خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    اليوم الوطني للبلدية: سنة 2025 ستشهد إرساء نظام جديد لتسيير الجماعات المحلية تجسيدا للديمقراطية الحقيقية    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    قافلة تكوينية جنوبية    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    فرنسا تتخبط    الجزائر تطالب بإعادة إعمار غزّة    هل يُعاد إعمار غزّة؟    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    دخول مركب "كتامة أغريفود" مرحلة الإنتاج قريبا    التنفيذ الشامل لاتفاق السلام لتحقيق المصالحة الوطنية في جنوب السودان    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    بشعار "لا استسلام للخضر" في مباراة الحظ الأخير    مسابقة لاختيار أحسن لباس تقليدي    الجزائر تستضيف طبعة 2027 من المنافسة القارية    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    توقيف 3 أشخاص بحوزتهم 692 قرص مهلوس    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلعريبي… وزارة السكن تطلق حملة لمكافحة التغييرات العشوائية في السكنات    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضيف الموعد.. الروائي الحبيب السايح ل "الحوار" :
نشر في الحوار يوم 14 - 04 - 2009


الجنس تيمة مغرية ومهلكة إذا وظفت للإثارة
المراهنة الآن هي أن نؤسس للغة روائية متعددة الاصوات دائمة التولد
الخوف أوصلني إلى عتبة القدرية لكنها قدرية لغوية ..
جلسة كهذه .. مع ضيف كهذا يتحول معها الموعد الى هدية مفعمة يجماليات
الحكي وعطر المشاعروحميمية المكان والزمان .. ويتحول معها الحوار الى تحفة فنية ابدع في صنعها الروائي الكبير المتالق الحبيب السائح من هناك من ادرار .. من قلب الصحراء حيث جعل من نفسه شاهدا ومدونا لعمل الحياة .. ولان الصحراء ليست سكونا ولا خواء ولا نفيا حبك علاقة اخرى معها .. يحلم ويستفيق فيجد الكلمات نبتت على حبات الرمل كما تخيلها .. كما احبها .. وبفصيح صمته وفصيح كلامه اخبرنا الحبيب كيف تتفاقم لحظته اللغوية .. فاللغة عنده ليست لغة وفقط .. هي نتاج حالة وحركية فكر وانفعالات ومشاعر يتداخل فيها المكاني والزماني .. النفسي والروحي .. الاجتماعي والسياسي .. ما جعل حكايته حكاية مع اللغة ومع المكان ومع الكتابة ومع العملية الابداعية بكامل عناصرها ..
ذكرت في سابق حواراتك أنك بعد تلك المحبة قررت ان تتغير أن تصير آخر .. واخذت مواقف من اشياء كثيرة .. من الخوف من الصمت .. من المحظور الاخلاقي واللغوي واعدت صياغة علاقتك بالموجودات والله .. وحتى نفسك .. ما حصيلة ذلك بعد 6 سنوات تقريبا .. كتابيا وانسانيا .. كيف أنت الآن ؟
** لعلها الصدفة الجميلة، أو قولي هي العناية التي تجازي صدق المحبة، أن تطرحي علي أسئلتك، وأنا موجود في أدرار، التي منحتني أمني يوم أن كان الأمن في الجزائر نادرا، وأن أجيبك من الحجرة التي كتبت فيها، لمدة أربعة أعوام، ''تلك المحبة''، في عزلة سامية الغياب، إلا من حضور أصوات اللغة ومن نشيج الريح ومن لفح الهجير الطويل جدا وزمهرير ليالي الشتاء القصير جدا ومن التذكارات ومما وشمته أنوار ''توات'' و''تيدكلت'' و''قورارة'' على جسدي. ولكن أيضا من أنسي الفياض إلى حضرة الحق الذي اكتشفت لأول مرة سطوعه، هنا في الشساعة التي تختزلك إلى أدق حزيء.
