إن كان القطاع الصحي في الجزائر قد عرف تطورا كبيرا في المجال التكنولوجي والتكويني للأطباء، لدرجة أننا ألغينا العديد من السفريات إلى الخارج التي كانت تشكل هاجسا لأصحاب بعض الأمراض، لتوفر القدرة على علاجها ومداواتها هنا في الجزائر، إلا أن بعض المظاهر الموجودة في بعض مستشفياتنا لا تزال قائمة، على غرار البيروقراطية، واللامبالاة، وتقديم المصلحة الشخصية، وغيرها من الأشكال التي لا تساير حجم التطور الحاصل في هذا القطاع، وهو ما أثار استياء المواطن الجزائري، الذي أصبح مضطر في كثير من الأحيان للبحث عن "المعريفة" من أجل ضمان التكفل بمرضاه، ولأننا جميعا عشنا هذه التجارب ولا نزال نعيشها ونذوق مرارتها فلابد أن يتحلى كل في منصبه بالمسؤولية لوقف مثل هذه التصرفات التي لا تتواكب مع واقع هذا القطاع الذي أصبح بمثابة التجربة الناجحة للأفارقة والعرب. "السياسي" تقضي يوما كاملا مع المرضى بدأنا جولتنا عبر مستشفيات العاصمة من المستشفى الجامعي مصطفى باشا لأن يعد من بين أكبر المرافق الاستشفائية في الجزائر، الأكثر استيعابا لمرضى جاءوا من مختلف ولايات الوطن، حيث يستقبل أزيد من 9 آلاف مريض سنويا، وأول ما تلاحظه هو الإمكانيات الضخمة المسخرة، حيث تم الاعتماد على جلب تقنيات غاية في التطور، ربما لا توجد على مستوى إفريقيا بأكملها، وكانت انطلاقتنا في هذا المستشفى من مركز مكافحة السرطان، فبمجرد أن وضعنا أقدامنا في المدخل، انتابنا شعور بالهدوء الرابض بين أجزاء هذا المركز المجهز بأحدث التقنيات، والآليات والمستقطب لعدد كبير من الكاشفين عن حقيقة أواجعهم وارتباطها بأورام سرطانية، وقد صادف وجودنا أحد أيام الكشف، ولأننا أردنا أن نعايش القلق الذي يظهر واضحا على محي المنتظرين، ارتأينا الجلوس معهم، ولكننا للأسف لم نجد مكانا لنا لأن عدد الكراسي المخصص للجلوس لا يكفي عدد المنتظرين الذين اختار منهم الجلوس في السلالم، في انتظار إدخال التحاليل للطبيب والتأكد من المرض كان هذا حال السيدة ليلى القادمة مع ابنها، في هذا القسم بذات لا تجد لا حديث ولا أصوات داعية للمرور والكل يحترم دوره، حيث يتم تسجيل الأسماء مسبقا، أكملنا جولتنا في المستشفى الذي لا تخلو فيه الحركية لا نهارا ولا ليلا. الاستعجالات النقطة السوداء في مستشفياتنا في حديثنا عن النظافة في مستشفياتنا، فإن أهم ما شد انتباهنا أن كل المستشفيات التي زارتها "السياسي" تفتقد للنظافة في مصالحها الاستعجالية بنسب متفاوتة وبدرجة أقل ولكن المشكل موجود، بالرغم من أهمية هذه المصلحة، في التكفل الفوري بالمريض، حيث الإبر الملوثة وضمادات الجراحة قريبة من المريض كان يجب أن تكون ممنوعة، وما قد ينجر عنه من مشاكل ميكروبية فيما بعد، وحسب دراسة طبية جزائرية فإن 30 بالمائة من الأمراض التنفسية سببها جراثيم المستشفيات، و20 بالمائة في الجهاز البولي، فمثلا مستشفى سليم زميرلي بالحراش يعرف تقدما كبيرا في النظافة من خلال تجولنا في مختلف مصالحه تلاحظ أنه قد خطى خطوات عملاقة في هذا المجال، على غرار الجانب التنظيمي لدخول المرضى والزائرين، ولكن بين الاستعجالات وباقي أقسام المستشفى تتأكد أن الأمر يتعلق بعملتان لواجهة واحدة، فبمجرد دخولنا لمصلحة الاستعجالات التي تصادف الدخول من البوابة الخلفية بشكل مباشر، وكانت الساعة تشير إلى السابعة مساء، ترى نوع من الفوضى، ولا تعرف إلى أين تتجه، وتقابلك وضعية مخالفة تماما لباقي الأقسام، وهو ما أثار استغرابنا، الحديث مع الممرضة يجعلك تحس بأنك تتحدث مع وزير القطاع، وإذا تعلق الأمر بالتحاليل فلك أن تعاني الأمرين، وبقينا في المستشفى لما بعد الساعة الواحدة صباحا ولك أن تشاهد مظاهر اللامبالاة بالمعنى الحقيقي لها، الكل يبحث عن طريقة مريحة للنوم، إحدى السيدات بقت تدق باب الإشعاعات أكثر من ربع ساعة بعد أن أكدنا لها وجود الممرض داخل الغرفة، حتى ظهر لها وعلامات الاستياء على وجهه وكأنه هو المريض الذي يعاني الأوجاع وليس زوجها، ربما نتفهم قوة الضغط على المستشفى خاصة مع ضيق المساحة، نفس الأمر بالنسبة للمستشفى لمين دباغين بباب الواد، مصالح قمة في النظافة وأخرى لا علاقة لها بالنظافة