ارتكب الاستعمار الفرنسي جريمة ضد الإنسانية في حق سكان سطيف، قالمة و خراطة في شهر ماي سنة 1945، في وقت كان العالم يحتفل بنهاية الحرب العالمية الثانية، و الانتصار على النازية الألمانية. و تعد قالمة الأكثر تضررا من الجريمة، حيث تعرض سكانها لمجازر مروعة، مازالت شواهدها قائمة إلى اليوم بكاف البومبة، أفران الجير، الثكنة القديمة، المحجرة، جسر سيبوس، مزرعة بن يخلف، جسر السكة الحديدية، و غيرها من المواقع التي جرت فيها الإعدامات الجماعية السرية، في واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين. في هذا الملف تعود النصر إلى مواقع الإبادة بمدينة الشمس هليوبوليس، و تستذكر قصة الشهيدة فاطمة الزهراء رقي، المرأة التي تحدت الكولون، و تنقل شهادات حية لمن عايشوا أحداث ماي الأسود قبل 73 سنة، بينهم الجريح عبد الله يلس البالغ من العمر 93 سنة، و هو من بين آخر الشهود القلائل الذين بقوا على قيد الحياة، بالإضافة إلى أعضاء من جمعية 8 ماي 45 بقالمة، التي تواصل النضال من أجل إنصاف الضحايا المقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية، و من أجل أن لا يطال النسيان ضحايا المأساة، و ان لا تطوى صفحة دامية من صفحات التاريخ الجزائري، المليء بالمآسي و الأحزان، و مواقف البطولة و الشجاعة. ملف من إعداد : فريد.غربية فاطمة الزهراء رقي: أثارت غيرة نساء المعمرين فتعرضت لأبشع انتقام قبل 73 عاما مضت كانت هنا بمدينة قالمة امرأة حديدية عنيدة أتيت من الجمال و العلم و الخلق و الشجاعة الشيء الكثير، إنها فاطمة الزهراء رقي التي صارت رمزا لنساء المدينة التاريخية العريقة، التي سيطر عليها المعمرون، و حولوها إلى محمية محاطة بالأسوار و مزارع العبيد، كانت امرأة مثيرة للجدل وسط مجالس المعمرين، الذين كانوا يتحينون كل الفرص لوضع حد لنفوذ العائلات الجزائرية العريقة التي سكنت المنطقة منذ عقود طويلة، و ظلت مناهضة للمعمرين القادمين من الضفة الأخرى للمتوسط، لبسط السيطرة على الأرض، و إحكام قبضتهم على الإنسان الجزائري. و كانت عائلة رقي العريقة على القائمة السوداء إلى جانب عائلات كثيرة تسكن مدينة قالمة، و سهل سيبوس الكبير، و تثير قلق المعمرين الذين كانوا يبحثون عن الذرائع للحد من نفوذ هذه العائلات التي وقفت الند للند مع المالطيين الذين سيطروا على الأرض، و التجارة و الإدارة و احكموا قبضتهم على مدينة قالمة، و القرى المجاورة لها. و وجد المعمرون في انتفاضة 8 ماي 1945 فرصة حقيقية للانتقام من السكان العزل و تصفية كل رموز التحرر و العلم و الثقافة، و تكريس سياسة الأمر الواقع، و إجهاض كل الأفكار و المحاولات الرامية إلى تحرير الأرض و الإنسان الجزائري، الذي تعرض إلى أسوأ الممارسات المنافية للقيم الإنسانية في التاريخ الحديث. ولدت الشهيدة فاطمة الزهراء رقي سنة 1913 تقريبا و تابعت تعليمها بقالمة و تونس حتى صارت على قدر كبير من العلم و الثقافة و تشبعت بقيم الحرية و الإنسانية، و مع مرور الوقت بدأت تكتشف حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الجزائري، و الفوارق الكبيرة بينه و بين المعمرين في التعليم و الصحة و مستوى المعيشة، و أدركت فاطمة الزهراء بأن ليل الاستعمار متعب و مدمر للقيم الإنسانية و الحق في الحياة، فقررت رفع التحدي و تغيير الصورة السوداء التي رسمها المعمرون عن المرأة الجزائرية التي تعيش بين الجدران بعيدا عن ضوء الشمس، و إذا خرجت تختفي تحت عباءة سوداء، رمز العفة و الحياء، لكنها تبدو في نظر المعمرين رمزا للتخلف و البؤس. تعلمت فاطمة الزهراء، و تقول بعض المصادر التاريخية بأنها صارت من أحسن معلمات اللغة الفرنسية بمدينة قالمة، و تفوقت على نساء المعمرين في كل شيء، في اللباس و الثقافة و الشجاعة، لكنها ظلت محافظة على عادات و تقاليد الأجداد، حتى صارت على كل لسان، و أثارت غيرة و حقد نساء الكولون اللواتي لم يجدن الفرصة للانتقام منها و الحد من نفوذها المتصاعد بالمدينةالمحتلة. كان لفاطمة الزهراء رقي أخوان ، هما رقي محمد و رقي عبد الحفيظ، المدرجين على قائمة مناضلي الحركة الوطنية بالمدينة، و قرر المعمرون تصفيتهما عقب اندلاع انتفاضة 8 ماي 1945، فتم القبض عليهما و اقتيادهما على مقرات الدرك الوطني و مراكز الاعتقال للتحقيق معهما قبل إعدامهما وسط المدينة و رمي جثتهما بإحدى المزارع قرب مدينة قالمة. أدركت فاطمة الزهراء بأن أخويها في خطر فقررت البحث عنهما بمقرات الدرك و مراكز الاعتقال، و كانت هذه الفرصة الحقيقية أمام حاكم المدينة آشياري للإطاحة بالمرأة الحديدية و القضاء عليها حتى تستريح نساء المعمرين من نار الحقد الدفين. صدر الأمر بالقبض على المرأة الثائرة و تعذيبها و استدعاء نساء المعمرين ليشاركن في جلسات الاستنطاق و التنكيل، و يستمتعن بإذلال واحدة من حرائر الجزائر، الثائرات على مغتصبي الأرض و منتهكي حقوق الإنسان. رأت مليشيا آشياري الرهيبة بان الموت قليل و لابد من التنكيل بفاطمة الزهراء رقي قبل إعدامها، و صدر القرار بقطع ثدييها و جرها بواسطة شاحنة في شوارع قالمة حتى يراها الجميع، و يتخذونها عبرة لكل من أرد الثورة على المعمرين و التعرض لممتلكاتهم. و تقول المصادر التاريخية المتداولة بأن أحد كبار المعمرين بالمدينة طلب أن يصنعوا له مطفأة سجائر من ثدي فاطمة الزهراء رقي حتى يستمتع بطقوس العذاب أطول مدة ممكنة. بعد التنكيل و التمثيل بالجسد المنهك قتلت فاطمة الزهراء رقي، و ألقيت جثتها قرب مزرعة مع أخويها و ضحايا آخرين من ضحايا ماي الأسود، و بقيت الجثث هناك أياما طويلة تنهشها الذئاب، حتى صدرت أوامر بحرقها في أفران الجير الرهيبة لطمس معالم الجريمة، عندما حلت لجنة تحقيق دولية بالمنطقة للوقوف على حجم الإبادة التي تعرض لها سكان منطقة قالمة و مناطق أخرى من الوطن