نجح الملك ماسينيسا، الذي وصل إلى سدة الحكم في مرحلة ميزتها الاضطرابات السياسية الناجمة عن المنافسة بين روماوقرطاج من أجل السيطرة على منطقة المتوسط، لأول مرة، في توحيد نوميديا التي تمثل المساحة الإجمالية الحالية لشمال الجزائر. ونفذ ماسينيسا مخططه المتعلق بتوحيد نوميديا وجعل منها دولة روما المستقلة التي صمدت لمدة خمسة قرون. حكم ماسينيسا مملكة الماسيل وتحالف مع روما ضد قرطاج ليصل بعدها إلى سدة الحكم في مملكة الماسيسيل، حسب نص حول السيرة الذاتية لماسينيسا تم إعداده، استنادا لكتب ومراجع تاريخية. واعتبر المؤرخون أن الفترة النوميدية في شمال إفريقيا بدأت حوالي سنة 250 قبل الميلاد في ظل بروز المملكتين البربريتين في شمال إفريقيا وهما ممكلة الماسيل في الشرق و عاصمتها سيرتا (قسنطينة حاليا) والماسيسيل في الغرب وعاصمتها سيغا (أولحاسة الغرابة عين تموشنت حاليا). وكانت هاتان المملكتان تتحكمان في السهول بين جبال الأطلس وساحل البحر المتوسط. وبعد فترة من التعايش، بدأت المنافسة مع تولي ملك الماسيسيل سيفاكس الحكم سنة 215 قبل الميلاد و تحالف هذا الأخير مع قرطاج بغرض محاولة السيطرة على الأراضي الماسيلية التابعة للملك زيلالسان الذي خلفه والد ماسينيسا غايا بعد وفاته. و استغل سيفاكس وفاة غايا (سنة 206 قبل الميلاد) لاحتلال سيرتا التي جعلها عاصمته في سنة 205 قبل الميلاد. لكن ابن الملك غايا استرجع مملكته بعد حرب دامية (سنة 202 قبل الميلاد) انتصرت فيها روما بمساعدة من ماسينيسا ضد الجيوش القرطاجية التي كان يقودها الجنرال حنبعل و التي انضمت إليها جيوش سيفاكس فيما بعد. وأصبح ماسينيسا يتحكم في كل الشرق الجزائري وحفر خندقا بمساعدة الجيوش الرومانية على طول عدة كيلومترات ابتداء من طبرقة إلى الغرب من أجل رسم حدود الشمال الجزائري. واستعاد ماسينيسا سيرتا وجعل منها عاصمته. وعكف ماسينيسا على إصلاح مملكته وشجّع القبائل على الاستقرار وتوسيع زراعة الحبوب وإصلاح الرسوم الجبائية إضافة إلى تعزيز تحالفه مع روما وإقامة علاقات مع اليونان. ووضع صورته على القطع النقدية باللغة الفينيقية التي أصبحت اللغة الأكثر استعمالا في المملكة. واحتل ماسينيسا بعدها أراضي سيفاكس، ثم قام بتوحيد نوميديا ورسم الحدود الغربية لمملكته ابتداء من وادي مولاية القريب من الحدود الجزائرية المغربية. وتم توسيع المدن بحيث استحدثت مدن مادوروس (مداوروش) وتيبيليس (أنوما) وتشوبورسيكو (خميسة). وفيما يخص الجانب السياسي، كانت المملكة تتكون من عدة جماعات يمثلهم رؤسائهم لدى الملك. واستمرت السلطة من خلال تحالفات مع هذه الجماعات. وقاد ماسينيسيا المملكة لمدة نصف قرن (-202 إلى غاية 148 قبل الميلاد) وكانت المملكة موحّدة ومزوّدة بجيش قوي ومتطورة اقتصاديا. ورفضت روما مشروع ماسينيسا الرامي إلى الظفر بمدينة قرطاج التي دمرها الجيش الروماني سنة 146 قبل الميلاد. ومهدت وفاة ماسينيسا الطريق للاحتلال الروماني من أجل السيطرة على نوميديا التي قسّمها الرومان إلى عدة مملكات قبل أن تضاف إلى روما. الباحث في علم الإنسان ديدا بادي: ماسينيسا جعل من نوميديا قوة في شمال إفريقيا أكد الباحث في علم الإنسان، ديدا بادي، في حديثه عن نوميديا