يتناول «كراس الثقافة» لهذا العدد، موضوع «التنمية المحلية وتحدياتها» من منظور أكاديميّ بحت، بمساهمة نخبة من الدكاترة الأكاديميين والباحثين في مختلف التخصصات، إذ يتحدثون عن هذا الشأن غير المطروق، انطلاقا من أطروحات أكاديميّة مُلمة بجوانب مختلفة ذات صلة بهذا الموضوع، وبكثير من الشروحات والتوضيحات وكذا اقتراحات حلول في هذا السياق. إستطلاع/ نوّارة لحرش خالد فوضيل/أستاذ مُساعد -معهد تسيير التقنيات الحضرية-جامعة قسنطينة 3 ثلاثية التنمية المَحلية: الإقليم و المُجتمع المدني و الحوكمة بعد موجة العولمة في العقود الأخيرة، تَراجَع وانحَسر المفهوم «المَحلي» وبرَزت إلى السطح إشكالية فقدان «الظاهرة المحلية» وعناصرها الجُغرافية والإقليمية وخصوصياتها الاجتماعية والثقافية وانصهارها في تداعيات وصُور العولمة الشاملة. بالمُقابل، تمَخضت تيارات لرد الاعتبار للإطار المحلي بكلّ أبعاده خاصة البعد التنموي والإقليمي وهو موضوع مُداخلتنا. تُوجد اليوم نِقاشات حادة حول أفضل طريقة لترقية الاقتصاديات المحلية والجهوية كوسيلة لمُكافحة الفقر والتخلف. لكن لماذا أخذت هذه النقاشات أهمية كبيرة في السنوات الأخيرة؟ من المُهم اليوم «إعادة تصميم مفهوم التنمية» كما قال عالم الاقتصاد الفرنسي هنري بارتولي (1918-2008). بتعبير آخر، يجب التفكير في طُرق أخرى للإنتاج، للتهيئة، للبناء وللاستهلاك، والتي تدمُج معًا حماية البيئة والفعّالية الاقتصادية والمُساواة الاجتماعية. كلّ هذا بالاعتماد على العنصر المفتاح «المحلي» لمُجابهة موجة العولمة والتي ما فتئت تُذيب الهُويات المحلية. وهذا لا يكون ممكنا إلاّ بوجود إقليم جغرافي، مجتمع مدني و»حوكمة محلية» تجمع صاحب القرار والمواطن والفاعلين المَحلين. يبدو الآن أنّ تنمية المنتجات والخدمات المَحلية ذات القوة التراثية والثقافية والتي تخُص قطاع الخدمات والتسلية والسياحة والصناعة الغذائية والتقليدية والحِرف والفنون في تزايد مُستمر يُترجم عطشًا للرُموز الحقيقية «للهوية» والتي تعتمد على الجذور المحلية مقابل عولمة مَاسحة و»افتراضية» كاسِحة. كذلك، التنمية المحلية عبارة عن بناء بِفضلِه تُشارك الجماعات لرسم مُحيطها بهدف تحسين نمط وإطار العيش لسُكانه. توضيحًا للفكرة، يوجد توجهان بارزان في سياسات التنمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، التوجه الأوّل هو التنمية المحلية أو التنمية عبر الأقاليم، والتوجه الثاني هو الحوكمة المحلية والحكم الراشد، (Gouvernance)، والانتقال مما يُسمى بتنافسية الاقتصاد إلى تنافسية الأقاليم. أولاً: يُقصد بالتنمية المحلية، التنمية من القاعدة، وهي تلك الجهود التي تُبذل محليا لخلق قيمة مُضافة اقتصادية واجتماعية وثقافية، تشترك وتُشارك فيها مُختلف الأطراف والفاعلين: هيئات إدارية مؤسسات اقتصادية ومجتمع مدني. ثانيا: الحَوكمة يُقصد بها نمط الممارسة الإدارية في استغلال الموارد، وحسب البنك الدولي، يعطي مدلول الحوكمة المؤشرات والتقاليد والمُؤسسات والتي من خلالها يُمارس بلد ما سُلطته على المال العام. وقد عرّف كلّ من (لاندل ومينز) الحوكمة المَحلية بأنّها «استخدام السلطة السياسية وممارسة الرقابة على المجتمع المدني من أجل تحقيق التنمية المحلية. في هذا المجال، يترتب على التنمية المحلية في معظم البلدان النامية خاصة الجزائر تغيرات ضخمة في التوزيع المكاني للسُكان، والموارد، وكذلك استخدام الأراضي