عرف المشهد السياسي في لبنان، خلال عام 2019، مرحلة مفصلية من تاريخه على خلفية مظاهرات شعبية غير مسبوقة، أدت الى استقالة الحكومة ودفعت بالبحث عن جهاز تنفيذي جديد يلبي مطالب وآمال الشعب اللبناني المنتفض. ويعود انفجار الازمة السياسية في البلاد الى تاريخ 17 من أكتوبر المنصرم، احتجاجا على الاوضاع المالية والاقتصادية المتأزمة والتراجع الشديد في مستوى المعيشة. وأمام ضغط الشارع المنادي بتغيير كامل للنظام السياسي ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، اضطرت حكومة سعد الحريري الى تقديم الاستقالة في انتظار تشكيل حكومة جديدة تخدم المطالب المرجوّة من المتظاهرين. ورغم تداول عدة أسماء لتولي منصب رئيس الوزراء، الا ان الطبقة السياسية في لبنان لم تتمكن بسرعة من الاستقرار على اسم يكون محل توافق لدى مختلف الاطراف والتيارات، الامر الذي أدى الى تأجيل الاستشارات البرلمانية لعدة مرات. وبعدما كان رجل الاعمال سمير الخطيب مرشحا بقوة لتولي منصب رئيس الوزراء، أعلن هذا الاخير اعتذاره عن قبول المنصب نظرا لتعرضه لحملة جائرة من قبل من أسماهم ببعض المغرضين، في اشارة الى الرفض الذي تلقاه اقتراحه لتشكيل حكومة جديدة. وانتقد ثلاثة رؤساء وزراء سابقين في لبنان المشاورات بشأن ترشيح الخطيب، قائلين إن في ذلك انتهاكا للدستور ، في حين أيدوا عودة سعد الحريري على رأس الحكومة، فيما اعتبر الشارع اللبناني أن الخطيب يمثل السلطة الفاسدة ، على حد قولهم. وينص الدستور اللبناني على ضرورة ان يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا بما يكرس اقتسام السلطات الثلاثة، حيث يتولى رئاسة الجمهورية مسيحي ماروني فيما يتولى رئاسة البرلمان مسلم شيعي ويقود الحكومة مسلم سني. تشكيل حكومة تستجيب للمطالب الشعبية امام إلحاح الشعب اللبناني، كان لا بد للطبقة السياسية التفكير بعمق في تشكيل حكومة تضطلع بالمطالب المرفوعة، حيث دعا المحتجون النواب إلى الرضوخ لإرادة الناس واحترام تضحياتهم وتسمية شخصية مستقلة تحظى بثقتهم ورضاهم، والأهم من كل هذا وذاك أن تحمل خطة تجنبهم دفع ثمن الأزمة الاقتصادية الحادة. وهذا ما تم العمل به فعلا، حيث دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية سعد الحريري الى الإسراع في تشكيل حكومة تقنية تحظى بدعم حقيقي تعمل على اخراج البلاد من الازمة الراهنة، مضيفا إن الخروج من الأزمة يستوجب الإسراع بتأليف حكومة اختصاصيين تشكل فريق عمل متجانسا وذات مصداقية، مؤهلا لتقديم إجابات على تطلعات اللبنانيين. وفي سياق تطور الاحداث، كلف الرئيس اللبناني، ميشال عون، الأكاديمي حسان دياب الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم العالي سابقا، بتشكيل الحكومة الجديدة بعد اكتمال الاستشارات النيابية، وحصوله على 69 صوتا (من أصل 128 صوت). وصرح دياب بعدها انه نريد تشكيل حكومة مميزة لا تشبه حكومات سابقة، إن كان على صعيد نسبة الاختصاصات المشاركة فيها أو على صعيد نسبة مشاركة النساء، دون نسيان التوازنات المعروفة، مضيفا أن الحكومة المقبلة هدفها إنقاذ الوضع في لبنان والاستجابة لمطالب وهموم الناس. إلحاح على التغيير الجذري لتجاوز الأزمة الاقتصادية ويعيش لبنان ازمة اقتصادية حادة تتسم، حسب الملاحظين، بالفوضى الاقتصادية وعدم الاستقرار، وهذا ما حذرت منه الدول الداعمة للبنان، مشددة على ضرورة تبني سلسلة إصلاحات مستدامة وموثوق بها لمواجهة التحديات الطويلة الأمد في الاقتصاد اللبناني. وأكدت مجموعة الدول الداعمة للبنان، خلال اجتماع بباريس في شهر ديسمبر وخصص لمساعدة لبنان في مواجهة الأزمة، أنه من أجل وقف التدهور الاقتصادي واستعادة الثقة بطريقة مستدامة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فمن الضروري تبني إصلاحات مستدامة وموثوق بها لمواجهة التحديات الطويلة الأمد في الاقتصاد اللبناني، هذه الإجراءات البالغة الأهمية تعكس تطلعات الشعب اللبناني منذ 17 أكتوبر. واعتبرت أن الحفاظ على استقرار لبنان ووحدته وأمنه وسيادته واستقلاله على أراضيه كافة، يتطلب التشكيل الفوري لحكومة لها القدرة والمصداقية للقيام بالإصلاحات الاقتصادية، وكذا إبعاد لبنان عن دائرة التوتر والأزمات الإقليمية. وطلبت الدول الداعمة من السلطات اللبنانية الالتزام بإجراءات وإصلاحات وفق جدول زمني محدد، داعية اياها ايضا إلى إقرار موازنة العام 2020 في الأسابيع الأولى بعد تشكيل الحكومة الجديدة من أجل تحسين الميزانية العامة مع الحفاظ على الأمن الاجتماعي للشعب اللبناني. كما دعت المجموعة الدولية السلطات اللبنانية إلى العمل على إعادة الاستقرار للقطاع النقدي ومحاربة الفساد والالتزام بوضع المشاريع الاستثمارية على قائمة الأولويات، من خلال لجنة وزارية. وسجل لبنان معدلات قياسية للدين العام في العالم بالنسبة لحجم الاقتصاد، كما يشهد النمو الاقتصادي تراجعا على خلفية حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، حيث سجلت نسبة البطالة في صفوف الشباب حوالي 38 في المائة، ناهيك عن العجز في السيولة المالية بسبب قلة تدفقات رأس المال الذي يعتمد أساسا على التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون الى البلاد. كما يشهد الاقتصاد أزمة حقيقية بسبب عدم توفير العملة الأجنبية المتمثلة أساسا في الدولار بسعر الصرف المحدد. وبالنظر للجمود السياسي وعدم إجراء تغييرات يتردد المانحون الأجانب في الافراج عن مساعدات مالية لفائدة لبنان.