جزء من أرشيف الولاية الثانية ضاع و جزء لم يتم استغلاله أبرز متدخلون في ندوة النصر بمناسبة عيد الاستقلال، أن جزءا من أرشيف ثورة التحرير بالولاية التاريخية الثانية ضاع بعد الاستقلال سواء بسبب الإهمال أو لأسباب أخرى، كما أن هناك أرشيفا لم يتم استغلاله من طرف الباحثين، وهو أرشيف لازال في خزائن الخواص أو تم تسليمه لجهات رسمية. وتمت بالمناسبة دعوة الباحثين إلى استغلال فرصة وجود «ذاكرة حية» ممثلة في مجاهدين لتسجيل شهادات تفيد عملية التأريخ للثورة، خصوصا وأن الكثير منهم مسنون ويعانون من أمراض كما أن عددهم في تناقص، وكتابة التاريخ لا تقع على عاتقهم، كما أكد المتدخلون، بل هي مسؤولية المختصين، وتم بالمناسبة تسجيل تقصير في التأريخ للأحداث الهامة بالولايتين الثانية والأولى. ودعا المجاهد السعيد لوصيف إلى ضرورة اهتمام منظومة التعليم بتاريخ الجزائر، مبديا استغرابه لجهل طلبة جامعيين لأسماء مفجري الثورة، كما وقف عليه هو شخصيا في إحدى الندوات. من جهته اعتبر الدكتور علاوة عمارة الذي نجح في جمع مادة تاريخية ثمينة عن المنطقة، شهادات ومذكرات المجاهدين وثائق هامة، مؤكدا أن المؤرخين المختصين يمتلكون أدوات الفحص والتمحيص. جريدة النصر وعلى لسان مديرها العام أكدت التزامها بالمساهمة في عملية التأريخ لهذه المرحلة الهامة من تاريخ الجزائر، سواء من خلال مرافقة جهود الباحثين والمجاهدين أو من خلال تسجيل شهادات ضمن عملها الصحفي وندوات دورية أعلن عن تنظيمها، وأكد بالمناسبة وضع الجريدة لشهادات جمعتها في السنوات الأخيرة في متناول الباحثين والهيئات المهتمة. الأستاذ الدكتور علاوة عمارة جزء كبير من أرشيف الشمال القسنطيني فُقد بعد الاستقلال فراغ قانوني يمنع استعادة وثائق من عائلات كشف الباحث في تاريخ الجزائر الأستاذ الدكتور علاوة عمارة، أن رصيدا أرشيفيا ضخما حول الشمال القسنطيني في مرحلة الثورة لا يزال موجودا لدى عدد كبير المجاهدين، فيما فقد جزء آخر للمرحلة بين 1961 إلى غاية موعد وقف إطلاق النار بعد الاستقلال، كما أوضح أنه استطاع من خلال عمله وعلاقاته الخاصة الوصول إلى عدد هام من الوثائق والسجلات والصور التي تؤرخ إلى سنوات جد متقدمة من تاريخ المنطقة خلال ثورة التحرير سينشرها لاحقا. وقدّر الباحث علاوة عمارة حجم الأرشيف المتعلق بتاريخ مدينة قسنطينة ومنطقة الشمال القسنطيني خلال سنوات ثورة التحرير بالكبير جدا، والذي لا يزال عدد كبير من المجاهدين وعائلات الشهداء يحتفظون به إلى يومنا هذا، وهو ما يستلزم من الباحثين العمل بجد والتنقل، إلى جانب نسج علاقات خاصة من أجل الوصول إليه، مضيفا، أن أغلب الأرشيف يتمثل في سجلات ومراسلات بين قادة الولاية التاريخية الثانية ومختلف النواحي التابعة لها، إلى جانب عدد كبير من الصور التذكارية، مؤكدا أنه لا يوجد تشريع يصنف هذه الوثائق كأرشيف وطني و استعادتها ليس بالأمر السهل كما أنه لا يمكن إلزام أحد بالتنازل عن ما يحوز من صور ووثائق. كما أوضح الباحث الحاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الوسيط من جامعة السوربون أن هناك جزء آخر من الأرشيف الخاص بمنطقة مدينة قسنطينة قد تم إهماله بعد سنة 1962، معتبرا أن هذا الأرشيف يغطي كامل الفترة الممتدة منذ سنة 1961 إلى غاية وقف إطلاق النار، مرجحا أن يكون هذا الجزء الهام من الوثائق قد حوّل وقتها إلى وزارة الدفاع الوطني، كما أكد أن هناك جزء آخر من الأرشيف جلب من منطقة أولاد عسكر بولاية جيجل يتعلق بمراسلات بين عدد من القادة، قبل أن تختفي هذه الوثائق عقب المشاكل التي حدثت عقب الاستقلال مباشرة. صور ووثائق نادرة تؤرخ لمحطات حاسمة في الثورة زيادة على هذا، فإنه من بين الأرصدة الأرشيفية التي تخص منطقة شمال قسنطينة والتي استحوذت عليها القوات الفرنسية، هي الوثائق التي عثر عليها بأمانة الولاية التاريخية الثانية والتي صودرت بتاريخ 31 جانفي 1957 بمنطقة أولاد عطية ولاية سكيكدة خلال عملية عسكرية، ومن بين أهم هذه الوثائق والتي استطاع الأستاذ الوصول إليها بعد سنوات من اختفائها هي مراسلات بين قائد الناحية الشهيد لخضر بن طوبال مع الوفد الخارجي بتونس، وأهم وثيقة على الإطلاق هي مراسلة من صفحتين تحمل ختم قائد الولاية أرسلت إلى أحمد محساس وتحمل موقف القادة الداعم لمؤتمر الصومام، معتبرا أن هذه الوثيقة تنفي ما يقال عن رفضهم للمؤتمر. وتابع ذات المتحدث أن قوات الاستعمار الفرنسي التي لم تستطع الوصول إلى أي وثيقة عند اعتقالها القائد ديدوش مراد، استحوذت على 6 سجلات هامة تعود لقيادة الولاية الثانية بعد إلقائها القبض على البطل زيغود يوسف خلال عملية سيدي مزغيش بسكيكدة، مشبها هذه السجلات ب «إدارة متنقلة» تعكس مدى التنظيم الكبير الذي كانت عليه قيادة الولاية التاريخية في تلك الفترة، كما استعرض جزءا مما حملته هذه الدفاتر الست المكتوبة بخط الكاتب الشخصي لزيغود يوسف المجاهد بوجمعة البومباردي، وهي عبارة عن قائمة لإطارات المنطقة الوسطى مرتبة ترتيبا تنازليا من أعلى رتبة، كما تحمل معلومات دقيقة عن كل شخص وما يقوم به، وحتى الرقم التسلسلي للسلاح الذي يملكه ونوعه بدقة، وحتى ملاحظات حول كل فرد والشكاوى ضده إن وجدت. وكشف الأستاذ أن من بين الوثائق التي تمكّن من الوصول إليها هي أقدم صورة لرفع العلم الجزائري بالجبال من طرف المجاهدين والتي ترجع إلى سنة 1955، كما استعرض عددا من الصور الأخرى التي لم تنشر