التهمت، صبيحة أمس الجمعة، ألسنة اللهب 150 محلا بالأنفاق الأرضية بساحة أول نوفمبر وسط مدينة قسنطينة، ما أدى إلى احتراق كافة محتوياتها، وإصابة شخص بحروق ، في حين فتحت مصالح الأمن تحقيقا معمقا في الحادثة التي وقعت على بعد أقل من أسبوع على انطلاق فعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية. واستنادا لتصريحات عناصر بالحماية المدنية، فإن الحريق شب حوالي الساعة الخامسة والربع صباحا، حيث تلقت المديرية نداء من قبل مواطن حوالي الساعة الخامسة وعشرون دقيقة، لتتنقل عدة شاحنات تابعة لوحدة بومعزة المجاورة لمكان الحادث. وأضاف محدثنا أن عناصر الحماية المدنية عند بلوغهم لمكان الحريق فوجئوا بأن كافة أبواب الأنفاق قد حاصرتها النيران، وهو ما صعب من عملية الوصول إلى وسط الأنفاق وعقد العملية على أعوان الحماية المدنية التي طالبت بتعزيزات من عدة وحدات. ولم يتمكن أعوان الحماية المدنية من التحكم في ألسنة اللهب، إلا بعد مرور ساعتين كاملتين، حيث تواصلت مجهودات عناصر الإطفاء إلى غاية حوالي الساعة العاشرة صباحا، وهو توقيت إخماد كافة النيران. وتواصلت أعمدة الدخان في التصاعد إلى غاية منتصف النهار، قبل أن تستعين فرق الحماية المدنية بمروحيات خاصة لإخراج ما تبقى من دخان وغازات سامة من قلب الأنفاق لفتح المجال لعناصر الشرطة العلمية من أجل معاينة مسرح الحادثة. و لم تستثن ألسنة اللهب مداخل الأنفاق الأرضية المشيدة حديثا، حيث غطى سواد الرماد كافة الجدران لهذه المداخل، كما تضررت أكاليل الأزهار الاصطناعية بشكل كبير. أما داخل الأنفاق الأرضية فقد خيم الظلام الدامس على كافة الأرجاء، مع سقوط بعض أجزاء الجدران، في حين تراكمت أكوام السلع المتفحمة بالكامل، حيث لم يسلم أي شيء، حتى بعض القطط التي كانت تعيش داخل هذه الأنفاق تفحمت بالكامل. و قد رفع أعوان الشرطة العلمية عدة دلائل وقاموا بمعاينة عدد من المحلات والعدادات الكهربائية، إضافة إلى أبواب الأنفاق العشرة الخاصة بالجهة العلوية، دون أن يقدموا أي معلومة حول ما إذا كانت الحادثة بفعل فاعل أم شرارة كهربائية. وشهد وسط المدينة حالة استنفار قصوى، مع تواجد أمني كثيف بالزيين المدني والرسمي، إضافة إلى حضور عدد من المسؤولين المحليين من أجل الاطلاع على حجم الخسائر. مصادر ترجح الفعل المقصود والتجار يطالبون بكشف الحقيقة ورجح مصدر أمني فضل عدم الكشف عن هويته إمكانية أن تكون الحادثة مقصودة، سيما وأن ألسنة النيران لم تنطلق من نقطة واحدة فقط، وهو مؤشر قوي يرجح فرضية وقوع جريمة راح ضحيتها 150 تاجرا بالأنفاق السفلية، مضيفا أنه في الحالات التي يكون فيها الحريق بسبب شرارة كهربائية فإن النيران تتركز في نقطة محددة قبل أن تنتشر وليس العكس. كما أوضح عدد من تجار الأنفاق الأرضية أثناء حديثهم مع رئيس البلدية أن الحادثة مفتعلة، متهمين أطراف مجهولة، قالوا أنهم يحاولون جرهم إلى صدام، حيث طالبوا بفتح تحقيق في ما اعتبروه جريمة واضحة، بينما أكد آخرون أن أبواب الأنفاق كانت مغلقة من الخارج وهو ما يؤكد أنها