ثورة الغضب تسقط أقنعة نجوم الكوميديا و الغناء بمصر انقسم نجوم الإعلام والفن المصريون على أنفسهم منذ اندلاع الثورة الشعبية ضد حكم مبارك ، ما بين فئة كبيرة تخندقت مع جمهور الثورة بميدان التحرير، و فئة قليلة لا زالت متحصنة داخل استديوهات التلفزيون الحكومي و استديوهات التصوير في مدينة 6 أكتوبر، في محاولة يائسة للحفاظ على امتيازات يمنحه نظام آيل للزوال مثل جميع المسلسلات المصرية ، لكن المسلسل هذه المرة نهايته مأساوية بكل تأكيد.الثورة الأقوى في تاريخ مصر والتي أربكتهم بشدة كنخبة للمجتمع ، دفعت بهم للقيام باختيار حاسم للجبهة التي يؤيدونها، فإما مع حكومة "الرايس" التي مازالت في السلطة أو الشعب الذي يمثل جمهورهم العريض، مما جعل الإدلاء بموقفهم أمر في منتهى الصعوبة لأنها قد تضعهم في مواقف حرجة بالنسبة للأطراف المتنازعة بما فيها التزامهم للصمت. والملاحظ في احتجاجات ميدان التحرير و سائر التجمعات الأخرى في مصر أن الفنانين الشباب يساندون شباب الثورة ، حيث نجد أن أغلب الفنانين المشاركين بحرارة و حماس كبير في المظاهرات الرافضة و المناهضة للرئيس مبارك هم من الممثلين و الموسيقيين الشباب الذين نزلوا للشارع لمساندة إخوانهم من سائر عامة الشعب و الوقوف إلى جانبهم كما فعل الممثل الشاب خالد أبو النجا الذي شوهد إلى جانب الدكتور البرادعي في ميدان التحرير و هو يهتف و يتظاهر و يردد الشعارات المطالبة برحيل الرئيس المصري حسنى مبارك فورا و نهائيا عن الحكم . و كذلك المغني محمد حماقي الذي أعلن منذ بداية الأزمة في مصر في صفحته الخاصة على "الفايس بوك "بأنه يؤيد " شباب 25 جانفي" و أكد أن مطالبهم التي يوافق عليها أيضا هي مطالب الشعب المصري ككل و لكنه طالبهم بالمحافظة على ما حققوه من عمل جميل لأن : " السياسة تبدأ بالثورة و تنتهي بالحوار".كما شارك أيضا في هذه التظاهرات عدد كبير من الفنانين الآخرين كخالد النبوي، آسر ياسين، أحمد رشوان ، نهى العمروسي ، محمد أبو سيف و فتحي عبد الوهاب و صفاء الطوخي و أحمد فؤاد سليم ووائل حمدي و بلال فضل و غيرهم، كما وقع الكثير من الفنانين المصريين بيانا مشتركا يساندون فيه التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام. بينما اختار عدد آخر من الفنانين المصريين الوقوف في الضفة الأخرى من النيل و التظاهر مع مؤيدي مبارك من الذين فضلوا كسب السلطة و التضحية بجمهورهم الذي ساهم بشدة في نجوميتهم و نجاحهم كما حدث مع الممثل المعروف أحمد السقا الذي شهد أول حالة طرد من ميدان التحرير بعد أن طارده المتظاهرون حتى خرج من ميدان التحرير قائلين له : ارحل... ارحل ? و كان أحمد السقا قد وصل للميدان رفقة صديقه أحمد حلمي الذي قرر المشاركة في المظاهرات رفقة زوجته منى زكي التي كانت من بين المحتجين ضد الحكم.بينما تدارك المغني تامر حسني موقفه السابق الذي طالب فيه الشباب بالعودة إلى بيوتهم حقنا للدماء، ليعود فيما بعد و هوالمتواجد حاليا في هولندا من أجل إقامة حفل ليقول أنه من مؤيدي ثورة الشباب. الآراء المتضاربة حول ما يحدث من تظاهرات و احتجاجات معادية و مؤيدة للنظام أحدثت شروخا كبيرة داخل الوسط الفني و أهمها انفصال الثنائي الفني الذي كان ينتظر أن يعلنا ارتباطهما قريبا : المخرج خالد يوسف و الممثلة غادة عبد الرازق ، فبينما تظاهر خالد يوسف و هو تلميذ المخرج الراحل يوسف شاهين ،بحماس كبير ضد النظام رفقة عدد من الفنانين المؤيدين لشباب ميدان التحرير : كشريهان ، الملحن عمار الشريعي ، تيسير فهمي و غيرهم ، كانت الممثلة غادة عبد الرازق تتزعم رفقة عبير صبري ، زينة ، عمرو مصطفى و آخرون مظاهرة فنية مؤيدة لمبارك . و قالت غادة عبد الرازق أنها قطعت علاقتها بخالد يوسف إثر مكالمة هاتفية دارت بينهما طالبته فيها بدعم جهود التهدئة في الشارع المصري ، الأمر الذي رفضه على ما يبدو المخرج و أدى إلى احتدام النقاش بينهما و إغلاقه الهاتف في وجهها . وقد وجد الكثير من الفنانين أنفسهم في ورطة بسبب مواقفهم و تصريحاتهم السابقة عند انطلاق الاحتجاجات في الشارع المصري و منهم " العواجيز " مثل السينيمائي العالمي عمر الشريف و "الزعيم" الأكبر عادل إمام نجم الكوميديا العربية و كذا الممثل "الملتزم" حسن يوسف و الممثل "القومي" محمد صبحي.