لا من بعيد ولا من قريب بالرغم من أن بنائه يشكل تحفة راقية بمساحات خضراء جميلة له تاريخ كبير، ومع كل هذا فالجدير بالذكر أن الأطباء المقيمين المتربصين وبالرغم من قلة خبرتهم إلا أنهم يقومون بمجهودات جبارة، قد أذهلتنا، ولكن نقص التجربة في إيكال مصلحة الاستعجالات لهم قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة. "لافام دوميناج" تقدر على مالا يقدر عليه الطبيب إن انتشار "المعريفة" في المستشفيات الجزائرية ليست جديدة، وإن كانت تراجعت بصورة نسبية، إلا أنها حقيقة لا مفر منها في مستشفياتنا، والمثير للانتباه أن عادة ما ترتبط هذه الأفعال بعون الأمن، أو عاملة النظافة، والممرضات والممرضين، فمثلا إذا أردت الدخول لزيارة مريض في غير الأوقات المخصصة فما عليك سوى الاستعانة بمعرفة عون أمن أو عاملة نظافة سيكون الأمر غاية في السهولة، فخلال تجولنا بمستشفى سليم زميرلي يظهر ذلك جليا، ففي المستشفى تم منع إدخال أي نوع من المأكولات أو الأفرشة، بسبب ما ينجر عنه من مشاكل صحية للمرضى نتيجة عدم التقيد بالمأكولات، إلا أن "المعريفة" قد أزالت هذا الحاجز حيث تجد عند بعض المرضى ما تشاء من الأطعمة، والأمر لا يقتصر على هذا لأن الأمر لو تعلق بهذا فحسب فإنه هين، فإن مشكل الاكتظاظ وعدم وجود أسرة كافية قد يتلاشى مع وجود المعريفة في بعض مستشفياتنا، والتحاليل التي قد تضطر إلى انتظار موعدها لأسابيع، قد تصبح أياما أو ساعات، ففي قسم الولادات ببني مسوس لا مفر من "المعريفة" لتجد من يصغي إليك، لأن المصلحة التي تستقطب أكثر من طاقة استيعابها بكثير، أصبح التكفل الأمثل فيها مرهون بقوة المعريفة. مواعيد طويلة جدا ...للسياحة أم للعلاج إذا سمعت أحد المصابين بالأمراض المزمنة يؤكد لك أن لديه موعد على ستة أشهر، وأنه تم تأجيله فلا تستغرب لذلك، لأن أصحاب الأمراض المزمنة يعانون في الجزائر من طول فترات الفحص وتذبذبها، فالموعد الذي انتظره المريض لستة أشهر قد يذهب للفحص فيجد أن الطبيب الذي يداوي عنده في حالة إضراب، أو غائب لسبب ما، أو أنه نسى الموعد ليصطدم بشهور أخرى من الانتظار على غرار مستشفى عيسات إيدير، الذي يعاد إعطاء موعد آخر من أجل تحديد الموعد، كما أنهم عادة ما يصطدمون بلا مبالاة بعض الأطباء، حيث يعاد إعطاء نفس الأدوية دون اللجوء لإعادة التحاليل والكشف الدقيق للمريض، وهو ما لمسناه عند بعض أطباء القلب على مستوى المركز الإستشفائي ببوشنافة ببلكور، ولأن المواعيد قد يطول انتظارها فإن هذا قد دفع بالمرضى للجوء بصفة حتمية غير مخيرة ل"المحسوبية" من أجل الحصول على مواعيد قريبة تثلج صدرهم بالتأكد من سلامتهم، من جهة أخرى برزت خلال السنوات الماضية ظاهرة غريبة من طرف بعض الممرضين الذين يوجهون المرضى إلى الخواص، فبمجرد ما يخبرك بعدم وجود التحاليل الذي تبحث عنها عنده مثلا، تجد أنه يعطيك بطاقة لأحد مخابر الخواص، في احد مستشفيات العاصمة وبمصلحة الجراحة العامة بعد عملية جراحية للمرارة منح لي عينة من ما تم إخراجه وطلب مني الطبيب ضرورة إخضاع هذه العينة للتحاليل، وقبل أن أسئل أحد الممرضين عن الجهة التي أجد فيها مثل هذه التحليل وجدته يقدم لي بطاقة لأحدى المخابر الخواص، وفي حيلة منه أخبرني أنني إذا أخبرتهم بمن بعثني سيخفضون لي من ثمن التحليل، وبمجرد ذهابه اتجهت نحوي إحدى الممرضات وأخبرتني عن المستشفى الذي يجري مثل هذه التحليل دون أن تعلق على ما حدث، إذن هي مظاهر لأناس اختاروا المادة بدل المهنة التي من المفترض أن تكون غاية في النبل، في خطط مشتركة بين المخابر والعيادات الخاصة وبين ممرضين في القطاع العام من المفروض أنهم يغلبون مصلحة المريض على الفوائد المادية لبعض الخواص. مستشفى "مايو" القبلة الأولى للمسؤولين علمت ''السياسي" من مصادر مطلعة بمستشفى لمين دباغين بباب الواد " مايو" سابقا أن المستشفى كان ولا يزال القبلة رقم واحد للمسؤولين أبنائهم، وقد أرجع ذات المصدر ذلك إلى الخبرة الكبيرة للأطباء والدكاترة الذين يضمهم المستشفى، بالإضافة إلى نوعية مخابر التحاليل والتجهيزات القيمة المقتناة على غرار مستشفى مصطفى باشا الجامعي وباقي المستشفيات.