بعد، والتي تحصّل عليها بعد فترة من البحث، ويتعلق الأمر بصور شهداء لحظة استشهادهم مباشرة، حيث التقطت هذه الصور من طرف جيش الاحتلال في وقتها، ومن بينها، صور لفضيلة سعدان عند استشهادها على مستوى حي الرصيف، ومريم بوعتورة، وزيغود يوسف، وداودي سليمان المدعو حملاوي، إلى جانب صور لمجاهدين آخرين لا زالوا على قيد الحياة على غرار المجاهد عبد الوهاب بن يمينة، حيث استعرض صورة التقطتها عناصر الجيش الفرنسي لحظة القبض عليه بشارع بلوزداد رفقة الشهيد عبد الحميد بوكروش. كما أكد ذات الباحث أن من بين أهم الصور التي سيقوم بنشرها مستقبلا أقدم صورة لاجتماع قادة الشمال القسنطيني والتي التقطت بمنزل القايد بن يزار نواحي الميلية، وهي صورة لكل من محمد الصالح ميهوبي، زيغود يوسف، بن عودة، بولعراس، وبن طوبال، حيث تظهر الصورة هؤلاء القادة بالزي المدني ويحملون أسلحة ايطالية بدائية، كما أكد امتلاكه لصورة جد نادرة للبطل ديدوش مراد لحظة استشهاده بواد بوكركر، منوها بأنه يجب العمل على استعادة عدد كبير من الصور والوثائق على غرار الوثائق التي تمت مصادرتها من طرف الجيش الفرنسي عند مداهمته لمقر قيادة ناحية قسنطينة بغابة جبل الوحش بتاريخ 27 أفريل 1956، وكذا وثائق عثر عليها خلال عملية اغتيال الشهيد قيطوني عبد المالك بمنطقة بن عروس بالمنية بتاريخ 17 أكتوبر 1955. عبد الله.ب معظم أرشيف الثورة بفرنسا لا يمكن الإطلاع عليه إلا بعد 41 سنة كشف أستاذ التاريخ علاوة عمارة، أن معظم الوثائق الخاصة بالثورة و الموجودة في مراكز الأرشيف بفرنسا، يُمنع الإطلاع عليها إلا بعد سنة 2058، و ذلك بطلب من الأشخاص الذين حملت الوثائق معلومات عنهم، مؤكدا أن الكثير من الوثائق التي ظلت في الجزائر، اختفت أو أخذها مجاهدون دون أن تٌسترجع و تٌصنف كتراث مادي. و خلال استضافته في ندوة النصر ، ذكر الدكتور عمارة، أن الوثيقة هي الأساس في عملية التأريخ، فيما تُعتبر الشهادة المنشورة مصدرا من الدرجة الأولى، مضيفا أن هناك وثائق خاصة بالثورة أخذتها فرنسا معها عند الخروج من الجزائر، و أخرى بقيت في بلادنا و تم توزيعها على الأرشيف العمومي عبر المراكز المصنف. و تطرّق الدكتور عمارة الذي كتب في تاريخ الشمال القسنطيني إلى ما أسماه بالأرشيف الخاص الذي أخذه المجاهدون معهم إلى بيوتهم، حيث قال أن ذلك يُعد "إشكالا"، خاصة مع عدم وجود تشريع يصنف هذا النوع من الوثائق على أنها من التراث المادي، فلا تدخل بذلك في الأرشيف التاريخي، مضيفا أن الكثير من المجاهدين الذين تقلّدوا مسؤوليات خلال الثورة، احتفظوا بسجلات تاريخية، فيما اختفت وثائق أخرى. أما بالنسبة للوثائق الاستعمارية، فقد أكد المؤرخ أن معظمها عبارة عن معلومات استخباراتية أو تقارير أو عمليات عسكرية و كذلك محاضر استنطاق للأسرى الذين تم تعذيبهم، و هي بذلك تتوفر على رصيد أرشيفي كبير و مهم جدا في الدراسة، لكن هناك قضايا أخرى لا يمكن، برأيه، إيجادها في الأرشيف المتوفر، و هي شهادات صناع الحدث التي تؤخذ من المجاهدين. و في تعليقه على تضارب شهادات بعض المجاهدين و كيفية تعامل الباحثين معها، أوضح عمارة أن المؤرخ ينطلق في عمله من الوثيقة، كالصورة أو المحضر المكتوب أو التقارير المباشرة، لأنها لا تتغير، لكن من يسرد الرواية ربما يكون نسي بعض التفاصيل، و هذا، حسبه، أمر طبيعي، زيادة على أن كل شخص "يريد أن يأخذ دورا له». رغم ذلك، أكد ضيف ندوة النصر أن كل الفترة الطويلة التي مضت، ليست عائقا أمام كتابة التاريخ، كما يرى أن أي شهادة يقدمها صانع الحدث تعتبر ضرورية، حتى لو اعتُدّ بجزء منها فقط، خاصة أن للمؤرخين آليات منهجية في التعامل مع المذكرات، بالتأكد من الوثائق إن وُجدت أو التحقق من الخلفيات، بينما يُخفق بعض الكتاب في استنطاق المجاهد بالشكل المطلوب، و في هذه الحالة المشكلة ليس مشكلته. و أعاب الدكتور على الباحثين عدم التوجه إلى المجاهدين و انتظار أن يأتوهم، كما اعترف بأن الفترات السابقة لم تعرف تدوينا للتاريخ بسبب عدم توفر الوثائق، لكن العملية أصبحت، برأيه، مُتاحة منذ سنوات، مضيفا أنه كباحث في التاريخ و بموجب طلب تصريح من الجهات المختصة الفرنسية، استطاع أن يصل بشكل عادي إلى مركز الأرشيف بفرنسا، ما سمح له أن يعود كل مرة بالمئات من الوثائق و التي منها ما صادرها المستعمر خلال مختلف العمليات العسكرية. و أكد الأستاذ أنه استطاع الاطلاع على وثائق في الأرشيف العسكري، و تحديدا على مستوى المصلحة التاريخية للدفاع، التابعة لوزارة الحربية الفرنسية، و هي مصلحة قال إنها تحتوي على عدد كبير جدا من الوثائق التي تركتها هناك مختلف الأجهزة، إضافة على ما يتوفر عليه الأرشيف الوطني الفرنسي و أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية. الدكتور عمارة أوضح أن سهولة الولوج إلى الأرشيف بفرنسا، تقابلها قوانين تحكم العملية، و هو ما يحول دون الوصول إلى بعض الوثائق، و أحيانا يتم الحصول على تصريح بالقراءة فقط و يُمنع التصوير، خاصة إذا كان الأرشيف يشكل خطرا على شخص ورد ذكره في الوثيقة، إذ يتوجب مرور قرن حتى يُضمن أن المعني توفي. و كشف المؤرخ أنه يوجد بند يُمكّن كل شخص ورد اسمه في وثيقة ما، من عدم السماح بالاطلاع على ملفه، لذلك فهناك في الأرشيف المتواجد بفرنسا ما لا يُسمح بفتحه إلا بعد سنتي 2026 و 2036 و الكثير منه إلى غاية 2058، وقد يتعلق الأمر بفرنسيين أو بمجاهدين سلموا أنفسهم للمستعمر و ورد في محاضر استجوابهم ما يؤثر على صورتهم و أمنهم و هم لا يزالون أحياء. ياسمين.