المكتبات الجزائرية تشهد حركة عصرنة جزئية و العائق هو نقص الإمكانيات اعتبر الأستاذ محمد بوقاسم المتخصص في علم المكتبات و الأرشيف و أمين محفوظات بوزارة الاتصال، أن المكتبات في الجزائر بجميع أنواعها، عرفت حركية في السنوات الأخيرة في ظل عملية الرقمنة و العصرنة التي شهدتها مؤخرا، لكنها، كما أكد، تعاني من بعض المشاكل و النقائص، من بينها قلة الإمكانيات، خصوصا في أقسام علم المكتبات بالجامعات الجزائرية، و يسود الاهتمام بالجانب النظري على حساب الجانب التطبيقي الميداني، و شدد الأستاذ بوقاسم الذي يحضر دكتوراه في التخصص ، على ضرورة تكييف التطور التكنولوجي مع المكتبي، و أن يكون المكلف بالأرشيف، شخصا مطلعا و ليس مجرد موظف يؤدي مهامه. حاوره: زين العابدين فوغالي . النصر: بصفتك مهني و أكاديمي في مجال المكتبات و التوثيق، كيف تشخص واقع المكتبات في الجزائر ؟ محمد بوقاسم: بتسليط الضوء على المكتبات في الجزائر على اختلاف أنواعها، سواء العامة أو المتخصصة أو الجامعية، نجد أنها عرفت في السنوات الأخيرة نوعا من الحركية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نلاحظ أن المكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية، أصبحت بمثابة القلب النابض لكل ولاية، من خلال توفير مختلف الخدمات المكتبية و مصادر المعلومات والأنشطة الترفيهية والتثقيفية، و كذا تنظيم ملتقيات علمية في مختلف المجالات، وهو ما أعطى دفعا لجهود المكتبة في نشر العلم و المعرفة. ونفس الشيء بالنسبة للجانب الأكاديمي، من حيث تكوين المختصين في المجال عن طريق إدراج تخصص علم المكتبات والتوثيق في العديد من الجامعات، بعدما كان حكرا على جامعات الجزائر و وهران و قسنطينة أو عن طريق شروع مختلف الهيئات الإدارية و المؤسسات الاقتصادية في توظيف مكتبيين و مختصين في الأرشيف على مستوى مصالحها، وهو ما يدل على اهتمام هذه المؤسسات بالمكتبات و مراكز الأرشيف و التوثيق. . هل ترى أن المكتبات العمومية في الجزائر تسير بطريقة تقليدية ؟ حقيقة هناك العديد من النقائص التي تعاني منها المكتبات على اختلاف أنواعها، لكننا لاحظنا في السنوات الأخيرة من خلال الملتقيات التي شاركنا فيها مع العديد من أهل الاختصاص، الذين عرضوا تجارب عدة مكتبات على المستوى الدولي، أن هناك نوع من التحسن في الخدمات، فعلى سبيل المثال، في الملتقى الذي شاركنا فيه بتاريخ 09 و 10 ديسمبر الجاري و هو من تنظيم المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية تيارت، لاحظنا أنها تتوفر على العديد من التكنولوجيات الحديثة، مثل النظام الآلي لتسيير المكتبة، و الربط بشبكة الإنترنت، إضافة إلى نشاطها الكبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذن هناك نوع من الحركية في المكتبات، ستساهم بطبيعة الحال في تحسين خدماتها. . ما هي الحلول التي ترونها مناسبة لعصرنة المكتبات؟ العصرنة أو مصطلح الرقمنة في علم المكتبات، هي عبارة عن مشروع يجب أن تتوفر فيه كل العناصر التي يمكن أن تساهم في نجاحه، انطلاقا من المبنى و التجهيزات، إضافة إلى الإطار البشري المؤهل، وصولا إلى الإرادة لدى القائمين على هذه المؤسسات، و نرى العديد من النماذج الناجحة في هذا الصدد، كبعض المكتبات الجامعية، خاصة المكتبات التابعة لمراكز البحث، مثل مكتبة مركز البحث في الإعلام العلمي والتقني التي ينبغي الإقتداء بها، فهي ضمن المشاريع الناجحة. الرقمنة تحمي المكتبة من السرقة و التلف . هل ترى أن الرقمنة تحمي المكتبة من السرقات و التلف، أم أنها تضيع العلاقة التقليدية بين القارئ والكتاب؟ عندما نتحدث عن الرقمنة، فإننا نتحدث عن حقوق المؤلف أو الملكية الفكرية، فالمكتبات إذا أرادت رقمنة رصيد وثائقي معين من كتب ودوريات وغيرها، يجب أن تمتلك رخصة الرقمنة، سواء من خلال المؤلف أو من خلال حقوق الملكية الفكرية بعد مرور مدة زمنية معينة، وإذا توفرت الشروط و اعتمدت المكتبة على الرقمنة، فهي بذلك تحمي رصيدها المعرفي والفكري، ونجد في هذا السياق، كمثال مصلحة المخطوطات بالمكتبة الوطنية الجزائرية والتي قامت برقمنة رصيد كبير من المخطوطات من أجل إتاحتها للمستعملين من باحثين وأساتذة. و في نفس الوقت المحافظة على النسخ الأصلية من السرقة أو الإتلاف، أما بالنسبة للعلاقة التقليدية بين القارئ والكتاب، فهي علاقة حب أزلية لا تنتهي ولا تندثر، رغم التطورات التكنولوجية والمعطيات الجديدة ، إذ أن الجلوس على الأريكة في منتصف الليل، مع كوب من الشاي وضوء خافت، رفقة رواية، له طعم خاص، لا يمكن الاستغناء عنه، حتى و لو أصبح البعض يبحث عن أي كتاب يريده بمجرد كبسة زر. طلبة علم المكتبات يعانون التهميش في مسابقات التوظيف . ما رأيك في الكادر البشري العامل بالمكتبات، وهل التوظيف يتم على أساس التخصص؟ بالنسبة للموارد البشرية في المكتبات بصفة عامة، فهي تنقسم إلى قسمين، القسم الإداري و القسم الفني التقني، في ما يتعلق بهذا الجانب، فإن المكتبات الجامعية و المكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية، تراعي التنويع في التخصصات في حال التوظيف ، إذ تقوم بتوظيف مختصين في علم المكتبات، دون إهمال المجالات الأخرى، مثل المنشطين الثقافيين والمتصرفين والمختصين في الإعلام الآلي وغيرهم، أما المكتبات المدرسية، فنلاحظ أنها لا توظف مختصين في علم المكتبات، و إنما تكتفي بأصحاب عقود ما قبل التشغيل في مختلف المجالات كالعلوم الإدارية والقانونية وعلوم الإعلام والاتصال، ولا تولي أهمية للمختصين في علم المكتبات. و لو قامت بتوظيف أصحاب الاختصاص، فقد يساهم ذلك في الحد من الاحتجاجات التي تشهدها أقسام علم المكتبات وعلوم التوثيق عبر جامعات الوطن، و على رأس المطالب إدراج التخصص في مسابقات التوظيف، إما في قطاع التعليم بأطواره الثلاثة، أو التوظيف في المكتبات المدرسية، نظرا للتهميش الذي يعاني منه أهل الاختصاص. . كيف يمكن أن يتكيف المكتبي التقليدي مع التطور التكنولوجي في مجال رقمنة الأرشيف و المكتبات ؟ الأرشيف يرتبط بالأساس بنشاطات الإدارات العمومية في الإطار الرسمي، ويطبق عليه ما يعرف بالتسيير الإلكتروني للوثائق، أما المكتبات، فهي مؤسسات تهتم بالإنتاج الفكري العلمي الأدبي، ويمكن أيضا أن نطبق عليه ما يعرف بمشاريع الرقمنة، أي رقمنة الأرصدة، وهو موضوع كبير في حد ذاته، لا يمكننا الخوض فيه في هذا السياق، إذن انطلاقا من هاتين الفكرتين، يمكننا القول أن تكييف أو التأقلم بين المكتبي أو الأرشيفي، على حد سواء، يشترط توفير تكوين قاعدي أكاديمي، يواكب حقيقة التطورات الحاصلة في المجال، مثلا من خلال زيادة الحجم الساعي للوحدات المدرسة في المناهج و المتعلقة بالبيئة الرقمية وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، إضافة إلى ضرورة إخضاع المكتبي والأرشيفي إلى تكوين مستمر أو رسكلة، من أجل تحديث المعارف والمهارات حتى يواكب التطورات الحاصلة. . هل ترى أن المكتبي شخص مطلع أم هو مجرد موظف يقوم بمهامه؟ أساس نجاح المكتبة هو المكتبي، فإذا كان شخصا مثقفا و واعيا، لديه من المعارف والمهارات ما يكفي لأن يلعب دور المدرس والموجه و المؤطر، فإن المكتبة ستحقق أهدافها بنجاح دون شك، و هذا ما يفرض على المكتبي أن يكون دائم المطالعة و البحث في مجاله و في المجالات الأخرى، وبطبيعة الحال كونه على اتصال مباشر مع منبع العلم وهو الكتاب كضرورة حتمية، سيجد نفسه يطلع على عنوان هذا الكتاب و ملخص ذاك الكتاب وبعض الأحيان تجذبه رواية فيطالعها ، وبالتالي فهو شخص مطلع بالفطرة ،حتى وإن لم يرد ذلك. لا يمكن الحديث عن الجودة في علم المكتبات دون إمكانيات . هل تتوفر الجامعات الجزائرية في مجال علم المكتبات على الإمكانيات اللازمة لتطبيق برامجها؟ للأسف الشديد العديد من الأقسام التي تكون في علم المكتبات والتوثيق، لا تتوفر على الإمكانيات الكافية من أجل الإلمام أو تطبيق كافة المعارف النظرية، فمثلا نجد وحدة الرقمنة أو التسيير الإلكتروني للوثائق معطلة، وأحيانا غير موجودة، فكيف للطالب أن يتعلم الرقمنة والجامعة لا توفر له جهاز رقمنة؟ فمن غير المعقول أن لا نوفر الإمكانيات المادية في أقسام التكوين ونبحث عن الجودة أي جودة التكوين في علم المكتبات. هذه النقطة بالذات كانت محور الملتقى الذي شاركت فيه في جامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة قبل أيام، إذن يجب توفير التجهيزات والإمكانيات المادية المختلفة، و بعد ذلك يحق لنا التحدث عن جودة التكوين في علم المكتبات و التوثيق و الأرشيف. . ما هي أبرز الإشكاليات والنقائص التي ترى أنها موجودة في مجال علم المكتبات في الجزائر؟ لعل أبرز المشاكل التي نصادفها في مجال المكتبات والأرشيف كمهنيين وأكاديميين وأساتذة، هي نقص الإمكانيات المادية، مثلما تحدثنا سابقا ، خاصة في الجامعات التي أصبحت تكون نظريا، رغم أن التخصص يتطلب التكوين الميداني أكثر منه النظري. في اعتقادي المتواضع، ينبغي إدراج علم المكتبات مع العلوم التطبيقية ، كون البرامج المدرسة جلها ترتبط بالتكنولوجيات الحديثة، مثلا وحدة إنشاء و تسير مواقع الويب، التسيير الإلكتروني للوثائق ... إلخ، و الأمر الآخر هو التوظيف، ينبغي الاهتمام أكثر بالمتخرجين من هذا التخصص، وتوفير فرص عمل أكثر وعدم حصرها في المكتبات الجامعية بالنسبة للمكتبيين والإدارات العمومية بالنسبة للأرشيفيين، فمثلا ينبغي توكيل مهمة تسيير المكتبات المدرسية للمتخرجين في التخصص، حتى يكون نوع من الاحترافية في التسيير و بالتالي دعم المكتبة للعملية التعليمية، من أجل تحقيق جودة في التعليم. . كلمة ختامية... أشكر جريدة النصر على الاستضافة، و في الأخير يمكن القول أن واقع المكتبات في الجزائر عموما ، قد عرف في السنوات الأخيرة تقدما ولو جزئيا، من خلال القيام بالعديد من المبادرات، ونأمل أن تلعب وسائل الإعلام دور الوسيط بين هذه المؤسسات والمواطن أو المستفيد، حتى يتم التعريف بأهميتها في حياة الفرد والمجتمع.