الأيام الجزائرية بيروت ( وكالات): تمكن «سعد الحريري»، نجل رئيس الحكومة اللبناني السابق «رفيق الحريري» الذي اغتيل العام 2005، من تشكيل حكومة جديدة رأت النور الاثنين بعد أكثر من أربعة أشهر من المفاوضات الشاقة التي اظهر خلالها الكثير من الصبر والقدرة على التفاوض. وأعربت صحف لبنانية أمس الثلاثاء عن خشيتها من انتقال صعوبات أزمة تأليف الحكومة التي تطلب حلها أكثر من أربعة أشهر، إلى طاولة مجلس الوزراء خصوصا وان الوفاق بين الأكثرية النيابية والأقلية المتشاركين فيها بحاجة إلى رعاية خارجية مستمرة. وأعلن رسميا مساء الاثنين تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة «سعد الحريري»، بعد أكثر من أربعة أشهر من المفاوضات الشاقة حولها وبعد خمسة أشهر من الانتخابات النيابية التي حققت فيها قوى 14 مارس المدعومة منم الغرب ودول عربية منها السعودية أكثرية بلغت 71 مقعدا من أصل 128. وكتبت صحيفة «السفير» المقربة من الأقلية التي يعتبر حزب الله ابرز أطرافها والمدعومة من دمشق وطهران "إذا كان «سعد الحريري» يفترض انه باندفاعه وبالدعم والإجماع اللبناني والعربي والدولي حوله، سيجد سجادة حمراء تنتظر طريقه إلى السرايا فإن ما رافق التكليفين والتأليفين من مفاوضات ومقايضات جعله يخوض اختبارا سياسيا صعبا ومكلفا". ونقلت «السفير» عن مشارك في صياغة الحكومة لم تكشف هويته قوله "إنها حكومة المتناقضات التي تحمل في طياتها إما بذور تفجيرها مع أول اشتباك أو استمرارها حتى آخر لحظة من عمر المجلس النيابي" وان عمرها سيكون رهن عوامل خارجية أولا وداخلية ثانيا بمعنى "انجلاء صورة المصالحات أو الخلافات العربية والدولية كفيل بتحديد عمر الحكومة ومسارها". ورأت صحيفة «النهار» المقربة من الأكثرية أن "ولادة الحكومة لم تبدد تماما الشكوك في إمكان تمدد الأزمة السياسية إلى الهيكل الحكومي الجديد وانعكاسها على عمل مجلس الوزراء". وأطلقت صحيفة «الأخبار» المقربة من الأقلية على الحكومة لقب "حكومة الخندقين" معتبرة "أن استمرار المناخات الايجابية التي خلقها تأليف الحكومة مرهون بعملية رعاية مستمرة من جانب الشريكين الإقليميين" في إشارة إلى دمشق والرياض. ووصف المحلل السياسي في صحيفة «الأنوار» المستقلة «رفيق خوري» الحكومة بأنها "حكومة اللبناني والسوري والسعودي والإيراني والأمريكي والمصري والفرنسي". وأضاف "لكن أية حكومة أفضل من الفراغ ولو أن عملها مرشح لان يكون مثل أكل السفرجل: كل لقمة بغصة". ما أشبه هذه الحكومة بصورة لبنان الحالي وشكل رئيس وزراء لبنان «سعد الحريري» حكومة الوحدة الوطنية الجديدة الاثنين والتي تضم وزيرين من «حزب الله». وظل لبنان دون حكومة فاعلة منذ أن قاد «الحريري» الذي تدعمه الولاياتالمتحدة والسعودية ائتلافه المناهض لسوريا إلى الفوز على «حزب الله» وحلفائه في الانتخابات البرلمانية في جوان. وتعتبر حكومة مقبولة من جميع الأطراف عاملا أساسيا للحفاظ على الاستقرار في البلاد التي تواجه توترا طائفيا وسياسيا فضلا عن عبء الديون الضخمة