ب المجاهد السعيد لوصيف لم نحتفظ بالأرشيف بسبب الحساسيات و جزء منه ضاع في 62 المؤرخ هو من يبحث عن المجاهد لجمع الشهادات لا العكس يرى المجاهد السعيد لوصيف أنه على الباحثين أن يبذلوا مجهودات أكبر في جمع كل ما يساعد على التأريخ للثورة المظفرة، بالبحث عمن عايشوا تلك الفترة وجمع الشهادات بالتنقل إليهم، بدل انتظار تحرك من المجاهدين في اتجاههم، كما اعترف بأن الولاية التاريخية الثانية متأخرة في جمع الصور والوثائق والشهادات، رغم أنها كانت الأكثر انسجاما وتنظيما . و قال المجاهد و عضو المنظمة الولائية للمجاهدين بقسنطينة، السعيد لوصيف، بأن الولاية التاريخية الثانية كانت نظاما إداريا و قضائيا قائما بذاته في جبال المنطقة، مؤكدا على أنه لم تكن هناك أية خلافات أثرت على مسار الثورة، أو على التنظيم بهذه الولاية، بل كانت، حسبه، من أولى الولايات من ناحية الهيكلة و تنظيم الجيش، مضيفا بأن هناك جزءا هاما من أرشيف المنطقة، سلم مباشرة بعد الثورة لجيش التحرير، و بتواجد حاليا لدى وزارة الدفاع الوطني. السعيد لوصيف ، قال في ندوة النصر حول موضوع جمع الشهادات و إعادة كتابة التاريخ، بأن التحضير للعمل المسلح بالناحية التاريخية الثانية، تم موازاة مع وضع هيكل تنظيمي إداري قائم بذاته في جبال المنطقة، سواء من ناحية تعيين الوحدات و المراكز، أو تنظيم الجيش في شكل أفواج صغيرة منتشرة عبر عدة نواحي، و ذلك بالرغم من نقص الإمكانيات قبل اندلاع العمل المسلح سنة 1958، حيث ذكر المتحدث بأن المؤونة و الذخيرة و كذا الأسلحة المتوفرة، كانت توزع على كافة التنظيمات و مجموعات المجاهدين المرابطين في الجبال، مشيرا إلى أن التنظيم لم يقتصر على الجانب التمويني و العسكري فقط، بل شمل أيضا الجانب الإداري والإستخباراتي، حيث كان يتم تدوين كل المخططات المتعلقة بالعمليات العسكرية ضد المستعمر أثناء الثورة، إضافة إلى توثيقها في شكل تقارير بالتواريخ، مع إحصاء كل المجاهدين الذين يستشهدون في ميدان المعارك مع العدو الفرنسي، و أولئك الذين يصابون و يتم نقلهم للعلاج في مراكز المجاهدين، فضلا عن تشكيل تنظيم قضائي و لجان مختصة في إجراء تحقيقات حول الأشخاص المعادين للثورة، أو أولئك الذين يعملون لصالح فرنسا، و الذين يكون مصيرهم التصفية من قبل جيش التحرير، وأضاف المتحدث أن هيكل الثورة كان متقدما على فرنسا استخباراتيا، إلى درجة أن المعلومة تصل في حينها، وكل تحرك لجيش المستعمر يتم الاستعداد له استنادا لعمل مسبق يعتمد على الآنية في المعلومة، وهو ما كان يحير فرنسا. و رغم إشارة المجاهد لوصيف إلى بعض الخلافات التي وقعت بين أعضاء قادة الولاية إبان الثورة، إلا أنه قال بأن الناحية الثانية كانت عبارة عن نظام إداري و قضائي قائم بذاته، و بأن التنظيم الهيكلي الجيد لهذه الناحية، رشحها لاحتلال المرتبة الأولى من بين الولايات التاريخية ال6، حيث أكد بأن هذه الخلافات لم تكن بالحجم الذي أثر على مسار العمل المسلح، أو على التنظيم داخل الولاية الثانية، عكس ما حدث في نواحي أو ولايات أخرى من صراعات و عدم الاتفاق حول التسيير، و الأشخاص. جيش التحرير كان متقدما على فرنسا استخباراتيا و بخصوص أرشيف الولاية التاريخية الثانية، قال العضو القيادي في منظمة المجاهدين بقسنطينة بأن الصور و الشهادات التي لا زالت غير مستغلة إلى يومنا هذا، سلمت على مرحلتين خلال الثورة و بعدها، موضحا بأن هناك عدة تقارير و صور و معلومات موثقة، سلمت للتنظيم القائم آنذاك في الولاية كونها كانت تضم إدارة مكلفة بجمع الأرشيف من المواطنين و المجاهدين، على غرار باقي الولايات التاريخية، فيما تم، حسبه، تسليم جزء آخر من الأرشيف المتبقي وقتها لجيش التحرير بعد الاستقلال، و هو متواجد حاليا لدى وزارة الدفاع الوطني، مؤكدا في ذات السياق، على أن أرشيف الولاية التاريخية الثانية محفوظ بنسبة 80 بالمئة، مبررا ضياع جزء من أرشيف الكفاح المسلح لهذه الناحية، بعدم تشكيل الفروع الإدارية لناحية قسنطينة خلال الثورة، و ذلك بسبب بعض الحساسيات التي كانت بين القادة و الأعضاء في تلك الفترة. و أكد شقيق الشهيد رابح لوصيف خلال حديثه عن الصور و الشهادات، على أن تاريخ الثورة في الولاية التاريخية الثانية لا يزال في حاجة البحث و الجمع عن طريق التواصل مع الذين عايشوا الأحداث التاريخية، و كانوا شهودا على المسار النضالي و الحربي للقادة و المجاهدين، خاصة و أن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر كثيرة و متعددة، ما يعني أن هناك الكثير من الشهادات و الصور و التقارير التي لم تستغل إلى يومنا هذا ولا يزال يحتفظ بها أفراد وعائلات، مذكرا بدور جمعية العلماء الإصلاحية في التمهيد للثورة، و بمساندة الشعب الجزائري لأعضاء الحركة الوطنية، و احتضانه لثورة التحرير. التفكير في إنشاء جمعية لجمع أرشيف الولاية التاريخية الثانية واستذكر المجاهد في سرده لبعض المحطات المهمة من تاريخ الناحية الثانية، مبادرة المجاهد و القيادي العسكري البارز في الشمال القسنطيني صالح بوبنيدر المعروف باسم صالح صوت العرب، في تشكيل لجنة لجمع الأرشيف إبان الثورة، و التي لم يكتب لها النجاح، على حد قوله، حيث ذكر «عمي السعيد» في هذا السياق، بأن المنظمة الولاية للمجاهدين تفكر في إعادة تفعيل هذه المبادرة، بالتنسيق مع المديرية و