تمت بفعل فاعل. وقد قام التجار المتضررون بغلق وسط المدينة قرب نقطة الدوران المجاورة لقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة، مطالبين بالحديث للوالي، ما تسبب في ازدحام مروري قبل أن يتدخل عناصر الشرطة لإعادة توجيه حركة المرور. وأوضح المحتجون أن مطالبهم محددة ،وهي كشف الحقيقة والتكفل بهم، سيما وأن الحريق كبدهم خسائر بالملايين، وكلهم أرباب عائلات والمحلات بالأنفاق الأرضية مصدر رزقهم ورزق أبنائهم الوحيد، وأغلبهم أنفق كل ما يملك على السلع التي التهمتها ألسنة النيران. كما أبدى عدد منهم امتعاضه للطريقة التي تم التعاطي بها مع هذا الملف من قبل، خصوصا وأن الحريق يعد الثاني بنفس المكان، حيث وقع حريق قبل سنة ونصف وأرجع السبب وقتها لشرارة كهربائية. وقد تنقل وفد عن المعنيين لمقر ديوان الوالي لرفع مطالبهم رفقة ممثل عن اتحاد التجار. مير قسنطينة: «مقاولة ستباشر عملها اليوم» وكشف رئيس المجلس الشعبي البلدي لقسنطينة سيف الدين ريحاني أن البلدية سخرت عددا معتبرا من العمال من أجل مباشرة عملية تنظيف الأنفاق الأرضية وإخراج كافة الأوساخ وما التهمته ألسنة النيران، فور إنهاء فرق الحماية المدنية وعناصر الأمن مهامهم. وأوضح ذات المسؤول أن عملية لإعادة الاعتبار للأنفاق الأرضية كانت مبرمجة من قبل، غير أن ضيق الوقت وقرب انطلاق تظاهرة عاصمة الثقافة العربية دفع بالمجلس لتأجيل النظر في العملية، غير أن حادثة أمس، غيرت المعطيات وأصبح لزاما الانطلاق في العملية. وأضاف أن مؤسسة «سوبت» العمومية تنطلق بداية من اليوم السبت في عملية إعادة تهيئة الأنفاق الأرضية، وذلك بمباشرة أشغال ترميم واسعة، مع تزويد هذه الأنفاق بكاميرات مراقبة، وإعادة النظر في شبكات الكهرباء، الغاز، الماء والصرف الصحي. ويطرح الحريق الأخير بالأنفاق الأرضية الكثير من علامات الاستفهام، وذلك لتكرار الحرائق التي لم يعرف سببها بعد بقسنطينة على بعد أيام قليلة عن انطلاق تظاهرة عاصمة الثقافة العربية التي أسالت الكثير من الحبر. وبحادثة أمس، يكون عدد الحرائق المندلعة لأسباب مجهولة بوسط مدينة قسنطينة قد بلغ ثلاثة حرائق، تتقاطع في أنها وقعت ليلا ونهاية الأسبوع، ويتعلق الأمر بحريق سوق بطو عبد الله بشارع مسعود بوجريو، قبل أن ينشب حريق آخر بمسجد الاستقلال وينتهي الأمر بحريق الأنفاق الأرضية. للإشارة فإن الأنفاق الأرضية ظلت لسنوات موضوع جدل بسبب وضعيتها الخطيرة وتحولها إلى سوق مكتظة بعد أن قام مجلس بلدي سابق بخلق مربعات بداخلها تفتقر إلى أبسط الشروط وسبق لمصالح الحماية المدنية وأن حذرت من وضعية الأنفاق التي هي عبارة عن ممرات للراجلين، لكن السلطات في عهد الوالي السابق قامت بإخلاء جزئي للمكان لكن العملية لم تكتمل بل وإزداد الوضع تعقدا بعد التحاق تجار فوضويون بالأنفاق التي أصبح عبورها أمرا في غاية الخطورة وتم الحديث عن مشروع لإعادة الإعتبار لم يجسد بعد، حتى مناسبة عاصمة الثقافة العربية إستثنت المكان و وتم الإكتفاء بتهيئة المداخل فقط. عبد الله بودبابة* تصوير: الشريف قليب