أنت تقدرين تأثير درجة ذلك كله على نسيج جسدك وعلى كيمياء دمك وعلى عقلك وإحساسك بالموجودات وتقديرك للزمن الذي يأخذ بعدا مغايرا لما يأخذه في مكان آخر، آهل بالضجيج الآلي وبالأضواء الصناعية وبالصلات البشرية المقطوعة عن أعماقها الإنسانية، ثم على رؤيتك للمكان الذي يتعدد داخل فضاء لامتناهٍ من التماهي، لكن الزاخر بالتفاصيل الفارقة.
لا بد لي من أن أعترف لك أني، فعلا، حملت معي إلى أدرار، في عام ,1994 خوفي ورعبي ومحظوراتي السياسية والأخلاقية وقناعاتي الفكرية وموروثي اللغوي. وبعد طول تأمل، استطعت أن أعيد تموضع نفسي في سياقٍ وجوديّ كشف لي وجهي الآخر؛ وجه إنسان يمكنه أن يحب برغم الحقد وأن يسامح مهما يكن الأذى وأن يسمو عن الحماقة: الأمر الذي يستلزم تصورا آخر للكتابة جديدا مختلفا؛ بدءا باللغة وانتهاء بها؛ لأنها وسيلة التشكيل. "تلك المحبة'' كانت رهاني على وضع أرضية مشروع كتابتي كله. فهي التي جعلتني أتحقق من أني صرت آخر، كما تقولين. تغيرت بفعلها. وأنا الآن أعيش داخل مملكة قلقي بسبب هاجس عدم الوفاء بعقد الثقة بيني وبين الكتابة. نعم، أنت تعرفين ككاتبة، ما يتطلبه شرف الكتابة من أن نظل أوفياء لنبلها.
كلامك عن مؤلفاتك يجعلنا نفهم وكأن لكل كتاب قصة . ولكل كتاب مهمة كلفته بها .. هل اخترت المقاومة وتصفية احزانك وخيباتك بالكتابة مثلا ..؟
** ذلك ما أعتقده بالضبط. فأنا أحرص، منذ بدايات مشروع كتابتي، الذي فصل بين فترة ما قبل ''زمن النمرود'' وبين مرحلة ما بعد ''ذلك الحنين''، على أن يكون كل عمل من أعمالي الجديدة مختلفا عما قبله؛ أي نصا له بصمته التي تفرزه وتميزه بشكل حاسم مما سبقه عندي. إنني أكتب كل مرة ضد كتابتي؛ لذلك فأنا مُقل جدا. فأعمالي، من ''ذاك الحنين''، و''تماسخت'' و''تلك المحبة''، وصولا إلى ''مذنبون'' تطلبت جميعها ما بين أربع سنين إلى ثلاث إلى سنتين من الكتابة وإعادة الصياغة لتخرج في شكلها الذي تعرفين. فأنت تقدرين ما معنى أن يكون كاتب في مواجهة مضنية مع لغة سرده هو، أولا، ثم مع أشكال كتابات الروائيين الآخرين من العرب وغيرهم. فالسؤال الذي يواجهني كل مرة هو: كيف أجد القاموس والتركيب والمجاز لتشكيل نصي بما يعطيه سيادته. نعم، للنص سيادة كالتي تحوزها حدود البلد الإقليمية! ثم يأتي الانهمام بالحكاية وحبكتها؛ لأن التيمة تكون قد حددت معالمها القصوى في صيغة قيمة من القيم التي يتم تجسيدها من خلال المكان والزمان والشخوص خاصة، وفي درجة ثالثة من الأهمية تأتي الصياغة: أنت ترين أن هناك تقاطعا بارزا، من الناحية التقنية بين عمل الروائي وبين الفنان التشكيلي في الصياغة والمخرج السينمائي في التقطيع والتركيب. أوافقك، إذاً، على أن الكتابة مقاومة كيلا يترهل الجسد وتخمل العزيمة وتذوي جذوة الروح: إنها بهذه الدلالة اختبار لمدى صمودك أمام الخيبة والنهوض من النكسة، ولكنها أيضا ذروة تَجلّي انتصارك على الحزن. الكتاب جميعا يكتبون تحت وقع حزن كبير؛ لذلك فهم يمنحون غيرهم المتعة. أذكر دائما أني لم أكتب يوما بتأثير فرح. ألا ترين أن الحزن خلق معنا وأن الفرح انفعال اكتسبناه؟
ماذا تعلمت من الخوف والرعب الذي جثم على كل الجزائر في العشرية السوداء وهل الخوف هو الذي علمك الطريق الى المحبة ؟