المؤرخين و الباحثين، و ذلك من خلال إنشاء لجنة تعنى بجمع الشهادات و الصور و التقارير التي لم تستغل بعد، حيث قال بأنه لا تزال هناك وثائق تؤرخ لمراحل من الثورة التحريرية بالمنطقة الثانية بحوزة المجاهدين، مؤكدا على ضرورة التنقيب عن هؤلاء الأشخاص الذين عايشوا الثورة، و الاتصال بهم من قبل المؤرخين، و التنقل إلى أماكن وقوع المعارك لاسترجاع الأرشيف الضائع، و استكمال فصول كتابة التاريخ بناء على شهادات واقعية لمن عايشوا الثورة، مشيرا أن المؤرخ هو من يتنقل للمجاهد لا العكس ، وقال بأن المبادرة ستسمح بتوسيع الاتصالات و جمع أكبر قدر من الأرشيف، داعيا المسؤولين على المدارس و الجامعات للتعريف بالثورة، و تدريسها بشكل جيد للأجيال. خالد ضرباني "غار ديما" كانت قاعدة خلفية للعتاد والأسلحة والمؤونة القاعدة الشرقية بعيون المجاهد غمراني رمضان يروي المجاهد غمراني رمضان، في كتاب «حقائق أخرى عن القاعدة الشرقية»، للكاتب الصحفي يزيد سلطان، أهم سنوات كفاحه التي قضاها على الحدود الشرقية، و ينقل لنا واقع تلك الحقبة من الثورة و ما عايشه من أحداث رفقة نخبة من المجاهدين و الشهداء، الذين صنعوا الاستقلال.يقول المجاهد غمراني رمضان و هو من مواليد 24 جانفي 1926 بمشتة شعبة المذبوح، أو ما يعرف اليوم بحي زغرور العربي، الواقع على الطريق الوطني رقم 27 الرابط بين قسنطينة و جيجل، ببلدية حامة بوزيان، أنه أحب الثورة منذ ريعان شبابه، و تعلق بالعمل السياسي، فكان مناضلا في حزب الشعب، متأثرا بخاله، مؤكدا بأنه اقتحم العمل الفدائي في سن 14، و شارك في عدة عمليات، قبل أن يلتحق بالثورة من جبال سطارة بولاية جيجل، و بعد أشهر قليلة ألقي عليه القبض في أكتوبر سنة 1957، و زج به في سجن «المينة» بمنطقة «عين كرمة»، بلدية مسعود بوجريو حاليا، حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب، و حكم عليه بالإعدام، لكنه تمكن من الفرار. في أواخر سنة 1957 كانت وجهة «سي علي القسنطيني» و هو الاسم الثوري للمجاهد غمراني رمضان، نحو القاعدة الشرقية و بالتحديد على الحدود التونسية الجزائرية على امتداد ولايتي الطارف و سوق أهراس، حيث قضى 5 سنوات يحارب فيها الاستعمار، و يسرد المجاهد ذكرياته الكثيرة عن هذه الفترة، و التي يكشف لنا من خلالها، حقائق جديدة عن القاعدة الشرقية، التي كانت تموّن الثورة بالسلاح، انطلاقا من الشقيقة تونس. فتنة بين القائدين بن سالم وعلي منجلي كادت أن تعصف بالثورة يقول الحاج رمضان، أن التحاقه بالمنطقة الشرقية كان من أعالي الجبال المتاخمة لمنطقة بوحجار بولاية الطارف، حيث انضم لجيش المقدم عبد الرحمن بن سالم، الذي كان بمثابة القدوة للمجاهدين، و هناك رافق العديد من المجاهدين و قادة الثورة، و منهم البطل علي منجلي، و أحمد القايد صالح «قائد أركان الجيش الشعبي الوطني» حاليا، و من جملة ما رواه، أن من بين المهام التي كان يكلف بها المجاهدون هو إتلاف خط «شال» المكهرب، من خلال قطع أسلاكه الشائكة، و كان كل مجاهد مطالبا بحمل الأسلاك التي قطعها و تسليمها لقيادة الأركان، كدليل على العمل الذي قام به. كما يكشف بأن «غار ديما» على الحدود الجزائرية التونسية، كان بمثابة القاعدة الخلفية للثورة الجزائرية، و الحصن المنيع للمجاهدين، فطوال الوقائع التي سردها، كان يؤكد على أهمية هذا المكان الاستراتيجي على مستوى القاعدة الشرقية، حيث كان بمثابة مخزن للأسلحة و العتاد و المؤونة، و مركزا للتدريبات و اللقاءات الهامة للثورة، و مقرا لقيادة الأركان. كما تحدث عن الفتنة التي وقعت بين القائدين بن سالم و علي منجلي، و كادت تعصف بالثورة الجزائرية في قاعدتها الشرقية، حيث اقترب جيشاهما من التصادم، لولا تدخل الحكماء، و لعل المجاهد رمضان كان أبرزهم، حين وضع سلاحه و أقنع الطرفين بضرورة التصالح و الاحتفال بذكرى 1 نوفمبر، فتحول الخلاف إلى حفل كبير، أقيم في منطقة الزيتون بولاية الطارف، و هنا يكشف لنا أهمية جيش الحدود، فهذا الاحتفال الذي تحدث عنه، حضره أكثر من 5 ألاف جندي، من بينهم مسؤولون كبار في الثورة، حسب ما يؤكده المجاهد رمضان. معركة الزانة درس للفرنسيين في المواجهة يعود بنا «سي علي القسنطيني» إلى أهم الأحداث التي ميزت القاعدة الشرقية، و بالتحديد إلى يوم 14 جويلية 1959، التي كانت شاهدة على إحدى أشرس المعارك، التي انتصر فيها أبطال الثورة الجزائرية على جنود الاحتلال الفرنسي، و هي معركة عين الزانة، فبعد أن تم الإجماع من قبل القادة على ضرورة مهاجمة المركز الواقع على الحدود التونسية الجزائرية، تجمعت مختلف الفيالق، و ذلك بحضور أبرز القادة من أمثال سي ناصر و عبد الرحمان بن سالم و الأخضر الورتي و كذا كل من بشيشي و عبد المالك قنايزية و سليمان عثمان و الحفناوي و مختار كركب، إضافة إلى محمد علاق و محمد بتشين و الهادي قميقم و عبد القادر شابو و رشيد ميدوني و مقناوي و غيرهم. المجاهد غمراني كان ضمن المجموعة التي قامت باستطلاع المركز قبل اقتحامه من الجهة السفلى، حيث تمكن رفقة مجموعته من أسر ثلاثة خونة و قتل جندي فرنسي، مؤكدا بأن المعركة سمحت بقتل عدد من الجنود الفرنسيين و الاستيلاء على بعض الأسلحة و الألبسة و استرجاع وثائق، كما تم تدمير سيارات و شاحنات عسكرية، و كذا إحراق المركز بأكمله، و كانت تلك المعركة بمثابة درس للفرنسيين في فن المواجهة و الحرب، رغم تفوقهم من ناحية العدة و العتاد، و يؤكد الحاج رمضان، بأن الفرنسيين