فضاءات التسلية بالمراكز التجارية تعوض غياب مرافق ترفيهية بقسنطينة تتحول المراكز التجارية المتواجدة على مستوى ولاية قسنطينة أيام العطل إلى قبلة للعائلات و فضاءات للتنزه و التسلية و تمضية الوقت، حيث تعوض منصات الترفيه و الألعاب الموجودة على مستوى هذه المجمعات، النشاط التجاري و تحظى بجل اهتمام الزبائن، كونها باتت بديلا ترفيهيا مناسبا للعائلات و متنفسا وحيدا للأطفال، في ظل غياب مرافق التسلية بالولاية التي تعجز إلى الآن على إعادة بعث مشروع حديقة التسلية بجبل الوحش و الرقي بحظيرة المريج إلى المستوى المطلوب. ملاذ العائلات المحرومة من عطلة الصيف خلال تواجدنا في أحد المجمعات التجارية الكبرى بعلي منجلي أجمع جل من تحدثنا إليهم من مواطنين على أنهم يقصدون مراكز التسوق للترفيه فقط، كون هذه الفضاءات باتت متنفسهم الوحيد في ظل غياب أماكن حقيقية للتنزه، فالمدينة حسبهم تفتقر لفضاءات الراحة كما أنها لا تتوفر حتى على مسابح جوارية أو مساحات خضراء مهيأة أو ساحات لعب و حظائر تسلية يمكن للموطنين قصدها خلال العطل أو في نهايات الأسبوع و حتى بعد نهاية دوامهم في العمل، لتغيير الجو و الاستمتاع بأمسيات عائلية مريحة أين تتوفر خدمات متنوعة بأسعار مقبولة، ما يضطرهم بالمقابل لاختيار التوجه للمرافق الوحيدة الموجودة ألا وهي المراكز التجارية رغم ضوضائها و ضيقها و غياب حظائر الركن بالقرب منها. في المركز التجاري "رتاج مول"، التقينا بسيدة في عقدها الرابع كانت رفقة شقيقتها و أبنائها، قالت بأنها قدمت بغرض التنزه و تسلية الأطفال و ليس بغرض التسوق، مشيرة إلى أنها وصلت باكرا وقد فضلت البقاء في طابق الألبسة لتوفره على كرسي للتدليك يساعدها على الاسترخاء و تمضية الوقت إلى غاية فتح مساحة الألعاب المخصصة للأطفال، خصوصا وأن هذه المساحة لا تتوفر على كراسي يمكنها أن ترتاح عليها لاحقا، مع ذلك يبقى المجمع التجاري حسبها، المكان العائلي الوحيد الذي يمكنها أن تقصده هي و عائلتها للاستمتاع بيومهم نظرا لعدم توفر البدائل السياحية و الترفيهية في قسنطينة، و غياب زوجها عن المنزل لانشغاله بمهمة عمل حرمتها و أطفالها من الاصطياف في مدينة ساحلية. في المقابل قالت صبرينة وهي أم لثلاثة أولاد، بأنها تقصد المركز التجاري بصفة دورية رفقة أولادها و زوجها، نظرا للنقص الفادح في فضاءات التنزه و التسلية ما يحتم عليهم حسبها، قضاء وقت فراغهم في المجمع و تحديدا في الفضاء المخصص للألعاب و الذي يفتح أبوابه للأطفال و عائلاتهم إلى ما بعد التاسعة ليلا و بأسعار معقولة تنطلق بداية من 100 دينار وتختلف حسب نوع اللعبة معقبة بالقول، بأن المكان لا يمكن أن يصنف كفضاء للراحة لأنه لا يتوفر على قسم مخصص للأولياء قد يكون مجهزا بكراسي للجلوس أو غير ذلك، كما أن الاكتظاظ شديد و الضوضاء عالية وهو ما يجعلها تعود إلى منزلها منهكة نفسيا و جسديا وعزاؤها الوحيد هو متعة أبنائها . محدثتنا قالت بأن سكان مدينة قسنطينة بحاجة ماسة لمساحات خضراء و حظائر تسلية حقيقية، تساعد المواطنين محدودي الدخل على قضاء عطل مقبولة، وتجنبهم مشقة التنقل إلى ولايات مجاورة كباتنة أو سطيف للترويح عن أنفسهم و التخلص من ضغوطات العمل و الحياة. من جهته أخبرنا عبد الله وهو أب لطفلين، بأنه متعود على اصطحابهما من حين لأخر إلى فضاء اللعب بالمركز التجاري "لاكوبول"، حيث يجد في المكان بديلا مقبولا للتسلية عوضا عن تركهما في الشارع، خصوصا وأن الفضاء يكون متوفرا بعد الساعة السادسة مساء وهو ما يتناسب مع نظام دوامه و يسمح له بمنحهما فرصة للتسلية و قضاء وقت ممتع، لكنه لا يغفل أبدا عن مراقبتهما و فهم مضامين الألعاب قبل السماح لهما باستخدامها، فالمركز حسبه، يوفر أنواعا عديدة من الألعاب الإلكترونية منها لعبة السيارات و الحصان و الحوت، كما أن هنالك ألعابا عنيفة يحمل فيها الطفل سلاحا أكبر منه وهي وسائل تسلية يفترض أنها موجهة للكبار، مع ذلك فإن