** تماما! لولا الخوف في بعدها الإنساني، وليس الحيواني، ما كنت لأحس نبض الجزائر. آه، كم كان ذلك موجعا! لكن خوفي علمني، إجابة عن سؤالك المربِك، أنه حقيقة قصوى، مثل ضده الأمان. ومكنني من القدرة على تسييره في حياتي وتصريفه. تصوري أننا تركنا كتلة الخوف، كما كانت جاثمة على صدر الجزائريين جميعا، تكبس فينا القول، فهل كنا الآن، أنا وأنت، نقيم هذا الحوار؟ الخوف هو الذي أوصلني إلى عتبة القدَرية؛ لكنها قدَرية لغوية. وهل في وجود الإنسان غير اللغة التي هي صلة الوصل بينه وبين القُدْرة العلية؟ لذلك صارت كتابتي كأنها قدر أن تكتب كذلك، بتلك اللغة، بمحبة جارفة لروحها الذي أسمع همسه من أصواتها.
حكايتك وعلاقتك مركبة واخنة مع المكان .. ألا زلت على قولك أن الصحراء التي تقيم بها منذ سنوات علمتك الصبر ؟
** علاقتي مع الصحراء الجزائرية، أدرار تحديدا، التي أعطتني كل شيء وبقيت أجهل أكثر أسرارها، علاقة مركبة حد عجزي على إيجاد تفسير لِما ربطني إليها بما هو فوق الطبيعي. غير أني أحسست دائما أنه كان مقدرا لي أن أشرب من مائها وآكل من تمرها وعيشها معروكين برملها. أبوح لك بأني أجد فيها امتدادي الروحي لِما يصلني بحضارتي العربية الإسلامية. إنها نفحة من صحراء النبوءات. ففيها تعلمت الصبر. وفيها أدركت محدودية أوهامي عن السيطرة على الطبيعة. إننا لا نفعل أكثر من أن نذلل بعض تلك الطبيعة على حذر أن تستعيد سيطرتها علينا. يكفي أن تهب عاصفة رملية ليتعطل كل شيء: الطرق البرية والخطوط الجوية والاتصالات. كما يكفي أن يضرب زلزال أو إعصار في الشمال لتتمزق شرايين كل اتصال وتنتصر الفوضى.
لو طلب منك ان تختار نصا من نصوصك لادراجه في المناهج المدرسية ايها ستختار ؟
** يجب أن ننتظر مطولا كي تُقدم مدرستنا (الثانوية خاصة) على إدراج كتاباتنا ضمن مناهجها؛ نظرا إلى مسبقات كثيرة لا يتسع لها المقام، وإلى عوامل ذات علاقة بموقف الأخلاق من كتاباتنا. أنت تعرفين أن مجالس جامعتنا العلمية لا تزال مترددة في برمجة الرواية الجزائرية المعاصرة كمدونة للدراسة؛ إلا ما يصدر من هذا المجلس أو ذاك من تفهم للضرورة تبعاً إلى وزن الكفاءات العلمية والنقدية الأكاديمية المتواجدة في بعض تلك المجالس، على قلتها، والتي تكلف طلبتها، في دراسات ما بعد التدرج وفي إنجاز الأطروحات، إعداد بحوثهم عن الرواية الجزائرية المعاصرة (كما القصة القصيرة والشعر بعدد أقل).