المحتل. و يوجد اسم فاطمة الزهراء رقي و أخويها على قائمة ضحايا مجازر 8 ماي 1945 بقالمة، إلى جانب الآلاف من الضحايا الذين تم إحصاؤهم في حين بقي الآلاف الآخرين مجهولين لا احد يعرف مصيرهم إلى اليوم. و قد تحصلنا على قائمة من 200 شهيد تقريبا اغلبهم من عائلات معروفة بمدينة قالمة و مدن و قرى أخرى مجاورة لها بينهم ضحايا من عائلات رقي، سوداني، كاتب، سريدي، عبدة، بوشمال، أومدور، بوشعير، بن شيخة، بن يخلف، بن صويلح، بوخاتم، بن بيدوش، بلعزوق، برقاش، بن رجم، باجي، بوجاهم، شرفي، بورنان، شايبي، بومعزة، ورتسي، روابحية، سلايمية، سكندر، صديقي، سلمان، تركي، زعايمية، زوايمية، طالب، زمالي، حساني، توهامي و غيرهم من العائلات التي دفعت ثمنا باهظا عقب موجة الجنون و الانتقام التي اجتاحت المنطقة و حولتها إلى مستنقع من الدماء و أكوام من الجثث المكدسة في الأودية و الشعاب. و محاولة لوضع حد لظاهرة النسيان التي بدأت تطال ضحايا مجازر 8 ماي 45 بقالمة بادرت مجموعة من نساء المدينة التاريخية العريقة في 8 مارس 2016 بإحياء ذكرى استشهاد فاطمة الزهراء رقي، و الترحم على روحها النائمة في عالم الأبدية إلى جانب آلاف الضحايا الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن. و تعتبر فاطمة الزهراء رقي رمزا للشجاعة و الحرية بمدينة قالمة، و يرى المهتمون بتاريخ المنطقة بأنها تستحق نصبا تذكاريا يخلد روحها، و يبقى شاهدا على تضحيات المرأة الجزائرية التي تصدت للاستعمار الفرنسي بدينها و عادات أجدادها، و علمها و ثقافتها و شجاعتها التي كسرت عناد المعمرين و كشفت حقدهم الدفين تجاه كل من ينشد الحرية و الكرامة. و لا يكاد الجيل الجديد من سكان مدينة قالمة يعرف من هي فاطمة الزهراء رقي، رمز الحرية و الشجاعة، و لولا المدرسة الابتدائية الصغيرة التي تحمل اسمها بإحدى ضواحي المدينة لطالها النسيان الأبدي المدمر للذاكرة التاريخية. على باب المدرسة لافتة تحمل اسم الشهيدة و صورتها، هذا كل ما يمكنك العثور عليه هنا إذا أردت ان تعرف من هي فاطمة الزهراء رقي، فلا يوجد مؤلف أو لوحة أو سجل يعرفك برمز الحرية و الشهادة، المشرفون على المدرسة قالوا لنا بأنهم لا يملكون معلومات وافية عن فاطمة الزهراء رقي، و كل ما يعرفونه هو أنها قتلت غدرا و نكل المعمرون بجثتها حقدا و انتقاما من المرأة الشجاعة التي وقفت في وجه رجال آشياري، و تحدت نساء المعمرين، فكان مصيرها القتل الغادر، و التنكيل المعبر عن دناءة المعمرين و حقدهم على الجزائريين المناهضين للوجود الاستعماري فوق الأرض المقدسة. و إلى جانب فاطمة الزهراء رقي سقطت نساء كثيرات في انتفاضة ماي الأسود التي عمت كل مناطق ولاية قالمة و امتدت إلى الشمال القسنطيني و وسط و غرب البلاد، في واحدة من اكبر المظاهرات الشعبية المناهضة للاستعمار الفرنسي. و من بين شهيدات 8 ماي 45 بقالمة شرفي فاطمة، فاسي نفيسة، زوايمية زينب و زوايمية مسعودة، و شهيدات أخريات ذهبن ضحية الانتقام الجنوني الذي أطلقته مليشيا آشياري بسهل سيبوس الكبير، أين كان يعيش أغلب المعمرين القادمين من فرنسا و مالطا بعد الاستيلاء على أجود الأراضي الزراعية و إقامة مزارع كبرى للقمح و الحوامض و الأبقار، و تحول الجزائريون إلى عبيد فيها، يعملون ساعات طويلة للحصول على الغذاء حتى لا يقتلهم الجوع الذي أطبق على المنطقة خلال الحرب العالمية الثانية، و استمر بعدها بسنوات طويلة بسبب السياسة القمعية التي انتهجها الاستعمار بعد انتفاضة 8 ماي 45 التي كانت المنطلق الحقيقي إلى الثورة المقدسة التي حررت الإنسان و الأرض. و قد لعبت المرأة القالمية دورا كبيرا في انتفاضة 8 ماي 45، ساندت الرجل و دفعت به المشاركة القوية في المسيرة السلمية التي جابت شوارع المدينة للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية و تذكير فرنسا بوعود الاستقلال. و عندما تحولت الانتفاضة السلمية إلى مجزرة مروعة، كانت المرأة حاضرة و وقفت بقوة لصد العدوان المقيت و حماية الرجال الهاربين من مليشيا الموت، و تجفيف دموع الأطفال اليتامى الذين فقدوا أمهاتهم و أبائهم في واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية في التاريخ الحديث. فريد.غ عبد الله يلس آخر شهود الجريمة الدامية الحكومة الفرنسية مسؤولة عن مجازر 8 ماي 1945 يعتبر عبد الله يلس البالغ من العمر 93 سنة من بين آخر الشهود على مجازر 8 ماي 45 بمدينة قالمة، و من أبرز قادة المسيرة السلمية الكبرى التي جابت شوارع المدينة في ذلك اليوم الحزين، الذي يعد منعرجا حاسما في تاريخ الجزائرالمحتلة. كان في الصفوف الأولى للمسيرة التاريخية يحمل لافتة تنشد الحرية و الكرامة، قبل ان يسقط جريحا برصاص المعمرين بحي باب سكيكدة العريق، و ينقل إلى المستشفى العسكري المدني المختلط، و بقي هناك 22 شهرا يعالج كسرا في ساقه، و ينتظر دوره في مواقع الإعدامات السرية، لكنه نجا من الموت رفقة بعض الجرحى بعد ان رفض مدير المستشفى تسليمهم لفرق الموت التي أسسها رئيس دائرة قالمة « أندري آشياري» و كبار المعمرين الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الزراعية الواسعة بحوض سيبوس الكبير. النصر زارت عبد الله يلس في منزله الواقع بشارع أول نوفمبر وسط مدينة قالمة، و يطل على المكان الذي توقفت فيه المسيرة و سقط فيه بومعزة عبد الله أول ضحايا ماي الأسود بمنطقة قالمة، و نقلت عنه شهادة حية حول ما جرى في ذلك اليوم، و ما بعده، و الظروف التي أدت إلى تنظيم المسيرة، و تحولها إلى انتفاضة كبرى، و المسؤولية القانونية و الأخلاقية للحكومة الفرنسية في ما حدث بقالمة، و بغيرها من مدن و قرى الوطن المحتل. بوادر الانتفاضة على الاحتلال بقالمة بدأت سنة 1942 يعود عبد الله يلس إلى الظروف التي سبقت انتفاضة 8 ماي 45 بقالمة، و