واستهلاكها. في الجانب المؤسساتي، ثمّة نصوص وسياسات أرسِيت لتكريس مضامين الحوكمة المحلية بالجزائر، في إطار توسيع صلاحيات الجماعات المحلية وإشراك المجتمع المدني، أفضت إلى نتائج مقبولة في مجال التنمية والاستثمار، ومع ذلك تقف الحاجة مُلحة لمقترحات جادة في المؤسسات والقوانين والهيئات من شأنها تعزيز هذا التوجه. وتكمن أهمية موضوع «التنمية المحلية» في ضرورة العمل في ظل بيئة تتسم بحُكم القانون والشفافية والمُساءلة وتكريس الديمقراطية التشاركية، وكلّ هذا يندرج تحت مفهوم الحوكمة المحلية والتي أصبحت ضرورة لا مفر منها. وقد تتحقق التمنية المَحلية الناجحة في بلادنا بإدماج المجتمع المدني كشريك فاعل في مشاريع تنمية إقليمية ووضع ميكانزمات للتعاون والشراكة من شأنها تعزيز وتقوية الثقة المتبادلة بين جميع الفاعلين كما تدعم التلاحم الاجتماعي. وهذا ما يسمح بالانتقال من منطق سلبي تقليدي مبني على مبدأ الاتكال على المساعدة واستهلاك للميزانية، إلى منطق تنشيط جديد لخلق الثروة ومداخيل مستدامة. ونذكر مثلا تجارب ناجحة جدًا في هذا الصدد، على غرار مُبادرات في ولايات تيزي وزو وبجاية في تنمية المناطق الريفية الجبلية وترقية الأحياء بالاعتماد على طاقات المجتمع المدني والقيم الاجتماعية التقليدية كالتويزة والعمل التشاركي. كما ساهمت مبادرات من نفس النوع في غرداية ببناء قصور «نومرات» و»تينميرين» بالطرق التقليدية وعادات الأجداد حيث حَصلت «جمعية التراث» لبني يزقن صاحبة المبادرة على الجائزة العالمية الأولى للمدينة المستدامة في قمة المناخ بمراكش المغربية سنة 2016. ومن هنا تكون الانطلاقة ونقل التجارب إلى المناطق الأخرى من الوطن. لطفي دهينة/ أستاذ العلوم السياسية -جامعة الصالح بوبنيدر- قسنطينة 3 العمل التطوّعي قيمة اجتماعية مهمة لتحقيقها إنّ تزايد الفجوة بين تطلعات الشعوب واحتياجاتها المختلفة وبين الموارد المتاحة أدّى إلى بروز دور المجتمع المدني كفاعل أساسي مساعد للدولة للوفاء بالتزاماتها من خلال مختلف الأعمال التطوعية التي يقوم بها، والتي تطورت مع الزمن وانتقلت من مجرّد تقديم الرعاية والإعانة للفئات الهشّة إلى المشاركة الفاعلة في تحقيق التنمية الشاملة وأصبحت مساهمته بأشكال متعدّدة تصل إلى تجسيد مشاريع كبرى أو وضع النواة الأساسية لها لتستكملها الجهات الحكومية فيما بعد، ولا جرم أنّ عمل المجتمع المدني يرتكز أساسا على العمل التطوعي الّذي يساهم في تعزيز قيم التضامن وإبراز الوجه الإنساني للعلاقات الاجتماعية، إضافة إلى أنّه ينمي لدى الفرد الإحساس بالمواطنة والوعي بالحاجيات المشتركة والتخلص من الحالة الفردية والأنانية التي قد تطبع سلوك الأفراد. إنّ العمل التطوعي يساهم في تحقيق التنمية المحلية من خلال مبدأ المشاركة بأشكالها المختلفة، وذلك بإشراك المواطن في صناعة القرارات التي تتعلق بمختلف جوانب حياته، إضافة إلى إشراكه في إنجاز المشاريع بمختلف الصور سواء بالاقتراح أو المشاركة بالخبرة أو بالعمل والجهد مِما يسهل على الحكومة إنجاز مشاريع عديدة بتكلفة زهيدة، فكلّما زاد عدد المنخرطين في الأعمال التطوعية كلّما زاد الحس المواطني لدى الأفراد وكلّما زادت فُرص المجتمع في تحقيق التنمية، إذ أنّ التعقيدات التي طرأت على الظروف المعيشية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية واكبتها أوضاع جديدة يصعب على الحكومات التعامل معها بمفردها مما استلزم استدعاء الفعاليات