ماسينيسا، أن توحيد نوميديا وجعلها قوة في شمال إفريقيا هو طموح حقّقه الملك ماسينيسا خلال نصف قرن من الحكم، قبل أن تعيقه روما القوة الأخرى التي قسمتها ثم ضمتها الأمر الذي انعكست عواقبه على سكان نوميديا. وبالنسبة لهذا الباحث بالمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ والأنتروبولوجيا والتاريخ، فإن أهم مرحلة في تاريخ نوميديا تتمثل في فترة حكم ماسينيسا، كونها الفترة التي توحدت فيها نوميديا الشرقية والغربية في مملكة واحدة. وبمناسبة تنظيم الملتقى الدولي حول ماسينيسا الذي ستحتضنه مدينة الخروببقسنطينة من السبت إلى الاثنين، أوضح الباحث بادي أنه من الأكيد أن نوميديا كانت موجودة قبل ماسينيسا بكثير، لكن فترة حكمه تمثل أهم مرحلة في التاريخ بالنظر إلى الدور بالغ الأهمية الذي لعبه في توحيدها في ظرف جيوسياسي خاص في محيط المتوسط . وأضاف بادي، المنسق العلمي للملتقى الذي تنظمه المحافظة السامية للأمازيغية، أن نوميديا ماسينيسا كانت تمثل جزءا من القوى العظمى آنذاك، على غرار روماوقرطاج. ولم يكتف بتوحيدها في مملكة واحدة بل جعل منها قوة عظمى على عدة أصعدة خاصة منها الاقتصادي. ومن ثمّة، لا بد أن يكون محل فخر بالنسبة للأجيال الجزائرية . وأوضح قائلا أن ماسينيسا مثال لتوحيد دولة والحكم إذ نجح في تنظيم الجيش والفلاحة وتوطين البدو الرحل. كما لم تسجل أي ثورة شعبية خلال فترة حكمه، لأنه كان يكن الاحترام للشعب ولم يكن يمارس سياسة ضرائب صارمة كثيرا . ضرورة إعادة استرجاع تاريخ نوميديا وحسب بادي، فإن كتابات المؤرخين وباقي النصوص حول نوميديا وتحديدا حول ماسينيسا تعكس نظرة أحادية الجانب، كونها لكتاب إغريق ولاتينيين، على غرار تيت ليف وديودور دو سيسيل وآبيان وبوليب. وأضاف نعتبر أن كل ما كتب عن ماسينيسا ونوميديا منحصر في نظرة أحادية الجانب المتمثلة نوعا ما في نظرة الآخر لنا ، موضحا أنه قد حان الوقت بالنسبة للباحثين وعلماء الآثار والمؤرخين الجزائريين، لتنقيه تاريخ هذه الفترة ومقارنة نتائج الأبحاث مع تلك التي وردت إلينا من الخارج . ويرى المتحدث أن البحث في علم الآثار يجب أن يعزز ويركز أكثر على المرحلة النوميدية، لأنها تسمح بتقييم المعطيات التاريخية اعتمادا على أدوات مادية، وتمثّل الضامن لصحة النظرة الجزائرية لتلك الحقبة من الزمن. وبعد أن وصف البحث في مرحلة ما قبل التاريخ ب الورشة الكبيرة ، أرجع بادي قلة عدد الأعمال في علم الآثار المنجزة حول نوميديا إلى عدة عوامل لاسيما ذات طابع أكاديمي، إذ ذكر على سبيل المثال، كون البحث في علم الآثار لا يزال فتيا بالجزائر، بالإضافة إلى نقص مراكز و معاهد البحث في علم الآثار. وبخصوص نقص الدراسات الجزائرية حول علم الآثار المتعلقة بالمرحلة النوميدية، قال أن علاقتنا بالماضي قريبا كان أو بعيدا ليست واضحة بعد ويكتنفها الغموض. ونحن لا نحسن استعادة كل صفحات تاريخنا ولا دراسته في العمق. ولا ينبغي في أي حال من الأحوال اعتبار المرحلة النوميدية نقطة ضعف في تاريخنا كون كل التاريخ معني . وفي هذا الصدد، اقترح تحسيس مؤسسات النظام التربوي والجامعي بإدراج بعد الجزائر القديمة في البرامج التعليمية ودعا الباحثين إلى إعادة النظر في التاريخ بمجمله.