إصلاحات العدالة كانت مطلب حقوقيين ينتقدونها اليوم لأنها جاءت من الحكومة هناك مدونون متابعون لأنهم خالفوا القانون دافع وزير العدل حافظ الأختام، الطيب لوح، بقوة عن الإصلاحات التي عرفها قطاع العدالة في السنوات الأخيرة ووصفها بالعميقة والمهمة، والكثير منها كان مطلبا للحقوقيين منذ عشرات السنين. أعرب وزير العدل حافظ الأختام، الطيب لوح، عن استيائه من الانتقادات غير الموضوعية التي وجهها حقوقيون قبل يومين على صفحات إحدى الجرائد الوطنية للإصلاحات القائمة في قطاع العدالة، واستغل الوزير أمس فرصة عرضه مشروع تعديل قانون الإجراءات الجزائية، وقانون التقاضي على نواب المجلس الشعبي الوطني ليرد على هؤلاء بقوة ويؤكد أن إعادة النظر في المنظومة القانونية إنما يرمي إلى وضع أسس سليمة لدولة القانون، وقال بهذا الخصوص « الحقوقيون جاهلون لهذا الإصلاح تماما هو مطلب لهم منذ عشرات السنين واليوم كأنه لم يكن فقط لأنه جاء من الحكومة». وقد أسهب لوح في الحديث عن هذا الأمر وقال إن من يعتبر أن عصرنة العدالة مجرد أمور تقنية تفكيره سطحي مائة بالمائة، لأن العصرنة لها ارتباط وثيق بضمان حريات الناس، «تفكيركم سطحي ولم يصل إلى الرؤية العميقة للإصلاحات التي نقوم بها»، مستعرضا في السياق العديد من الإصلاحات التي قامت بها الحكومة من أجل ضمان حقوق المتقاضين وليس من أجل نفسها، ومنها على سبيل المثال تغيير نظام التلبس إلى نظام المثول الفوري والمحاكمات المرئية وغيرها من جوانب الإصلاح. وقدم لوح نتائج ملموسة جاءت بفضل هذه الإصلاحات منها على سبيل المثال التقليل من القضايا المحالة على محاكم الجنح بنسبة 40 من المائة، والتقليل من المحبوسين بنسبة 41 من المائة بفضل نظام المثول الفوري، وانخفاض عدد الطعون بالنقض إلى 34.87 من المائة. تجار المخدرات لن يستفيدوا من أي تخفيفات وفي رده عن تساؤلات وانشغالات النواب بعد المناقشة أكد وزير العدل حافظ الأختام أن الحكومة لا تنوي إعادة النظر في المنظومة القانونية المطبقة على جرائم المخدرات لأن هذه الآفة تهدد المجتمع برمته، لكن ربما بالنسبة للمستهلكين خاصة الشباب منهم، يمكن إصدار أحكام مخففة عليهم، مؤكدا أنه شخصيا يفضل عدم إدخال المستهلك البسيط للمخدرات إلى السجن لأنه ضحية، وقد يحتك بالمجرمين والشبكات داخل السجون ويصبح مجرما مثلهم. وردا عن سؤال لأحد النواب حول متابعة وسجن بعض المدونين على شبكات التواصل الاجتماعي اعترف وزير العدل فعلا أن البعض منهم متابع لأنهم خالفوا القانون وارتكبوا جرائم، موضحا بأن هناك الآلاف من المدونين ينشطون يوميا ولا يتابعون، لكن مادام هناك قانون ساري المفعول يحرم القذف والشتم والسب والتحريض فهو يطبق، وهؤلاء المدونين الذين توبعوا كان بناء على تحقيقات قامت بها مصالح الأمن، ثم كونت ملفات لهم و قدمت للقضاء، و هم يتابعون وفقا للقانون الساري المفعول، وتحدث عن قضايا رفعها نواب ضد مدونين بتهمة القذف والشتم.ولدى رده عن انشغال آخر أثاره العديد من النواب في تدخلاتهم ويتعلق بعدم تنفيذ القانون في الميدان، أكد الطيب لوح أن السلطة القضائية ملزمة دستوريا بتطبيق قوانين الجمهورية، وتطبيق كل القرارات والأوامر الصادرة عن القضاء، ولا يوجد إشكال في هذا الجانب، مشددا على أن العمل المسبق أساسي في تسيير أمور الدولة حتى لا يصل إلى القضاء سوى الاستثناء، وفي نفس السياق تحدث عن مواصلة العمل من أجل ضمان تكوين لائق للقضاة لأن الكثير من النواب انتقدوا ضعف القضاة في الميدان وقلة تكوينهم. وبالنسبة لتأجيل