بالتحديد إلى سنة 1942 قائلا « كانت أمراض الفقر منتشرة بين الجزائر في ذلك الوقت، و كان المعمرون يتحاشون لقاء الجزائريين حتى لا تصيبهم هذه الأمراض، و من بينها التيفوس الذي ينتقل عن طريق القمل و البرغوث، كنا نشعر بالأسى و الحزن عندما نرى المعمرين يفرون منا، فقررنا مقاطعة دور السينما، و قاد حملة المقاطعة كل من بوجمعة سويداني و عمار نكاب و عمار بن جامة، نجحت المقاطعة و تكبد المشرفون على دور السينما خسائر كبيرة،اعتقال قادة المقاطعة. الموقف الثاني المناهض للاستعمار كان بحمام سي علي، عندما ذهبنا للفحص الخاص بالخدمة الوطنية التي كانت إجبارية على كل الجزائريين الذين يبلغون سن التجنيد، تأخر الفحص ساعات طويلة فشعرنا بالظلم و الاحتقار و نظمنا احتجاجا كبيرا داخل المركز، و تم اعتقال 3 أشخاص و نقلهم إلى سجن قسنطينة، لقد بدأت مرحلة النهضة و بوادر الثورة» الكشافة، الرياضة و المسرح.. السلاح القوي و يضيف الشاهد على مجازر ماي الأسود بقالمة «لعبت الكشافة الإسلامية دورا كبيرا في شحذ الهمم و إيقاظ الضمائر، كنا ننظم استعراضات بالزي الكشفي الإسلامي، و نثير غضب الفرنسيين كنا نحفظ نشيد من جبالنا و ننافس كشافة المعمرين و هم خليط من الفرنسيين و المالطيين و الإيطاليين و الألمان و الأسبان و البرتغاليين، و لعبت الرياضة أيضا دورا كبيرا في إيقاظ الضمائر و إظهار الإرادة و الوقوف الند للند مع المعمرين، و ظل فريق الترجي لكرة القدم بمثابة الروح التي تسري في قلوب القالميين في ذلك الوقت، و كانت لجولات محي الدين باشتارزي بمسرح مدينة قالمة أثرا بالغا في دعم الحركة الوطنية و كان يردد أغنية «فيقوا فيقوا» في نهاية كل مسرحية، داعيا الجزائريين إلى الاستعداد للثورة على الاستعمار. و كانت مسيرة الفاتح ماي عيد العمال بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، حيث نظم قادة الحركة الوطنية و الحركة الكشفية مسيرة كبيرة رافعين لافتات تطالب بالحرية و الكرامة، و عندما وصلت المسيرة أمام مبنى الخزينة اليوم أوقفها آشياري و طلب التحدث إلى قائد المظاهرة و قال بأنه على الجزائريين السير وراء الفرنسيين إذا أرادوا الاحتفال بأول ماي و غيره من المناسبات الأخرى، كانت رسالة واضحة، إنها القبضة الحديدية. كل هذه العوامل ساعدت على تنظيم مسيرة 8 ماي 45 و هيأت لها كل الظروف لتكون مسيرة الحرية، و انتفاضة نحو ثورة التحرير». علي عبدة تحدى آشياري و كان يحمل العلم الوطني في مقدمة المسيرة و تحدث عبد الله يلس عن مسيرة 8 ماي 45، مؤكدا بان الأخبار التي وصلتهم من سطيف لم تكن مطمئنة، حيث سقط قتلى و جرحى هناك أثناء مسيرة الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية، و المطالبة بالحرية. «كنا مترددين هل ننظم نحن أيضا مسيرة هنا بمدينة قالمة، و نستعد للأسوأ، أم نتراجع..، كانت الحركة الوطنية بقالمة تابعة إلى القيادة بعنابة فقررنا إرسال المسمى قدور بوتصفيرة إلى عنابة لأخذ القرار المناسب، و انتظرنا حتى المساء عندما وصلنا أمر تنظيم المسيرة بطريقة سلمية و التخلي عن كل الأسلحة و الوسائل التي قد يتخذها المعمرون كذريعة للقتل و الاعتقال، بدأت المسيرة من منطقة الكرمات قرب باب السوق، و جابت شارع عنونة و شوارع رئيسية أخرى، كنت أحمل لافتة رفقة مناضلين آخرين، كان الخوف يسكننا، كنا نشعر بأن أمرا ما سيحدث، و كانت زغاريد النساء من الشرفات بمثابة حافز قوي لنا، و عندما وصلت المسيرة إلى شارع صغير مطل على شارع أول نوفمبر و الساحة الكبيرة وسط المدينة اليوم، خرج أندري آشياري رئيس دائرة قالمة لوقف المسيرة، كان يوم سوق أسبوعي و حضر الكثير من سكان القرى و الأرياف، و كانت اللافتات مخفية في منزل صالح كعبازي و كتبها الخطاط محمد بن شاعي و قتله المعمرون لهذا السبب، كنا حاملين أعلام فرنسا و الحلفاء و علم الجزائر في الوسط، كنا نردد نشيد «من جبالنا» و الأيمان يملأ قلوبنا، طلب آشياري العلم الجزائري الذي كان يحمله علي عبدة فرفض و سلم العلم إلى الأشخاص الذين كانوا خلفه حتى يبعدوه، و لا يتركوه يقع بين أيدي المعمرين، و تمكن محمد عبدة من دفع آشياري بقوة حتى سقطت قبعته فتملكه الغضب و قرر قتل محمد عبدة بنفسه، أطلق المعمرون الرصاص في الهواء، و تدافع الناس بقوة هاربين في كل الاتجاهات، بدأ القتل بالمسدسات، و أصبت في رجلي و سقطت أرضا و حملني شخص بجانب المسرح الروماني، كنت انزف دما عندما حملتني شاحنة إلى المستشفى المختلط، وجدت جرحى آخرين بينهم 2 من منطقة الشاوية جاؤوا إلى قالمة لشراء القمح، انزلوهما من القطار و سرقوا أموالهما ثم ضربوهما و نقلوهما إلى المستشفى». مليشيا من مالطيين وإيطاليين نفذت مخططا لتصفية رموز الحركة الوطنية يقول عبد الله يلس بأن الفرنسيين وجدوا الفرصة المناسبة لتصفية رموز الحركة الوطنية بقالمة، و ضرب المشاتي القريبة من مزارع المعمرين. و صدرت الأوامر بتشكيل مليشيا من عناصر مالطية و من أسرى إيطاليين في الحرب العالمية الثانية، حصلت هذه المليشيا على السلاح و بدأت عملية تنفيذ الاعتقالات و الإعدامات الجماعية السرية بكاف البومبة و أفران الجير قرب مدينة هليوبوليس، و الثكنة القديمة، و المحجرة بمدينة قالمة، و غيرها من المواقع التي تبقى إلى اليوم شاهدة على واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية. و من بين قادة المليشيا ذكر عبد الله يلس المعمر الكبير صاحب المزارع الواسعة بقالمة «لافي» و المعمر «شمول» و المعمر «غافيرا». و عندما كانت عمليات القتل على أشدها بقالمة، بلخير، بومهرة احمد و وادي الزناتي كان عبد الله يلس يرقد في المستشفى العسكري، و يتابع أخبار المجازر و عمليات الإبادة التي تعرضت لها أسر بأكملها، و كل يوم يأتيه خبر مقتل عنصر من عناصر الحركة الوطنية بمنطقة قالمة، و كان هو