حاولوا تضليل الرأي العام، لتغطية خسائرهم. و يروي المجاهد غمراني، كيف أصيب بمرض خطير، كاد يودي بحياته، سنة 1960 حيث نقل للعلاج بتونس، و رفض التنقل إلى ألمانيا للتداوي، و فضل الموت بالجزائر، على ترك رفاق دربه، فبقي يعالج بغار «ديما»، و بعد أن امتثل للشفاء، كلف بمهمة توزيع الغذاء و اللباس، على المجاهدين، حيث يذكر جيدا لقاءه بوفد السياسين المشكل من بن بلة و خيدر و أيت أحمد، لدى عودتهم من طرابلس و توقفهم بقاعدة بن سالم، حيث قام بتزوديهم بالألبسة، كما يتذكر وقوع خلافات بينهم و بين بن بلة و شعباني، اللذين كانا متواجدين بالمكان. بعد انتهاء الثورة، كان أول لقاء لعمي رمضان بعائلته، في شهر جويلية 1962 في منطقة بوحجار بالطارف. عبد الرزاق مشاطي النصر تنقل شهادات المجاهد بوطمين جودي لخضر كاتب بالولاية الثانية طالب الجغرافيا الذي تحوّل إلى "العلبة السوداء" لثورة الشمال القسنطيني بين غابات جبال جيجل و مسالكها الوعرة، حمل المجاهد بوطمين جودي لخضر، خريج معهد ابن باديس بقسنطينة، القلم بيمينه و البندقية في يساره، فكان العلبة السوداء لمجاهدي الولاية التاريخية الثانية و استطاع رغم صغر سنّه آنذاك، أن يُصبح الكاتب الأمين للعقيد صالح بوبنيدر، النصر التقت ب «السي لخضر" مثلما فضّل رفقاء السلاح تسميته، و نقلت شهاداته عن فترة النضال و المراحل التي سبقت انضمامه إلى الثورة ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم. حاورته: ياسمين بوالجدري المجاهد بوطمين جودي لخضر هو من مواليد سنة 1931 ببلدية برج الطهر بولاية جيجل، بعد أن تعلّم في مدرسة قرآنية قرب مسقط رأسه، التحق بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة و تخرج منه سنة 1951، ليسافر بعدها إلى جامع الزيتونة أين درس حتى عام 1952، و في نفس السنة حصل على عضوية أول بعثة لجمعية العلماء المسلمين إلى جامعة بغداد في العراق، و هناك درس بدار المعلمين العالية إلى غاية التخرج عام 1956، بالحصول على شهادة ليسانس في التاريخ و الجغرافية. في شهر جوان من العام ذاته، انتقل ذلك الشاب المتخرج لتوّه من الجامعة، إلى القاهرة، و منها قرر الالتحاق بالثورة الجزائرية، رافضا العروض التي تلقاها بالبقاء في المشرق العربي و التدريس هناك، حيث بدأ النضال بالعمل رفقة مجموعة من الطلبة الجزائريين، على نقل السلاح من ليبيا نحو تونس، قبل أن ينضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني في الولاية الثانية، أين تسلم عدة مسؤوليات كان آخرها عضو المنطقة الخامسة. بعد الاستقلال اشتغل المجاهد بوطمين في مهنة التعليم و تسلّم فيها عدة مناصب كان آخرها مدير ثانوية، و خلال هذه المرحلة، كانت له مساهمات في يومية النصر و مجلتي الجيش و أول نوفمبر، كما ألّف 6 كتب تحدث فيها عن ذكرياته إبان الثورة، و واصل النضال في حزب جبهة التحرير الوطني إلى غاية سنة 1987، «السي لخضر" انتُخب عدة مرات عضوا في المنظمة الوطنية للمجاهدين، و لمرتين في المجالس المحلية بولاية قسنطينة، كما تقلّد منصب نائب في البرلمان في عهدة استمرت بين سنتي 1977 و 1982. 11 ساعة سجنا في العراق و السبب "محاولة اغتيال" الملك! قرب منزله الواقع بحي سيدي مبروك بقسنطينة، التقينا ب "عمي لخضر" كما يناديه الجيران و الأصدقاء، و بابتسامة جميلة و عيون زرقاء لم يخطف وهجها الكِبر و لا المرض، استقبلنا أمام باب البيت و أوصلنا إلى غاية الصالة، أين بدأ يسترجع شريط الذكريات و يروي لنا كيف بدأ الدراسة في دار المعلمين العالية ببغداد إلى جانب 11 طالبا أرسلتهم جمعية العلماء المسلمين، حيث درس بها لمدة 4 سنوات و تخرج منها عام 1956. في ذلك الوقت، يقول المجاهد بوطمين، كان حزب البعث هو المسيطر و كان نظام الحكم ملكيا في العراق، و قد تصادف أن جرت مراسيم تنصيب الملك الجديد في ذلك الوقت، مع حضوره رفقة 6 طلبة جزائريين من أجل التفرّج، لكنهم تفاجأوا بتوقيفهم من بين الجماهير التي كانت متجمعة في انتظار موكب الملك، و ذلك بعد حوالي نصف ساعة من توجيههم سؤالا إلى أحد الشرطيين عن موعد مرور الملك فيصل الثاني، و يضيف "عمي لخضر" أن العراقيين اتهموهم آنذاك بالشيوعية و يبدو أنهم شكوّا بأن الطلبة خطّطوا لاغتيال الملك مثلا، رغم أن السؤال الذي طرحوه كان بدافع الفضول لا أكثر و لا أقل، حيث ظلوا في السجن لمدة 11 ساعة و تم إخلاء سبيلهم بعد أن تبيّن أنهم أبرياء. بعد رحلة الدراسة في العراق، ذهب الشاب لخضر جودي إلى دمشق و كله رغبة و أمل في الالتحاق بالثورة التحريرية التي كانت آنذاك في أوج مجدها، و هناك حاول الاتصال بالراحل عبد الحميد مهري الذي كان ممثلا للثورة الجزائرية في سوريا، لكنه لم يستطع، فشعر ب «إحباط منقطع النظير»، لكنه تمكن من ملاقاة قياديين في حزب البعث العربي الاشتراكي منهم أكرم الحوراني و ميشيل عفلق، لم ييأس لخضر من المحاولة، و علم أن ما يريده يتطلب موافقة مكتب المغرب العربي في القاهرة، و الذي كان أحمد بن بلة و آيت احمد و محمد خيضر مسؤولين فيه، فذهب إلى مصر لملاقاتهم. هكذا سلّحه بن بلة انتقل الشاب جودي لخضر إلى مصر سنة 1956، و تصادف تواجده هناك مع ورود أخبار عن مهاجمة المستعمر الفرنسي للمشتة التي تقيم فيها عائلته بأحد جبال منطقة الطاهير في ولاية جيجل.. هنا يتوقف «عمي لخضر» ذو الست و ثمانين عاما عن الكلام لدقائق قليلة، لتنهمر دموعه بحرقة ألما على فقدان شقيقه فرحات في بداية