هنالك عددا من الأولياء لا يكترثون لنوعية اللعبة التي يتسلى بها أبناؤهم و يلتزمون بالجلوس في فضاء شرب القهوة بسبب التعب و غياب بدائل أخرى. محدثنا قال بأن المشكل لا يكمن فقط في نوعية بعض الألعاب، بل يشمل أيضا ضيق المساحة و الازدحام الذي يعد هاجسا يؤرق الأولياء كما يزعج الأبناء الذين لا يجدون راحتهم في اللعب، هذا إضافة إلى انعدام ثقافة التسلية و احترام الآخر لدى بعض الأولياء ممن لا يلتزمون بوقت محدد و لا يفكرون بتاتا في أنهم مطالبون بإخلاء الفضاء لغيرهم. أما بخصوص الأسعار فقد اعتبرها المتحدث مرتفعة مقارنة بنوعية الخدمات إذ يدفع 50 دينارا مقابل مدة لعب تتراوح بين ثلاث و خمس دقائق ما يكلفه 1000 دينار في أقل من ساعة وهو مبلغ كبير بالنسبة لرب عائلة قد يزيد عدد أبنائه عن الثلاثة. الازدحام و الخلافات بين الأولياء يطبعان فضاءات الألعاب الاعتقاد بأن هذه الفضاءات توفر جوا من المتعة و الراحة لزوارها، هي مغالطة كبيرة، فالأولياء ممن سألناهم عن مستوى الخدمات فيها، أكدوا بأنهم غير مرتاحين بل و مجبرين على قضاء وقتهم هناك تلبية لرغبة أبنائهم ، فضلا عن كونهم لا يملكون حلولا بديلة في ظل الانعدام التام لمرافق الترفيه و التسلية بقسنطينة، كما أن ظروف بعضهم المادية أو المهنية لا تسمح لهم بقضاء عطلهم في ولايات ساحلية، و بالتالي فإن فضاءات اللعب في المراكز التجارية هي الحل الوسط و الأنسب، رغم أنها غير مجهزة بشكل مريح و لا تتوفر حتى على مقاعد للراحة، إذ يضطر المرافقون للوقوف طيلة مدة لعب أبنائهم ما يعقد معاناتهم التي تبدأ عادة بعد وصولهم إلى المجمع مباشرة بسبب الازدحام عند مدخله و غياب ثقافة احترام الآخر و افتقار هذه الفضاءات "الكبرى" إلى حظائر لركن السيارات. أضف إلى ذلك فإن الجو العام مشحون دائما و تغلب عليه الشجارات بين الأولياء بسبب الأبناء، خصوصا وأن الألعاب لا تحتكم لتوقيت زمني محدد وهناك من يشغلون فضاءات كاملة لساعات دون السماح لغيرهم باستغلالها، ما يفجر صراعا بين الأولياء ينتهي عادة بمغادرة المكان تحت صراخ الأبناء و بكائهم. فضاءات عوضت ركود نشاط البيع و أنقذت مجمعات ضخمة من الغلق خلال جولة قادتنا لعدد من المراكز التجارية بقسنطينة، لاحظنا تراجعا في نشاط البيع و الشراء رغم التواجد المكثف للعائلات، فالحركية تقتصر على بعض محلات بذلات السباحة و مستلزمات البحر، فضلا عن محلات فساتين الأفراح التي تعرف إقبالا بفضل تزامن الصيف مع موسم الأعراس و المناسبات، وقد علمنا من أصحاب المحلات، بأن التجارة تعرف ركودا منذ عيد الفطر و أغلبية الأشخاص الذين يقصدون المجمعات يكتفون بمشاهدة ما تعرضه الواجهات، وهو ما جعل المستثمرين وأصحاب هذه المجمعات التجارية يلجأون إلى تخصيص مساحات إضافية لفضاءات اللعب و التسلية التي يمكن القول بأنها أنقذت مشاريعهم من الفشل نظرا لتراجع نشاط البيع و اضطرار بعض تجار الملابس للغلق. وحسب صاحب محل لبيع فساتين النساء بالمركز التجاري "رتاج مول"، فإن النشاط التجاري تراجع منذ منتصف شهر جويلية، و أغلب زوار محله يكتفون بمشاهدة السلع المعروضة، موضحا بأنه و عند الاستفسار منهن عن الموديل الذي يبحثن عنه، يجبنه بالقول بأنهن لسن بصدد الاقتناء و إنما التجول فقط، كما أضاف بأن حركية النشاط التجاري تكون فقط في المناسبات، أما الركود فهو عنوان الأيام العادية، مضيفا بأن سعر كراء محل في المركز التجاري باهظ جدا و يفوق 25 ألف دج في الشهر، أي أن تكلفة كراء المحل لمدة سنة تعادل 300مليون سنتيم،. تجار آخرون قالوا بأن نشاط البيع و الشراء في المجمعات التجارية خلال هذه الأيام، ينحصر أساسا في فضاءات الأكل السريع و التسلية، وهو ما لمسناه فعليا خلال جولتنا، فالعائلات تشكل النسبة الأكبر من زوار هذه المراكز، و غالبية المتواجدين فيها يتمركزون في الطوابق العلوية المخصصة للأكل و المجهزة بألعاب فيديو عملاقة كثيرا ما يتشاركها الأولياء و أبناؤهم.