رحيل عالمة الاجتماع و المفكرة المغربية فاطمة المرنيسي رحلت أمس المفكرة المغربية وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي عن عمر ناهز 75 سنة و قد عرفت باشتغالها في القضايا الفكرية و النضال من أجل تحرير المرأة العربية و نصبت نفسها مدافعة عن حقوقها و كرامتها و مساواتها بالرجل، في عالم عربي مطبوع بسيادة المجتمع الذكوري، و إقصاء المرأة، باعتبارها في نظر الكثير من الرجال عورة وقاصرة وناقصة. ولدت الفقيدة في عام 1940 بمدينة فاس المغربية، وعاصرت في طفولتها ظاهرة "الحريم" في بيوت الطبقة الغنية ، وترعرعت في أوساط عائلية واجتماعية بورجوازية محافظة، حيث كانت عائلتها مقربة من الحركة الوطنية المناوئة للاستعمار الفرنسي، ألحقها والدها المتدين في طفولتها المبكرة بأوائل المدارس العربية لكي تتشبع بالثقافة العربية و أصول الدين، ثم درست العلوم السياسية في جامعة السوربون بفرنسا، و حازت على شهادة الدكتوراه هناك،كما درست بالولايات المتحدة . و في الثمانينات عادت إلى بلادها وعملت كباحثة بالمعهد الوطني للبحث العلمي في الرباط، ثم في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، و نصبت كعضو في مجلس جامعة الأممالمتحدة. ترجمت مؤلفاتها إلى لغات عديدة من بينها العربية والإنجليزية ،على غرار كتاب "الحريم السياسي"، و "الجنس كهندسة اجتماعية"،"الجنس والإيديولوجيا والإسلام"، وغيرها من كتب العالمة السوسيولوجية و الكاتبة المغربية ،و قد نالت الراحلة عدة جوائز عالمية على غرار جائزة أمير أستورياس للأدب، وهي أرفع الجوائز الأدبية بإسبانيا وأخذتها مناصفة مع سوزان سونتاغ عام 2003. وحازت في عام 2004 على جائزة "إراسموس" الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم ،والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة "الدين والحداثة". و حضر اسمها في لائحة نشرتها جريدة الغارديان للمناضلات في مجال حقوق المرأة الأكثر تأثيرًا في العالم، فقد اشتهرت بأفكارها التي تدعو إلى تحرير المرأة من سطوة الأعراف والتقاليد والمساواة الكاملة بينها و بين الرجل. وانتقدت المرنيسي وضعية المرأة في المجتمعات الغربية في كتابها "هل أنتم محصنون ضد الحريم؟" الذي عرت فيه واقع الاستلاب والعبودية المقنعة، التي تسود غربا ينظر إلى المرأة بوصفها دمية معدة للاستغلال من قبل الرجال، كما وجهت نقدا لاذعا إلى نظرة الغرب النمطية للمرأة العربية، التي تحصرها في الجنس، والشهوة، وغلبة الرجال وترى المرنيسي أن حريم الغرب أشد وطئا على المرأة من حريم الشرق، حيث يحدد الرجال في الغرب مفهوم الجمال والأناقة والنحافة والموضة، مما يجعلها دمية في يد الرجال. المؤسسة الدينية كانت محل دراسة الراحلة فاطمة حيث اعتبرت بأنها مؤسسات ذكورية وضعت ليستمر الفكر الذكوري وتقول أن معظم من يصدر الفتاوي والقوانين، ومن يحرم ويبيح، ويشرع، ويضع اللوائح المنظمة، هم من الرجال قاطبة، لهذا السبب تكون معظم المحرمات على المرأة، والرجل يباح له كل شيء تقريبا، فالمؤسسة الدينية حسب فاطمة تنظر إلى المرأة بنظرة أنها خلقت من ضلع أعوج فكل تصرفاتها معوجة، وإذا ما حاول الرجل تقويم هذا الاعوجاج، فلن يستطيع ذلك، لأن اللوح الأعوج سوف ينكسر، لذلك يقتنعون بضرورة حبس المرأة وراء الجدران المغلقة. فاطمة المرنيسي وقفت في وجه الثقافة الذكورية السائدة في الوطن العربي وحاولت أن تبرز مظاهرها من خلال كتاباتها المتعددة أين اتهمت الرجل بتكريس هذه الثقافة واقناع المرأة بها وفي كثير من الأحيان يكون هذا الإقناع عنيفا والزاميا وذلك لتكون خاضعة لأهدافه وسياساته، فليس من مصلحته ظهور المرأة