عاشت ولاية الطارف ، خلال الأسبوع الأخير"الجحيم" بفعل إندلاع سلسلة من الحرائق المهولة التي مست مختلف البلديات متسببة في خسائر فادحة بالثروة الغابية ، حيث أتت النيران على الأخضر واليابس و أدت إلى تفحم غابات بأكملها بعدة بلديات ، فضلا عن تضرر بعض الفلاحين والسكان أتلفت محاصيلهم الزراعية و أشجار مثمرة ، زيادة على هلاك عشرات رؤوس الماشية بعد أن حاصرتها الحرائق وسط الأدغال الغابية . وقد كادت النيران المشتعلة أن تحدث كارثة بعد أن حاصرت ألسنة اللهب بعض التجمعات الريفية ووصل زحفها إلى السكان المجاورين للمناطق الغابية ومشارف الحزام الحضري لبعض المدن، ما دفع بعائلات إلى الفرار نحو أماكن آمنة، قبل أن تتدخل الفرق المختصة التي تمكنت رفقة أفراد من الجيش الشعبي بعد جهود كبيرة من السيطرة على هذه النيران وتجنب وقوع ما لا يحمد عقباه . حمام بني صالح ..بداية الشرارة الأولى للحرائق وقد اندلعت أولى شرارة في موجة الحرائق من جبال بلدية حمام بني صالح التي عرفت نشوب حرائق مهولة متتالية ما صعب في عملية تطويقها ،و ما زاد الوضع تأزما إرتفاع درجة الحرارة غير العادية وصعوبة المسالك التي كانت عائقا كبيرا أمام فرق الإطفاء للحماية المدنية وأعوان الغابات للوصول إلى المواقد المشتعلة لإخمادها ومنع الخطر على السكان بالجوار ، خاصة وأن جبل بني صالح الذي يمتد إلى حدود ولايتي قالمة وسوق أهراس تحيط به عدة تجمعات ريفية تمتهن الفلاحة والرعي ، كما أن الجبل معروف بغطائه النباتي الكثيف وغاباته الباسقة وحيواناته البرية والمتوحشة ومنها الأيل البري،حتى أن المستعمر الفرنسي كان يجد صعوبة كبيرة إبان الثورة التحريرية في التوغل إلى هذه المنطقة . وقد تواصل زحف الحرائق من بلدية حمام بني صالح إلى المناطق المجاورة لها بكل من بلديات وادي الزيتون ، بوحجار ، عين الكرمة والعصفور التي أتت الحرائق بها على مساحات معتبرة من الغابات خاصة غابات الفلين والكاليتوس المنتشرة بالجهة ،إضافة إلى إتلاف بعض المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة وخلايا نحل ، كما تم العثور بالمناطق المحروقة على جثث لحيوانات برية هالكة كالأرانب البرية ، الأيل البربري، الذئاب وكذا نفوق عدد من رؤوس الماشية والدواجن التي أتت عليها النيران خاصة بكل من حمام بني صالح ، عين الكرمة ،وبوحجار ، قبل أن تطال ألسنة اللهب في ظرف وجيز أغلب البلديات دون إستثناء خصوصا ببلديات بوقوس ، العيون والزيتونة مخلفة وراءها أضرارا مادية دون وقوع خسائر بشرية ، في وقت جندت فيه المصالح المعنية كافة إمكانياتها وتدخلت قطاعات أخرى إلى جانب البلديات لتقديم الدعم لتطويق وإخماد النيران المشتعلة مع تشكيل خلية أزمة لمتابعة الوضعية . فرار جماعي لسكان وخنادق لمنع النيران أدى أتساع رقعة الحرائق وزحفها بسرعة نحو التجمعات السكانية القريبة من المناطق الغابية خاصة بكل من بلديات العيون ، بوقوس ، الزيتونة ، رمل السوق والمطروحة بالطارف إلى فرار جماعي للعائلات رفقة ذويهم و أرزاقهم نحو أقاربهم وجيرانهم بالقرى المجاورة ،خاصة بعد أن وصلت خطوط النار على بضعة أمتار من بعض القرى الريفية خصوصا بالبلديات الحدودية الأكثر تضررا من موجة الحرائق ،غير أن سرعة التدخل لإخماد هذه الحرائق حال دون وصول الخطر للسكان وممتلكاتهم . وقال بعض السكان أنهم عاشوا كابوسا أسود جراء الحرائق المهولة التي نشبت في كل جهة متسببة في حالة من الرعب والذعر، لاسيما بعد نفوق بعض الرؤوس من المواشي ، وهو ما دفع بعض السكان إلى إنجاز ما يشبه خنادق لصد زحف الحرائق عن مناطقهم ،فيما انضم آخرون إلى فرق التدخل لمساعدتهم على تطويق ألسنة النيران وتسهيل عبور المركبات بالمحاور التي حاصرتها الحرائق على الجانبين، وهذا في هبة تضامنية أكدت مدى تلاحم وتآزر المواطنين في مثل هذه الظروف . و قام آخرون بتوزيع المياه و الوجبات على فرق التدخل التي بذلت جهودا كبيرة على مدار الساعة وسط ظروف مناخية قاسية للتصدي للحرائق ، من جهة أخرى سارع بعض السكان إلى وضع أرزاقهم في إسطبلات والغلق عليها تجنبا لتعرضها لمكروه مع مراقبتهم الوضع عن قرب. من جهة أخرى تدخلت فرق الإطفاء لإجلاء عشرات العائلات نحو أماكن آمنة بعد أن حاصرت الحرائق عدة تجمعات آهلة بالسكان بكل من بلديات العيون ، بوقوس ، رمل السوق ، الزيتونة ، الطارف ، القالة ، العصفور وعين العسل، وهو ما جنب وقوع الكارثة ، في حين قام بعض سكان المناطق الغابية بضمان الحراسة بالتناوب لحماية ذويهم وأرزاقهم من أخطار الحرائق المفاجئة ، وأمام هذه الوضعية عمدت السلطات إلى وضع مراكز متقدمة مشكلة من الحماية المدنية والغابات مع تشديد الرقابة على النقاط السوداء التي تبقى عرضة للحرائق . تفحم أشجار نادرة وهلاك حيوانات بحظيرة القالة وقد تعرضت الحظيرة الوطنية للقالة التي تحوي على نظم بيئية معقدة متكاملة و مكونات طبيعية وبيولوجية وحيوانية ونباتية متنوعة نادرة، إلى أضرار بليغة بعد أن أتت الحرائق على مساحات معتبرة من الغطاء النباتي لاسيما أصناف الغابات النادرة على المستوى الوطني والإقليمي وحتى العالمي، بعضها يعود وجوده إلى أزيد من 150سنة بعد أن تم جلبها من أمريكا الشمالية ، وقد طالت النيران المناطق الطبيعية للبلديات المتواجدة داخل الحيز الجغرافي للحظيرة المتربعة على مساحة 80ألف هكتار، خصوصا بكل من بوقوس ، عين العسل ، أم الطبول ، القالة ، رمل السوق ، بالريحان ، العيون ، علاوة على ذلك سجل هلاك أصناف نادرة من الثدييات والحيوانات المهددة بالانقراض مثل، كلب الماء ، قنافد المياه ، الأيل البربري ، الضربان ،كما دمرت الحرائق مساحات من أشجار الزيتون البري الذي يفوق تواجد بعض منها 5قرون ، فضلا عن هلاك أصناف من الطيور القارة المحمية كطائر السمان و الحجل. بالإضافة إلى أصناف الطيور المائية الأخرى التي تعشعش بمركب المناطق الرطبة بفعل الحرائق و إٍرتفاع درجة الحرارة و العطش ، كذلك الحال بالنسبة لبعض الحيوانات المحمية و النادرة على غرار الأيل البري الذي عثر على بعض ذكورها متفحمة داخل الأدغال والتي يفوق سنها 15سنة ، و للحد من الأضرار التي قد تلحق مساحات أخرى من حظيرة القالة عمدت السلطات المحلية إلى تشكيل فرق متنقلة تعمل 24على 24ساعة مع تشديد الحراسة على المناطق الغابية المعروفة بالحرائق المحاذية للحظيرة من أجل التدخل عند أي طارئ . وقد ألحقت النيران خسائر فادحة بالثروة الغابية التي تحولت إلى رماد في لمح البصر حيث أتلفت آلاف الهكتارات من غابات الفلين والكاليتوس ذات القيمة الإقتصادية، وهو ما وصفته المصالح المعنية «بالكارثة « لصعوبة تجدد هذه الثروة على الأقل قبل 15سنة خاصة بكل من بلديات الزيتونة ، رمل السوق ، بوقوس والعيون، وهي أكثر البلديات تضررا. وقد سمع دوي إنفجارات للألغام المضادة للأفراد والجماعات بكل من بلديتي الزيتونة و بوحجار تم زرعها من قبل المستعمر على طول خط شال بالمناطق الغابية الحدودية الشرقية ، وهو ما حال دون تقدم أعوان الإطفاء خوفا من تعرضهم لمكروه ،قبل أن يتم استدراك الوضع بتدعم فرق الإنقاذ بوسائل مادية وبشرية مكنت من إجتياح مواقع اللهب وتطويق ألسنتها، وسجل تدخل وحدات من الجيش بعدة مواقع مشتعلة لإخماد الحرائق ومد يد المساعدة لفرق الإنقاذ وإجلاء العائلات التي حاصرتها النيران بما جنب وقوع الخسائر وهو ما لقي إستحسان المواطنين ... مروحيات تحلق في سماء الولاية لأول مرة وتؤكد مصالح الغابات أن ولاية الطارف تعد من أكبر الولايات المتضررة من موجة الحرائق التي عرفتها ، مشيرة أن أغلب هذه الحرائق إجرامية و عمدية، حيث تبقى أصابع الاتهام موجهة لسكان المناطق الغابية بالجوار بالوقوف وراء هذه