الستينات خلال كمين بولاية ميلة، و علي الذي استشهد في غارة الطاهير تاركا خلفه 3 أبناء، يستجمع المجاهد بوطمين قواه ليواصل الحديث و يروي للنصر كيف استطاع بوساطة شخص يُدعى "السي رشيد"، أن يوصل مطلب التحاقه بالثورة إلى بن بلة في القاهرة، و فعلا تم تجنيده و إرساله إلى مصر الجديدة، أين تدرب داخل ثكنة على استعمال السلاح لمدة شهر و نصف. "الفول السوداني كان زادنا و كنا نستحم تحت الحراسة" عملية التدريب كانت مكثفة، حيث شارك فيها طلبة جزائريون آخرون، و قد شملت على وجه الخصوص، استخدام بندقية 303 التي غنمها الجيش المصري من الحرب على الانجليز، و بعد انتهاء التدريبات في السنة ذاتها، أي في 1956، جرى لقاء مع الدكتور تيجاني هدام في حي باب الحديد في مصر، حيث أمدّ المجموعة ب 30 جواز سفر و بالأموال، من أجل التنقل إلى الإسكندرية و منه إلى ليبيا انطلاقا من برسى مطروح، يضيف المجاهد. و ذكر المجاهد بوطمين أن مهمته، رفقة الطلبة، استمرت لحوالي شهر في ليبيا على الحدود الشرقية للجزائر، و قد كانت تتمثل في نقل السلاح بالشاحنات إلى غاية منطقة بن قردان بتونس، بمرافقة من الحرس التونسي الذي كان يقوم بعمله بشكل «جيد»، و هنا يستذكر «عمي لخضر» كيف كان يتم إخفاء السلاح بين أكياس الفول السوداني، و كيف اضطر مع رفاقه، من شدة الجوع، إلى أكله دون أن يشعروا حتى بأنه لم يكن مُقشرا أو محمصا، مضيفا أنهم كانوا يلجأون إلى مدينة جربة بتونس من أجل الاستحمام و تنظيف ملابسهم داخل مزرعة قدّمها جزائري للثوار، حيث قال إن ذلك كان يتم ليلا و تحت الحراسة، قبل أن يلتقط أحد الكتب التي ألّفها من الطاولة و يرينا بعض صور المجموعة التي أظهرت شبابا يافعا ارتسمت الابتسامة على وجوههم، رغم ظروف الحرب و خطورة المهمة التي كانوا يُؤدّونها آنذاك. "تمرُد"فانضمام للثورة! و قد ظل الطلاب على هذه الحال ينقلون السلاح من الحدود الجزائرية عبر ليبيا، لكن حلم الانضمام للثورة داخل الوطن المُحتل ظلّ يراودهم، و جعلهم يقرّرون الإضراب في نهاية سنة 1956، و هو تحرّك دفع بالقيادة إلى أن تسند لهم مهمة التدريب في استعمال السلاح، لكنهم لم يقبلوا ذلك و أصروا على موقفهم، يضيف "عمي لخضر"، قبل أن يُعلق "أردنا الذهاب للجزائر و تسليحنا». و رغم ما كان لهذا الرفض من خطر على حياتهم بسبب «التمرد» على أوامر الولاية الثانية التي كانت مُمثلة، حسب محدثنا، في المجاهد «السي مجذوب»، إلا أن الطلبة ظلّوا مُضربين، لتُرسل إليهم لجنة تحقيق «عزلتهم و بحثت معهم»، قبل أن يتقرر السماح لهم بدخول الجزائر للالتحاق بالثوار، حيث قال عمي لخضر بابتسامة "فرحنا بالقرار". في نفس السنة، يضيف المجاهد، تم تعيين "السي لخضر" كضابط كاتب للقيادي رابح لوصيف الذي كان يطلق عليه الرفاق اسم «الأمة»، لأنه كان يتلفظ بها بكثرة، و قد كان رابح "الأمة" حينها أحد مسؤولي ناحية القل بالولاية التاريخية الثانية، و تمثلت وظيفة المجاهد بوطمين، في الاطلاع على الرسائل التي تصل من القسمات و كتابة تقارير عن الأحداث بالمنطقة و الاتصال بقادة الثورة الأعلى رتبة، و كذلك تسجيل الأعمال الفدائية و العسكرية بكل أنواعها، بالإضافة إلى تلخيص ما يرد من القسمات ثم تسليمه للمسؤول و أيضا كتابة رسائل يمليها عليه القائد و تتضمن توجيهات و أوامر للثوار. بين اللوح و الكوخ تٌكتب الرسائل! هذه المهام جعلت المجاهد بوطمين بمثابة "العلبة السوداء" لقادة الثورة بالولاية التاريخية الثانية التي كانت تضم قسنطينة، جيجل، سكيكدة، عنابة، قالمة و سطيف و ميلة، حيث أخبرنا أن الكتابة كانت تتم باليد و أحيانا بواسطة الآلة الراقنة، و تبدأ جميع الرسائل بعبارة "بسم الله الرحمان الرحيم»، ثم "هذا ما أسجله حسب رسائل من مختلف الأقسام الموجودة بناحيتي». عندما صار المجاهد علي كافي قائدا بالولاية الثانية، عمل معه "السي لخضر" من سنة 1958 إلى مارس 1559 في المهام نفسها، ثم مع العقيد صالح بوبنيدر أو «صوت العرب»، اللقب الذي كان يطلقه عليه الثوار، و في جميع المراحل كان العمل يسير ب "سرية تامة»، حيث أخبرنا لخضر جودي بوطمين أنه هو الوحيد الذي اطلع على مضمون الرسائل، و قال بحزم "المسؤولية كانت كبيرة جدا»، قبل أن يستطرد «العمل مع صوت العرب كان الأفضل بالنسبة لي، لأنه كان صريحا و مؤمنا بالنصر، فجاء النصر على يده فعلا .. معه بلغت الرسائل مرحلة العمل الجماهيري الإداري». قبل أن نغادر و نتركه وسط ذكرياته التي تظهر في كل شبر من المنزل من خلال الصور و الشهادات المعلقة، أخبرنا «عمي لخضر» أنه لم يعمل في مكتب مجهز كأي كاتب عادي، فقد تحدى رفقة الثوار كل المصاعب، حيث كان «مقرّه» في تاكسانة وسط الغابة و في العراء بعيدا عن أعين المستعمر، حيث كان يجلس أرضا ليخطّ على الأوراق الرسائل، مستندا على لوحة يضعها على رجليه، كما أضاف أن العملية كانت تسير بتنظيم محكم مهما كانت الأحوال الجوية و أينما كان متواجدا، ففي حال هطول الأمطار أو تساقط الثلوج بتلك المنطقة شديدة البرودة، يتم اللجوء إلى الأكواخ، و ذلك وسط حراسة مشددة يضمنها الجنود على بُعد عدة أمتار لتجنب مباغتة العدو لهم. ي.