وحرية تنقلها وتعلمها وانفتاحها على الآخرين، كي لا تعمل على تقليدهم. فاطمة المرسيني تعلمت من جامعة السربون المناهج العلمية وطرق التفكير في علم الإجتماع واستعملتها لتعرف المجتمع الأروبي بوضعية المرأة في الوطن العربي حيث اعتبرت فاطمة ونوال السعداوي هدى شعراوي عائشة تيمور وغيرهن موجة واعية من الحركة النسوية العربية ونوقشت أعملهن في كثير من الجامعات وأصبحت أطروحاتهن أطروحات واقعية لتفسير وضعية المرأة العربية. ويعد كتاب (أحلام النساء الحريم) كسيرة ذاتية للكاتبة منذ بداية طفولتها وإدراكها بشكل خاص لعالمها النسوي خاصة ما يتعلق منه بالمحرم والمباح من الأفعال والأقوال وفي كتابها "ما وراء الحجاب" تتناول مسألة الحجاب من داخل المجتمع الاسلامي ، بنموذجه المغربي وطابعه التقليدي السلفي، والمتجدد في أصوليات ثقافية ودينية وتذهب المرنيسي إلى التأكيد والقول : "أن مسح المرأة الى شيء محجب ، خبيء، هامشي، متناقض لحد القصور الذاتي ، في نطاق القانون الدستوري قد صمّغ الأعتاب التي حدّدت الهوية التسلسلية التي نظمت السياسي والجنسي، وان هويتنا التقليدية لا تكاد تتعرف على الفرد الذي احتقرته لأنه مخل بالتناسق الجماعي ، ففكرة الفرد في الحالة الطبيعية ، في المعنى الفلسفي للعبارة ، غير موجود في الاسلام." واتبعت المفكرة العربية أسلوب التشكيك في الموروث العربي ودعت إلى منهج تساؤلي من أجل فهمه بشكل أعمق وذكرت على سبيل المثال ظروف كتابة التاريخ الإسلامي الخاص بالمرأة المسلمة، ومحاولة استخلاص بعض الخلاصات الأساسية حول التاريخ السياسي النسائي، إذ تتساءل عن سلوك أبي هريرة في جمع الأحاديث النبوية، حيث تعتبر أن جمع حوالي 6 آلاف حديث خلال ثلاث سنوات، التي هي مدة مصاحبة أبي هريرة للنبي، أمرا مبالغا فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار انشغالات النبي الدينية والدنيوية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والعائلية، الخ). ومن هنا يكون «الحريم السياسي» كتابا اعتمد منهجية نقدية تهدف إلى انتقاد فترة الإسلام الأولى، التي تتداعى أمام العصر الحديث لم تكن فاطمة المرنيسي متحاملة على الثقافة الشرقية بل أنصفت الشرق والدين الاسلامي في رؤيته وتصرفه مع فكرة العبيد والإماء حيث تثبت تاريخيا أن اختراع المحظيات كان إغريقيا ورومانياً بالأساس وأن هاتين الإمبراطوريتين اضطهدتا المرأة ولم يكن يعترف السيد بأبنائه من المحظيات أبدا وكانت المرأة السيدة محبوسة في ظلام الحريم بينما المرأة المحظية مستباحة في مجالس الفحش والرزيلة ، لكن على الجانب الآخر في الشرق وداخل الخلافات الإسلامية كانت المرأة السيدة لها مكانتها واحترامها ودورها الفاعل في البلاط وفي الشارع وساقت مثال بزبيدة زوجة هارون الرشيد، كما أن المرأة في الحريم أو من الإماء تم الاعتراف بأنبائها أحرارا بل أن الأمر تطور لدرجة أن جلس في سدة الحكم خلفاء أمهم إماء مثل الخليفة المأمون. وقد عرف الحريم الإمبراطوري حسب فاطمة المرنيسي في تاريخ المتوسط قبل 700 عام على ظهور الإسلام ، لدى الإغريق والرومان " كما كان سائداً في أثينا ، فالرجال بالكاد يرون النسوة في الأسواق والشوارع وإن لمح إحداهن فأغلبهن خادمات ، أما السيدة فهى لاتجرأ على تجاوز باب المنزل ، أما الخصي فقد تبنت إحدى الفرق الدينية المسيحية هذه الطقوس من فرط العفة والطهارة وعلى حد قول ترتوليان " إن ملكوت السماوات مفتوح للخصيان" واستلهمت الحضارة العباسية طقوس الحريم ارتبط ظاهرة الحريم بوجود الخصي الذي يمثل حامي حريم السيد ولا خوف منه فهو طفل على هيئة رجل انتشر الخصي في عهد الخلافة العباسية والعثمانية .