تجددت المظاهرات الشعبية وسط بيروت، غداة مواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن الأعنف من نوعها منذ انطلاق احتجاجات ضد السلطة السياسية قبل شهرين، في تحرك يأتي عشية استشارات لتكليف رئيس جديد للحكومة المقبلة. ويعارض المتظاهرون، الذين يطالبون بحكومة تكنوقراط مستقلة عن الطبقة السياسية، إعادة تسمية رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، الذي يبدو الأوفر حظا، بعدما تعثر التوافق على أسماء بديلة تم تداولها في الأسابيع الماضية. ورغم الاحتجاجات غير المسبوقة ونداءات دولية للإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ تحظى بثقة الشارع، تبدو السلطة السياسية بعيدة من تحقيق مطالب المتظاهرين، فيما تعاني البلاد من انهيار مالي واقتصادي يهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم. وتجمع الالاف من المحتجين وسط بيروت وفي مناطق عدة أبرزها طرابلس شمالا، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن ومكافحة الشغب، حيث رددوا شعارات مناوئة للسلطة، ومنددة بالقوة التي استخدمتها قوات الأمن اول أمس في حق المتظاهرين. وكان عشرات المتظاهرين قد أصيبوا بجروح خلال مواجهات وقعت اول امس في وسط بيروت مع قوات الأمن تخللها اطلاق غاز مسيل للدموع ورصاص مطاطي. وبدأت أمس في لبنان، الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، خلفا لسعد الحريري الذي قدم استقالة حكومته قبل أزيد من شهر تحت ضغط الشارع الذي يطالب بتشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة بشكل غير مسبوق منذ مدة طويلة. وكان من المقرر إجراء الاستشارات النيابية الاثنين الماضي، إلا أنه تم تأجيلها بناء على رغبة معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات في إفساح المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتمل تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة، وفق توضيح للرئاسة اللبنانية. ويُلزم الدستور اللبناني رئيس البلاد (ميشال عون) بتسمية المرشح الذي يحظى بالدعم الأكبر من نواب البرلمان البالغ عددهم 128. ويتعين أن يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا وفقا لنظام المحاصصة اللبناني. وبعدما تم تداول عدة أسماء في الفترة القليلة الماضية ومن بينهم سمير الخطيب، وهو رجل أعمال، المدير العام ونائب الرئيس التنفيذي في شركة (خطيب وعلمي) التي لها مشاريع مقاولات في عدد من دول الخليج وشمال إفريقيا، بحسب الموقع الإلكتروني للشركة، تم رفض هذا الاسم من قبل بعض الشخصيات السياسية، وكذا من طرف المتظاهرين الذين يعتبرون أن الخطيب يمثل السلطة الفاسدة، على حد قولهم. كما انتقد ثلاثة رؤساء وزراء سابقين في لبنان المشاورات بشأن ترشيح الخطيب ، قائلين إن في ذلك انتهاكا للدستور، في حين أيدوا عودة سعد الحريري على رأس الحكومة. وأمام ردود فعل الرافضة لتعيينه، قدم سمير الخطيب اعتذاره عن تشكيل حكومة لبنانية جديدة نظرا لتعرضه لحملة جائرة من قبل من أسماهم ببعض المغرضين، كما قال. تباين مواقف الطبقة السياسية وعشية انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الشخصية التي ستكلف بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، فإن خياراتِ التكليفِ باتت محصورةً برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، وسط استمرار الخلافات في أوساط الطبقة السياسية حول شكل الحكومة المطلوبة والتي سيقع على عاتقها أولوية توفير ممراً آمنا لإخراج البلاد من أسوء أزمة مالية، اقتصادية، واجتماعية يشهدها لبنان. وكان الحريري اعتذر في وقت سابق عن عدم ترشحه للمنصب، لإصراره على تأليف حكومة تكنوقراط تضم اختصاصيين مستقلين، استجابة لمطالب المحتجين بينما يصر الرئيس اللبناني العماد ميشال عون على حكومةٍ جديدة تضم عددا من السياسيين إلى جانب التكنوقراط (تكنو - سياسية) يمكنها، كما قال، توفير غطاء للقرارات الموجعة التي لا بد منها للخروج من الأزمة المالية التي تعصف بلبنان. كما عبر الرئيس ميشال عون عن انفتاحه على حكومة تضم ممثلين لحركة الاحتجاج، مشددا على ضرورة الحفاظ على تمثيل الأحزاب في الحكومة. من جهته، أعلن التيار الوطني الحر رفضه المشاركة في أي حكومةٍ تكنو - سياسية يترأسها الحريري ودعا في المقابل إلى تشكيل حكومة اختصاصيين من رأسها إلى وزرائهاتعيّنهم الأحزاب، وهو الموقف الذي اعتُبر رداً على إصرار زعيم تيار المستقبل (الحريري) على عدم مشاركة رئيس التيار الوطني الحر (تيار الرئيس عون)، وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة، جبران باسيل، في أي حكومة يترأسها. وتَمَسُّك حزب الله وحلفاؤه، كما جاء على لسان أمينه العام حسن نصر الله أول أمس الجمعة بحكومة شراكةٍ (تكنو- سياسية) برئاسة الحرير أو من يوافق عليه هذا الأخير، تحت عنوان مقتضيات المصالح والمخاطر . أما رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري ، فقد لمح الى ما وصفه المراقبون ب الخيار الوسطي والقائم على حكومة تكنوقراط تتمثّل فيها قوى سياسية بوزراء لا يتجاوز عددهم خمسة. وقال علي حسن خليل، وزير المالية في الحكومة المستقيلة والعضو البارز في حركة أمل للصحفيين، إن الحكومة الجديدة ستضم 24 وزيرا على الأرجح وإنه سيكون على كل فريق ترشيح ممثله السياسي في الحكومة أو التنازل عن هذا الحق . وترى الأوساط السياسية أنه في حال توصلت الاستشارات النيابية على تكليف سعد الحريري مجددا، فان مهلة تشكيل الحكومة سيطول أمدها حسب الوزير في حكومة تصريف الأعمال محمود قماطي، الذي قال إن المدة التي ستأخذها فترة التأليف قد تكون أشهراً وربما أسابيع ومهمة التأليف لن تكون سهلة، لأن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج للحوار ومنها ونسب التمثيل وتمثيل حِراك الشارع وتوزيع الحقائب. ويطالب المتظاهرون في لبنان منذ 17 أكتوبر الماضي، بحكومة كفاءات ومستقلين لا صلة لها بالطبقة السياسية التقليدية التي تهيمن عليها منذ عقود نفس الأسر والأحزاب المتنفذة، على حد قولهم، بعدما اكتوى المواطن اللبناني بأزمة اقتصادية حادة وسط ركود اقتصادي أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة وتدني مستوى الخدمات. وأضيف لهذه الأزمة مؤخرا تراجع قيمة العملة المحلية في السوق السوداء وقيود فرضتها المصارف على السحب وتحويل الأموال.