منذ ''ذاك الحنين''، صرت أكتب لا لأسترضي قارئا أو طرفا أو جهة أو ذوقا، ولكن لأعطي الكتابة شيئا من نبلها. من ثمة قد يحدث، وهو شأن عادي، أن لا تعجب كتابتي قارئا فيسخط علي وعليها لأني أدعوه بنصي إلى ما لا يرضي ذوقه، بل إلى ما يصدمه في ذوقه وفي بعض قناعاته. كما يحدث غالبا أن يعبر لك آخرون عن إعجابهم بما تكتبه، وقد لا يكونون يحبون كتابتك بالضرورة لأنهم يتحفظون على سيرتك وعلى مواقفك.
فلو خيرت، إذاً، نصا ليكون في مقرر دراسي لاخترت في البداية ''تلك المحبة''. ولا أعرف الآن لما ذا.
المراة جسدا وكيانا لها حضور اخريليق بلغتك وقلقك. ماذا لو كانت المراة بلا جسد ؟ ايمكنها ان تكون وقتها مصدر إبهاج للرجل؟
** إن كان يمكن للمرأة أن تكون بلا جسد فإنه يمكن للجنّة أن تكون بلا فاكهة. أليس جسد المرأة هو خلاصة الغواية؛ أي ما يفتن في مرحلة من العمر هي المسافة بين فتوة البشرية وبين شيخوختها؟ لعله لذلك تظل المرأة ما تسمينه مصدر إبهاج. إن لفظة ''إبهاج''، كما أحسها، من منبع الغواية. ولكن لا مخلوق مثل المرأة يمكنه أن يشع عليك الفرح. واعتبري أن المرأة هي أمي وأمك أيضا وأمهات الآخرين. إنها البعد الآخر الأكثر تأثيرا في تشكيل شخصية الرجل. فهي، بهذا، ليست جسدا فحسب؛ إنها مؤسسة أكثر تعقّداً وأكبر حضورا من مؤسسة الرجل ذاته.
أظن أن ربط رواج النص، عند روائي بما تصنفينه ''إباحية''، والظفران من عندي، نسبي جدا. وأنا أختلف معك في إطلاق هذا المفهوم على أحد خيارات الكتابة الروائية؛ لأن الجنس هو أحد محركات البشرية مثل المال والديانة. كما هو تيمة متواترة في الأعمال الأدبية والفنية كلها على مر العصور. والجنس، كما تعلمين، موضوع مركزي في عقيدتنا وفي كتابات الأدباء السابقين والفقهاء الذين كانوا من أبرز من تحدثوا بمعرفة عنه، مثل الجاحظ والسيوطي والنفزاوي.
فهناك في تقديري عوامل أخرى، لغوية وأسلوبية وفكرية خاصة، تدخلت في انتشار رشيد بوجدرة، الذي يبقى من أهم الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية لما بعد ياسين وديب. يسمح لي هذا التقدير بأن أؤكد أن رواياته لم تكن لتكتب إلا بتلك البنية، وهو لا يزال وفيا لها. إنها هاجس الكتابة كله عنده.
هل تعتقدون ان الاصرار على التفاصبل الجنسية تفتح باب 7النجاح امام الكاتب ؟ .. ولو كانت روايات بوجدرة مثلا خالية من الاباحية هل كانت ستلقى نفس الانتشار ؟
** أنا واثق في أن الإصرار على التفاصيل الجنسية، كما تقولين، وبتقصّد للإثارة وجلب الانتباه، لا يحقق للكتابة أي تطور. فالمشاهد الجنسية، في الكتابة الروائية، تستساغ جدا وتتحول متعة حين يفرضها سياق الكتابة وشعرية المشهد وكثافة المشاعر بين طرفين متحابين خاصة؛ فما عدا هذا أعده اغتصابا، وهو لا بد أن يصوَّر بشكل مختلف. إن القارئ سيشعر متى يكون الكاتب في حال من الاستجداء له بواسطة مشهد ''إباحي''، وهذه نكبة على الكتابة، ومتى يجد كاتبا آخر سامي القصد. فالمشهد نفسه يمكن أن يصوره كاتبان فيكون الفارق بينهما درجة لغة التركيب من التلميح والتصريح. إنه يمكن أن نسمي الشيء نفسه في العربية بأكثر من اسم. فالعجز في التحكم في القاموس هو الذي يجعل كاتبا آخر يلجأ إلى أبخس الواردات.
