المؤرخ فؤاد صوفي: للأجيال الشابة حق معرفة تاريخ الفاتح من نوفمبر تاريخ الجزائر يزخر بالإنجازات والأمجاد تفجير ثورة 1 نوفمبر 54 كان قناعة أكيدة لدى الثوار يحيي الشعب الجزائري، يوم غد، الذكرى ال65 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة والمصادف للفاتح من نوفمبر من كل سنة، أين تتزامن الاحتفالات مع الحراك الشعبي الذي انطلق في ال22 فيفري المنصرم للمطالبة بالتغيير الجذري ومحاسبة المفسدين، واجراء انتخابات نزيهة ومستقلة في ظل انشاء سلطة وطنية مستقلة لمراقبة الانتخابات، والتي تعد الاولى في تاريخ الجزائر ومكسبا للجزائريين، بعد ان كانت الانتخابات في السابق تحت وصاية السلطة. إن أشكال الاضطهاد والاستبداد التي عاشها الشعب الجزائري بسبب للاستعمار الغاشم طيلة فترة احتلاله للجزائر، وفي ظل الوعود الكاذبة التي كان يقدمها المستعمر للشعب بمنحه الاستقلال وحقه في تقرير مصيره، أججت الوضع وشحنت عزائم المجاهدين جعلتهم يقفون فعلا عند المقولة الشهيرة للأب الروحي للثورة مصطفى بن بولعيد أن ما يأخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، على الرغم من مطالبة الشعب الجزائري آنذاك بالاستقلال بالطرق السلمية والسياسية، وعبر الاتفاقيات التي لم تكن إلا حبرا على ورق، كل هذا دفع بأبطال وشهداء الواجب الوطني إلى تفجير الثورة المسلحة، حيث كانت الانطلاقة الحقيقة للنضال المسلح في اجتماعي 10 و24 أكتوبر من العام 1954 من طرف لجنة الستة المجتمعة بالعاصمة بالمكان وبالضبط ببلدية رايس حميدو، ليحمل بعدها اسم منزل اجتماع الستة ، أين شهد ميلاد ثورة التحرير العظمى بعد أن قاموا بهندسة مخططات الثورة، تاريخ انطلاقها وساعته، قادتها والمناطق العسكرية، كما تم إعطاء آنذاك تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل. وقد اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني، وكانت المهمة الأولى للجبهة في الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية قصد حثها على الالتحاق بمسيرة الثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي، ليكون بيت بوقشورة مراد الواقع برايس حميدو غرب العاصمة شاهدا على التحضيرات الأخيرة لتفجير ثورة الفاتح من نوفمبر، والتحديات والعقبات الكثيرة التي واجهت كلا من محمد بوضياف، ومصطفى بن بولعيد، وديدوش مراد، درابح بيطاط، والعربي بن مهيدي. بيان أول نوفمبر كان منعرجاً حاسماً في تاريخ الجزائر أجمع مشاركون في حفل إحياء الذكرى ال65 لاجتماع القادة الستة التاريخيين بلدية الرايس حميدو (غرب الجزائر العاصمة)، أن بيان أول نوفمبر 1954 كان منعرجا حاسما في تاريخ الشعب الجزائري، مشددين على التزام القادة الستة ب السرية التامة . وأوضح شيخي، خلال ندوة تاريخية نظمتها جمعية مشعل الشهيد ، أن اجتماع كل من العربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد وديدوش مراد وكريم بلقاسم ومحمد بوضياف ورابح بيطاط في هذا البيت التاريخي، تم في ظروف ميزتها ملابسات عدة، لكنها انتهت بقناعة أكيدة وهي ضرورة تفجير ثورة 1 نوفمبر 54. واستعاد المتحدث بعض التفاصيل التي رافقت هذا الاجتماع كالخلاف في صفوف حزب الشعب وحزب الحريات الديمقراطية، وتململ بعض الأطراف في قرار الانتقال إلى العمل المسلح وغيرها من الملابسات التي تم الفصل فيها نهائيا ببيان وصفه شيخي ب الرائع . وقال في السياق ذاته، أن صياغة بيان أول نوفمبر كان بمشاركة الجميع وليس فقط شخص واحد كما يحاول البعض الترويج له، داعيا بالمناسبة إلى تجنب الوقوع في فخ التشكيك وإلى