''اعتدنا أن نشاهد في مستشفياتنا العديد من مظاهر الإهمال والتسيب بالرغم من كل الإمكانيات البشرية والمادية المسخرة، وإن كان الجانب التقني الخاص بالتحاليل والأشعة أصبح يفرض معطيات غريبة بسبب سوء التنظيم، هذه المظاهر كان ينتظر أن تعرف تراجعا خلال شهر رمضان الكريم ولا تزداد حدتها، فبين الغيابات غير المبررة للعديد من الأطباء، وبين حالة اللامبالاة التي يشتكي منها المرضى المقيمين ليلا، وبين المزاجية ونقص التكفل، وعدم احترام نظام العمل خلال رمضان، تجد الأرواح العديد من المرضى على كف عفريت، خاصة بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة التي أصبحت المستشفيات تشكل بالنسبة إليهم هاجسا مروعا· ارتفاع نسبة غيابات الأطباء في شهر رمضان المبارك أردنا أن نرافق المرضى في رحلتهم الرمضانية الشاقة، وكانت البداية مع أصحاب الأمراض المزمنة،حيث تعاني هذه الفئة في الجزائر بحلول شهر رمضان المبارك من تذبذب مواعيدهم الطبية فبعد انتظار يدوم من 3 أشهر ل6 أشهر تجد أن الكثير منهم يقصدون مختلف مستشفيات العاصمة من مناطق بعيدة ليصطدموا بغياب طبيبهم المعاين، وهو ما صادفناه في مستشفى عيسات ايدير وبالذات قسم الأعصاب، أين يضطر مرضى الصرع المزمن الذين عادة ما تدهور حالتهم في شهر رمضان المبارك وموسم ارتفاع الحرارة للوقوف طويلا أملا في ظهور طبيبهم، وإن وجد فلن تتجاوز مدة الفحص عدة دقائق لدى اغلب الأطباء ليعاد وصف نفس الأدوية السابقة دون الاهتمام بمراعاة تقديم النصائح لهم في الشهر الفضيل· إن غياب الطبيب بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة في مواعيدهم المحددة يعني آجل غير مسمى مما يعني عدم صلاحية التحاليل التي تم استقدمها في موعد الفحص، ومما يعني كذلك إعادة الفحوص، والغريب في الأمر أن العديد من الأطباء المختصين لا يعلمون مرضاهم بمواعيد عطلهم السنوية ولا يحترمون ذلك في تحديد مواعيد الفحص، وهو ما أكدته لنا إحدى الممرضات بمستشفى لمين دباغين باب الواد، والتي عبرت لنا عن أسفها الشديد لحالة العديد من أصحاب المرضى المزمنين الذي يضطرون لتغير مواعيدهم وهم في أمس الحاجة للمراقبة الطبية خاصة وان شهر رمضان المبارك يصادف موسم الصيف وارتفاع موجة الحرارة الذي يؤدي إلى الكثير من المتاعب لدى المرضى المزمنين والذين ينصحهم الأطباء بالإفطار إلا أن الكثير منهم يأبى ذلك ويفضل الصوم، وتعريض نفسه للخطر· كما أن ظاهرة تأخر التحاق الأخصائيين بمكاتب عملهم أصبحت سمة عادية خلال شهر رمضان ولا استغراب منها، فيما يلجأ المرضى للقدوم مبكرا قبل مواقيت المداومة لضمان افتكاك شرف الدخول مع الأوائل وتجنب ساعات الانتظار الطويلة دون توفر العدد اللازم من الأماكن المخصصة لذلك، هذه العقلية الطبية التي اقترنت بمستشفياتنا دون أن ينفي ذلك وجود الكثير من الأطباء الذين مصلحة الأشعة خدمة متوفرة للمحظوظين فقط هي مظاهر كان يفترض أن لا تقترن بهذا الشهر الفضيل فعندما قررنا مشاركة الكثير من المرضى معاناتهم في هذه الأيام المباركة، لم نكن ندرك حجم هذه المعاناة ولم نكن نعي أن المرض ما هو إلا جزء من المعادلة الكلية لهذه المعاناة، وحتى لا يقتصر اهتمامنا على فئة الأمراض المزمنة التي تتطلب عناية خاصة في شهر رمضان، ارتأينا أن تكون الوجهة إلى مصلحة الاستعجالات المعضلة رقم واحدة في المستشفيات الجزائرية، فمن مستشفى سليم زميرلي شرق العاصمة إلى مستشفى لمين دباغين في غربها، ومن مستشفى