قال الله تعالى: »قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرّطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرّة فأكون من المحسنين«. وروى الترمذي قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب، وهو يعالج سكرات الموت، فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أجدني أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا وأمّنه مما يخاف« (رواه الترمذي). من منا لم يرتكب الذنوب والمعاصي والخطايا؟ إن الإنسان بطبيعته مخلوق ضعيف، يرتكب الأخطاء، ويقع في المحظورات، ويقترف المعاصي، وذلك نتيجة الغفلة التي تستولي على قلبه، فتحجب بصيرته، ويزين له الشيطان سبل الضلال، فيقع فيما حرمه الله عليه، ومهما بلغ الإنسان من التقوى والصلاح، فإنه لا يسلم من الوقوع في الأخطاء، ولا يُعصم من المخالفات كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون من أجل ذلك شرّع العزيز الجبار التوبة لعباده حتى يعودوا إليه تائبين بتوبة نصوح يغفر الله عز وجل بها الذنوب والخطايا وتُمحى بها السيئات، فالتوبة التي يريدها الله منا، ويقبلها عنا، ويغفر بها لنا هي التوبة النصوح، التوبة الصادقة المخلصة التي يُبتغى بها رضا الله سبحانه وتعالى، توبة يرافقها العزم الأكيد على تجنب الخطايا والذنوب، توبة يصاحبها العمل المخلص، والعبادة الخالصة لله سبحانه، توبة تحدث تغيرات في حياة المسلم، فتنقله إلى حياة الإيمان والعمل الصالح. ولكي يتم ذلك ينبغي على المسلم أن يتبع الخطوات الصحيحة والثابتة في التوبة النصوح المتمثلة في شروط التوبة. يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: »قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط: أولها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم على ألا يعود إليها أبداً«. فإن فُقِد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه ردّه إليه، وإن كانت حدّ قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحلّه منها، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة«. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: »الندم توبة« (رواه الحاكم وابن ماجه)، ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، وقد ورد في الحديث الشريف: »إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر« (رواه الترمذي وقال حديث حسن). والمسلم المؤمن هو من راقب الله عز وجل في أفعاله وأقواله، واتقى الله في جهره ونجواه، وكفّ نفسه عن الذنوب والمعاصي وعمل عملاً يؤنسه في وحشة القبر ويؤمنه من عذاب ربه.