والحاجة إلى إصلاح اقتصادي. وقال «الحريري» بعد إعلان التشكيلة الحكومية الذي أعقب اجتماعا مع الرئيس «ميشال سليمان» انضم إليه رئيس مجلس النواب «نبيه بري» "أخيرا ولدت حكومة الوفاق الوطني. طوينا صفحة لا نريد أن نعود إليها وفتحنا صفحة جديدة نتطلع أن تكون صفحة وفاق وعمل في سبيل لبنان". وأضاف "هذه الحكومة على صورة لبنان الحالي التي تبدو في عيون البعض صورة للخلافات الطائفية والسياسية ولكن يجب أن نثبت لكل العالم أنها في عيون اللبنانيين هي الصورة الواقعية للوفاق الوطني الحقيقي". ومضى يقول "اليوم نحن أمام اختبار وطني بامتياز وثقتي كبيرة أيضا بقدرة هذه الحكومة على خوضه والنجاح فيه. هذه الحكومة تأتي لتعلن نجاح التجربة اللبنانية بالعيش المشترك والوفاق الوطني ولتؤكد انها في مستوى التحديات مهما تعاظمت وان التزام الدولة والدستور والقوانين بوابة اللبنانيين للخلاص من أزمنة الفوضى والهجرة والعوز الخارجي". وقال «الحريري» "نتطلع لحكومة تعمل في سبيل لبنان ولا تغرق في إدارة الأزمات.. حكومة تتصدى لقضايانا الاقتصادية ومعالجة الدين العام بكل جرأة ومسؤولية..." ورحب وزير الخارجية الفرنسي «برنار كوشنير» بتشكيل الحكومة اللبنانية وتعهد بدعم فرنسا للحريري. وقال «كوشنير» "تشكيل حكومة جديدة كان ضروريا لحل الأزمة التي كانت تواجه لبنان ولضمان من واستقرار البلد". وحث الحكومة الجديدة على المضي قدما في الاصلاحات الاقتصادية التي تطالب بها الجهات المانحة وتنفيذ قرار الأممالمتحدة رقم 1701 الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله التي استمرت 34 يوما في العام 2006. وقضى «الحريري» أكثر من أربعة أشهر وهو يحاول إبرام اتفاق مع المعارضة للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية. وساعد تحسن العلاقات بين سوريا والسعودية المساندين الرئيسيين للجانبين في الأسابيع الأخيرة على تخفيف حدة الشقاق في بيروت وأدى في نهاية الأمر إلى هذه الانفراجة. واتفقت الأطراف المتناحرة في جويلية على التوزيع العام للمقاعد في مجلس الوزراء الجديد. ويضم مجلس الوزراء الجديد المؤلف من 30 وزيرا 15 وزيرا من ائتلاف «الحريري» وعشرة وزراء من المعارضة من بينهم وزيران من حزب الله في حين عين الرئيس «ميشال سليمان» خمسة وزراء. واحتفظ «زياد بارود» و«إلياس المر» المواليان للرئيس بمنصبيهما وزيرين للداخلية والدفاع في حين تم تعيين وزيرين جديدين للخارجية والمالية. وعينت «ريا حفار الحسن» وزيرة للمالية ومسؤولة عن إدارة الدَّين العام الضخم للبنان وتولى الدكتور «علي الشامي» منصب وزير الخارجية وهو أستاذ محاضر للدراسات العليا في الجامعة اللبنانية تقاعد هذا العام. واحتفظ «محمد الصفدي» بوزارة الاقتصاد وتولى «شربل نحاس» منصب وزير الاتصالات وبقي «إبراهيم نجار» في منصب وزارة العدل. ووزيرة المالية الجديدة التي تعتبر من المقربين من «الحريري» حاصلة على ماجستير من جامعة جورج واشنطن في الولاياتالمتحدة وتتولى حاليا منصب مديرة برنامج الأممالمتحدة للتنمية