ارتفعت وتيرة التّهريب هذه الأيام عبر الحدود الشرقيّة لولاية تبسة ارتفاعا لم يسبق له مثيل ،أين يتمّ استنزاف أغلب المواد الغذائية الأساسية المدعّمة من طرف الدّولة من طرف عصابات التّهريب باتّجاه تونس وليبيا مستفيدين من تدهور الأوضاع فيهما . فبعد تهريب المواد الطاقوية كالمازوت والبنزين والنّحاس ، دخلت مواد أخرى قائمة المواد المهرّبة لكثرة الطّلب عليها من طرف التونسيين والليبيين، فبعد ماحدث في الأولى والاضطرابات التي تعيشها الثانية منذ 5 أشهر، زادت وتيرة التّهريب حدّة وتنافسا كبيرين في الشّهور الأخيرة ،حيث لم يعد التّهريب مقتصرا على الوقود والنّحاس فقط بل أصبحت الحبوب الجافةّ كالحمّص والعدس واللوبيا والخميرة والفواكه كالموز والتفّاح وحتّى الياغورت والمشروبات الغازيّة والقمح والقهوة بل وحتّى الميّاه المعدنيّة والمكيّفات الهوائيّة دخلت أجندة المهرّبين و تهرّب وبكميّات لا حدود لها نحو تونس وليبيا نظرا لتزايد الطّلب عليها في هذين القطرين . فقد كشفت مصادر موثوقة للنصر أن أغلب المحلاّت والفضاءات التجاريّة بالولايات التونسية وخاصة المتاخمة للحدود اللّيبيّة أصبحت تعاني نقصا فادحا في مختلف المواد ذات الاستهلاك الواسع كالسكر والحليب والزيت والمياه المعدنية بسبب تهريبها نحو ليبيا التي تشهد أزمة غذائيّة خانقة ، وتراجعت فيهما الواردات إلى أبعد الحدود ممّا زاد من حدّة الطّلب على المواد ذات الاستهلاك الواسع من طرف المواطنين في هذين البلدين وهو الأمر الذي شجّع عصابات التهريب في الجزائروتونس على تنويع المواد المهرّبة التي يكثر عليها الطلب ،لما تدرّه عليهم من أموال طائلة لا قبل لهم بها ، وقد وجد المهرّبون فرصة سانحة لإضافة مواد جديدة للتّهريب لزيّادة أرصدتهم المنتفخة على حساب المواطنين الجزائريين الذين بدأوا يشعرون بعجزهم عن توفير المواد الغذائية لأسرهم ويتوجّسون خيفة من المستقبل نتيجة التهاب أسعارها ،في الوقت الذي نجد فيه أن الدولة قد خصّصت 5 ملاييردولار لتدعيم المواد الأساسية حتى تكون في متناول المواطنين وخاصة ذوي الدّخل المحدود إلاّ أنها أصبحت تحوّل إلى الشعبين التونسي والليبي بطرق تضرّ بالاقتصاد الوطني وبالمواطنين الجزائريين ، في حين تعود على المهربين بالأموال الطائلة التي حوّلت أغلبهم إلى أغنيّاء بين عشيّة وضحاها ، واستغلّوا هذه الأموال في شراء السيارات الفاخرة التي باتت تجوب شوارع وأحياء مدن الولاية وشيّدوا العمارات الشّاهقة والفيلات الفخمة المبنيّة بمواد مستوردة من إسبانيا وإيطاليا تسرّ النّاظرين ، وقد ساهم التهريب بشكل أساسي في ارتفاع العقّار بالولاية إذ لم يعد بمقدور الموظّف اقتناء سكن يتكون من حجرتين أو شراء قطعة أرض ، فيمكنك أن تحصل على ذلك في أيّ حيّ من المدن الكبرى إلاّ انك تعجز عن تحقيق حلمك في الاستفادة من سكن أو قطعة أرض في ولاية اسمها تبسة ، لقد تحوّل التهريب إلى ظاهرة خطيرة على الاقتصاد وعلى المجتمع لما يفرزه من يوم لآخر من مظاهر غريبة وسلوكات شاذّة لم يعهدها التبسيون من قبل، حيث بات سكان المناطق الحدودية بالولاية مهدّدين في قوتهم ،لاسيما أن الأمر يتعلّق بمواد لا يمكن الاستغناء عنها ، فإذا كان التهريب في مراحل سابقة مقتصرا على الوقود وبعض المواد العادية التي ليست من أساسيات المواطن ،فإن الأمر هذه المرّة أصبح يمسّ موادا غذائيّة أساسية لا يمكن التخلّي عنها بأي حال من الأحوال ، فعندما تختفي الحبوب الجافة والخميرة والأدهى حتى الخبز أو ترتفع أسعارها لزيّادة طلب المهربين عليها فماذا سيأكل المواطن الغلبان ؟ وعندما يمتدّ مرض التهريب إلى مواد البناء كالحديد الذي يهرّب بآلاف الأطنان هو الآخر ، وهو ما زاد في سعره أين وصل إلى 6500 دينار للقنطار في حين سعره الأصلي لا يتجاوز 4000 دينار فأنى للمواطن أن يبني سكنا يأويه من عاديات الزمان بعد أن يئس من الحصول على سكن اجتماعي أو سكن هشّ ؟ إنّ المهرّبين يعيشون أزهى وأروع وأمتع أيامهم وهم يستفيدون من مأساة الأشقّاء من جهة ومن معاناة أبناء وطنهم من جهة أخرى ، فهم يحسّون بلذّة ومتعة وهم يشاهدون أبناء الجزائر يلهثون من مكان إلى مكان بحثا عن لترات من الوقود ويظلّون لساعات طويلة تحت حرّ الصيف وقرّ الشتاء وهم ينتظرون دورهم وفي الأخير يعودون أدراجهم لنفاذ كمية المازوت والبنزين والغاز، ويلجأون مرغمين على اقتناء هذه المواد بسعر 60 دينارا اللتر الواحد وأكثر أين يباع الوقود في أواني وصهاريج في أحياء المدن الحدودية وعاصمة الولاية التي تحوّلت بدورها إلى محطّات وقود موازيّة ولكن بأسعار مضاعفة ، رغم المخاطر التي تتهدّد ساكنيها من حين لآخر وكم من كارثة وقعت جرّاء تجميع الوقود داخل المنازل والمستودعات والجميع يعلم بذلك... والأكيد أن التهريب بالولاية يعمل على تغيير استراتيجيته في ظل استفحال الطلب على مختلف المواد من جيراننا ،وإذا لم يقابل بعزيمة وإرادة حديدية من الجهات المسؤولة فإنّ الأوضاع ستعرف منعرجا خطيرا ، ولا بدّ أن تعمل على استرجاع هيبة الدّولة وتطبيق القانون على الجميع ، ومحاسبة كل المقصّرين في أداء مهامهم المنوطة بهم حفاظا على اقتصاد الوطن الذي تحوّل إلى ضرع مدرار ومغزار لعصابات التهربين الذين ماانفكّ عددهم يزداد من حين لآخر،بينما يعاني أبناؤه مصاعب في التزوّد بشتّى المواد الضرورية وخاصة ذات الاستهلاك الواسع. ع/ع