بني مسوس إلى مصطفى باشا، العديد من المظاهر المشتركة، ومن بينها التماطل الكبير ولامبالاة، وحتى التذرع بالأعطاب في مصالح الأشعة، وكل الحجج للظفر بساعات راحة إضافية خاصة في ساعات المتأخرة من الليل، وأمام أعيننا رفض أحد العاملين بمصلحة الأشعة بمستشفى سليم زميرلي فتح الباب لشاب يبدو انه تعرض لكسور خطيرة على مستوى الرجل والسبب أن هذا الأخير كان نائما، ومع كل ذلك الإزعاج كانت الاستفاقة جد صعبة، بالرغم من أن أغلب المتوجهين لمصالح الاستعجالات هم أصحاب إصابات الكسور وضحايا إرهاب الطرقات، أما السكانير فيكاد يكون حلم صعب المنال، مصالح الاستعجالات تصبح ملكا للمرضى فقط وقليل جدا رؤية أصحاب المآزر البيضاء ساعات قبل الإفطار وساعات أخرى بعدها، مع أن النظام المعمول به من طرف الوزارة الوصية هو خدمة ذات العدد المحدود لضمان التكفل الصحي بالحالات الاستعجالية الخطيرة، وما لفت انتباهنا أن الأطباء المتربصين يبدون اهتمام كبير ويحاولون التكفل بالمرضى بعكس بعض الممرضين والممرضات التي يدوي صراخهم مصالح الاستعجالات، ففي مستشفى سليم زميرلي وأمام أعيننا لم يكن ذنب إحدى السيدات سوى أنها طلبت السرعة في التكفل بابنتها التي تنزف دما حتى تجد نفسها مضطرة لمواجهة تهجم الممرضة التي راحت تطلق كلاما لا ينم لمهنتها الإنسانية بأي صلة، و هو ما علق عليه احد الشباب ''غلبها رمضان''· وبينما تعرف مصالح الاستعجالات توافد كبير للمرضى لا يجد حتى أماكن مخصصة، مع تسجيل نقص هام في المقاعد المتحركة التي أصبحت تشبه الأرشيف في مستشفى مايو، وتتطلب وثيقة إثبات لمنحها في مصطفى باشا وزميرلي وهو ما لا يتوافق وحجم الإمكانيات المادية والبشرية التي توفرها الدولة، فيما تحكي لنا الآنسة ليلى وأختها مأساتها في نقل أمها بسبب عدم وجود الأشعة المطلوبة وكيف أن ''المعريفة'' هي التي أنقذتها من أصحاب سيارات كولندستان ليلا قبل ساعات من موعد السحور، لتصبح بذلك سيارات الإسعاف محدودة الخدمة في مستشفياتنا· تحاليل عملية جراحية تعاد 4 مرات وتحديد الموعد في أكثر من 8 أشهر لم يعد مسلسل إعادة التحاليل لأكثر من4 مرات أمر يستغرب منه مثل السيد ''س·ب'' الذي اضطر لإعادة تحاليله في كل مرة يتقرب منها لأخذ موعد معين لإجراء عملية جراحية للعظام باليد في مستشفى لمين دباغين بباب الواد، وفي كل زيارة إعادة التحاليل، ويمكن اعتبار التلاعب بمواعيد العمليات الجراحية من النقاط السوداء بالمستشفيات، ليدخل المريض في دوامة بين الذهاب والمجيء، في معاناة طويلة خاصة لمن يقصدون مستشفيات العاصمة من باقي الولايات، باعتبار وجود العديد من المصالح المختصة غير المتوفرة في الكثير من المناطق، لدرجة آن منهم من يضطر لحمل أمتعته بين في رحلة شهرية للظفر بموعد ثابت· مواعيد السحور تخلط تشخيصات طبيبة بمستشفى سليم زميرلي من جهة أخرى تلقت ''السياسي'' شكوى من أحد الشباب القاطن ببلدية الأربعاء والذي تعرض في الأيام الأولى من الشهر الفضيل لحادث سيارة أدت إلى حدوث كسور على مستوى الظهر، وكالعادة فإن مراكزنا الجوارية لا تحوي لا على مصالح للأشعة ولا للتحليل، ولا حتى على سيارات إسعاف في الخدمة، مما اضطر بالعائلة إلى نقله في احد الشاحنات باعتبار أنه كان مضطرا للالتقاء على ظهره، وإجراء الأشعة بمستشفة مفتاح الذي كان حسب أخ المعني شبه مغلق بسبب حالة النوم الجماعي التي كانت سائدة· لحد الآن كل الأمور تبدو غير خارجة عن نطاق الوضعية التي يعيشها القطاع، لكن