المجتمعية المختلفة لمواجهة هذا الواقع ومتطلباته ومن هنا يتجلّى دور العمل التطوعي الّذي يمتاز بالمرونة وسرعة التكيف مع الظروف والمواقف المختلفة. يعتبر التطوع ظاهرة اجتماعية تهدف إلى تأكيد قيم التعاون وإبراز الوجه الإنساني للعلاقات الاجتماعية، وهو ما تؤكده مشاهد التضامن والتعاون في عادة «التويزة» المعروفة لدى المجتمعات الأمازيغية وهي عادة قديمة ولا تزال قائمة إلى الآن، يقوم فيها أفراد المجتمع الواحد بتقديم يد المساعدة لبعضهم البعض بشكل مجاني وتطوعي وجماعي في الأعمال التي تتطلب كثرة اليد العاملة مثل الحرث أو الحصاد أو البناء... إلخ، فيكفي أن يُعلن الفرد أنّ لديه تويزة في وقت ما حتى يهب الجيران والأهل والأصدقاء بشكل تلقائي لمساعدته ويخلقون جوا من التضامن ممزوجا بالمواقف المسلية والأهازيج المعروفة ليختتم العمل بوجبة جماعية يحضرها صاحب التويزة، ولا جرم أنّ قيمة التويزة لا تتوقف عند إنجاز الأعمال الكبيرة التي لا يقوى الفرد على إنجازها بمفرده، بل تتعدى ذلك إلى تعميق علاقة أفراد المجتمع الواحد ببعضهم البعض ورفع درجة الحس الجماعي والتضامن المجتمعي لأرقى مستوياتها حتى يصبح الاهتمام بالمشكلات الجماعية المشتركة يطغى على السلوك العام للفرد مما يخلصه من أنانيته وتفكيره الفردي ويجعله ينصهر في الجماعة التي ينتمي إليها وبالتالي تزداد الفعالية في التغلب على المشكلات الجماعية وتحقيق الأهداف المشتركة. وبرغم أهمية العمل التطوعي إلاّ أنّه تواجهه العديد من الصعوبات والتحديات التي قد تعيقه عن تحقيق أهدافه أو تقلل من فُرص نجاحه، ولعلّ أهم هذه المعوقات هي نقص الوعي بمفهوم التطوع وأهميته بين أفراد المجتمع مما يُقلل من أهمية المتطوعين ومكانتهم الاجتماعية التي قد تصل إلى حد ازدرائهم والإساءة إليهم وتعطيل مشروعاتهم، إضافة إلى مشكل التمويل حيث يعاني العمل التطوعي من شح الموارد المالية خاصة وأنّه يعتمد على تبرعات المحسنين طواعية وباختيارهم الّذي ينبني على اقتناعهم بفكرة التطوع أو بالمشروع الّذي يعمل عليه. وفاء بحاش/ أستاذة العلوم السياسية -جامعة علي لونيسي - البليدة 2 الموارد البشرية مهمة في العملية تشكل التنمية المحلية نقطة أساسية في أي مجتمع باعتبارها عملية متعدّدة الأبعاد تهدف للنهوض بالمجتمع من خلال استغلال كلّ الموارد الذاتية الممكنة وتعبئتها من أجل تحقيق التطور والانتقال من مرحلة لمرحلة أفضل من سابقتها وذلك من خلال خلق حلول جذرية والتحفيز على التغيير المستمر والترغيب به. وقد لاقت التنمية المحلية في الدول النامية الكثير من العقبات باعتبارها عملية حتمية وخاصة في ظل النظام العالمي الجديد، وما يفرضه من صعوبات تتعلق باستفادة تلك الدول من مزايا السوق العالمية، وكذا العصابات الإرهابية العابرة للحدود والتي كان من آثارها نفور الاستثمارات الأجنبية من الدول النامية نظرا لعدم توفر الأمن والاستقرار فيها، بالإضافة لغيرها من العوامل والمعوقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تعاني منها هذه المجتمعات -والجزائر ليست بمعزل عنها- والتي تقف حائلا أمام تحقيق التنمية المحلية في هذه الدول ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لذلك، بدءا بإعادة النظر في المنظومة التشريعية، مرورا بالحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية المميزة للمجتمع المحلي، انتهاءً بإعادة هيكلة المنظومة الإدارية بما يتماشى والإدارة الحديثة المؤهلة لتسيير عملية التنمية المحلية وخصوصية المجتمع المحلي من خلال التركيز أكثر على وظائف إدارة الموارد البشرية التي تعتبر المحرك الرئيسي لمؤسسات الدولة ككل وتكييفها مع طبيعة وظروف المجتمعات المحلية. فالموارد البشرية ذات الكفاءة تعد وسيلة مهمة تعتمد عليها الإدارة في تحقيق غايتها وأهدافها من خلال توجيه الجهود الفردية والجماعية نحو تحقيق أهداف مشتركة بأعلى درجة من الفاعلية والكفاءة في ظل الموارد المتاحة. وتتجسد العلاقة بين الموارد البشرية والتنمية المحلية من خلال أصحاب الخبرة والمهارة فهم الذين يتحملون المسؤولية ببلورة أفكار جديدة وعوامل التغيير التي تساعد على النهوض بالمجتمعات المحلية وكذا تحقيق الحلول وخلق أفكار تسمح بمواكبة التغييرات والتطورات الحديثة. فأنشطة إدارة الموارد البشرية بما تمثله من مخرجات هي الأداة الحقيقية والقاعدة المتينة التي تشيد عليها صروح التنمية المحلية، ومن أجل تحقيق تنمية محلية في جميع المجالات يجب البدء بإصلاح والاهتمام بالموارد البشرية وتطويرها على مستوى الجماعات المحلية وتفعيل أنشطتها داخل الإدارة المحلية حتى تستطيع خلق مناخ وثقافة تنظيمية تساهم بشكل كبير في الرفع من مستوى الرضا لدى العاملين وتكريس ما يسمى بالمواطنة التنظيمية الشيء الّذي يعمل على رفع أداء الموظفين إلى أعلى درجاته مما يساهم في تفعيل التنمية المحلية على المستوى المحلي. لذا يجب وضع مسألة تنمية الموارد البشرية في مقدمة أولوياتها كونها من أهم العوامل التي تساهم في الإسراع بعملية التنمية الشاملة، حيث يؤكد مشروع البيان الختامي للمؤتمر الدولي لتمويل التنمية في قمة الدوحة على أهمية العنصر البشري كمحرك لعجلة التنمية في البلدان النامية كما يدعو إلى مواصلة الاستثمار في الرأسمال البشري. حيث يشير المشروع في محور «تعبئة الموارد المالية المحلية من أجل التنمية» إلى أنّ التنمية البشرية «تظل أولوية أساسية» مبرزا أنّ الموارد البشرية تشكل «أثمن الأصول التي تمتلكها البلدان لتحقيق التنمية المحلية». فالتنمية البشرية تهدف إلى توسيع مدارك الفرد، وإيجاد المزيد من الخيارات المتاحة أمامه، كما تهدف إلى تحسين المستويات الصحية، والثقافية، والاجتماعية، وتطوير معارف ومهارات الفرد، فضلاً على توفير فرص الإبداع، واحترام الذات، وضمان الحقوق الإنسانية، وضمان مشاركاته الإيجابية في جميع مناحي الحياة. مما سبق ذكره نؤكد على ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية من خلال تنميتها وتدريبها وتأهيلها للحصول على كفاءات بشرية تتمتع بالخبرة والمهارة والمعرفة اللازمة التي تجعلها قادرة على تحمل أعباء التنمية المحلية. هواري العابد/ أستاذ العلوم السياسية -جامعة أحمد دراية - أدرار أهمية إنشاء بنك المعلومات كآلية في سبيل الوصول إلى التنمية المحلية يجد المسؤول المُعين على رأس الولاية والمسؤول المُنتخب على رأس البلدية نفسهما أمام جملة من المعطيات هما ملزمان في التعامل معها (القوانين المسيرة للولاية والبلدية والرقعة الجغرافية المحدّدة لهما، والتعداد السكاني لهما) مما يستلزم التعرف أولا على هذه المعطيات قبل الانطلاق مباشرة في التنمية المحلية على مستوى الجماعات المحلية ولا يمكن بحال أن يسبق العمل العِلم. فالخطأ كلّ الخطأ أن يباشر المسير العمل من دون عِلم بواقع ومعطيات العمل الّذي سيباشره أو أن يبادر العمل بمعطيات مغلوطة وغير سليمة، مما