وملحقة بمكتب رئيس الوزراء. وعين «الشامي» (64 عاما) وزيرا للخارجية بعد أن رشحه رئيس مجلس النواب نبيه بري الحليف الوثيق لحزب الله. وسيمثل رأس الهرم الدبلوماسي للبلاد عندما يحصل لبنان على مقعد في مجلس الأمن في بداية العام المقبل. وستكون أول مهام الحكومة الجديدة وضع بيان بشأن سياساتها وتقديمه إلى البرلمان للتصويت على الثقة في الحكومة. وعلى الرغم من الخلافات العميقة بين المعسكرين في بعض المسائل الأساسية مثل مصير قوة حزب الله العسكرية فمن المتوقع إقرار البيان بسهولة وربما بسرعة. ومن المتوقع أن يقوم «الحريري» بزيارة لسوريا بمجرد الانتهاء من ذلك ليعقد محادثات مع الرئيس السوري «بشار الأسد» في خطوة من شأنها أن تعيد رسم المشهد السياسي اللبناني. واتهم ائتلاف «الحريري» سوريا باغتيال «رفيق الحريري» والد سعد ورئيس وزراء لبنان الأسبق في فيفري 2005. وتنفي سوريا أي صلة لها بالاغتيال الذي أجبر دمشق على إنهاء وجودها العسكري الذي استمر 29 عاما في لبنان في أفريل 2005 كما أدى إلى تشكيل محكمة خاصة في لاهاي للتحقيق في الاغتيال ومحاكمة القتلة. وربما يكون التحدي الرئيسي أمام «الحريري» هو التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه لبنان. وقلل لبنان كثيرا من آثار الأزمة العالمية لكنه يواجه دينا عاما يقارب 50 مليار دولار ونقصا في الإصلاح وضعفا في الخدمات. «الحريري» الصغير... من الحرير إلى أشواك السياسة وهذه هي المرة الأولى التي يرئس فيها «الحريري» (39 عاما) حكومة، علما انه برز إلى الواجهة السياسية بعد مقتل والده في فيفري 2005، ثم فاز في الانتخابات النيابية في جوان من العام نفسه على رأس تحالف واسع من التيارات والشخصيات السياسية. ولم يعمل «سعد الحريري» (سني) في السياسة بتاتا خلال حياة والده، وظل بعيدا عن الأضواء حتى مقتل «رفيق الحريري» في انفجار سيارة تسببت أيضا بمقتل 22 شخصا آخرين. وسمته العائلة لخلافة والده في العمل السياسي بسبب صفاته الدبلوماسية والكاريسماتية، بحسب ما يقول مقربون، فيما كان الكثيرون يتوقعون أن يقوم «بهاء الحريري»، وهو الابن البكر، بهذه المهمة. وساهم مقتل «رفيق الحريري» في تسريع الانسحاب السوري من لبنان بعد حوالي ثلاثين عاما من التواجد فيه. وكان التصريح الأول ل «الحريري» بعد اغتيال والده بمثابة توجيه اتهام مبطن لسوريا بالوقوف وراء الجريمة، الأمر الذي نفته دمشق باستمرار. وأحدثت هذه العملية انقلابا في المشهد السياسي اللبناني الذي كانت دمشق اللاعب الأكثر نفوذا فيه على مدى سنوات طويلة. وفاز «الحريري» مرة ثانية في الانتخابات النيابية في جوان 2009، وكلف بعدها تشكيل حكومة. إلا انه اعتذر بعد حوالي شهرين ونصف الشهر بعدما رفض التجاوب مع عدد من مطالب الأقلية المتشددة في شأن الحقائب وأسماء الوزراء. ومنذ تكليفه المرة الثانية في 16 سبتمبر، التزم بقليل من الكلام وكثير من الانفتاح على الحوار، بشهادة خصومه الذين تفاوضوا معه حول توزيع الحقائب الوزارية. إلا انه اضطر في الواقع إلى القيام بتنازلات