إن دين الإسلام يقوم على تحقيق العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق الحسنة، وقد جاءت النصوص بالحث على الخلق الحسن، وأن صاحبه من خير الناس، ومن أقربهم وأحبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم خلقه القرآن كما وصفه بذلك ربه »وإنك لعلى خلق عظيم«، وسُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه، فقالت »كان خلقه القرآن«. وقد حث على ذلك بقوله »إن خياركم أحاسنكم أخلاقا«. كما قال »إن من أحبكم إليَ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا«. وقال الحسن البصري إن حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه. وقال القاضي عياض هو مخالطة الناس بالجميل والبشر والتودد لهم والإشفاق عليهم واحتمالهم والحلم عنهم والصبرعليهم في المكاره وترك الكبر والاستطالة عليهم ومجانبة الغلظ والغضب والمؤاخذة. و قال المناوي وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال والتلطف في الأحوال والأفعال وحسن المعاملة مع الرحمن والعشرة مع الإخوان وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الكمالات. ومن أراد أن يعرف فضل حسن الخلق و بلوغ صاحبه إلى هذه المرتبة فلينظر إلى النصوص من السنة المطهرة وفيها أن: »ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق«، وأن »أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم خلقا«، وأن »الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم«. كما قال صلى الله عليه وسلم »أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه«. وسُئل صلى الله عليه وسلم من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ فقال »أحسنهم خلقا«، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أكثر ما يدخل الناس الجنة »تقوى الله وحسن الخلق«. قال الطيبي رحمه الله: قوله تقوى الله إشارة إلى حسن المعاملة مع الخالق بأن يأتي جميع ما أمره به وينتهي عن ما نهى عنه، وحسن الخلق إشارة إلى حسن المعاملة مع الخلق وهاتان الخصلتان موجبتان لدخول الجنة. هل الخلق غريزي أم مكتسب؟ قال النووي رحمه الله حكى الطبري خلافا للسلف في حسن الخلق هل هو غريزة أم مكتسب، قال القاضي: والصحيح أن منه ما هو غريزة ومنه ما يكتسب بالتخلق والاقتداء بغيره والله أعلم. ونقل الحافظ عن القرطبي: الخلق جبّلة في نوع الإنسان، وهم في ذلك متفاوتون فمن غلب عليه شيء منها إن كان محموداً وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محموداً، وكذا إن كان ضعيفا فيرتاض صاحبه حتى يقوى. وقد قال صلى الله عليه وسلم: »إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأنّاة«. قال: يا رسول الله، قديماً كانا فيّ أو حديثا؟ قال: »قديماً«. قال: الحمد لله الذي جبّلني على خلقين يحبهما«. فترديده السؤال وتقريره عليه يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي، وما هو مُكتسب.