عادل إمام هذا الذي يذكر له الشعب مسرحية كوميدية سياسية مهمة بعنوان " الزعيم " التي عبرت بأسلوب شبه مباشر عن معاناة الشعب المصري من الديكتاتورية المفروضة عليهم من قبل رئيس فرعوني يتشبث بكرسي الحكم بضراوة و كأنه يتشبث بآخر نفس له في الحياة، و التي تحدثت أيضا و بلغة صريحة عن الانتخابات الرئاسية التي تصل فيها نسبة التصويت بنعم للرئيس الأوحد 99,99 بالمائة? . ليعود فيما بعد ليسقط مواقفه المعبرة عن إرادة الشعب في الماء و يرتدي ثوب فناني البلاط المقربين من الحزب الحاكم ، واصفا في بداية " ثورة الغضب" الحركة الاحتجاجية " بمجرد عمل غوغاء من قبل شباب أرعن" ، قبل أن يتملكه الارتباك بعد تصاعد وتيرة الأحداث و ينفي ما ذكر عن لسانه في العديد من المواقع الإلكترونية من بينها موقع " اليوتوب" ، ليظهر في مكالمة هاتفية مع قناة عربية بمظهر المؤيد لهذه الحركة الشعبية شاجبا " حالة الفراغ و الانفلات الأمني" التي شهدتها أغلب المدن المصرية و التي طالت منشآت حكومية . حيث انهالت عليه الانتقادات من قبل معجبيه في الصفحة التي خصصوها له في "الفايس بوك" و التي انقلبت عليه بعد أن باع الغلابة و نسي أنه منهم كما جاء في أحد التعليقات التي كتبت في الصفحة . و لم يسلم الفنان محمد صبحي من نفس الانتقاد ، إذ أنه عبر في بداية المظاهرات عن رفضه للاحتجاجات التي شهدتها مصر ، رافضا المقارنة بين ما يجري في بلاده و احتجاجات تونس التي قادت إلى خلع الرئيس السابق زين العابدين بن علي و أوضح أن ما يحدث اليوم من بعض المظاهرات ليس إحساسا جماعيا لدى المصريين ، و ما قاموا به ليس الحل الجماعي الذي يراه المصريون ، و طبيعة الشعب المصري أن لا يستجيب لمحاولة توجيهه أو تعبئته. أما الفنان العالمي عمر الشريف فكان أكثر وضوحا و مباشرة من الفنان عادل إمام و محمد صبحي في الإدلاء بموقفه من الثورة الشعبية المصرية حيث عبر عن خشيته كثيرا في حالة الإطاحة ب"الريس" عن انقضاض الإخوان المسلمين الذي أفلتوا من السجون ، على السلطة و تهديد أمن اسرائيل،خاصة و أنهم يمثلون 20 بالمائة من الشعب المصري و أعرب عن قلقه من أن يغتنموا فرصة الفوضى العارمة في الشارع . الممثلة صابرين التي اكتسبت شعبيتها و شهرتها من مسلسل " أم كلثوم " وما أثاره اعتزالها ثم عودتها للتمثيل باستعمال خدعة " الباروكة " من جدل ، عبرت عن حزنها الشديد مما يحدث الآن من محاولات إهانة الرئيس المصري حسني مبارك وفاجأت جمهورها وهي تبكي على الفضائيات المصرية قائلة أن مبارك " أبونا و أن الشباب المتظاهر في ميدان التحرير يجهل تاريخه طيلة 30 عاما حارب خلالها من اجل مصر التي أفنى حياته من أجلها" .و هو ما أكدته أيضا يسرا في مكالمة هاتفية مع التلفزيون المصري من خارج البلاد قالت فيها أن استمرار مبارك في السلطة هو الضمان الوحيد لاستمرار الأمن في مصر. كما قالت الممثلة إلهام شاهين في اتصال هاتفي بقناة " المصرية ": عيب على المتظاهرين التطاول على الرئيس مبارك رمز مصر".أما الممثلة سماح أنور فقد كان رأيها ضد المتظاهرين هو الأكثر تطرفا حيث طالبت بحرق المتظاهرين بميدان التحرير لأنهم " خربوا البلد"، بينما وصفهم الفنان حسن يوسف بالجبناء و الرعاع و ناكري الجميل للرئيس مبارك و قال لو أرسلناهم للحرب مع إسرائيل لفروا هاربين إلى بيوتهم على حد تعبير هذا الفنان الذي أطلق لحيته مؤخرا.الثورة المصرية التي أصبحت مسلسلا يأتي كل يوم بجديد، و إن طالت ستضع أوزارها وسيتجاوزها الزمن حتما و ستنفرج عن حلول و تغييرات أكيدة و لكن السؤال هل سيجد الفنانون الذين تخلوا عن جمهورهم و شعبهم تزلفا للحاكم الأقوى مكانا لهم في مصر الجديدة التي ستصنعها إرادة الشعب و عزيمته ، بعد أن أحبطوا الملايين من الشعب الذي كان يعتقد أنهم ينقلون صوته و معاناته حقا ؟.