تغليب الموضوعية عن طريق التعامل مع الوثائق أولا، أما شهادات المجاهدين والفاعلين فاعتبرها المتحدث استدلالات يمكن للمؤرخين العودة إليها في كتابة التاريخ. كما أشار ذات المصدر، إلى أن اجتماع القادة الستة في منزل بوقشورة تميز بالسرية، بالقول أن الباحثين لا يعلمون سبب الإفراط في هذه السرية، وأنه لحد الآن، يضيف، لم يتم الإفصاح عما دار من حديث بين الزعماء الستة. من جهة أخرى، ثمن شيخي أهمية اللقاء التاريخي وصرامته، حيث أنه استطاع أن يُبقي موعد اندلاع الثورة سريا ليفاجئ بها العدو. بدورها، رافعت المجاهدة زهرة ظريف بيطاط، في مداخلتها، على قداسة ليلة 1 نوفمبر لأنها كانت، تقول، منعرجا حاسما في تاريخ الشعب الجزائري. وأكدت أن الراحل رابح بيطاط لم يتحدث يوما عن من كتب بيان أول نوفمبر، لكنه كان دائما يردد أن البيان هو صوت الشعب الجزائري. الأوراس مهد ثورة التحرير بامتياز.. وبن بولعيد مُفجّرها باقتدار لقد ارتبط اسم مصطفى بن بولعيد بالأوراس، ترابطا متلازما في تاريخ الجزائر المعاصر، فلا يمكن ذكر أحدهما منفصلا عن الآخر، نتيجة العلاقة الوطيدة التي ربطتهما بثورة التحرير الوطني. فمنطقة الأوراس، شكلت خلال فترة المقاومات الشعبية في القرن 19 م، بيئة مناهضة الاستعمار الفرنسي، سواء بإيواء بعض القادة المقاومين، وتدعيم صفوفهم، أو باندلاع انتفاضة من قلب جبالها. وفي عهد الكفاح السياسي، ناضل الأوراسيون في مختلف التيارات السياسية الوطنية، وكان أكثر نضالهم في صفوف التيار الاستقلالي. ويعود الفضل في ذلك إلى مصطفى بن بولعيد، الذي كرّس نفسه لأجل خدمة أبناء جلدته لإخراجهم من حدود القبيلة الضيقة إلى رحاب الوطن الفسيحة، ومن ثمة إعدادهم للثورة ضد المحتل الفرنسي، وبذل النفس والنفيس في سبيل تحرير الوطن. المؤرخ فؤاد صوفي: للأجيال الشابة حق معرفة تاريخ بلادها ويعتبر المؤرخ، فؤاد صوفي، عشية إحياء الذكرى ال65 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، أن الأجيال الشابة لها الحق والواجب المدني في معرفة تاريخ الفاتح من نوفمبر 1954. وقال الباحث في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (كراسك)، أن هذه الأجيال التي لم تعايش هذه الفترة التاريخية الحاسمة لها الحق والواجب المدني في معرفة تاريخ الفاتح من نوفمبر وحرب التحرير الوطني. وقال صوفي، أن البحث كان منذ فترة طويلة مفتوحًا بشكل خاص للتاريخ المحلي والشفهي والسير الذاتية، مشيرا أن الكثير لم يتم استكشافه بعد. كما أبرز المؤرخ فؤاد صوفي مساهمة السينما في إيصال المعلومات التاريخية حتى تنال حظها من اهتمام الفئات الشابة. وردا على سؤال حول تأثير الشبكات التواصل الاجتماعي التي تنقل في بعض الأحيان صدى بعض التصريحات حول تاريخ النضال الوطني، ذكر المتحدث أنه يجب أخذها كما هي، أي وسائل للاتصال والتبادل حتى لو أنها في بعض الأحيان تكون متنفسا للبعض، معتبرا أنه يجب أن نسلم بأن شبكات التواصل الاجتماعي تنقل تصريحات وبيانات حول هذا الحدث أو ذاك، غير أنه يجدر بالمقابل آخذ كل شيء بحذر في إطار ما يسمى بالروح النقدية. ويرى المؤرخ أنه لا يمكن لأحد إعطاء نفسه حق التفكير في مكان المواطن وفرض وجهة نظره، مشددا على ضرورة فتح النقاش، حيث يتحمل كل واحد مسؤولياته من خلال طرح أراءه أو الدفاع عنها. ومع ذلك، حذّر فؤاد صوفي من خطرين أولهما هو ذلك الذي نشأ في الثمانينيات واستخدم من طرف العديد الذين ذهبوا إلى حد تقديس الخطاب التاريخي إلى درجة نسيان أو منع أي روح نقدية له. أما الخطر الثاني الذي ذكره المؤرخ هو أكثر سلبا وأكثر