إن بدا لك من كتابتي أني، ''نصير كبير للشهوة وللجسد'' وأني ''أستعملهما لأثبت حياة نصوصي''، فتقبلي مني أن أقول لك بصدق خالص إني لم أضمّن ذلك في مشروع كتابتي، إنما فرضه السياق فرضا. فقد كنت سأخون كتابتي لو تهربت أو تجنبت إثبات ذلك. ففي ''تلك المحبة'' فعلا تصوير متعدد للجسد حد تماهيه مع أحياء الطبيعة، النخلة خاصة. وفيها سياقات كثيرة عن الشهوة في فضاء من الظمإ كل شيء فيه يُحرق ويُفني. وفي ''مذنبون...'' مشاهد عشقية ''غير شرعية'' حتمها السياق أيضا فلم تظهر، كما تقرئين ذلك، نشازا أو تورما في نسيج النص.
الجنس تيمة مغرية، لذلك هي تغدو مهلكة إذا كانت توظف لذاتها ولغاية الإثارة.
ان ترفض وتقاوم بكتاباتك الا تصير ذات يوم نصا من نصوص ''الجوتابل'' كما صرحت مرة .. الم تخش ان تسقط في نفس الفخ وانت تكتب كما قلت بالعربية جدا .. وكثير من القراء لا يستوعبون نصوصك ؟
** أعلاه، ذكرت لك أني، ضمن مشروعي، ألزم نفسي بأن أكتب أولا ضد كتابتي كل مرة؛ كيلا تتعيش على بعضها. فإني لن أفسح يوما لنصوصي أن تتناص مع بعضها. فكثيرا ما أقف خلال الكتابة على مشاهد وعلى مجازات وأحيانا على عبارات تسربت من نصوصي السابقة فحذفتها؛ هذا ما أقاومه وأرفضه.
صحيح، إننا نوقّع نصوصنا بالبصمة نفسها. ولكننا نستطيع أن نجعل لون البصمة مختلفا كل مرة. إنه من التلف والإهدار، ونحن نكتب نصا جديدا، أن نحس أنه سيئول إلى المرميات (جوتابل). ما المانع في أن لا نكتبه أصلا؟ هنا نبل الكتابة وشرفها. ثم، ما المانع في أن أكتبه شخصيا بعربيةٍ عربية جدا؟ اسمحي لي أن أعبر لك هنا أني اعتبرت نفسي، مذ وعيت وظيفة الكتابة، أحدَ ورثة التراث العربي اللغوي والأدبي والفكري الشرعيّين.
وأنت، الكاتبة، ألا تعتقدين معي أن ما يواجهنا، في الجزائر، بتحدّ مستنزف هو اللغة، في حدها القاموسي قبل حدها النظمي؟ فالمراهنة الآن، في تصوري، هي على كيف نؤسس للغة روائية متعددة الأصوات واثقة دائمة التولُّد.