الجرائم من منطلق تهيئة الفضاءات الغابية كمناطق للرعي والبناء وممارسة أنشطة فلاحية غير شرعية ، كما تبقى بدورها عصابات ومافيا الخشب والفحم متورطة في الجرائم التي طالت الثروة الغابية . و توصلت التحقيقات إلى توقيف 3أشخاص مشتبه فيهم يوجدون حاليا رهن الإعتقال للتحقيق معهم قبل عرضهم على العدالة ، وقالت ذات المصالح أن ما صعب من عملية إخماد الحرائق اندلاعها في نفس الوقت بعدة مواقع، و هي دلالة واضحة على وقوف العنصر البشري وراء هذه الحرائق التي مست 17بلدية من أصل 24بلدية ، في وقت وجدت فرق التدخل صعوبات كبيرة في السيطرة على البؤر بفعل ارتفاع درجة الحرارة غير العادية المصحوبة بالرياح الساخنة وصعوبة بعض المسالك وبعد نقاط المياه . وهو أشكال يطرح خصوصا عبر مناطق الشريط الحدودي بكل من بوقوس ، العيون ، رمل السوق والزيتونة ، ما دفع إلى الإستنجاد بمروحيات تابعة للمديرية العامة للحماية المدنية التي قامت بعدة طلعات، مكنت من التحكم في النيران وإخمادها خصوصا ببلدية بوقوس التي تضررت غاباتها بدرجة كبيرة ، وهو ما دفع وزير الداخلية إلى النزول للولاية نهاية الأسبوع للوقوف على الوضعية. مصالح الحماية المدنية إخماد كل البؤر و اختناقات وإغماءات في أوساط الأعوان وأوضح مصدر مسؤول بمديرية الحماية المدنية لولاية الطارف أن الوضع تحت السيطرة بعدما تمكنت فرق التدخل من إخماد جميع الحرائق المنتشرة عبر تراب الولاية ، مبرزا الجهود الجبارة التي بذلها أعوان الإطفاء من الغابات والحماية المدنية في التصدي للحرائق ومحاصرتها خاصة بالنقاط السوداء التي عرفت نشوب حرائق كبرى كالعيون ، بوقوس ، رمل السوق ، الزيتونة والطارف وصولا لعين العسل ،أين واجهت فرق التدخل صعوبات في تطويق ألسنة النيران وهذا على مدار الساعة وسط ظروف مناخية غير عادية وإرتفاع درجة الحرارة التي ساعدت على إنتشار النيران و إتساع رقعة المساحة المتلفة ، وسجل المتحدث الحس المدنى الذي بات يتمتع به بعض المواطنين من خلال انخراطهم في حملة مكافحة الحرائق ومد يد المساعدة لفرق التدخل ، وأشار المسؤول عدم تسجيل أي خسائر في الأرواح ، عدا بعض الأضرار المادية، حيث أتت الحرائق على بعض الإسطبلات بالقرى الحدودية الجبلية وإتلاف أشجار مثمرة وصناديق خلايا النحل ونفوق بعض رؤوس المواشي بعد أن حاصرتها النيران داخل الأدغال الغابية ، وسجل المصدر إصابة بعض الأعوان خلال عملية إخماد الحرائق بحالات إغماء و اختناق جراء الدخان الكثيف المنبعث من المناطق المحروقة ، علاوة على ذلك تدعمت الولاية بوصول وسائل مادية وبشرية خصوصا الأرتال المتحركة للحماية المدنية من الولايات المجاورة لدعم جهود فرق الإنقاذ. وقد بدأت الحياة تعود تدريجيا للمناطق الريفية الجبلية التي كانت مسرحا للحرائق المهولة ، خاصة المناطق الحدودية التي عاشت أيام سوداء بعد أن حاصرتها النيران من كل جهة ، في وقت باشرت فيه المصالح المعنية تقييم الخسائر والأضرار في الميدان تحسبا لتعويض العائلات المعنية . وتشير مصالح الغابات في إحصائية أولية نشوب أزيد من 150حريقا أتت على أزيد من ألف هكتار، منها 400هكتار أتلفت ببلدية بوقوس الحدودية لوحدها ، فيما تأتي في المرتبة الثانية بلدية العيون بأكثر من 200هكتار والباقي موزع عبر البلديات الأخرى ،أغلب هذه الحرائق عرفتها البلديات الثمانية المتاخمة للشريط الحدودي التونسي ، وأعلنت مصالح الغابات عن تكثيف الدوريات للحفاظ على الثروة الغابية والتبليغ الآني عن الحرائق مع تسطير برنامج لإعادة تشجير المساحات المتضررة حيث تشمل المرحلة الأولى إعادة تشجير أزيد من 5آلاف هكتار، وتبقى المصالح المعنية تشتكي من نقص الوسائل المادية لمكافحة الحرائق قياسا بشساعة الغطاء الغابي المتربع على مساحة 168الف هكتار وهو ما يمثل نسبة 63بالمائة من مجموع مساحة الولاية .