يحتم إلزامية توفير المعلومات في شتى الميادين التي يقتحمها المسير، وهو ما يعرف بإنشاء بنك المعلومات وأهم مكونات بنك المعلومات على المستوى المحلي (البلدية والولاية)، هي تلك التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالتنمية المحلية على مختلف الأصعدة، نذكر منها: - التعرف على الطبيعة الاقتصادية للجماعات المحلية: أي هل للبلدية والولاية طابع زراعي أو تجاري أو صناعي... أو منهم جميعا أو بنسب متفاوتة. هذا المسح المعرفي، سيسمح برسم الأولويات الاقتصادية للبلدية ومن ثمّ النهوض بتنميتها في المجالات المتاحة لها، آليا، فمثلا استقاء مثل هذه المعلومات على مستوى البلدية، من صلاحيات اللجنة الاقتصادية والمالية المنصوص عليها في المادة 24 من القانون رقم 90-08 المؤرخ في 07 أبريل 1990. - إحصاء وضبط ممتلكات الجماعات المحلية: لا نقصد هنا جرد ممتلكات البلدية والولاية وإدراجها في دفتر للجرد، وإنّما المقصود النظر إلى هذه الممتلكات كاستثمارات متنوعة والبحث عن السبل الكفيلة لترقيتها لتعود بمردودية وقيمة للبلدية، كلٌ حسب طبيعتها وحجمها. هذه النقطة أيضا نص عليها في المادتين 112 و113 من قانون البلدية المذكور. -إحصاء التعداد السكاني: وهذا العمل يعد من أكبر الانجازات على المستوى المحلي الّذي تتعدى فائدته حتى إلى المستوى الوطني والهدف من هذا الإحصاء لا يتوقف على معرفة التعداد السكاني للبلدية فقط وإنّما إلى التعرف بعمق على الطاقة البشرية الموجودة فيها. ومن خلال هذا الإحصاء نحدّد أهدافا معرفية تفيدنا في تحقيق هدفنا العام والمحوري في هذا الموضوع، ألاّ وهو التنمية، وأهم النقاط الإحصائية المرجوة في هذا الشأن: التعداد السكاني العام. تحديد المهن الحرة العاملة في البلدية. تحديد عدد المتمدرسين في كلّ الأطوار.تحديد عدد الأميين من الأعمار المختلفة. ضبط عدد البطالين من الأعمار المختلفة وحسب الفئات (جامعيون، ثانويون، ذكور وإناث،...). هذه النقاط وغيرها، تسمح لنا بإعداد الدراسات الممكنة للنظر في إمكانيات الربط بين الطاقات البشرية المتاحة والوسائل المادية من ثروات طبيعية موجودة في البلدية والممتلكات الاستثمارية المحلية التي ذكرناها في النقطتين الأولى والثانية، والتي تكون جميعها بنكا للمعلومات. هذه النقاط الثلاث، التعرف على الطبيعة الاقتصادية للبلدية وإحصاء ممتلكاتها والتعداد السكاني لها، تمثل المحاور الأساسية لبنك المعلومات والرصيد القاعدي المعلوماتي لها، التي تعرف المسير بالثروات الطبيعية والممتلكة والبشرية على المستوى المحلي، التي تعتبر العناصر الأساسية للتنمية المحلية. ومما لا ينبغي إغفاله، أنّ في كلّ مدينة أعيان وأصحاب فضل من الضروري جدا التعرف عليهم واستشارتهم في القضايا الكبرى التي تمس البلدية والولاية فهذا الصنف من الناس، وزنهم ثقيل في بني قومهم، على المسير مراعاة هذه الفئة من السكان وإعطائها جزءا من التسيير من خلال استشاراتها والاستئناس بأفكارها واعتبارها فئة مُميزة في التعداد السكاني للبلدية والولاية. حرز الله محمد لخضر/ باحث أكاديمي في تخصص إدارة الموارد البشرية -جامعة بسكرة التنمية المحلية... رؤية من زاوية مختلفة إنّ الحديث عن التنمية المحلية ورهانات التقدم الاقتصادي والاجتماعي وركائزه ومقارباته، خاصة حين يتعلق الأمر بالجزائر، يدفعنا -بكلّ إلحاح- لطرح إشكال محوري في أي عملية تنموية وهو: من أين تبدأ التنمية المحلية؟ وما هي أولوياتها؟ وبالنظر إلى التجارب الإصلاحية والتنموية لبعض الدول الرائدة قديما وحديثا كاليابان وألمانيا وسنغافورة وتركيا وغيرهم، نجد أنّ بينهم قاسما مشتركا في منطلقاتهم المنهجية نحو الإقلاع الحضاري والاقتصادي، يتمثل ذلك في أولوية بناء الإنسان قبل العمران، إذ أنّ رسم السياسات الإصلاحية والتأسيس لمشروع مجتمع جديرٍ بتحقيق القفزة التنموية يتطلب تأهيل الإنسان إلى مستوى الحس والوعي والفعل الحضاري وجعله في مستوى التطلعات التنموية أداءً وثقافةً وتفكيراً. إنّ جل المشاريع الإصلاحية في بلادنا لم تنطلق من المقدمة الصحيحة، حيث لم تتخذ من تنمية الإنسان أساس اهتمامها ومنطلقها نحو الارتقاء في مدارج التطور والبناء، والمُلَاحَظَ في مشاريع التنمية المحلية هو رهانها على الموارد المادية والمالية (الكم) وجعلها معيارا مرجعيا للاستثمار والنمو الاقتصادي، فنسمع الحديث عن تخصيص الملايير في مشاريع تنموية مختلفة من دون الحديث عن قوة وجودة الأفكار Qualité des idées المسَيّرة لهذه الموارد المالية الضخمة، والتي ما تلبث أن تتحوّل إلى هياكل وتجهيزات تتعرض إلى التلف والتخريب بعد مدة وجيزة، أو تفقد فاعليتها في الواقع ولا تعكس حجم الأغلفة المالية المخصصة لها، وللأسف أصبح هذا روتينا رسميا ثابتا، فنتفاخر بإنشاء كذا مؤسسات تربوية وجامعات ومستشفيات وشركات ومباني حكومية ومحلات تجارية، دون أن نتساءل عن مردودها الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والثقافي والتنموي، وهل يكافئ ذلك مستوى الأهداف المرجوة من هذه المشاريع التنموية، وهل تمّ تحقيق ذلك فعليا على أرض الواقع؟ إنّ رؤية المجتمعات الحضارية الرائدة قد تجاوزت مرحلة تثمين «المادة» Evaluation du matériel إلى مرحلة تثمين «الأفكار» Evaluation des idées ومدى قوتها وفعاليتها في صناعة التغيير نحو الأحسن، ويؤكد مالك بن نبي رحمه الله هذه الحقيقة بقوله: «...وغِنى المجتمع لا يُقاس بكمية ما يملك من (أشياء) بل بمقدار ما فيه من (أفكار)». فالتنمية المحلية للدول تنطلق أساسا من بناء الفرد وتهيئته ليلعب دورا حاسما وإيجابيا في بيئته المحلية من خلال تحفيزه للعطاء والمشاركة في تقديم الرؤى والأفكار الحية والعملية. لقد أشاد مالك بن نبي رحمه الله بمكانة الأفكار الفعّالة Les idées efficaces في دفع عجلة التنمية المحلية واعتبرها أساس الإقلاع الاقتصادي، بل أكد بما لا يدع مجالا للشك أنّ رأسمال الأفكار والمعارف هو عصب التنمية وهو الأولى بالاستثمار من عالم الأشياء أو الموارد المادية الأخرى، وهذا ما لاحظ غيابه عن برامج ونشاطات التنمية في الجزائر مما أفقدها روحها وجدواها وفعاليتها، حيث يقول رحمه الله: «وبملاحظتنا لبعض النشاطات النموذجية في الجزائر، تمكنت في دراسة ظهرت لي منذ بضعة سنين من الإشارة بالأرقام إلى تبديد مفرط لطاقتنا الاجتماعية وتبذير مسرف وغير محسوس في وسائلنا وهذا مظهر من مظاهر اللافعّالية التي تعزى إلى العجز في أفكارنا». إنّ وفرة الإمكانات المادية والطاقات البشرية لا يؤتي ثماره ولا يحقق تنمية مستدامة في ظل غياب رشادة الأفكار وفعاليتها، فالفقر الحقيقي ليس في قلة الموارد وإنّما في فقر الأفكار وضعف آليات الاستثمار وانعدام الرؤية الرشيدة والسليمة لمشاريع التنمية، وفي هذا السياق يقول مالك بن نبي رحمه الله: «ونلاحظ هنا أنّ القضية لا تتصل بفقر في الوسائل لأنّ العمل هو الّذي يخلقها ولكن بفقر في الأفكار».