لم تكتمل فرحة المستفيدين من السكنات اللائقة بحي 812 مسكن بعين النعجة، في إطار عملية ترحيل واسعة قامت بها الولاية، وذلك بعد معاناة طويلة من الانتظار والصبر في شاليهات سكنوها لأكثر من عشر سنوات، لتتحول فرحتهم إلى كابوس، بعد أن اصطدموا بعد ترحيلهم بسويعات، بعدم استكمال الأشغال بها، مع افتقارها لأبسط الضروريات، ومع ذلك، فقد اضطر السكان إلى قبول الأمر الواقع، بحيث وجدوا أنفسهم مطالبين بتسديد حقوق الإيجار، على الرغم من أن العديد من المواطنين لم يقطنوا بمساكنهم، بسبب الوضعية السيئة غير القابلة للسكن. تسبّبت الأمطار الأخيرة في تدهور وضعية السكنات، حيث تعرضت جدران بعض العمارات لتصدعات سمحت بتسرب كميات معتبرة من المياه، كما يعاني سكان حي مغنوش المكون من 812 مسكن، ببلدية جسر قسنطينة، من عدة نقائص جعلت من الحياة بها لا تختلف عن الشاليهات، في حالة اندهشت لها العائلات المستفيدة من وضعية السكنات المستلمة، متسائلين عن جدوى تسليمها للسكان، متسائلين عن الجهة التي ستتكفل بإتمام النقائص والأشغال غير المنتهية في محيط الحي، بعد أن اعتمد المواطنون على ميزانياتهم الخاصة في استكمال الأشغال داخل السكنات، من عمليات تركيب للحنفيات، وتركيب مصابيح الإنارة وإصلاح الكوابل الكهربائية غير المنجزة، ووضع أقفال الأبواب وغيرها من التفاصيل الهامة التي كان من المفروض إتمامها قبل تسليم السكنات للمستفيدين، الذين سارعوا إلى نقل أثاثهم إلى المساكن الجديدة، قبل أن يصطدموا بالوضعية الكارثية للسكنات التي انتظروها لسنين عديدة. السكنات سلّمت والروتوشات لم تكتمل بعد بمجرد دخول "السياسي" لعمارة بحي مغنوش، بدت وكأنها شيدت بأحد الأحياء الراقية بالعاصمة، حيث تميزت برواق وسلالم عريضة مرصعة بالرخام والسيراميك، ومزينة بالشجيرات، كما يوحي وجود »الأنترفون« بالعمارة، إلى حياة راقية تعيشها العائلات خلف تلك الأبواب، إلا أن »السياسي« اكتشفت العكس تماما عند دخولها شقة أحد المواطنين، التي تبدو وكأنها مازالت في ورشة بناء، وهو ما عبّر عنه المواطنون إزاء وضعية سكناتهم الجديدة، والتي سلّمت لهم دون استكمال الأشغال والرتوشات المتبقية بها، حيث أكد أحد المواطنين الذين تحدثت إليهم »السياسي« أن فرحتهم لم تكتمل، فبعد طول انتظار لهذه السكنات وعلمهم بمخطط البناء وهندسته، التي لم يكونوا ليحلموا بمخطط مثله، إذا بهم يفاجؤوا بعد استلامهم للسكنات في شهر ديسمبر الفارط أنها غير كاملة، متسائلين عن الأسباب التي دفعت الوكالة الى عدم استكمال الأشغال وتوزيعها، وهي غير مجهزة. وأضاف المواطنون في حديثهم أن هذه السكنات لا ترقى إلى مستوى تطلعاتهم، نظرا لعدم احتوائها على أهم المرافق الضرورية التي من المفترض أن ترفق بها، وتساءلت عائلة بغدادي »من سيتكفل بإتمام الأشغال غير المنتهية وغيرها من الأمور الأخرى المهمة؟