تعيش أكثر من 50 عائلة بالحي القصديري المسمى بومعطي، والمنتمي إقليميا لبلدية الحراش، ظروفا معيشية مزرية وحياة صعبة لا تحتمل، حيث يتخبط سكانه في قسوة ومشاكل تطبع هذه المنطقة التي يعود تواجدها إلى الثمانينات، وسط غياب أبسط شروط الحياة الكريمة والمرافق الضرورية، بالاضافة إلى انتشار الأمراض الخطيرة والمزمنة على غرار الأمراض الصدرية والجلدية، الناتجة من الأوساخ وصفائح الترنيت التي تغطي سكناتهم، مع انتشار الحيوانات الضالة بالمنطقة وروائح وادي الحراش المحاذي لحيهم. قامت «السياسي» بزيارة الحي القصديري المسمى بومعطي بالحراش، لتكشف مخابئ ومعاناة سكان هذا الحي المهمش، ولم تصل إليه إلا مرورا بالسوق الفوضوي المحاذي له، والذي يعرف اكتظاظا منقطع النظير، منتهجة مسالكه الوعرة التي تتخللها الكثير من الحفر، وكأنها قرية نائية وسط العاصمة نتيجة تطرفها وخلائها، وأول ما شد انتباهنا هو ملامح البؤس والشقاء التي تميز كل سكان الحي، وجوه بينت الحياة المزرية التي يعيشونها وبريق عيونهم التي تسرد علينا قصة 30 سنة من الشقاء، وسط مجمع سكني تسوده الأمراض في كل زواياه، وتغيب به أدنى المرافق الضرورية التي تضمن حياة بسيطة، ناهيك عن الضجيج، روائح الوادي والأوساخ التي يخلفها السوق الفوضوي القريب منهم . اكتظاظ السوق الفوضوي أخفى الحي أشار سكان الحي أن المنطقة تشهدا تهميشا وعزلة حقيقية، مرجعين ذلك الى السوق الفوضوي المجاور الذي يعتبر قبلة للعديد من البلديات المجاورة، فهذا الاكتظاظ اليومي عمل على تطرفه وإخفاء الحي القصديري وإبعاده عن الأنظار، حيث أكد قاطنو المنطقة أنهم سئموا من العيش وسط الضجيج والفوضى التي تميز ذات السوق طيلة أيام الأسبوع وأصوات الباعة والزبائن المتعالية، فبالرغم من أنه يوفر لهم كل احتياجاتهم اليومية من الخضر والفواكه والملابس وبأسعار رخيصة، إلا أنهم يأملون في إزالته من أجل العيش بهدوء، سيما وأن هذا الأخير لا يسمح لهم بأخذ ولو قسط من الراحة. وما زاد الوضع سوءا هو أصحاب حافلات المحطة المركزية ببومعطي الذين لا يتوقفون في المكان المخصص للحافلات، إذ في معظم الأحيان يمرون على سكناتهم وهم يصرخون، وهو ما أكدته لنا إحدى المواطنات التي تقطن بالحي، التي قالت بأنهم يجدون صعوبة في التنقل أو الخروج للجوار، بسبب حركة الزبائن والمارة الكثيفة طيلة اليوم وأصحاب الطاولات الذين يأخذون وقتا طويلا في إزالة طاولاتهم من أجل دخول سيارات قاطني الحي إلى المنطقة، إضافة إلى الحافلات التي تقف بطريقة عشوائية في مواقف غير قانونية، كما أشارت ذات المتحدثة إلى أن هذا الوضع أثر على أبنائهم المتمدرسين الذين عادة ما يصلون متأخرين الى المدارس لأنهم يمرون على السوق، أما الماكثون في منازلهم فقد عزلهم هذا السوق وحرمهم من الخروج، إذ لا يغادرون سكناتهم إلا للضرورة تجنبا لاكتظاظ الطريق والحشد الكبير من الزبائن الدين يقصدونه من كل مكان، وأضافت في السياق ذاته أنه حتى الأقارب لا يقومون بزيارتهم لذات السبب. ثلاثون سنة في الضيق والحرمان من المرافق الضرورية أشار سكان الحي الفوضوي إلى أنهم عاشوا طيلة 30 سنة معاناة يومية في سكنات ضيقة، بعدما منعتهم مصالح البلدية من البناء، مع حرمانهم من المرافق الضرورية على غرار الغاز الطبيعي الذي يعتبر من أهم المواد التي تستعمل للطبخ والتدفئة، مؤكدين أنهم عانوا الأمرين خلال موجة البرد والثلج الذي مر على البلاد شهر فيفري المنصرم، خاصة وأن شاحنات غاز البوتان لا تمر على حيهم تفاديا للاكتظاظ والازدحام المروري خاصة وأنها تباع في محلات بعيدة عن حيهم ما أنهك قواهم، واستنزف جيوبهم بعد ان شهدت ارتفاعا كبيرا بسبب اغتنام الباعة الفرصة، إلا أنهم أشاروا إلى أنه من الضروري شرائها خاصة وأن منازلهم في تلك الأيام تحولت إلى ثلاجة من شدة البرودة، وما زاد وضعهم تدهورا هو ارتفاع منسوب مياه وادي الحراش