ينتظر دوره، لكن قائد المستشفى الرائد «مارتي» رفض تسليم الجرحى الجزائريين إلى آشياري قائد مليشيا قالمة. « كان رجلا شجاعا، ربما يكون من أصدقاء الشعب الجزائري و لا أحد يعرف ذلك، رفض تسليمنا إلى فرق الموت، كان يكره المعمرين، و يشفق على العرب، كل يوم يأتي معمر آخر اسمه بيرو دياس ليخبرني بأن قائدا من قادة المسيرة و الحركة الوطنية بقالمة قد قتل، منهم علي عبدة، كل ليلة نسمع طلقات الرصاص و لم نكن ندري ماذا يجري خارج أسوار المستشفى». بعد 22 شهرا قضاها الجريح في المستشفى العسكري المدني المختلط و هو اليوم مستشفى ابن زهر الموجود وسط مدينة قالمة، خرج عبد الله يلس أخيرا، و اكتشف الحقيقة المرعبة، عائلات بأكملها أبيدت، خيرة أبناء مدينة قالمة قتلوا في مواقع الإعدامات السرية. « كانت مجزرة مروعة، و مخطط لها من قبل الجنرال ريموند دوفال، و حاكم قسنطينة ليستراد كاربونال، و رئيس دائرة قالمة أندري آشياري، قائد المليشيا المسلحة، حتى لجنة التحقيق التي شكلها البرلمان الفرنسي آنذاك لم تعثر على أي شيء عندما حلت بمنطقة قالمة لتقصي الحقائق، كان أمرا محيرا حقا، حيث اختفت آلاف الجثث، لقد قتلوا أكثر من 3 آلاف شخص بقالمة، لكن المحققين لم يعثروا على جثة واحدة، ربما يكون قد أحرقوا كل الجثث بأفران الجير قرب هليوبوليس، أو نقلوها إلى مقابر جماعية سرية لا أحد يعرفها إلى اليوم، عن الحكومة الفرنسية مسؤولة من الناحية القانونية و الأخلاقية عن مجازر 8 ماي 45 بقالمة و بغيرها من مدن و قرى الجزائر». و انهي عبد الله يلس شهادته للنصر قائلا بأن قضية الاعتراف و الاعتذار للشعب الجزائري ستبقى مطلبا مشروعا، مضيفا بأن بعض المبادرات و النوايا الحسنة من جانب الفرنسيين في السنوات الأخيرة خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها تبقى غير كافية. فريد.غ محمد لخضر خلاصي عضو جمعية 8 ماي 45 بقالمة أغلب ضحايا ماي الأسود مازالوا مقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية محمد لخضر خلاصي أحد الأطفال الذين شاركوا في الملحمة التاريخية التي أسست لمرحلة جديدة من تاريخ الجزائر، كان عمره 9 سنوات عندما اندلعت انتفاضة 8 ماي 1945 بقالمة، رغم صغر سنه في ذلك الوقت ما زال يحتفظ بذكريات اليوم التاريخي المشهود، عندما شارك في مسيرة الكرامة رفقة مجموعة من تلاميذ مدرسة «ألمبير»، المعروفة اليوم باسم متوسطة الإمام الأزهري محمد عبدو، و هي واحدة من أشهر المدارس بمدينة قالمة في زمن الاحتلال، و كان يدرس فيها بعض التلاميذ الجزائريين جنبا إلى جنب مع تلاميذ المعمرين، و من بين من درسوا هناك الكثير من قادة الحركة الوطنية بالمنطقة و الرئيس الراحل هواري بومدين. في هذا الحوار مع مكتب جريدة النصر بقالمة، يتحدث محمد لخضر خلاصي، العضو البارز في جمعية 8 ماي 45 بقالمة، عن تلك الأحداث المأساوية، و ضحايا ما زالوا مقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية، و الذاكرة الوطنية، و قضية الاعتراف بالمجازر المرتكبة ضد الإنسانية بقالمة، و غيرها من مدن و قرى الجزائر، و مطلب الاعتذار للشعب الجزائري و أهالي الضحايا الذين مازالوا يبحثون عن شهادات وفاة الأبطال الذين قدموا أنفسهم فداء للوطن و الأمة، مؤكدا بأن شعار الجمعية «لكي لا ننسى» سيبقى شعار كل الجزائريين المتمسكين بإحياء الذكرى الأليمة كل عام، و استرجاع مآسي الماضي للمحافظة على الذاكرة الوطنية. و سنقدم لقرائنا الكرام هذه الشهادة الحية و المختصرة لطفل جزائري عاش مأساة الأجداد، و بقي متأثرا بها إلى اليوم، رغم مرور 82 سنة من عمره و 73 سنة من عمر ماي الأسود الذي يعد واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية في القرن العشرين. « كنت تلميذا بمدرسة ألمبير في عمر 9 سنوات، عندما اندلعت انتفاضة 8 ماي 1945، في ذلك اليوم و في حدود الخامسة مساء كنت مارا بجانب مسجد ابن باديس و كان في ذلك الوقت كنيسة للمعمرين، كنت ذاهبا إلى منزل عائلتي فصادفني حشد كبير من الناس في الشارع، عرفت منهم جارنا علي بوغابة الذي قتل خلال الأحداث الأليمة، و بدافع الفضول شاركت في المسيرة رفقة أطفال آخرين، كنا نسير في مؤخرة الحشد الكبير، و توقفنا قرب محل بن شيخة لبيع الملابس الرياضية حاليا، و فجأة سمعت طلقا ناريا في السماء و رأيت الناس تهرب في كل اتجاه، فهربت معهم، و كنت ارتدي قبعة حمراء بداخلها مرآة صغيرة، سقطت القبعة لكنني تمكنت من التقاطها و مواصلة الهروب باتجاه منزلي، اختفى الناس في بيوتهم، و أعلن حاكم المدينة حالة الطوارئ، و حظر التجول، كانت شاحنات المعمرين تأتي كل ليلة لاعتقال أعيان المدينة و اقتيادهم إلى مراكز الاستنطاق ثم مواقع الإعدام، سمعت بأن الكثيرين من أبناء المدينة قتلوا، ما حدث في تلك الأيام كان أمرا فظيعا، كل صباح تخرج النساء و معهم الأطفال الصغار للبحث عن المعتقلين، لكن لا أحد كان يدلهم على مكان تواجد المختفين، و استمرت مسيرة البحث عن المفقودين أياما طويلة حتى استسلم الجميع للأمر الواقع، بعد أن تأكدوا بان كل الأشخاص الذين أخرجوا من ديارهم قد قتلوا و دفنوا في مكان ما، لا أحد يعرف كيف قتلوا و أين دفنوا حتى الآن، مرت 73 سنة و لا أحد يعرف أين يرقد هؤلاء الأبطال الذين قتلوا غدرا و انتقاما». أرشيف أكس أونبروفنس يكشف عن قائمة أولية بأكثر من 400 شهيد و يضيف محمد لخضر خلاصي العضو بجمعية 8 ماي 45 بقالمة، متحدثا للنصر بأسى كبير « كل ما بقي لدينا عن هؤلاء الأبطال هو صور البعض منهم، و قائمة اسمية أولية حصلنا عليها من أرشيف أكس أونبروفنس بفرنسا فيها 475 شهيدا من أبناء مدينة قالمة، هذه قائمة جزئية فقط، لأن عدد الضحايا يقدر بالآلاف، نتمنى ان نحصل على القائمة الكلية للضحايا، هذا أملنا و هدفنا في الجمعية التي تناضل منذ عدة سنوات للحفاظ على الذاكرة و تاريخ الأبطال، و نقل رسالة 8 ماي 45 من جيل إلى جيل حتى لا ننسى، و حتى لا يتوهم المستعمر بان الزمن ربما قد ينسينا مآسي الأجداد، و مجازر الكولون في حق شعب أعزل، مضطهد في أرضه». و لم نتمكن من دخول مقر جمعية 8 ماي 45 المتواجد بمحطة القطار القديمة بمدينة قالمة، لأنه مازال مغلقا منذ أكثر من سنة بعد مرض رئيس الجمعية عبد العزيز بارة و وفاته قبل شهرين تقريبا، و يسعى أعضاء الجمعية إلى إيجاد حل للفراغ الذي تركه الفقيد عبد العزيز بارة، و إعادة بعث النشاط من جديد عشية الذكرى 73 لمجازر ماي الأسود. يقول ضيف مكتب النصر بقالمة محمد لخضر خلاصي « شهود 8 ماي 45 يغادرون بسرعة و لم يبق منهم إلا القليل و بعد سنوات قليلة قادمة ربما لن نجد أي شخص من جيل الانتفاضة التاريخية، و لهذا نحاول الإبقاء على الجمعية و دعمها بالكوادر الشابة القادرة على مواصلة مسيرة الذاكرة و نقل المشعل من جيل إلى جيل حتى لا تتوقف عجلة التاريخ و تختفي مشاهد المجزرة الدامية من ذاكرة الأجيال القادمة، لن يحدث هذا بالتأكيد لأن الجرح كبير و الثمن كان باهظا بقالمة و بغيرها من مدن و قرى الجزائر، لقد قتلوا الأعيان و النخب المثقفة، و أبادوا عائلات بأكملها، و يتموا و رملوا آلاف الأطفال و النساء، الكثير من أبناء الضحايا كانوا من أوائل الملتحقين بالثورة المقدسة للدفاع عن الأمة و الوطن، و الانتقام لأرواح الضحايا العزل الذين قتلوا غدرا و بدم بارد، نتمنى أن لا تنتهي جمعية 8 ماي 45، يجب أن نعطيها نفسا جديدا، و نعيدها للنشاط حتى تؤدي دورها التاريخي، و تبقى رباطا قويا يصل بين الأجيال المتعاقبة». و تطرق المتحدث إلى قضية ضحايا مجازر 8 ماي 45، و قال بان مشكلتهم القانونية مازالت عالقة إلى اليوم في انتظار قرار شجاع ينصف هؤلاء الأبطال و ينزلهم منزلة الشهداء. مضيفا بأن الاستعمار ارتكب جريمة أخلاقية و قانونية عندما أعدم الضحايا بلا محاكمة، و أخفى جثثهم، و لم يسمح لأهاليهم بالتعرف عليهم و دفنهم و التصريح بوفاتهم في سجلات الحالة المدنية، و من ثم الحصول على شهادة الوفاة. « عندما يموت شخص يحصل ذووه على شهادة طبية تثبت الوفاة، و بعدها يتقدمون إلى مصلحة الحالة المدنية للتصريح بوفاته، و هذا ما لم يتحقق مع ضحايا مجازر 8 ماي 45، حيث لم يتقدم أي شخص للتصريح بوفاة ضحية من الضحايا، لا أحد كان يعرف مصير هؤلاء المفقودين، ما عدا الميليشيا التي قتلتهم، و من ورائهم كبار المعمرين و رئيس دائرة قالمة أندري آشياري، هؤلاء مازالوا إلى اليوم مسجلين كمفقودين في سجلات الحالة المدنية، و كل من يريد استخراج شهادة وفاة لضحية من الضحايا يشترطون عليه شاهدين يصرحان بثبوت الوفاة، أين يجد أهل الضحية الشهود، هذا مستحيل، كل الشهود ماتوا، نحن أمام مشكل قانوني و أخلاقي و اجتماعي معقد لم يوجد له حل حتى الآن، و الجمعية مازالت تناضل لإيجاد حل لهذه المشكلة التي تشغل بال أهالي الضحايا و تثير حزنهم أيضا، هؤلاء الضحايا قتلتهم فرنسا، و الجمعية تطالب بالاعتراف بهم كشهداء». و تمنى محمد لخضر خلاصي التحاق أساتذة الجامعة و مثقفي ولاية قالمة بالجمعية حتى تبقى موجودة، مضيفا بأن «الأبواب مفتوحة للجميع، لدعم الجمعية و المحافظة على الذاكرة الوطنية و احترام أرواح الضحايا الذين قتلوا بالرصاص و أحرقوا في أفران الجير، لا احد يعرف كم عدد الضحايا الذين أحرقوا هناك، لكن ما هو مؤكد ان أفران الجير اشتغلت بقوة خلال مجازر 8 ماي 45 لطمس معالم الجريمة و إخفاء الحقيقة عن لجنة التحقيق التي حلت بالمنطقة بعد الأحداث». وتطرق المتحدث إلى التمييز السائد بالمدارس الفرنسية في ذلك الوقت، قائلا بأن التلاميذ الجزائريين كانوا يدرسون جنبا إلى جنب مع تلاميذ المعمرين، لكنهم واجهوا ظلما كبيرا، يحرمون من النقاط المستحقة، و يتعرضون للضرب الشديد عندما يخطئون، بينما ينال تلاميذ المعمرين كل الرعاية و الاحترام، مضيفا بأن التمييز كان موجودا أيضا في الأحياء السكنية، فهناك الحي الأوروبي، و هو مدينة قالمة القديمة حاليا، و هناك الحي العربي ناحية باب السوق و شارع عنونة حاليا، و بومرشي عرب، و هي أحياء فقيرة مظلمة، تعاني من العطش و طرقاتها غير معبدة، بينما تنعم الأحياء الفرنسية بالرخاء و التطور، فيها الإنارة، و الطرقات المعبدة و المياه ومرافق الخدمات. و انهى محمد لخضر خلاصي شهادته للنصر بالتأكيد على مطلب الاعتراف و الاعتذار للشعب الجزائري و أهالي الضحايا الذين سقطوا غدرا في واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية، مضيفا بأن بعض الاعترافات الضمنية بمساوئ الاستعمار الفرنسي بالجزائر تبقى غير كافية، و لابد من اعتراف صريح بالجريمة و اعتذار شجاع عن ما حدث في ماي 1945. فريد.غ تحولت إلى ميدان للإعدامات الجماعية بقالمة هليوبوليس .. مدينة الشمس و أفران الجير على بعد 4 كلم شمال مدينة قالمة تقع هليوبوليس، أو مدينة الشمس التاريخية العريقة كما سماها الرومانيون، و ظل اسمها مقترنا بالحضارات القديمة التي عمرت المنطقة منذ فجر التاريخ، ومازالت آثارها إلى اليوم شاهدة على قدرة الإنسان القديم في التعامل مع الطبيعة و الجغرافيا، و استغلال خيرات الأرض لتوفير أسباب الحياة و مصادر القوة و الرخاء. و مازال المسبح الروماني الشهير قرب هليوبوليس صامدا في وجه الطبيعة و الزمن يروي قصة الحضارة العريقة التي عمرت المنطقة عقودا طويلة، و حواليه مزارع المعمرين، و مطاحن القمح، و أفران الجير التي بناها القادمون من الضفة الأخرى للمتوسط، هؤلاء الذين أذهلتهم مدينة الشمس بموقعها الاستراتيجي و أراضيها الخصبة و مياهها المتدفقة من منابع لا تنضب، و من مجرى وادي سيبوس الكبير، عصب النهضة الزراعية الكبرى التي أقامها المعمرون عندما وصلوا إلى مدينة الشمس في بداية الاحتلال، و اتخذوها