20 سنة سجنا لقاتل في ليلة ساخنة بريف مجاز الصفا بقالمة أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء قالمة أمس الاثنين، حكما بالسجن لمدة 20 سنة و غرامة مالية ثقيلة في حق المسمى (خ.ع) البالغ من العمر 22 سنة المتابع بجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار و الترصد في واقعة جرت أحداثها في إحدى ليالي شهر أكتوبر من السنة الماضية بمنطقة ريفية شرقي قالمة، راح ضحيتها رجل يبلغ من العمر 47 سنة، في واحدة من أبشع جرائم القتل التي تقع بالمنطقة الجبلية بين بوشقوف و مجاز الصفا. و حسب وقائع الجلسة الجنائية التي تابعتها النصر فإن الجريمة وقعت بمشتى قرقارة في بلدية مجاز الصفا ليلة 23 إلى 24 أكتوبر من السنة الماضية بعد نهاية حفل زفاف بالمنطقة حضره القاتل و المقتول و كثير من الشهود، الذين حضروا المحاكمة و قدموا شهاداتهم الحية التي ترسم صورة واضحة للجريمة التي بدأت بمناوشات كلامية بين الضحية و المتهم قرب محل تجاري صغير يقدم خدماته المحدودة لسكان مشاتي المناطق الريفية المعزولة و انتهت بإزهاق روح بطريقة مأساوية. لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية للملاسنات الحادة بين الطرفين في مكان مظلم و منعزل، لكن الجميع يعرف بأنهما لم يكونا في وعيهما بسبب المهلوسات و الكحول، و بالرغم من تدخل الشهود من جيران و أهالي المتهم و الضحية لتهدئة الوضع و الحيلولة دون تصعيد الموقف، فإن المشادات الكلامية أخذت منحى خطيرا حتى وصلت إلى حد الالتحام الجسدي بين خصمين يكبر أحدهما الآخر بربع قرن، جمعت بينهما معركة غير متكافئة من ناحية العتاد لكون أحد المتصارعين كان مسلحا بخنجر أسود مسنن يستعمل في المعارك العسكرية و الآخر يحمل في يده قطعة خشبية غليظة. حاول الشهود الحاضرين بمسرح الجريمة فك الالتحام و إبعاد الخصمين عن بعضهما البعض لكنهم لم يتمكنوا بسبب الإصرار و التعنت من الطرفين، و بسرعة خاطفة أخرج الجاني السكين العسكري و أدخله في صدر غريمه ثم أخرجه و أدخله مرة أخرى في الفخذ واضعا نهاية مأساوية لعراك بسيط بدأ بملاسنات السكارى و انتهى بجريمة بشعة ما زالت آثارها إلى اليوم بالمشاتي الهادئة، أين تعود الناس على العيش بسلام مع بعضهم البعض متعاونين لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة التي تعرفها أرياف الإقليم الشرقي من ولاية قالمة. سقط الضحية متأثرا بطعنة غائرة في الصدر أدت إلى نزيف حاد لم يتمكن الحضور من وقفه بالوسائل التقليدية البسيطة قبل نقله إلى المستشفى، و قال أحد الشهود واصفا اللحظات الحرجة للواقعة الجنائية "بحثت عن مصدر النزيف وجدته في الصدر حاولت استعمال قطعة من القماش لوقف سيلان الدم لكنني لم أتمكن، كان الضحية يئن بقوة في البداية ثم خفت أنينه حتى توقف تماما، وضعت أذني على قلبه فلم أسمع دقاته، حينها أدركت بأن الطاهر ربما يكون قد مات و نقل بعدها جثة هامدة إلى المستشفى". انتشر خبر الجريمة بسرعة و سرى في المشاتي الموشحة بسواد الليل، و تساءل الناس عن أسبابها و استغربوا عندما عرفوا بأن المهلوسات قد لعبت بعقول شباب المنطقة في حفلة عرس و دفعت بأحدهم إلى ارتكاب جريمة قتل بلا سبب مقنع قد يشفع له أمام القضاة، الذين حاصروه أمس من كل الجهات و واجهوه بأدلة جنائية و تصريحات الشهود و خنجر عسكري أسود مسنن رفعه رئيس الجلسة بيده حتى يراه المتهم ليعرف بأنه استعمل أداة تعتبر من الأسلحة الفردية الخطيرة التي يستعملها الجنود في معارك الالتحام الجسدي مع العدو. حاول الجاني الدفاع عن نفسه قائلا بأنه كان يصد هجوما من خصمه بقطعة خشبية و اضطر إلى استعمال الخنجر و أنه لم يكن في نيته قتل الضحية. لكن النيابة العامة وصفت الوقائع بأنها خطيرة و تعبر عن المدى الذي بلغه الانحراف و العنف المتفشي وسط المجتمع و طالبت بتسليط عقوبة الإعدام في حق المتهم، الذي كان آخر من تكلم ملتمسا تخفيف العقوبة، مبديا الندم على ما اقترفه من جرم. و بعد غلق باب المرافعات انسحبت هيئة المحكمة إلى غرفة المداولات السرية قبل أن تعود للنطق بالحكم و تأمر بإعادة الجاني إلى غياهب السجن، و تضع نهاية للدراما المأساوية التي جرت فصولها قبل 5 أشهر و عادت أمس لتخيم من جديد على قاعة الجلسات أين التقى أهالي المشاتي البائسة لمتابعة أطوار المحاكمة و انتظار القصاص بقوة القانون، بدلا من الاحتكام إلى عنف و انتقام أعمى قد يسقط مزيدا من الضحايا و يدمر عائلات بأكملها، و يعصف في طريقه باستقرار المشاتي التي تتطلع إلى مستقبل بلا مهلوسات و بلا مجون.