كثيرة عن السقف الذي كان حدده خلال فترة التكليف الأولى. وورث «الحريري» عن والده هيكلية ورأسمالا سياسيين ضخمين، وأفاد من التعاطف الشعبي معه بعد اغتيال والده. وهو لم يتردد في الاعتراف في أي حال بعد انتخابات 2005 بان "الناس توجهوا إلى الصناديق من اجل والدي". وبعد انتخابات 2005، سمي «فؤاد السنيورة» الذي كان من اقرب معاوني «رفيق الحريري» ووزير المال في حكوماته، رئيسا للحكومة. وصرح «سعد الحريري» مرارا انه فضل التريث في تسلم رئاسة الحكومة التي تعود عرفا إلى الطائفة السنية، لأنه لم "يكن جاهزا بعد". طويل القامة، وتتسم إطلالاته الإعلامية غالبا بالهدوء وكلامه بالروية والدبلوماسية. إلا انه تعلم كذلك على مدى السنوات الماضية كيف يصبح خطيبا يحرك الحماسة بين أنصاره، وهذا ما بدا جليا خلال الحملات الانتخابية التي سبقت انتخابات السابع من جوان. وورث «الحريري» أيضا عن والده شبكة واسعة من العلاقات عبر العالم، وقام خلال السنوات الماضية برحلات لا تحصى إلى دول عديدة وأجرى لقاءات مع عدد كبير من زعماء العالم. بين 2005 و2007، عاش لفترات طويلة خارج لبنان أو بعيدا عن الأضواء في مرحلة كانت تشهد اغتيالات استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية مؤيدة للأكثرية. وجعل «الحريري» من إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان، المحكمة ذات الطابع الدولي المكلفة النظر في قضية اغتيال والده، احد ابرز اهتماماته الذي كرس له وقتا واتصالات وجهدا سياسيا بالغا. وأعلن مع بدء عمل المحكمة في لاهاي في هولندا في الأول من مارس 2009 انه أصبح مرتاحا وانه سيحتكم إلى قرار المحكمة مهما كان. ورغم موقفه من سوريا، لا يستبعد «الحريري» في لقاءاته الضيقة احتمال قيامه بزيارة إلى دمشق بصفته رئيسا للحكومة، معتبرا أن "واجبه كرئيس حكومة لكل لبنان" يحتم عليه التصرف على هذا الأساس. وكان «سعد الحريري» الذي يحمل أيضا الجنسية السعودية، يكتفي خلال حياة والده بالاهتمام بأعمال العائلة الثرية. وكان يتولى إدارة شركة «سعودي-اوجيه» للبناء والتعهدات التي كانت الركيزة الأساسية في بناء ثروة «رفيق الحريري». كما تولى رئاسة وعضوية مجالس إدارة شركات أخرى عديدة تملكها عائلته. وفي لائحتها لأهم أثرياء العالم للعام 2009، قدرت مجلة «فوربس» ثروة «الحريري» ب4.1 مليار دولار. وتعتبر ثروة «الحريري» المصدر الرئيسي للحملات التي يشنها عليه خصومه الذين يتهمونه باستخدام "المال السياسي" وأحيانا "البترو دولار" لشراء المؤيدين. ولد «سعد الحريري» في 18 أفريل 1970 في السعودية. ويحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة «جورج تاون» في واشنطن. وهو متزوج من «لارا بشير» العظم التي تنتمي إلى عائلة سورية عريقة شاركت في السلطة في سوريا خلال الخمسينات. و «سعد الحريري» والد لثلاثة أطفال، حسام ولؤلؤة وعبد العزيز، وهم يعيشون مع والدتهم في السعودية "لأسباب أمنية"، كما يؤكد المقربون. ويقوم «الحريري» بانتظام "بزيارات عائلية قصيرة" إلى المملكة.