مركزا اقتصاديا و منطلقا لبسط نفوذهم على المنطقة، و مواصلة الزحف نحو الغرب و الجنوب الكبير، موطن القمح البليوني الشهير. كل صباح تشرق الشمس على قالمة من مدينة هليوبوليس، و كل يوم يتطلع السكان إلى حلم جديد قد يأتيهم من الشمال، حيث بونة العريقة موطن البحر و السهل و الجبل، و طريق الحرير الشهير الذي سلكته الحضارات القديمة عندما أرادت التوغل أكثر باتجاه كالاما الجميلة، و في كل مرة تكون هليوبوليس بوابة طريق الحرير الرابط بين بونة و قالمة، موطن الأرض الخصبة و المياه، و الحمامات المعدنية الشهيرة، قالمة الجنة الساحرة التي فتنت الأوروبيين، و دفعت بهم إلى إحكام قبضتهم القوية على مدينة الشمس، فهجروا أهلها إلى رؤوس الجبال، و طردوهم من الأراضي الخصبة، و حولوهم إلى خماسة و عبيد، يساقون بالسياط كل صباح إلى حقول القمح و مزارع الأبقار، و بساتين الكروم و البرتقال الممتدة على ضفتي سيبوس الكبير. في غضون سنوات قليلة بعد الاحتلال صارت هليوبوليس قطبا زراعيا و صناعيا كبيرا، و تكاثر فيها المعمرون، و فرضوا رقابة مشددة على الأهالي العزل، و تمادوا في إذلالهم حتى لا يثوروا عليهم ذات يوم، و يستردون أرضهم المغتصبة. و ظلت الغلبة للمحتلين سنوات طويلة حتى جاء فجر الثامن ماي 1945 الذي قلب موازين القوى و أشعل أكبر انتفاضة مناهضة للاحتلال في تاريخ الجزائر، انتفاضة الضعفاء المضطهدين، الذين اخرجوا من ديارهم و أراضيهم، و ظلوا صابرين محتسبين حتى لاح فجر المقاومة من مدينة الشمس، صباح الثامن ماي 45، اليوم التاريخي الذي مهد الطريق لاسترجاع الأرض و طرد الغزاة بلا رجعة. اندلعت انتفاضة ماي الأسود، و كان من الطبيعي أن يستميت المعمرون في الدفاع عن هليوبوليس جنة الله في الأرض، فأسسوا مليشيا الموت بقيادة «آشياري» و المزارع الكبير «لافي»، صاحب الأراضي الواسعة على الضفة الشمالية لمجرى سيبوس، و تحولت هليوبوليس إلى ميدان للإعدامات الجماعية بعد الثامن ماي 1945، و مازالت شواهد المجزرة قائمة إلى اليوم تروي قصة المأساة التي عاشها الجزائريون تحت ليل الاستعمار الطويل. هنا كانت تحرق جثت الجزائري تحت حرارة ألف درجة على بعد أمتار قليلة إلى الشمال من مدينة هليوبوليس مازالت أفران الجير الرهيبة شاهدة على بشاعة الجريمة التي اقترفتها فرنسا في حق جزائريين عزل في شهر ماي من سنة 1945، هنا في هذه الأفران الغائرة تحت الأرض، أحرقت جثث ضحايا المجازر و تحولت إلى رماد، لا احد يعرف كم عدد هذه الجثث التي أحرقت، لكن المؤكد أن قادة المليشيا عملوا كثيرا بهذا الموقع، و ربما يكون كبار قادة الانتفاضة بقالمة قد أحرقوا هنا، حتى لا يعثر لهم على أثر، و لا تتحول قبورهم إلى معالم تاريخية، و لكي يطالهم النسيان الأبدي. يقول شهود و مصادر تاريخية، بأنه و في كل ليلة تتوجه الشاحنات المحملة بالجثث إلى أفران الجير الملتهبة بحرارة تتجاوز 1000 درجة مئوية، و هي الحرارة التي تحول الصخور الرمادية الصلبة إلى جير. و تحدث سكان المدينة الذين عايشوا مجازر 8 ماي 45 عن رائحة اللحم البشري التي كانت تنبعث من موقع الأفران أياما متتالية، لا أحد كان يعرف ما يحدث هناك، حتى انكشفت الحقيقة، و تبين بأن الكثير من الجزائريين قد أحرقوا هنا، لطمس معالم الجريمة قبل وصول فرق التحقيق إلى المنطقة. و مازال سكان قالمة يزورون أفران الجير في كل ذكرى من ذكريات ماي الأسود، و يقفون على شواهد النازية الفرنسية يوم الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية. لوحة فنية قرب أفران الجير بهليوبوليس و يخضع المعلم التاريخي إلى حماية مستمرة، و تحيط به لوحات فنية رسمها رواد الفن التشكيلي بالمنطقة، تعبر كلها عن بشاعة الجريمة، و تدعو إلى عدم النسيان، و ملاحقة المجرمين، و حث الأجيال على قراءة التاريخ الجزائري المليء بالمآسي، و الأحزان. و يقول المؤرخون الفرنسيون الذين حضروا الملتقيات الدولية التي تنظمها جامعة 8 ماي 45 بقالمة حول مجازر ماي الأسود، بأن ما حدث بأفران الجير بمدينة هليوبوليس هو جريمة ضد الإنسانية في منظور القانون الدولي، و أن هذه الجريمة غير قابلة للتقادم و النسيان، مطالبين الحكومات الفرنسية المتعاقبة بالاعتراف بهذا الجرم و تقديم اعتذار صريح للشعب الجزائري و سكان قالمة، الذين مازالوا يزورون الأفران الرهيبة و يسترجعون ذكرى الأيام الحزينة، و أرواح الضحايا الذي أحرقوا هنا في محرقة أخرى لا تقل بشاعة و فظاعة من المحرقة النازية. و يرى المختصون في القانون الجنائي بأن قتل الشخص ثم حرق جثته يعد جريمة مزدوجة، تنم عن الإصرار و الترصد و الحقد الدفين، و ما حدث بقالمة في ماي 1945 هو إرهاب دولة مارسته في حق شعب محتل و مضطهد إلى حد الاستعباد. كاف البومبة.. ميدان الإعدامات السرية الجماعية كاف البومبة موقع آخر من مواقع الدم بمدينة الشمس، هنا نفذت مليشيا آشياري الإعدامات الجماعية السرية في حق المعتقلين الذين وقعوا بين أيدي المعمرين عقب مظاهرات 8 ماي 45 بمدينة قالمة و مدن و قرى أخرى استجابت لنداء الوطن و الشعب، في هذا اليوم التاريخي. كل ليلة كانت تأتي الشاحنات المحملة بالجزائريين إلى هذا المكان المطل على مدينة قالمة و نهر سيبوس الكبير، و تنفذ فيهم عمليات الإعدام السري الجماعي، ثم تنقل جثثهم إلى أفران الجير، و مقابر جماعية سرية لا احد يعرف موقعها حتى الآن. و قد اختار المعمرون كاف البومبة لقتل المعتقلين لعدة أسباب بينها الموقع المناسب للإعدام السري رميا بالرصاص، و قرب المكان من مدينة قالمة و مدينة هليوبوليس، و سهولة الوصول إليه عبر الطريق المعبد، و قدرة المعمرين على تأمينه و منع الجزائريين من الوصول إليه ليلا و نهارا. لا أحد يعرف كم عدد الذين أعدموا هنا، ما يعرفه سكان قالمة القدامى أن عددا كبيرا من المعتقلين قد قتل بهذا الموقع الذي بقي