انحرافا والمتمثل في تغذيه نصائح الذين يدعون إلى الانفصال عن هذا الماضي للالتحاق بركب العصرنة ومن هنا تكمن أهمية العمل على رفع مستوى الوعي بالتاريخ الوطني بين الشباب حتى لا يستسلموا لمثل هذه الأصوات، يختتم ذات المتحدث. الجزائر تواصل مطالبها بتسوية ملف الذاكرة من فرنسا وفي سياق هذه الاحتفالات، يبقى ملف الاعتراف فرنسا بجرائمها بالجزائر وكذا قضية استرجاع الجماجم مطلبا مازال لم يجسد لحد الان، وهو ما أكده وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، عشية إحياء الذكرى ال65 للفاتح من نوفمبر، في وقف وقفة ترحم على شهداء الوطن الذين دافعوا بالنفس والنفيس عن الألوان الوطنية، حيث قال إن الثورة الجزائرية هي أعظم ثورة راح ضحيتها مليون ونصف المليون شهيد. وأضاف زيتوني، أن الجزائر لا تنسى الجرائم المرتكبة من طرف المستعمر الفرنسي، أن بين البلدين جماجم وبحار من الدماء استحال نسيانها، وهي الرسالة التي لابد أن تنتقل عبر الأجيال ولابد من ترسيخها في أذهانهم في المدارس، مطالبا فرنسا بتسوية ملف الذاكرة والاعتراف بجرائمها، واعتذارها للجزائريين وتعويضهم. وأوضح وزير المجاهدين، أنه لا توجد إرادة صادقة لدى فرنسا، لتسوية ملف الذاكرة، خاصة وأن وزارته قدمت الاقتراحات والآراء في هذا الخصوص، وهي في انتظار الرد عليها. وفي سياق اخر، قال الوزير أن أعين الأعداء منصبة على الجزائر في المرحلة الحساسة التي تعيشها، ودعا إلى مواصلة الكفاح للحفاظ على سلامة واستقرار البلاد من خلال سد كل الفجوات، مشيدا بالتضحيات الجسام لشهداء الوطن، عشية الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة الجزائرية. كما تحدث الوزير عن رفع معامل مادة التاريخ، وذلك بالتفاهم مع وزارة التربية، داعيا وزارة التربية للعمل المشترك بين القطاعين لترسيخ التاريخ والثورة التحريرية في ذاكرة التلاميذ لتكون نبراسا تهتدي به الأجيال في فهم ماضيها وحاضرها لبناء مستقبلها. من جهته، أشاد وزير التربية الوطنية، عبد الحكيم بلعابد، بتضحيات شهداء الوطن في سبيل الحرية التي ننعم بها اليوم، داعيا التلاميذ للاستمرار على نهجهم والحفاظ على استقرار الوطن، لاسيما وأن الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة بعد الاستحقاق الرئاسي. كما حيا بلعابد المجهودات الجبارة التي يقوم بها الجيش الوطني للحفاظ على سلامة الوطن والمواطن، مضيفا أن المؤسسات العسكرية كسبت رهان الاحترافية. الفاتح نوفمبر والحراك الشعبي هذا وتتزامن الذكرى ال57 للاحتفالات المخلدة لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة المصادفة للفاتح من نوفمبر مع الحراك الشعبي، أين سيحول الجزائريون عيدهم إلى عيدين وهو الاحتفال بذكرى الفاتح نوفمبر الذي يعد نقطة تحول في تاريخ الجزائر، والذي يليه الشعب الجزائري اهتماما بالغا، لأنه ببساطة كان الشرارة الأولى لانطلاق الكفاح المسلح وطرد المستعمر الغاشم رافضا كل أشكال القهر والتعذيب وكل أشكال الاستعمار السياسي والجغرافي، وها هو اليوم الفاتح نوفمبر يأتي مع فصل أخر من فصول الحراك الشعبي الذي يمتد منذ حوالي تسع أشهر كاملة، وهذا ما يجعلها يأخذ طابعا آخر واغتنام فرصة الاحتفالات وجعلها عيدين عيد تفجير الثورة، وعيد برحيل باقي أوجه النظام المرفوضة شعبيا وصناعة تاريخ آخر من تاريخ الجزائر الحافل بالأمجاد، ومواصلة المطالبة بالتغيير الجذري للأوضاع والذهاب نحو انتخابات حرة ونزيهة من أجل بناء جزائر قوية ومزدهرة، ضحت من أجلها قوافل من الشهداء لكي ننعم بالحرية وتواصل مسيرة التشييد والبناء.