الأحكام القضائية أوضح لوح أن ذلك غالبا ما يكون بطلب من أحد الطرفين وليس من القضاء، والتأجيل يكون غالبا في صالح العدالة وهي ظاهرة موجودة في كل البلدان، وفي الأخير أكد المتحدث أن كل ما تقوم به الحكومة في هذا المجال يدعم ويكرس بالفعل استقلالية العدالة والسلطة القضائية. وكان وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح قد أوضح خلال عرض القانونين صباحا أن النص المتعلق بتعديل قانون الإجراءات الجزائية جاء بتعديلات جوهرية وعميقة منها على وجه الخصوص إصلاح محكمة الجنايات من حيث نظام عملها وتشكيلتها، أولا من حيث إقرار حق المتقاضي في الاستئناف، كون هذه المحكمة تنظر في أخطر القضايا وتصدر أقسى العقوبات، وبالتالي لا يمكن حرمان أي متقاض من حقه في الاستئناف، وقد جاء هذا التعديل وفقا للمبدأ الدستوري الذي جاء به التعديل الأخير المتضمن التقاضي على درجتين، وكذا وفقا للتوصيات التي خرجت بها اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة، وفقا للمواثيق الدولية وللدستور، وعليه يقترح المشروع الجديد إنشاء ما يسمى بالدرجة الثانية للتقاضي على مستوى كل مجلس قضائي. أما التعديل الثاني المهم الذي جاء به المشروع الجديد حسب الطيب لوح فيتعلق بإعادة النظر في تشكيلة محكمة الجنايات، والإبقاء على العنصر الشعبي فيها وتغليب عدد المحلفين الشعبيين في تشكيلتها، فبعدما كان عدد المحلفين الشعبيين اثنان فقط مقابل ثلاثة قضاة محترفين، ستصبح في المستقبل تتكون من أربعة محلفين شعبيين وثلاثة قضاة محترفين، عدا فقط في قضايا المخدرات والإرهاب فإنها تتشكل من القضاة المحترفين فقط. لا يمكن لضباط الشرطة القضائية العسكرية إجراء التحقيقات دون تأهيل ومراقبة من النائب العام كما يتضمن المشروع أيضا مراجعة الأحكام المتعلقة بعمل الشرطة القضائية العسكرية، وضمان نجاعتها وتأهيل ضباط الشرطة القضائية، وتحديد مجال تدخلها، وفي هذا الصدد شدد الطيب لوح على أنه لا يمكن لضباط الشرطة القضائية العسكرية التحرك وإجراء التحقيقات دون تأهيل ومراقبة من النائب العام، وفي حال رفض النائب العمل تقديم التأهيل لضابط الشرطة القضائية العسكرية يمكن لهذا الأخير تقديم طعن أمام لجنة مختصة يقترح النص إنشائها. وبالنسبة لمهام ضباط الشرطة القضائية التابعة للأمن العسكري فقد أوضح لوح أنها محددة وتتمثل في كل الجرائم التي تمس بأمن الدولة وهي الخيانة والتجسس ومكافحة الإرهاب والتخريب، وهذا ضمانا لعدم تداخلات الصلاحيات مع أسلاك أخرى. كما ألغى النص الجديد الأمر بالقبض الجسدي المنصوص عليه في المادة 137 من قانون الإجراءات الجزائية لأنه يمس قرينة البراءة، و إدخال التوازن بين النيابة والدفاع في مجال استجواب المتهمين بشكل مباشر. وبشأن القانون الثاني المتعلق بالتنظيم القضائي أوضح وزير العدل حافظ الأختام أن الأمر يتعلق بتعديل المادة 19 منه المتعلقة بالمحكمة العسكرية بهدف إنشاء جهات قضائية عسكرية للاستئناف بغض النظر عن تسميتها في المستقبل، و تعديل آخر يتعلق بإنشاء محكمة جنايات ابتدائية ومحكمة جنايات استئنافية على مستوى كل مجلس قضائي. وقد حظي المشروعان المقدمان من طرف وزير العدل أمس إلى نواب المجلس الشعبي الوطني بالكثير من التثمين من قبل النواب بمختلف توجهاتهم، الذين طالبوا بضرورة السهر على تطبيق مثل هذه القوانين على أرض الواقع لأن لإشكالية في التطبيق، و البعض من أولئك الذين أوكلت إليهم هذه المهمة يطبقون القانون على أهوائهم، كما أثار البعض مسألة استقلالية العدالة.