يقدم الكاتب والباحث الجزائري عمار بن طوبال في كتابه شذرات الغواية رؤية سوسيولوجية وفلسفية عميقة لجملة من القضايا الإنسانية كالذات، والحب والمرأة والجنس والكتابة بشكل مقتضب، لكن بتكثيف عميق ولغة أدبية عالية. في الابداع التعبير عن الحالة هو الغاية، العبور نحو منطقة التلقي هو إستراتيجية تسويقية لا غير . وبهذا العمق في القبض على ظاهرة الإبداع بين الإنتاج والتلقي يستهل الباحث أولى شذراته من فصل غواية الكتابة التي تشكل في حد ذاتها مأزقا وجوديا، وسؤالا حارقا يبلغ حد الهوس ف لكتابة هوس واشتغال دؤوب على لملمة أمراض النفس غير الظاهرة مثلما يعبر عن ذلك في الشذرة الخامسة من غوايات الكتابة، وهو الهوس الذي لا يخفيه في مقدمة الكتاب الذي سعى من خلاله المؤلف إلى اختبار أسلوبه في الكتابة، متخلصا من التقريرية والمباشرة في الطرح مشتغلا بشكل واضح على الإيحاء وهو ما جعل هذه النصوص العميقة عصية عن التجنيس، رغم ما تحمله من حس أدبي موزع على مدار 190 صفحة من الشذرات. كما يضيف بن طوبال في مقدمته لهذا الكتاب الصادر عن المنشورات القرن 21 إن هذه الشذرات لا تقول الأشياء بوضوح، لأنها غير معنية بالتوضيح فهي مبنية في معظمها، باستثناء بعضها... على قوة التلميح الذي يغري بما لم يقل بعد، فهي نصوص ولدت من بعضها البعض، بشكل من الأشكال بعضها يشرح البعض، وبعضها تنويعات حول نص سابق. ولا تحمل هذه الشذرات آراء المؤلف تجاه الحياة فقط، بل تمتد إلى آراء جريئة في مساءلة الأجناس الأدبية، أيضا مثلما نجده في شذرته السابعة من غوايات الكتابة، حيث يرفض بشكل جريء وصادم، موجة ما يعرف بشعر الهايكو(وهو شعر ياباني يقوم على التجربة المباشرة ويخلو من أي مجاز)، حيث يقول في هذه الشذرة: شعر الهايكو موضة البايرين إبداعيا، أولئك الذين كان حلمهم أن يصيروا أدباء، لكنهم افتقدوا طوال حياتهم إلى أبسط مقومات الكتابة، فوجدوا في الهايكو قالبا يليق برداءتهم وضحالة أسلوبهم، وخربشاتهم، أما عوانس الهايكو فحكاية أخرى، سنحكيها ذات ليلة شتوية تليق بالدفء الذي ينتظرنا تحت الفراش، هربا من وعود نسائية كل ما تستطيع تقديمه هو كلمات دافئة وعاجزة عن الخروج من بياض الشاشة التي تحتويها .