أن يفشل أطباء الاستعجالات في مستشفى سليم زميرلي من تحديد وجود كسر فهو ما يعتبر غير منطقي، حيث تم تطمين الشاب الذي عاد بعد رحلة شاقة لم يجد فيها من يفحصه في حدود الساعة الثالثة صباحا، موعد السحور بعد أن أكدت له الطبيبة وليس بشكل مباشر بل بإرسال أحد أعوان الأمن سلامته، وباعتبار أن الألم لم يزل توجهت العائلة بالشاب على مستشفى مصطفى باشا بعد أربعة أيام حيث أكد لهم الأطباء وجود كسر خطير على مستوى الظهر· بحث في فائدة الممرضين بعد الإفطار وخاصة بعد 21 ليلا في جولة استطلاعية قادتنا لعدد من مستشفيات العاصمة وعند تقربنا من المرضى الكل يطلبون شيء واحد لا بد من البحث عن كيفية التكفل بالمرضى في ليل وبعد الإفطار وليس في النهار فحسب، من داخل مستشفى سليم زميرلي بالحراش، وبالضبط في مصلحة الجراحة العامة أحد كبار السن أكد ل''السياسي'' أنه ظل لساعات وهو يطلب حضور ممرض أو ممرضة لكن دون جدوى وبالرغم من أنه لا يستطيع النهوض إلا أنه استعمل طويلا صوته لكن لا حياة لمن تنادي، فيما وصف لنا شاب لم يتعد 53 من عمره كيف أن احد المرضى اضطر لاستعمال أحد الأواني الحديدية والضرب في السرير لساعات دون أن يجد أي رد وهو ما أدى لحدوث فوضى بين المرضى الذين طلبوا منه التوقف بسبب الضجيج الذي سببه، ومع ذلك فلا حياة لمن تنادي من العاملين بالمستشفى· ويذكر أن الوزارة تفرض ضرورة تناول وجبة الإفطار في أماكن العمل بالنسبة لعمال السلك الطبي والشبه الطبي للتكفل بالمرضى حيث يبدؤون المناوبة من الساعة الخامسة مساء بالنسبة للشبه الطبي، ومن الرابعة بالنسبة للأطباء، دون التحرك من أماكن عملهم وهو ما يلجا العديد منهم لتجاوزه· عبد الحميد بوعلاق: رؤساء المصالح هم السبب في تدهور التكفل بالمرضى أكد عبد الحميد بوعلاق رئيس الجمعية الجزائرية لمرضى التهاب الكبد الفيروسي، ورئيس الشبكة الجزائرية لجمعيات المرضى المزمنين أن حلول شهر رمضان المبارك وتزامنه مع موسم الصيف كان يتطلب إتباع إجراءات استثنائية، مشيرا إلى أن مسلسل ضعف التكفل بأصحاب الأمراض المزمنة قد تواصل، معتبرا أن السبب الرئيسي في هذا هم رؤساء المصالح على مستوى المستشفيات الذين حولوا هذه الأخيرة إلى ممتلكات خاصة، مشددا على ضرورة فتح الباب أمام فئة الشباب لتبوأ هذه المناصب باعتبار أن الكثير من رؤساء المصالح في مستشفياتنا قد تعدوا عتبة 07 سنة، فيما اعتبر ذات المتحدث الزيارات المفاجئة لوزير الصحة وإصلاح المستشفيات جمال ولد عباس إيجابية مع ضرورة إرفاقها بالإجراءات الصارمة للقضاء على الفوضى التي يعرفها القطاع، من جهة أخرى أكد الياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية في اتصال ل''السياسي'' أنه لا بد من الاستفادة من الجمعيات الخاصة، للاستفادة من الدعم لخدمة المرضى وكذا لتبليغ مشاكلهم للجهات المعنية، مشيرا في ذات السياق على الضغط الذي يشهده مصلحة مرضى السرطان· مصطفى خياطي ''مستشفياتنا تعاني من المشاكل التقنية'' اعتبر مصطفى خياطي أخصائي في طب الأطفال ورئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، أن أساس مشاكل التكفل الحسن بالمرضى خلال شهر رمضان على غرار معظم أيام السنة هو الجانب التقني، حيث الدكتور خياطي ل''السياسي'' أن القيام بالتحاليل والأشعة في المستشفيات أصبحت تشكل عائق كبير بالنسبة للأطباء والمرضى وذلك بسبب طول مدة انتظار النتائج التي تصبح غير صالحة بعد فترة معينة، بالإضافة لعدم وجود