«، وهي الروتوشات التي كان من المفروض إتمامها قبل أن يسلّم المشروع، وذلك وفق البنود الموقع عليها في دفتر الشروط، فالأرضية مغطاة بأسوأ أنواع البلاط والصباغة متدهورة، زيادة على عدم استكمال الأشغال الخاصة بالمطبخ والحمام والمرحاض، الذي لم تركب بهم الحنفيات والملحقات اللاّزمة، ما أدى بالسكان إلى شراء مختلف اللوازم من أجل تركيب الحنفيات والتزود بالمياه، كما أكد أحد المواطنين أن هذه السكنات جدّ هشة، فبمجرد أن يتعرض الحائط إلى ضربة ولو خفيفة، جراء عملية نقل الأثاث أو عمليات التعديل والإصلاح، تحدث تشققات وتصدعات شديدة، مضيفا أنه منذ أن استلمت هذه الشقق كان كل شيء بها مخربا بدء من الأبواب القديمة، إلى قنوات الصرف التي كانت من أول يوم مسدودة، وغير قادرة على تصريف المياه المستعملة من طرف المواطنين بالحي. وأضاف سكان 812 مسكن، أن مساحة الحمام والمرحاض لا تفوق المترين، وهي بدون نوافذ للتهوئة، ما يجعل الرائحة تعود إلى داخل البيت، بالإضافة إلى تزويد الشقق بأبواب ونوافذ قديمة سبق استعمالها، أما بالنسبة لأنابيب توصيل الغاز والماء، فقد بدت وكأن سنوات طوال مرت عليها، حيث تآكلت من الصدأ ببعض المقاطع، وباتت تشكل شبه خريطة فوق جدران المطبخ، والحمام، والمرحاض، وبجانب غرفة الضيوف، ما أدى إلى تشويه المنظر الداخلي للبيت. أخطاء فادحة في التركيب والصيانة عبّرت عائلة بغدادي عن استيائها من الوضعية السيئة التي تعاني منها شقتهم منذ استلامها وهي ذات غرفتين، والتي انتقلوا للسكن بها منذ ثلاثة أشهر، خاصة وأنهم اختاروا مسكنا يقع بالطابق الأرضي، بسبب الإعاقة الدائمة التي يعاني منها رب العائلة، قصد تسهيل تنقلاته على كرسيه المتحرك، خاصة وأن عمارات الحي لا تحتوي على ممر خاص بالمعاقين، مؤكدا أنه منذ أكثر من شهر ظهرت مشكلة التصدعات بقنوات صرف المياه التي تمر تحت الغرفة تماما، ما أدى إلى صعود المياه القذرة إلى أزقة الحي بعدما تشبعت الأرضية بالمياه، بحيث شكلت حلقة مستديرة حول العمارة، تفرز عدة تسربات قذرة. وأضاف سكان الحي أن إصلاح هذه القنوات يستلزم كسر أرضية الغرفة التي تقطن بها عائلة بغدادي والمرحاض، والتي تكلف تجديدها مصاريف باهضة، والتي لا يستطيع سكان العمارة تحمل نفقاتها، بالإضافة إلى الروائح الكريهة المنتشرة، الأمر الذي حرمهم حتى من فتح النوافذ واستنشاق الهواء النقي، باعتبار أن بيته يطل مباشرة على تلك الحفر التي فاضت منها المياه القذرة المحيطة بالبيت، وأكد أحد المواطنين المقيم بنفس الحي، أنه قام بالتكسير لنفس المشكلة وإعادة البناء، التي كلفته 12 مليون سنتيم. وأشار المواطنون أن المكلفين ببناء هذه السكنات قاموا بالتركيب الخاطئ للعداد الكهربائي، الذي وضع مباشرة تحت قنوات أنابيب المياه، ما أدى إلى حدوث شرارة كهربائية قوية بسبب قطرات الماء على العداد، وأوضحوا أن وضعية العداد وأنابيب المياه تشكّل خطورة كبيرة على المواطنين في حال حدوث تسربات في أي وقت، ناهيك عن خطر تسربات الغاز الطبيعي. وأضاف المتحدثون أن مخطط بناء عمارات هذا الحي الجديد، لا يحتوي على شقق بغرفتين، إذ أنهم وعدوا بالحصول على شقة من 3 غرف أو4 غرف، لكن حدث العكس، فقد صمّمت العمارات على أساس شقق ذات غرفتين وذات 3 غرف. نقص وسائل النقل والمرافق عزل الحي أكدت إحدى المواطنات المقيمة بنفس الحي، أن الوضع الصعب أجبرها على القبول بهذه السكنات، مضيفة أن الحالة الكارثية للسكنات وانعدام المرافق الضرورية بالمنطقة، التي من المفترض أن يتوفر عليها أي حي سكني جديد جعلتهم يعانون، خاصة بالنسبة للمحلات التجارية والأسواق، ووسائل النقل بالدرجة الأولى، والتي تعد المشكلة الأكبر، التي تضمن تنقلاتهم بحرية لقضاء مختلف حاجياتهم، خاصة وأن المنطقة جد معزولة عن المناطق الأخرى، وتحتاج إلى السير