المحاذي لحيهم كلما تهاطلت الأمطار ما يعمل على فيضانه، حيث تغرق منازلهم بأكملها في المياه القذرة، وهو ما أكدته لنا السيدة «فريدة» التي قالت بأن منسوب مياه الوادي الملوثة يصل الى أدراج خزانتها، حيث تغرق الأفرشة والملابس في المياه الموحلة، إضافة الى انتشار الروائح الكريهة التي تعم منازل الحي، مؤكدة في السياق ذاته بمرارة وأعين دامعة، أنهم صاروا يشمئزون من هذا الوضع وهذه المعيشة المرة، التي ضاعت في ظرف 30 سنة في الشقاء والتعب. الأمراض المزمنة تفتك بقاطني المنطقة يتخبط معظم قاطني الحي وسط جو تحاصره الأوبئة والأمراض المزمنة، منها الصدرية والجلدية، حيث أكد السكان أن الحساسية هي المرض الرئيسي الذي نخر أجساد قاطنيه، نتيجة قلة النظافة والروائح والأوساخ المنبعثة من الوادي الذي زاد من انتشار الأمراض التنفسية، كما ان الرطوبة الكثيفة التي تعشش في سكناتهم المبنية من الصفيح والطوب طيلة أيام السنة تزيد من تدهور صحتهم، ولم ينس السكان الانتشار الكبير للحشرات والقوارض والجرذان التي باتت تقاسمهم سكنهم وحياتهم، حيث أكدت السيدة مليكة وهي من أقدم سكان الحي، أن الأفاعي تزداد صيفا أما القوارض فهي تقاسمهم يومياتهم. وفي نفس السياق أضاف السكان، أنهم جدُّ متخوفون من الأخطار المنبعثة من روائح الوادي والقمامة التي ترمى بجانبه، خاصة وأننا مقبلين على فصل حار، حيث تزداد درجة التعفن ما يولِّد أمراضا قد تودي بحياتهم. قنوات الصرف المفتوحة تهدد الأطفال يعرف الحي القصديري بومعطي مسالك وعرة، وحالة كبيرة من الاهتراء والحجارة التي زادت من معاناة السكان الذين اخبرونا بأن مصالح البلدية باشرت أعمال التهيئة مند ثلاثة أشهر الماضية، لكن توقفوا عن العمل فجأة، تاركين الطريق في حالة كارثية بعد أن تم حفره، وتغطيته بالأحجار الكبيرة ما عمل على تصعيب حركة السير المرور على أصحاب السيارات والراجلين الذين أكدوا أنهم لا يمكنهم عبور المنطقة والخروج منها إلا بانتعال الأحذية المطاطية في حال تهاطل الأمطار، وما زاد الوضع سوءا أن العمال قد تركوا قنوات صرف المياه القدرة مفتوحة وسط الحي، وهو الوضع الذي يهدد قاطنو الحي الذين أكدوا أنهم متخوفين على فلذات كبدهم منها، خاصة بعدما سقوط طفل مؤخرا، ولحسن الحظ لم يصب بأذى، حيث كانت جروحه وخدوشه سطحية وبسيطة، وهو ما أصبح يشكل خطرا على الأطفال الباقين الذين يلعبون بالجوار بما أن المنطقة لا تحتوي على مكان مخصص للعب. طموحات وأحلام شباب المنطقة تتبخر فتح لنا شباب الحي قلوبهم وأخبرونا مواجعهم، مشيرين إلى أن العيش في مثل حي مثل هذا وسط «الميزيرية» التي فتحوا أعينهم فيها بخَّر كل أحلامهم، مؤكدين أنه منذ أن خلقوا لم يروا يوما أبيضا وهم يتكبدون عناء المعيشة، ولم يعرفو طعم الهناء وجمال الدنيا، كما أضافوا أنهم ولم يتمتعو حتى بسنهم مثل باقي أصدقائهم، نتيجة الظروف الصعبة التي فرضت عليهم العمل والامتناع عن الدراسة في سن مبكرة لتحقيق هدف واحد وهو الخروج من الضيق، وهو ما أكده أحد الشباب البالغ من العمر 22 سنة. آمال خائبة..ووعود كاذبة يعيش سكان الحي على أمل الحصول على فرصة سكن لائق بعيد عن الضيق والحرمان، علما وأن الإحصاءات التي قامت بها مصالح السلطات المحلية قد شملتهم إلا أنه لا جديد يذكر، حيث أن سكان الحي قد ملوا، مشيرين في نفس الوقت إلى أن كل من يرشح نفسه للانتخابات يقوم بزيارتهم ويعطيهم آمالا خائبة، تغرقهم في الوعود الكاذبة، التي يتشبثون بها على أمل ترحيلهم، إلا انه عندما تنتهي الانتخابات تختفي وجوه المرشحين مع وعودهم ليبقى نفس المواطنين يعيشون ذات الوضعية التي تؤول كل سنة الى الأسوأ. وعلى هذا الأساس والوضعية المزرية التي يعيش بها قاطنو حي بومعطي الفوضوي لأزيد من 30 عاما، متحملين بذلك كل الظروف الصعبة، ناشد هؤلاء السلطات المحلية على تحقيق حلمهم والاستفادة من سكن لائق يؤويهم ويحفظ كرامتهم.