لو تأمّل الإنسان في نفسه، كيف خلق، لوجد أن الله تعالى، قد جعل اللسان داخل قفصين: قفص داخلي: وهو الأسنان، وقفص خارجي وهو الشفتان، حتى يكون اللسان، هذا مملوكا لصاحبة فلا ينطق به إلا بعد أن يفكر كثيرا في الكلمة التي يريد أن يقولها، فإن كانت خيرا نطق بها وإلا أمسكها، وهذا هو الذي يعنيه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه لأسود بن أصرم حين قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال »تملك يدك؟«، قلت »فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟«، قال »تملك لسانك؟«، قلت »فماذا أملك إذا لم أملك لساني؟«، قال »لا تبسط يدك إلا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلا معروفا«. قال تعالى »إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها« (الإسراء آية 7)، ألم تكن هذه وصية تنفع أطفالنا وشبابنا وكهولنا في كل زمان ومكان؟ ألم تكن أكرم وصية ليقلع هؤلاء أيديهم عن الشر ويتمسكوا بالخير في القول والفعل؟ الانسان العاقل لا ينسى قول الله تعالى »يوم ينظر المرء ما قدمت يداه« (النبأ: 40)، وقوله عز وجل »قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى« (البقرة: 263)، وقوله جل وعلا »فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره« (الزلزلة: 7- 8). قال مروان بن محمد »كنزنا الكنوز فما وجدنا كنزا أنفع من المعروف في قلب آخر«، لكن كما يقال »اعمل المعروف ولا تنتظر الشكر عليه«، وقال أبو بكر الصديق »صنائع المعروف تقي مصارع السوء«، وقال عمر بن الخطاب »لكل شيء شرف، وشرف المعروف تعجيله«، قال الله تعالى »لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً« (النساء: 114). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »رحم الله عبدا تكلم فغنم، أو سكت فسلم«. ومن حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه »لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه«، وقيل »المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا ما تكلم ظهر«، لكن العقل الحصيف يقول »الكلام في الخير كله أفضل من الصمت، والصمت في الشر كله أفضل من الكلام«. وفي هذا التوجه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم »من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت«، وفي المثل اللاتيني »شراء النفوس بالإحسان خير من بيعها بالعدوان«، وهذا يتجاوب مع قول الله تعالى »ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم« (فصلت: 34). قال عليه الصلاة والسلام »لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي«. ولم يترك الله هذا الإنسان القاسي حراً في معاملته القاسية مع أخيه الإنسان، قال تعالى »أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين« (الزمر: 22). إذن ذكر الله طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان، وشفاؤها ونور الأبصار وضياؤها به تطمئن القلوب وتنفرج الكروب، وتغفر الخطايا والذنوب. قال الله تعالى »فاذكروني أذكركم واشكرو لي ولا تكفرون« (البقرة: 152)، وقال عمر بن الخطاب »من كثر كلامه، كثر سقطه: ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قلّ ورعه ومن قلّ ورعه مات قلبه؟ ومن مات قلبه دخل النار«. قال عقبة بن عامر: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا نبي الله ما النجاة؟ قال »أمسك عليك لسانك وليسعد بيتك ولتبك على خطيئتك«. قال سعد بن أبي وقاص: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس الأرض البقرة بلسانها«. وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم »أي الإسلام أفضل؟« فقال »من سلم المسلمون من لسانه ويده«. قيل »احفظ لسانك إلا عن أربعة: حق توضحه، وباطل تدحضه ونعمة تشكرها، وحكمة تظهرها«. ومن أمثال الشعوب »لسانك أسد إن أطلقته قتلك«، وأيضا »بلاء الإنسان من اللسان«. ومن أمثال العرب »اللسان صغير الحجم عظيم الجرم«. ولهذا قيل »أعتقد أن رأس الحكمة هي في عقل اللسان«، كذلك »حلاوة اللسان تستعبد الإنسان كالإحسان«. قال أبقراط »خلق الله للإنسان لساناً واحداً، وأذنين حتى يسمع أكثر مما يقول«. فلا تغرنك أيها الإنسان المغرور قوّتك أو سلطتك أو مالك فإن قوة الله وسلطته أقوى وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء، والإنسان في هذه الدنيا هو مبتلى إما بالخير أو بالشر، فمن انتصر بتقوى الله وذكر الله وطاعة الله المطلقة بخشوع سعد وانتصر، ومن انحرف واغتر بوسوسة الشيطان الذي يزين له عمله فهو من الخاسرين، ولهذا تيقن أن »ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك« (النساء: 79). فاتقوا الله يا عباد الله إن كنتم مؤمنين.