هو الآخر شاهدا على جرم الاستعمار و استهتاره بالقيم و المبادئ الإنسانية. و قد تمكن بعض المعتقلين من الهروب قبل الوصول إلى ميدان الإعدام، و ذلك بالقفز من الشاحنات قرب مجرى سيبوس، و نقل شهود عن أحد الناجين قوله بأنه فضل الموت و هو هارب يجري على أن يعدم و هو مكبل اليدين و معصب العينين فوق كاف البومبة. و قيل أيضا بأن أحد المعتقلين كان واقفا في صف الإعدام فوق كاف البومبة و سقط أرضا قبل أن يصيبه الرصاص و تظاهر بالموت، في أسفل التلة الصغيرة و تمكن من الهروب ليلا و عاش سنوات بعد الاستقلال. و تحول المعلم التاريخي كاف البومبة إلى مزار تاريخي للباحثين و المؤرخين، لكن السكان نادرا ما يزورنه، وتعد ذكرى 8 ماي من كل سنة المناسبة الوحيدة التي يتوجه فيها سكان قالمة إلى كاف البومبة لقراءة الفاتحة والترحم على أرواح الضحايا، لكن عائلات الضحايا مازالت وفية للمكان و كل مواقع الإعدامات السرية التي طالت النخبة من السكان في ذلك الوقت منهم المثقفون و الرياضيون، و قادة الحركة الوطنية و رواد الكشافة الإسلامية القلب النابض للجزائريين زمن الاحتلال. مطاحن و مزارع «لافي»..موطن الخماسة و العبيد مطاحن «لافي» بمدينة هليوبوليس بقالمة سنة 1834 وصلت عائلة المعمر الكبير «مارسال لافي» إلى قالمة، و بنت مطاحن كبرى ومعاصر للزيتون، بعد أن سيطرت على 2000 هكتار من أجود الأراضي الزراعية بحوض سيبوس الكبير، و تحول «لافي» إلى واحد من أكبر مموني الجيش الفرنسي بالقمح و الطحين، و من أكبر تجار القمح بمنطقة الشمال القسنطيني، و من الطبيعي أن تستميت العائلة في الدفاع عن ممتلكاتها الواسعة التي انتزعتها من الجزائريين في بداية الاحتلال، و تساهم بقوة في تشكيل الميليشيا المسلحة، التي ارتكبت مجازر دامية بالمدينة و ضواحيها. يقول إبراهيم عفيفي، عضو جمعية 8 ماي 45 بقالمة و أحد سكان مدينة هليوبوليس للنصر « كانت هليوبوليس مدينة صغيرة في ذلك الوقت، تحيط بها الغابات الكثيفة و الأدغال، لهذا السبب تحولت إلى ميدان للإعدامات الجماعية بعدة مواقع بينها كاف البومبة، فرن الجير، جسر قراف، دوار الشطاح و بوقرقار، هنا قتلوا عددا كبيرا من سكان قالمة، هليوبوليس، متحف تاريخي مفتوح، يروي قصة الدماء التي سالت هنا في مدينة الشمس الجريحة». فريد.غ محمد الصالح فركوس أستاذ التاريخ بجامعة قالمة الأرشيف الفرنسي يخفي وثائق سرية خطيرة عن المجازر في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة النصر، يتحدث أستاذ التاريخ بجامعة 8 ماي 45 بقالمة، الدكتور محمد الصالح فركوس، عن وثائق سرية تدين الحكومة الفرنسية في جريمة ماي الأسود التي حدثت قبل 73 عاما، و قال بأن هذه الوثائق الهامة مازالت مخفية بأرشيف ما وراء البحار الموجود بأكس أون بروفانس بفرنسا، و هي ممنوعة من التداول، لأنها تدين المتورطين في المجازر التي عرفتها مدن و قرى الجزائر في شهر ماي 1945، مؤكدا بأنه استطاع الوصول إلى بعض هذه الوثائق و تصوريها قبل ان يتفطن لها المشرفون على الأرشيف ، و ينقلونها إلى مكان سري آخر حتى لا يعثر عليها الباحثون مرة أخرى. « إن موضوع مجازر 8 ماي 1945 ما زال يحتاج منا البحث، و ما يزال يحتاج منا أيضا إحياء هذه الذكرى، و هذا أقل شيء نقدمه لشهدائنا و أمتنا، إن ما كشف عنه أرشيف أكس أون بروفانس من وثائق تم تداولها، و أخرى مازالت محبوسة و مطمورة، لأن المجرم يخفي جريمته، و لذلك فإن هناك وثائق في غاية الخطورة تفضح جرائمه، و تفضح أيضا هذه الإبادة التي اقترفها في حق شعب مسالم و أبرياء، و زاد ضحاياها عن 45 ألف شهيد. أقول لكم بأنه و بعد ان أفرج عن بعض الوثائق بأرشيف أكس أون بروفانس بفرنسا، ضواحي مرسيليا، استطعت أن أطُلع على وثائق سرية، و هذه الوثائق بعد ان اطلعت عليها تفطن أصحاب الأرشيف لهذه الفضيحة التي تشهد على مرتكبي هذه الجرائم، فأخفوها من جديد، و أصبحت لما يطلبها الباحث لا يجدها، و الحمد لله كنت قد صورتها حتى تظل شاهدة على ما وقع، و قد ضمنتها في كتابي موسوعة المقاومة الجزائرية. لقد استوقفني تقرير سري لوالي قسنطينة آنذاك ليستراد كاربونال، الذي كتب لوزير الداخلية الفرنسي آنذاك تيكسيي، و الحاكم العام في الجزائر ساطوني، عقب الخرجة التي قام بها إلى قالمة رفقة السفاح أندري آشياري رئيس دائرة قالمة، يوم 13 ماي 1945 بعد 5 أيام من هذه المجازر، و هذا لمعاينة ما حدث، و وصف ما رأى و ما وقف عليه في طريقه إلى قالمة، قائلا إن ما شاهدته في الجبال و في الوهاد و في الحقول و في الوديان، جثث لا تحصى و لا تعد للجزائريين، و للأهالي، لم يتم بعد دفنها و مواراتها التراب، هذا مثال من الأمثلة البارزة عن جرائم فرنسا، و شهد شاهد من أهلها، و هناك وثائق أخرى كثيرة تتكلم عن المجازر، و لا تزال هذه المأساة تحتاج منا تنوير الرأي العام الوطني و الرأي العام الدولي». و بخصوص الاعتراف و الاعتذار للشعب الجزائري عن هذه المجازر، يضيف محمد الصالح فركوس متحدثا للنصر « أتذكر أنه عندما قدم سفير فرنسا بارنار باجولي هنا إلى قالمة في شهر ماي سنة 2008، و كنت أنا من بين الذين استقبلوه و شرحوا له تفاصيل هذه المجازر، و ما حدث ، كان تواجده هنا و كانت كلمته واضحة تمام الوضوح، و هي تعبر عن اعتراف ضمني بهذه الجرائم، لكن فرنسا تدرك خطورة هذا الاعتراف لما يأخذ البعد الرسمي و تكون له آثاره القانونية دون شك، فرنسا لا تريد ان تعترف صراحة أمام العالم، لكن هناك باحثين و أكاديميين فرنسيين مثل جون بلانش، جاك فرجاس و ديرفيس، و غيرهم من رجال الحقوق، و رجال القانون، و رجال التاريخ، و بعض الرسميين الذين اعتر فوا. أرى أن الاعتراف يجب ان يأخذ مجراه عبر الدوائر الرسمية، لكن فرنسا لا تريد ان تذهب إلى هذا، زد على ذالك فإن طالب الإحسان من المستعمر القديم كطالب النسل من العقيم». و