قال الله تعالى »وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين« (التكوير: آية 29)، لا ما تشاؤون يا أيها الناس، »ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون« (المائدة: آية 48)، »والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم« (البقرة: آية 105)، »والله يرزق من يشاء بغير حساب« (البقرة: آية 212)، »والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم« (البقرة: آية 213)، »يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا« (البقرة: آية 269)، »إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء« (النساء: آية 48)، مضيفا »ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا« (النساء: آية 116)، بينما في الآية السابقة نجد »من يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما« (النساء: آية 48). سبب نزول آية الشرك كما قال أبي أيوب الأنصاري: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: »إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام«، قال: »وما دينه؟« قال: »يصلي ويوحّد الله«، قال: استوهب منه دينه، فإن أبى فابتعه منه«، فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: »وجدته شحيحا على دينه«، فنزلت الآية. فالآية هي رد على أولئك الذين يحلمون بمغفرة الله من دون الإيمان قائلين »استغفر لنا« بالرغم مما يفعلون ويرتكبون. أما هذه الآية المخصصة »قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم« (الزمر: آية 53)، أي إن كل الذنوب والمعاصي قابلة للغفران ما عدا جريمة الشرك أي نسبة الولد والشريك والصاحبة لله عز وجل، فالشرك أعظم الكفر عند الله تعالى، لأنه يمنع نور الإيمان من الوصول إلى القب، وهو منتهى ما تهبط إليه عقول البشر، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تهدم كيان الأفراد والجماعات. ولا غرابة في ذلك فالمشرك يظن أن للصنم أو البشر مثله تأثيرا في الكون والحياة. أما التوحيد والإيمان الخالص لله عز وجل من كل شوائب الشرك فيسمو بالنفس إلى عبادة الرب سبحانه والاعتماد عليه وحده، والتوكل عيه والإخلاص له. وفي هذا نور القلب، وصفاء الروح ونور البصيرة، والعزة الكاملة، لذا كانت المعاصي كلها بعد الإيمان قابلة للمغفرة وقبول التوبة لأن نور الإيمان يسترها. غير أن المغفرة مرتبطة بمشيئة الله، وهي للعباد التائبين الذين يعملون الصالحات التي أمر الله بها وانتهوا عما نها الله عنه، لقوله تعالى »إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين« (هود: آية 114). ولهذا فيا أيها الناس، ليكن سلوك كل إنسان منكم خاضعا لقول الله تعالى وملتزما بأوامر الله جل وعلا »ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا« (الكهف: آيتان 23- 24)، »إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين« (القصص: آية 56)، »ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ« (الزمر: آية 23).