من يقرأ نصوصك يشعر باحترامك الزائد للكلمات حتى لكأنك تدللها ... هل هذا نتيجة هوس باللغة أم خوف منها أم عليها؟ أم هي جديتك في معاملة الإبداع؟
** سعيد جدا أن أسمع هذا منك. أعترف أنه فعلا الاحترام إلى درجة حميمية الولّه باللغة، وتدليلها لتُراضِيَني؛ فإني بقدر ما أنا مُنهمٌّ باكتمال العبارة ودقة اللفظة ونظْمية السياق بقدر ما أنا شديد الخوف على انفلاتها دائم الخشية أن أفقد علاقتي السرية معها. وأنت تقدّرين صوابا عندما تُعيدين ذلك في النهاية إلى جديتي في تعاملي مع الكتابة.
هل حدث وأن أحرقت أو مزقت لسبب ما عملا روائيا أنجزته؟
** لم يحدث لي ذلك أبدا. ولكن الذي يقع لي دائما هو أني أعيد كتابة نصي خمس مرات إلى سبع. ''المذنبون...''، مثلا، أعدت صياغتها في ست مسودات. والنسخة النهائية هي التي صدرت للقراء.
أنت من الكتاب المنكفئين على أنفسهم أو المنزوين.. هل أنت من حكم على نفسه بذلك أم ثمة أسباب وظروف ألزمتك بذلك؟
** لعلني أرى نفسي، في محيطي، من أكثر الناس انشراحا وانفتاحا وربطا للعلاقات الودية الخالية من النفعية؛ برغم الخيبات والدمارات التي أصابتني في روحي، مثل ملايين الجزائريين، جراء محنتنا. ولكني أكاشفك أني فضلت دائما أن أصون وقاري. هنالك شعاع من النبل في عمق الكاتب ينبغي أن يحرص على أن يظل متوقدا في قلبه.
لو طلب منك أن تختار فقرة أو مقطعا أو جملة من مؤلفك الجديد تود لو يتمعن فيه القارئ، فأي مقطع تختار؟
** صعب جدا! لأن العمل الروائي بنية بكلها.. فهل يمكن أن يتكشف جمال جسد مثلا بمقطع منه؛ أي مقطع، حتى الوجه. ثم إنه يجب علي أن أعيد قراءة النص كله لأختار. معذرة!
كتبت لحد الآن العديد من الروايات، هل تغيرت لديك طريقة البدء مع كل عمل؟ وأي شعور ينتابك وأنت تتأهب للشروع في الكتابة؟
** كتبت خمس روايات فقط، بمعدل رواية كل ست سنين. وهو عدد معتبر، في تقديري. تصوري الجهد المبذول في الإحاطة اللغوية والتقنية لكل نص كيما يكون مختلفا! فإني، حتى قبل أن أتفرغ للكتابة، منذ عشرة أعوام، ظللت أكتب بشكل منتظم يوميا إلا لظروف اضطرارية وبمعدل ست ساعات.
لكن ما صار ينتابني لدى مواجهة بياض النص الجديد هو كيف أخلصه من سجن التجربة الذي أقمته من حولي. يا إلهي، كم هو مشُقٍ أن تجد نفسك محاصرا بتراث كتابتك، وقد انتصرت على ترددك القاتل في كتابة الجملة الأولى!
في أحد الحوارات قلت إنك تكتب للأجيال القادمة.. هل معنى ذلك أنك سابق لعصرك؟
** هذا صحيح؛ لأنك تعاينين، بصفتك كاتبة، هذا الخراب اللغوي والهلهلة الثقافية وهذا الذوق الشاذ عن قواعد الجمال كلها، وهذا العزوف القاتل عن القراءة والمطالعة، ثم هذا التخلي عن رفع قيم الكفاءة والتميز والتفرد إلى سدة التقدير. فما ذا تنتظرين من قارئ ينجز مساره الدراسي حتى الجامعي من غير أن يكون يوما قرأ رواية أو مجموعة شعرية أو قصة قصيرة؟ فلو قامت الصحافة الجزائرية باستطلاع في أوساط طلبة الآداب في الجامعات الجزائرية عن قراءاتهم لكشفت عن هول لا يمكن تصوره!
سعدت جدا بالحديث إليك. تحياتي لقراء جريدتكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.