تطرق أستاذ التاريخ بجامعة قالمة إلى قضية الأرقام المتعلقة بضحايا مجازر 8 ماي 1945 بالجزائر، مؤكدا بأن كل المعطيات المتوفرة تشير إلى سقوط أكثر من 45 ألف شهيد، فالمستعمر كان يعتبر قتل الجزائريين كمن يقتل ذبابة، لم يكن يرعى للإنسان الجزائري قيمة، وزير الداخلية الفرنسي تيكسيي يقول 1500 قتيل من الجزائريينبسطيف، قالمة و خراطة، لكن المصدر الأقرب إلى الواقع هو القنصل الأمريكي بالجزائر في ذ لك الوقت، لما صرح بأن هذه الإبادة بلغ تعداد قتلاها 45 ألف ضحية، في حين أن جمعية العلماء المسلمين ذهبت إلى أبعد من ذلك، و قدرت عدد القتلى بأكثر من 80 ألف، و مهما يكن فإن المؤكد هو أن الاستعمار الفرنسي قد قتل الملايين من الجزائريين منذ دخوله الجزائر سنة 1830 إلى 1962. و بخصوص الضحايا المفقودين، أو المقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية، قال الباحث في تاريخ المقاومة الجزائرية، بأن لديه وثائق هي عبارة عن مراسلات لعائلات الضحايا، وجهها إلى السلطات الفرنسية تبحث فيها عن رجالها و أبنائها، لكن المحتل أخفى الحقيقة، مضيفا بأن المحتل حرف السجلات و أخفى الحقائق، و السلطات الجزائرية تحاول اليوم نفض الغبار عن هذا الملف التاريخي الهام. فريد.غ وزير المجاهدين يؤكد بأن جرائم الاستعمار لن تسقط بالتقادم و يصرح ملف الاعتراف الإداري بضحايا مجازر 8 ماي قيد الدراسة أكد الطيب زيتوني وزير المجاهدين أمس الاثنين، بأن ملف الاعتراف الإداري الرسمي بضحايا مجازر 8 ماي 1945 قيد الدراسة و التكفل لدى المؤسسات الهيئات و كل الأطراف المختصة، مؤكدا بأن هؤلاء الضحايا معترف بهم كشهداء من الناحية السياسية، في انتظار الخطوات القادمة التي ستتخذ لتجسيد الاعتراف القانوني، و إنهاء قضية من بقوا إلى اليوم مسجلين كأحياء و مفقودين في سجلات الحالة المدنية. و أضاف الطيب زيتوني لدى إشرافه على الاحتفالات الوطنية الرسمية المخلدة لضحايا مجازر 8 ماي 1945 بقالمة، بأن «إحياء الذكرى كل سنة هو بمثابة اعتراف صريح بالضحايا الذين سقطوا في تلك المجازر المأساوية، إنهم في قلوب كل الجزائريين». و حسب وزير المجاهدين فإن الشعب الجزائري لا تربطه بطاقة التعريف و جواز السفر فقط، بل هو مرتبط مع بعضه البعض بالتاريخ و الماضي و الثوابت الوطنية و الدستور، و العلم الوطني، و النشيد الوطني و المقدسات الموجودة في الدستور الجديد. و أكد المتحدث قائلا «إن جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر لن تسقط بالتقادم، و على الشعب الجزائري أن يهتم أكثر بالمناسبات التاريخية، ليس من أجل الاحتفال فقط، لكن من اجل المبادئ و الأسس، و من أجل الرسالة الوطنية و أمانة الشهداء، ما يربطنا هو وحدة الجزائر، و ما دون ذلك يفرقنا، علينا ان نكون في صف واحد و في خندق واحد، للدفاع عن المكتسبات و المبادئ»، الوزير أكد بان الجزائر مستهدفة، و على الشباب الجزائري، و على السياسيين، و كل المحبين للجزائر، ان يقفوا كرجل واحد، في حزب واحد هو الجزائر، معلقا « نحن لا نسعى إلى جلب القوت و انتظار الموت، نحن أبناء الثورة و الجهاد، و المبادئ، نحن شركاء في الشهداء و في المجاهدين و التاريخ، شركاء في الماضي و الحاضر و المستقبل، نحن نمر بمرحلة صعبة تتميز بعدم استقرار منطقة الجوار، و لذا يجب الدفاع عن الاستقرار الداخلي و المحافظة عليه، بالتضامن و الوحدة التي جمعت كل الجزائريين خلال الثورة». و دعا الطيب زيتوني وسائل الإعلام إلى لعب دورها، و تغطية المناسبات و الأحداث التاريخية، و أن تعطيها نفس الاهتمام الذي توليه لمشاكل التنمية و الرياضة و غيرها من الأحداث الأخرى على الساحة الوطنية، مؤكدا بأن الإعلام الوطني له أهمية كبيرة و يلعب دورا رائدا في ترسيخ المبادئ و تاريخ الثورة لدى الأجيال المتعاقبة. و خلص وزير المجاهدين إلى القول بان الجيش الجزائري المرابط على الحدود في حاجة الى جبهة داخلية متينة تدعمه و تقف إلى جانبه في مواجهة التحديات الإقليمية الخطيرة. فريد.غ حقوقيون يدعون إلى تصنيف أحداث 8 ماي جرائم إبادة جماعية دعا حقوقيون وباحثون وأساتذة أ مس بالجزائر العاصمة إلى"تصنيف" مجازر 8 ماي 1945 التي ارتكبت من طرف الاستعمار الفرنسي "جرائم إبادة جماعية ضد الانسانية" مع تجديد التأكيد على مطالبة فرنسا بالاحتراف بهذه الجرائم. ودعت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم في مداخلة لها في لقاء نظمته جمعية مشعل الشهيد بالتنسيق مع جريدة المجاهد، إحياء للذكرى ال 73 لمجازر 8 ماي 1945 إلى ضرورة إتخاذ الاجراءات الضرورية من أجل المطالبة بتصنيف مجازر 8 ماي 1945 كجرائم إبادة ضد الانسانية وتسجيلها لدى الأممالمتحدة، على غرار بعض الجرائم المرتكبة في حق بعض الشعوب. وقالت أن "الوقت قد حان لتقديم هذا الطلب للأمم المتحدة من أجل تسجيل جرائم 8 ماي بالجزائر الذي ذهب ضحيتها 45.000 شهيد، ضمن الجرائم ضد الانسانية التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري. ومن جهته أكد مختص في الحقوق العايب علاوة أستاذ في القانون الدولي بكلية الحقوق بالجزائر العاصمة، أن ملف جرائم الاستعمار الفرنسي المرتكبة بالجزائر من سنة 1830 إلى غاية 1962 يمكن معالجته ب"مطالبة فرنسا بالاعتراف بها كجرائم ابادة جماعية ضد الانسانية مع الاعتذار وتعويض الضحايا". علما أن هذا النوع من الجرائم الكبرى لا تسقط بالتقادم حسب القانون الدولي، إلى جانب تجريم "نفايات التجارب النووية التي تركها الاستعمار الفرنسي برقان بتمنراست". وأشار ذات المسؤول إلى امكانية اللجوء إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد مختلف جرائم الاستعمار الفرنسي التي راح ضحيتها ملايين من الشهداء بغض النظر عما سببته هذه الجرائم من مخلفات أخرى على غرار الآثار السلبية على البيئة.