يشكل القرآن الزاوية الرئيسية التي يقوم عليها كيان الأمة العقدي والتشريعي والثقافي،إلى جانب المناهج الإسلامية الأخرى عن المجتمع والأخلاق وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت »كان خلقه القرآن«. ومن تأسى برسوله الكريم فلابد أن يقرأ القرآن بتدبر لفهم آياته ومقصودها، قال تعالى: »كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب« (ص: 29). ولا نقصد بكلامنا ترك التلاوة والحفظ بل السعي لنيل المرتبة الأعلى التي تجمع بين الحفظ والتلاوة والتدبر ومن ثم العمل والتطبيق. فعن ابن مسعود قال: »والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزل الله«. وقال ابن القيم »ليس أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن، فإنها تثبت قواعد الإيمان في قلب العبد فلا تزال معانيه تنهض إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل«. ومما يساعد على تدبر القرآن الكريم العلم بالتفسير والعودة إلى أقوال السلف وفهمهم للآية أو السورة وما ترنوا إليه. وبعد فما درجة تدبرنا للقرآن وما ترجمة ذلك في واقعنا العملي وما نقرؤه وهل نربي أبناءنا على ذلك؟ لقد رغّب الإسلام في تعلم العلم وتعليمه عامة، وجعل ذلك من أفضل العبادات وأجلها، فما بالك بالعلم الذي يتعلق بكتاب الله تعالى. عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »خيركم من تعلم القرآن وعلمه«، فهذه شهادة حق لأهل القرآن بأنهم خير الناس وأفضلهم، لأن تعلم القرآن والقيام بتعليمه من أفضل الأعمال، وأجل القرب، ويحظى متعلمه ومعلمه بالخير والفضل في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران«، وقد حرص السلف الصالح تعلم القرآن وتعليمه تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن الكريم. وقراءة القرآن لا تصح إلا ترتيلاً، ولا يجوز لأي قارئ أن يقرأ كلام الله من المصحف كما يقرأ صحيفة عادية بل هو صحف مكرمة مرفوعة مطهرة لها طريقة أداء وآداب تلاوة، ولابد للقارئ الذي يقرأ القرآن أن يتلقى القراءة من مجيدها حتى تؤتي ثمارها. وهذا الأداء القرآني المتميز ليس فيه مشقة على أي مسلم يريد أن يتعلم تلاوة كتاب الله، فبمجرد العزم والإرادة والنية الصادقة يأتي فضل الله سريعا لا يبطئ، فقد يسر الله قراءته وكلامه على كل من يريد أن يصل إلى تعلمه. يقول سبحانه: »ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر« (القمر: الآية 32).