ب الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة للنصر على الجزائر التمسك باسترجاع الأرشيف لكتابة التاريخ الوطني الخلافات في الثورة أمر طبيعي ولا ينبغي تضخيمها العمل مطلوب لتكريس و تعميق أكثر لمكتسبات الثورة قال الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة، أنه على الجزائر أن تتمسك باستعادة الأرشيف من فرنسا، حتى ننطلق في كتابة تاريخنا بعد مرور 55 سنة على استرجاع الاستقلال، مؤكدا أن هذا الملف، هو من أهم الملفات التي يجب التركيز عليها خلال فترة حكم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واعتبر في حوار مع النصر، أمس، أن تاريخ 5 جويلية 1962 هو انتصار لإرادة التحرر لدى الجزائريين وكذا الوفاء لملايين من الشهداء الذين دفعتهم الجزائر طيلة مرحلة الوجود الاستعماري، و يرمز أيضا لإعادة بناء الدولة الجزائرية على أسس اجتماعية وديمقراطية وأسس تجعل من الجزائر تسترجع هويتها الكاملة مبرزا ضرورة العمل لتكريس و تعميق أكثر لمكتسبات الثورة، وقال أنه لا ينبغي أن نضخم الخلافات والأزمات التي عرفتها الثورة التحريرية. النصر: تحتفل الجزائر اليوم بذكرى عيد الاستقلال، ما هي العبر والأبعاد التي يمكن استخلاصها من هذا التاريخ المجيد ؟ عامر رخيلة : تاريخ 5 جويلية يؤكد تضحيات الشعب الجزائري والمعاناة التي عاشها طيلة 132 سنة وخروجه من الكابوس الاستعماري، 5 جويلية 1962 أعاد الجزائر إلى السكة التاريخية باسترجاعها سيادتها واندماجها من جديد في المجتمع الدولي، بعدما كانت فرنسا أنكرت على الجزائر وجودها، وباسترجاع الجزائر لاستقلالها، معناه استرجاع السيادة على الأرض و على اللغة والعقيدة وعلى وجود الجزائريين، كون فرنسا كانت قد ضيقت خلال الفترة الاستعمارية على العقيدة الإسلامية، وحاربت اللغة العربية وجردت الجزائريين من مختلف أملاكهم وأهانت الجزائري، بحيث ألغت عليه صفة الآدمية، وأخرجت الجزائر من المجموعة الدولية، فبقوة القانون الفرنسي جعلت من الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا، 1962 هو انتصار لإرادة التحرر لدى الجزائريين وكذا الوفاء لملايين من الشهداء الذين دفعتهم الجزائر طيلة مرحلة الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر، و يرمز هذا التاريخ أيضا لإعادة بناء الدولة الجزائرية على أسس اجتماعية وديمقراطية وأسس تجعل من الجزائر تسترجع هويتها الكاملة وفي نفس الوقت هو انتصار لاتجاه التحرر في العالم لأن الثورة الجزائرية كان شعاعها التحرري ليس مقتصرا على الجزائر فحسب، بل كان له انعكاس على قارتي إفريقيا وآسيا في المسار الأول، وعلى فكرة التحرر على المستوى العالمي، 5 جويلية 62 كذلك يؤكد أن الشعب الجزائري دفع تضحيات كبيرة وأنه ليس من العقل أو من المسؤولية التاريخية أن تسود الجزائر ثقافة النسيان، وعلى أبناء الجزائر اليوم أن يدركوا أن استرجاع الجزائر استقلالها كان ثمنه كبيرا، لكن في نفس الوقت يهون من أجل الحرية والاستقلال ومن أجل استعادة كرامة الجزائريين و يمثل هذا التاريخ كذلك إعادة بعث الأمة العربية، كمحيط جغرافي حضاري ثقافي تاريخي للجزائر، لأن السنوات الذهبية للجامعة العربية بالرغم من ظهورها في 1945 كانت خلال الثورة التحريرية، فالمجموعة العربية عرفت وجودها في المعادلات الدولية وفي المنظمات الإقليمية وفي القرار الدولي وهذا كله رصيد يجعلنا كجزائريين أمام مسؤوليات ليس إزاء الجزائر فقط بل إزاء العالم و أفكار التحرر والاستقلال وحقوق الإنسان، لأن الثورة الجزائرية بشكل من الأشكال هي الدفاع عن حقوق الإنسان وبالرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 تضمن مبادئ لازالت العديد من الشعوب اليوم لم تجسدها إلا أننا عندما نلاحظ مواثيق الثورة الجزائرية والدساتير الجزائرية من 1963 إلى اليوم وكذا التشريع الجزائري، نقول أن أغلبية بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كانت الجزائر سباقة للالتزام بها، والكثير من المكتسبات في المجال الاجتماعي والحقوقي والإنساني فاقت ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الانسان، هذه مناسبة اليوم للوقوف أمام الذات لنكرس و لنعمق أكثر مكتسبات الثورة الجزائرية، فالشعب الجزائري يجب أن يكون الطموح هو الذي يسيره ففي سنة 1962 كانت نسبة الأمية تبلغ 90 بالمئة في الجزائر، واليوم الحمد لله، ما لا يقل عن مليون و500 ألف طالب جامعي في الجامعات والمراكز الجامعية ولدينا ملايين التلاميذ في مختلف مراحل التربية والتعليم ومئات الآلاف من مراكز التكوين المهني والمتخصص هذه كلها مكتسبات ونقول أن الوفاء لشهداء نوفمبر والمقاومة الشعبية والحركة الوطنية يستلزم منا العمل أكثر لتعميق هذه المكتسبات . النصر : بعد مرور 55 سنة على استقلال الجزائر، لا تزال العديد من القضايا العالقة، فيما يخص العلاقات مع مستعمر الأمس، هل سنسجل تقدما في معالجة الملفات المتعلقة بالذاكرة، ومنها قضية الأرشيف خلال حكم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟ عامر رخيلة : منذ سنة 62 أدبياتنا تقول أنه من بين الأهداف التي سطرت هي كتابة تاريخ الجزائر، وصناعة التاريخ كأي صناعة تحتاج إلى المادة الأولية والمادة الأولية في صناعة التاريخ هي الوثيقة ولذلك نحن الآن وبصرف النظر عن طرح مسألة الاعتراف وإقرار الطرف الفرنسي واستنكاره للممارسات اللاإنسانية التي مارسها الاستعمار في الجزائر، فأهم ملف في تقديري هو حقنا في استرجاع الوثيقة و الأرشيف، لأن هذه الوثيقة مشتركة وأرشيف مشترك ومن حق الجزائر أن تتمسك باسترجاع هذه الوثائق، والحمد لله الآن توجد تقنيات التصوير ونقل الوثيقة، حيث بالإمكان أن تحتفظ فرنسا بما عندها وتسلمنا نسخة طبق الأصل