الأشعة· من جهة أخرى لم يخف ذات المتحدث تمكن الدولة من تغطية حاجات المرضى من الأطباء خاصة في المصالح المتخصصة حيث أكد رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي وجود من 2 إلى 3 أطباء للتكفل بالمريض، مضيفا أن هذا التكفل أعاقته إشكالية نقص التقنيات، وعدم وجود أجنحة لكل التحاليل المختصة، بالإضافة إلى التأخر في العلاج وطول مدة المكوث في المستشفيات· مصلحة الأطفال بالحراش 003 سرير لا تملك طبيب للأشعة أشار رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي إلى النقص الفادح الذي تعرفه بعض المستشفيات في الأطباء الخاصين في الأشعة والأطباء المخبرين ذوي التخصص الواحد، مستدلا بمصلحة الأطفال بالحراش حيث أن المصلحة التي تضم 003 سرير لا تملك أي طبيب للأشعة، بالإضافة إلى نقص الأطباء المتخصصين في المخابر بتخصص واحد حيث لا يتوفر إلا على طبيبين باختصاص جامع واختصاص رابع مما يعني عدم القدرة على التشخيص الدقيق، كما انتقد مصطفى خياطي عدم القدرة على التنسيق في قطاع الصحة مشيرا إلى نقص الأدوية وما تسببه من تعقيدات صحية، على سبيل مرضى السل الذين يتلقون أدويتهم في المستشفيات فيما لا يجدونها في الوحدات الجوارية وهو ما يعني تراجع الحالة الصحية للمرضى· ويبقى الحل حسب رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي في إنشاء مجلس استشاري للصحة العمومية في وقت أصبحت كل المؤسسات الاستشفائية تسير من طرف أشخاص لا تربطهم أية علاقة بالقطاع الصحي حسبه· 07 بالمائة من الأخطاء الطبية تقع في المؤسسات الصحية العمومية أشارت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى أن أغلب حالات الأخطاء الطبية المسجلة في مجال أمراض العيون وطب النساء والعظام وأمراض الأذن والأنف والحنجرة، ثم الطب الداخلي والأطفال والتلقيح والإسعاف، حيث أكدت تقارير هذه الأخيرة أن 07 بالمائة من الحالات المسجلة كانت في المستشفيات ومؤسسات الصحة العمومية والبقية في العيادات الخاصة، وأن الحالات المسجلة لدى اللجنة ما بين جويلية 9002 وأوت 0102، مقدرة ب18 ملفا، وهي لا تعبر عن الواقع الحقيقي المخيف، إذ أن المكالمات التي تم تلقيها منذ إنشاء الجمعية تؤكد أن عدد ضحايا الأخطاء الطبية فاق 0051 حالة، حيث أكدت متحدثة عن الرابطة أن المسؤولية في ذلك، مشتركة بين الطبيب المخطئ والمصلحة التي وقع فيها الخطأ، حيث قد يكون الخطأ إما في التشخيص أو أثناء العملية أو متعلقا بتواجد أعوان شبه الطبي وقيامهم بمهامهم، لتأتي بعد ذلك ما يسمى بالأخطاء المرفقية المتعلقة بنجاعة الأجهزة ونظافتها· وركزت المتحدثة على ضرورة أن تكون هناك متابعة من قبل المؤسسة التي يجري فيها الضحية العملية أو العلاج معتبرة أن أكثر ما يؤثر على المتعرض للخطأ الطبي هو تخلي الطبيب عنه بعد ذلك وعدم التكفل بالآثار التي تركها الخطأ أو محاولة إصلاحه، أو على الأقل الاعتراف به وطلب المعذرة منه، وأكدت أنه في كل الحالات المذكورة كان التخلي عن المريض والتنصل من المسؤولية سبب تفاقم الوضع ووصوله إلى عواقب وخيمة، مشيرة إلى أن المريض يطرد ويهان لو حاول الاستطلاع أو طلب المتابعة من الهيئة المعالجة ويضطر إلى الشجار ليتحول إلى متهم بدل ضحية· واعتبرت المتحدثة أن المشكل لا علاقة له بالكفاءة المهنية بل بالرسكلة، وأن مشكل الطبيب الجزائري أنه لا يطالع الجديد حول عديد العمليات والتقنيات الجديدة، داعية إلى ضرورة الحذر في كل مراحل العلاج·