما كانت فلسطين أجمل أشعار العرب أو هكذا أعتقد. نظرا لاحتكاكك بطبقة الشعراء، بمختلف توجهاتهم، ماذا يقترح الشاعر الجزائري؟ سيكون جميلا جدا لو تكون هناك موسوعة شعرية تعرّف بهؤلاء الشعراء على غرار ما يفعله جيراننا المغاربة حين جعلوا للشعر مكانة خاصة وعرّفوا بأدبائهم وشعرائهم من خلال موسوعات للشعر ومجموعات شعرية جماعية ومواقع إلكترونية معترف بها من المملكة.. أقول هذا لأن احتكاكي بالشعراء جعلني أدرك أن الشعر الجزائري يعيش أجمل أيامه مقارنة بالشعر في العالم العربي وبصراحة سيكون إهدارا للثروة الشعرية إذا لم تحفظ هذه التجارب ولو أنني أرى في مدينة سوف نماذج رائعة فمديرية الثقافة هناك تتبنى مشاريع ثقافية تخدم الخارطة الشعرية في الجزائر.. أتمنى أن تكون للمسؤولين على قطاع الثقافة رؤية موضوعية تقتضي التنسيق مع مختلف إطارات الأدب والشعراء لتقديم موسوعة شعرية جزائرية لا تقصي اسما واحدا. وختامها مسك .. كيف تريده أن يكون لقراء «السياسي»؟ أنثر الحب في سطور السياسي ** وردةً وردةً لأهلي وناسي فالحوار الشذيّ بعض الحكايا ** والحديثُ الشفيفُ كلّ الحماسِ فاكتبي يا جريدةَ الفكرِ مجداً ** تمّحي بالرؤى عيون المآسي.