شباب يفضل الصداقات الافتراضية عن العلاقات الواقعية كشفت دراسة أجرتها شريكتي "ميد كوم" و "أيدياتيك" بأن 40بالمائة من مستخدمي انترنت في الجزائر تأسرهم شبكات التواصل الاجتماعية و على رأسها فيسبوك، و هو ما اعتبره بعض المختصين في علم الاجتماع خطرا جديدا يتهدد العلاقات الاجتماعية الواقعية التي يطغى عليها الفتور يوما بعد يوم جراء تأثير التلفزيون، ثم الهاتف النقال الذي اختصر عيادة الأقارب و السؤال عن حالهم في مجرّد رسائل "أس أم أس" أو مكالمات سريعة تتحكم فيها وحدات التعبئة، قبل أن ينضم الانترنت إلى القائمة و يفرض العلاقات الافتراضية التي تتجاوز حواجز المكان و الزمان و اللغة و الثقافة. فعدد المشتركين في الشبكات الاجتماعية يعكس مدى استقطاب انترنت للشباب الجزائري على وجه الخصوص الذي وجد في مثل هذه المواقع فرص تأسيس و تطوير علاقات جماعية و فردية جعلتهم أغنتهم عن علاقاتهم التقليدية العادية التي لم تعد تهم الكثيرين فراحوا يكتفون بالحديث مع الأقارب و الأصدقاء عبر خدمة الدردشة و الرسائل المجانية أو الالتقاء بهم و رؤيتهم من خلال خدمة "الواب كام" حتى لو كان المتحدثين يقطنان بنفس المدينة و يمكن بنفس الحي، مثلما هو حال "منجي" /طالب في قسم الميكانيك/ الذي ذكر أنه يقضي أكثر من 10ساعات أمام جهاز الكمبيوتر يستغل 90بالمائة منها في الدردشة مع أصدقاء من مختلف أقطاب العالم. و أسر أنه يعيش من حين إلى آخر علاقات عاطفية افتراضية ممتعة مع جميلات من أوروبا و أمريكا، معترفا أن هدفه الأول هو البحث عن الحب الحقيقي و فرصة السفر إلى الخارج بفضله. و عن علاقاته بأفراد أسرته فلم يخف منجي كيف أنه يفضل العلاقات الافتراضية على الواقعية لأنها تتيح له مجالا أكبر للتعبير عن النفس في كل تقلباتها المزاجية و يجد شجاعة و جرأة الحديث عن أصدقائه المبحرين أكثر من الأصدقاء و الأهل القريبين منه. و يرى خالد 26 سنة شبكات العلاقات الاجتماعية توفر ظروف الانسجام بكل سهولة بسبب حرية رسم الصورة المثالية المثيرة للإعجاب. و قال محدثنا الذي يمضي أكثر من 13ساعة يوميا يتصفح مواقع انترنت و المنتديات أن انترنت فضاء حر لا يجبر أحدا على الالتزام أو التقيّد بأي شيء، لكنه في المقابل وصفه بالمنوّم المغنطاسي الذي يسرق عمر الإنسان دون أن ينتبه لذلك حتى بعد فوات الأوان. أجمع عدد من المولعين لحد الهوس بالشبكات الاجتماعية عن بحثهم المستمر عما يتناسب و طموحاتهم سواء في مجال البحث عن وظيفة أو عن شريك الحياة، الترفيه، التعارف، الاتصال، المعرفة ، الدراسة،التجارة النشاط التوعوي...و اعتبروا علاقاتهم الافتراضية مكملة لعلاقاتهم الواقعية و قالوا أنها ضرورية في زمننا هذا. و ترى الدكتورة شريفة ماشطي /مختصة في علم الاجتماع/ أن ثمة عوامل عديدة تتحكم في العلاقات الاجتماعية التي تتطور بتطور الإنسان و الحياة، و التي فرضت انتقاله من العلاقات الأولية لكونها لم تعد تشبع حاجياته إلى علاقات ثانوية تتحكم فيها خصائص معيّنة تلبي حاجة الفرد و رغبته التي يريد إشباعها و هذه العلاقات تتجاوز المكان و الزمان لأنها عكس العلاقات الأولى التي يفرضها المحيط تلبي الرغبة و الحاجة الفردية التي يختارها بكل حرية و دون قيود، و يصبح العالم الافتراضي مكانه المفضل لنسج العلاقات و البحث عما يجلب له المنفعة في أي مجال يريده، فيتحول واقعه إلى افتراض. و عن مدى تأثر الفرد بهذه الظاهرة ، ترى الدكتورة ماشطي أن المبحر يصبح كالمصاب بداء التوّحد يعيش في عالمه الخاص مما يخلق نوعا من الاغتراب داخل الأسرة الواحدة. و قالت أن التغيير على العلاقات الاجتماعية لم يحصل مع ظهور انترنت و إنما بدأ مع التغيرات التي طرأت على الحياة و على جميع المستويات حيث بدأت ظواهر تباعد أفراد الأسرة الواحدة داخل البيت الواحد قبل ظهور انترنت، و كان الكثيرون يفضلون البقاء مع الأصدقاء بدل الأسرة أو الجلوس أمام التلفزيون بدل التحدث إلى العائلة... و يرى بعض المختصين النفسانيين أن شبكات العلاقات الاجتماعية الإلكترونية أكثر إغراء من اللقاءات في النوادي و المقاهي و البيت، لأن الإنسان يطغى عليه الفضول فيستسلم لها و بالتالي يهمل دون شيئا فشيئا علاقاته الاجتماعية الواقعية بفعل عدم تنظيم وقته. و اعتبر البعض العلاقات الاجتماعية الافتراضية علاقات جامدة تنعدم للأحاسيس و تجعل الانسان يعيش في أكذوبة أو حلم جميل ينتهي دائما بصدمة بعد الاستفاقة منه. و إذا كان البعض يتخلون عن الصداقة و العلاقات الاجتماعية بمفهومها التقليدي و يستبدلونها بأخرى لا تكلفهم سوى ضغط على زر للالتقاء بعشرات الأصدقاء الافتراضيين من جهات الدنيا الأربع فإلى أي حد سيصدق المثل القائل رب أخ لم تلده أمك.