لنحو ساعة تقريبا انطلاقا من حيهم، من أجل الوصول إلى المحطة المركزية للتنقل باتجاه مقاصدهم، أو إلى مقرات سكنهم بعد نزولهم في المحطة النهائية والرئيسية بعين النعجة، والتي تبعد كثيرا عن الحي الذي يقطنون فيه، وهو ما يدفعهم إلى استغلال سيارات »الكلونديستان« كونها الخيار الوحيد المتاح أمامهم، وبصورة أساسية لمن لا يملكون سيارات، وهذا مقابل 20 إلى 30 دج للشخص الواحد. كما أشارت المتحدثة إلى عدم وجود سوق جواري من أجل اقتناء احتياجاتهم، مما يدفعهم إلى التنقل إلى سوق عين النعجة البعيد عن الحي، وهو ما يجعل الكثير منهم يضطر إلى التسوق مرة واحدة أسبوعيا، نظرا لعدم وجود أية محلات تجارية خاصة المواد الغذائية، كما أن عددا قليلا من الشاحنات المتجولة تدخل الحي من حين إلى آخر لبيع الخضر والفواكه، دون الحديث عن قاعات العلاج أو المرافق الأخرى. وأبدت عائلة أخرى قاطنة بنفس الحي استيائها، حيث أكدت المواطنة على أنها استلمت شقة ذات غرفتين لعائلة مكونة من ستة أفراد، مؤكدة أن ابنها الأصغر ينام بالمطبخ، بعدما أخذ الابن البكر الغرفة هو وزوجته وابنه الرضيع، أما الأم والأب الذي يعاني أيضا من إعاقة حركية، فقد جعلا من الصالون غرفة للنوم واستقبال الضيوف في آن واحد، كما أشارت إلى مشكلة نقص الغاز الطبيعي الذي استبدل بقارورات الغاز التي تكلّف الكثير، »خاصة وأننا على مشارف فصل الشتاء«، مؤكدة أنهم قاموا بوضع عدة طعون بدائرة حسين داي من أجل إيجاد حل للوضعية الكارثية التي يعيشون فيها، إلا أن طلبهم لم يلق أي اهتمام. كما اشتكى سكان الحي من غياب الأمن بالمنطقة، حيث أكدوا على كثرة الشجارات اليومية بين الشباب التي يستعملون فيها الأسلحة البيضاء، كما أن المنطقة تفتقر إلى مرافق ضرورية هامة كالمساجد، والمدارس ومكان يلعب فيه الأطفال، إذ أن معظم العائلات لا تترك أبناءها يلعبون بالشارع خوفا عليهم من الغرباء، بحكم أن السكان لا يتعارفون فيما بينهم، فكل مجموعة أتت من جهة معينة، بالإضافة إلى كثرة الأوحال المحيطة بالحي من كل جانب. يدفعون الإيجار وهم لم يقطنوا سكناتهم بعد وأكد السكان أنهم ناشدوا الدائرة والبلدية، عبر مراسلات عديدة، شرحت وضعيتهم المزرية، إلا أنهم لم يلقوا أي اهتمام من قبل المصالح المعنية، وباتوا، حسب نصيرة، كرة تتقاذفها مختلف المصالح المحلية بالبلدية والدائرة، مضيفين أنه كلما رفعوا شكواهم للمصالح المعنية تواجّههم هذه الأخيرة بالرد: »السكنات اجتماعية ماذا نفعل لكم؟«، وهو ما أثار استياءهم وما جعلهم يشعرون بالتهميش، حيث أن الوكالة لم تتوان عن مطالبتهم بدفع مستحقات الإيجار، حتى تجاه العائلات التي لم تنتقل بعد إلى سكناتها، والتي اختارت أن تقوم بإعادة تهيئة الشقق التي استفادت منها قبل الانتقال إليها، مفضّلة تقديم مصاريف إضافية لكراء سكنات، على السكن في شقق غير مهيأة. وأضاف أحد المواطنين أنه عند توجّههم إلى مصالح البلدية من أجل الشكوى حول الحالة الكارثية بالحي الجديد، يؤكد له المسؤول التقني أنهم لم يقوموا بإمضاء القبول على هذا المشروع، لأن هذه السكنات لا تتطابق مع المواصفات المحدّدة في دفتر الشروط. وبغرض استكمال الموضوع، سعت »السياسي« إلى الاتصال بمسؤولي ولاية الجزائر، ورئيسة بلدية جسر قسنطينة، إلا أن مسعاها هذا لم يحظ بالاستجابة المطلوبة من طرفهم.