لما هو موجود من أرشيف، هذا حق وما على فرنسا إلا أن تقر بحقنا، لأنه إذا كان هناك شيء يمكن أن نركز عليه مع الرئيس ماكرون هو مسألة الأرشيف، لأن الرئيس الفرنسي مقيد بالمعادلات السياسية الموجودة في فرنسا، فبخصوص مسألة الإقرار والاعتراف بالتعذيب الذي مورس في الجزائر، قد يجد ماكرون صعوبات مع المجتمع الفرنسي نظرا للتناقضات الموجودة في المجتمع الفرنسي وكذلك التطرف الذي لا يزال يهيمن على نسبة من هذا المجتمع ، وعليه بالنسبة إلينا الإشارات التي قدمها ماكرون لا ننتظر منها الكثير، فيما يخص الاعتراف لأنه مقيد في أي قرار بالعودة إلى المؤسسات الدستورية ، ولكن على الطرف الجزائري أن يبدي إرادة سياسية قوية في التمسك باستعادة الأرشيف، حتى ننطلق في كتابة تاريخنا بعد مرور 55 سنة على استرجاعنا لاستقلالنا، و الآن حتى بالنسبة للتشريع الفرنسي، فالوثيقة التاريخية لما تمر عليها 30 سنة بالنسبة إليهم تفتح، وللأسف الآن يوجد كيل بمكيالين لأن هذه الوثائق مفتوحة أمام المؤرخ الفرنسي، لكن أبواب الأرشيف موصدة في وجه الطرف الجزائري، لذلك يجب أن نناضل في إطار القوانين الفرنسية وعلينا أن نرافع لاسترداد هذه الوثائق. النصر : الثورة الجزائرية تبقى خالدة عبر الأزمان، ماذا بشأن كتابة تاريخها والعبر التي يستنبطها أجيال الاستقلال ؟ عامر رخيلة : طبيعة الثورة الجزائرية ثورة شعبية، ضد قوة من مكونات القوة الدولية، و من مفرزات الحرب العالمية الثانية ، أن فرنسا صارت إحدى القوى الكبرى في العالم والمتحكمة في القرار الدولي ونتيجة هذه الظروف الثورة الجزائرية عانت الكثير، وبشأن ما عرفته الثورة من أخطاء وتجاوزات، نقول أن الثورة عمل إنساني والعمل الإنساني ليس كله إيجابيات، قد تشوبه بعض السلبيات، لذلك لا ينبغي أن نضخم الخلافات والأزمات التي عرفتها الثورة فهذا شيء طبيعي، لكن وحدة تمثيل الثورة ظل موجودا في مؤسستها الوحيدة وهي جبهة التحرير الوطني ومؤسساتها الفرعية وتمكنت الثورة الجزائرية من إجهاض كل المحاولات الإخلال بوحدة التنظيم الثوري الجزائري، شيء طبيعي في مسار الثورة تكون خلافات ومشاكل، فهناك محطات تستوجب القراءة ، لكي نستفيد من إعادة قراء ة بعض المعطيات التاريخية قراءة صحيحة، بناء على ما جرى والظروف التي جرت فيها تلك الأحداث ونتائجها بالنسبة للثورة، وبالرغم من الصعوبات والمشاكل التي عرفتها الثورة، إلا أن انعكاسها وصداها وتأثيرها على الثورة لم يكن بالشكل الذي يقدمه بعض الدارسين والمؤرخين. النصر : كيف يمكننا اليوم أن نستغل الرصيد الكبير للثورة لتحسين الأوضاع وبعث التنمية في كل المجالات؟ عامر رخيلة : علينا بالوفاء لشهداء ثورة نوفمبر، والوفاء لا يكون إلا بتعميق روح نوفمبر في الممارسات السياسية والثقافية و الفكرية، فثورة نوفمبر تبقى دائما نبراسا ولذلك تعميقها والاستفادة منها لن يتم، إلا بالتقيد بروح نوفمبر، والتي هي الروح التحررية، فليكن عندنا اليوم إجماع وطني حول مبادئ ومفاهيم حول الوحدة الوطنية واللغة والعقيدة ومكونات المجتمع، وفي إطار هذا الاتفاق يجوز أن تكون هناك وجهات نظر متباينة والقراءات المختلفة، ولن يمس ذلك بالمكاسب المنجزة . مراد - ح أستاذ مادة التاريخ فراوس خليل فرنسا ستربط الاعتراف بجرائمها بمصالحة تجنبها التعويض أكد أمس أستاذ مادة التاريخ خليل فراوس، أن عدد الجزائريين الذين أبادتهم فرنسا منذ احتلالها الجزائر سنة 1830 و إلى غاية استرجاع الاستقلال في 5 جويلية 1962 بلغ 10 ملايين شهيد، مستبعدا أن تعترف فرنسا يوما بجرائمها التي ارتكبتها ضد الجزائريين، و قال أن اعتراف فرنسا بجرائمها معناه دفع تعويضات للضحايا و ستكون الفاتورة المالية غالية جدا. و أوضح الأستاذ فراوس للنصر على هامش محاضرة ألقاها بدار الثقافة مولود معمري بتيزي وزو بمناسبة عيد الاستقلال 5 جويلية 1962 أن فرنسا أثناء فترة احتلالها للجزائر اعتمدت مخططا على الطريقة الأمريكية لإبادة الشعب الجزائري بأكمله، فكما أباد الأمريكيون الهنود الحمر فرنسا كانت تريد أن تبيد الجزائريين معتمدة في ذلك على كل أساليب التقتيل و التنكيل، و قال المتحدث «لا أتصور أن فرنسا ستعترف يوما ما بجرائمها التي ارتكبتها في حق الجزائريين» مضيفا أنها إذا اعترفت سيكون ذلك بشرط أن تطلب المصالحة مع الجزائر حتى لا تدفع التعويضات للضحايا المقدر عددهم بنحو 10 ملايين شهيد الذين قضت عليهم خلال مسلسل الجرائم المرتكبة و المجازر التي لا تعد و لا تحصى ابتداء من سنة 1830 إلى غاية 1962، مؤكدا أن جرائم فرنسا لم تبدأ في الفاتح نوفمبر 1954 بل هي سلسلة متواصلة من المجازر التي ذكرت عبر التاريخ، آخرها مجازر 8 ماي 1945 إضافة إلى الجرائم ضد الإنسانية منذ احتلالها للجزائر سنة 1830 فكان ثمنها قوافل من الشهداء . المتحدث كشف من جهة أخرى، أن هناك محاولات كثيرة لتقسيم الجزائر و منها محاولة المعمرين لإنشاء كيان سياسي في الغرب الجزائري و الهجرة إليه لإعلان الانفصال في سنة 1962، لكن الثورة كما أضاف أفشلت هدا المشروع عندما عقدت لقاء وطنيا في منطقة زمورة بالولاية التاريخية الثالثة تحت قيادة عمر اولحاج، أفشل هذا المخطط، و قد انبثق عن هذا اللقاء لجنة التنسيق للوحدة الترابية و الوطنية و اختار أعضاؤها تاريخ 5 جويلية 1962 كتاريخ لاستقلال الجزائر، حيث اتفقوا أن يذهبوا إلى سيدي فرج يوم 5 جويلية و رفعوا العلم الجزائري في احتفال شعبي كبير لمسح تاريخ 5 جويلية 1830 .